صفحة الكاتب : اسامة العتابي

وقفـات نقدّيه مع كتـاب العقَـل الفقَهي للكاتب عباس يزدّاني ، ترجمَة أحمد القبانجي
اسامة العتابي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
إنّ مَسألة فهم الدّين والمُتطَلبات المُعاصرة للفرد والمُجتمَع والعلاقة القائمة بين العقل الفقهي القديم والعقل الفقهي الحدَيث ضمن نظريات تعدّد القراءة للنص الديني ومَسائل التنوير الفكري والتأثر بالفكر الفلسفي الصوفي ، قد أخذت مأخذها في الحواضر العلمية الحوزوية وخاصة في أيران حيث كتب الكثير بين ناقدٍ ومؤيدٍ لتلك النظريات الجديدة الكلامية منها والفقهية والأصولية مع وجود الضبابية الفكرية في كتاباتهم فهُم يتخفون عن القارئ بزّي مألوف ويحتجون عليه بنصَوص دينية يحاولون بها نسف أسَاس ديني فمن العجيب أحتجاجهم بالقرآن مثلاً على الإنتقاص من الأنبياء وغيرها من التناقضات والحديث عنها طويل جداً إلاّ انه من ثمار تلك السّلسلة كان كتاب العقل الفقهي للكاتب عباس يزدّاني حيث ترجمه لنا السَيّد أحمد القبانجي ، ولنا وقفات نقدية حوله بما هو كتاب بغض النظّر عن مُحتواه العلَمي والنصوص المنقوله فيه ، فسَوف نقف عنه مفصّلاً إنّ شاء الله تعالى وبيَـان التناقضات التي وقع فيهَا الكاتب والمترجم .
 
1-  نجد في الكتاب عبارة على غلافه الأمامي وهي (نقدّمَه إلى الاشخاص الذين يعتقدون بوجُوب أدارة الحكومة على أسَاس الفقه) ، ولكنه في جميع الكتاب لم يناقش النظرية الإسَلامية للحُكم بل أنتقد الفقه والمَنهج الفقهي وبعض الامور التي يعتقد أنّــه ليست بحجّة في الإسَتدلال وأنتقد كذلك المجتمع الشيعي وعلماءه ووصَف زيارة الحسين مشياً أنـه عمل تافه كما في (ص 316) دون أنّ يقدّم نظرية جديدة للحُكم سَوى أننا يجَب أن نلجـأ إلى حكومة العقل التي يبدو من آخـر الكتاب أنـه يقصد الديَمقراطية التحرّرية  أي (اللّيبرالية الغربية).
 
2- يبدو أنّ الكتاب هو لشخص حَوزوي شيعي ولكنّـه يذكر أن التشدّد أكتسبه الفقهاء من عمر بن الخطاب وهو ليَس مَصــدراً للتشريع عند الشَيعة مثل قوله ( ص236 ) في وصَف تساهل الائمة بمسألة الحجاب وأنفتاحهم (كما نلاحظ في الشواهد التاريخية أن موقف أئمة الدّين تجاه هذه الموارد والظواهر السلبية كان يقف عند حدّ النصيحة والترغيب بالتوبة. التاريخ الإسَلامي يحدثنا أن الشدّة في هذه الامور كانت من خصوصَيات الخليفة الثاني. حيث كان عمر بن الخطاب يصر كثيراً على فرض الحجاب على نساء النبي وعدَم خروجهن من البيت وكان يشكو من تسامح النبي تجاههن فكان يقول لنسَاء النبي : (إذا كان الامر بيدي فلا عين تراكن) وأشار في الهامش (كان عمر يقول للنبي أحجب نساءك فلمْ يكَن رسول الله يفعل "تفسير المعاني،..) وهذه الأحاديث لم تروَ عن طريق الشيعة بل هي موضوعة من قبل المُخالفين لرفع شأن الخليفة الثاني لأن القرآن نزل بعد ذلك يشدّد على نساء النبي (ص) بالحجاب وكأنما سبق عمر بن الخطاب الوحي في معرفة ذلك، والحُكم لوجدان القارئ ان يفهم هذا الكلام بحسب (سيرة العقلاء).
 
3- أنه يذكر روايات غريبة يؤيد بها مطلبه أحياناً دون أنّ يذكر المصدر واللازم أنه في الموارد الغريبة التي تشكل مفترقاً في القناعات يجب ذكر المصدر لإقناع القارئ ففي (ص233 ) يذكر ما هذا نصه (فقد ورد أن أمرأة جاءت الى رسول الله (ص) تشتكي شاباً اسمه خالد وانه قبّلها. فأحضره النبي فاعترف هذا الشاب بجريمته وقال بأنه مستعد للقصاص، فبما أنني قبلتها فعليها أن تقبلني ايضاً) ولا أعرف الى مستوى من الجرة وصل الكاتب حتى ينسب الى النبي الاستخفاف بأعراض الناس والتهاون في معصية الله سبحانه.
 
4- يبدو أنّ الكاتب أسلامي ولكنّـه ينتقص من القرآن أحياناً ومن الدّين كما وأنـه متناقض في حديثه وأنــه يخلط بين المَصطلحات فسيرة المتشرعة غير سيرة العقلاء وسيرة العقلاء غير حكم العَقل وغير بديهيات العقل كما انه ينقل لنا أشياء خلاف الواقع أصلاً .
 
5- عدم الأمانة في النقل ونسبة جُهود التتبع إلى قائليها فنجد أنـه في (ص34 ) وما بعدها حين يسَتعرض مسيرة الفقه والإجتهاد ينقل ما ذكره السيد باقر الصدر في كتابه (المعالم الجديدة) (ص30 ) دون أن يشير إلى المصدر وتتبع المسيرة الفقهية ونمو التفكير الشيعي عن طريق تتبع مؤلفات الشيعة ليس بالامر السهل ويحتاج الى قدرة ذهنية وتتبع عال ودقة فذة ولو لم أكن مطلعاً على كتاب المعالم لاعترفت للكاتب بسعة الاطلاع وحسن التتبع التاريخي، الا أن غير المطلعين على مصادر الاصول والحديثي لعهد بالثقافة الفقهية ستنطلي عليهم هذه الحيل في الكتابة وهذا ما يجعلنا نكرّر ان عامة الناس لا يمكن لهم تقييم هذه الكتب الوافدة الا بالرجوع الى الوسط الحوزوي. واذا أردنا ان نقيم تتبعه التاريخي فمن هذا النص ص165 (ان المشهور هو ان الامام الصادق (ع) كان لديه اربعة آلاف طالب وتلميذ، فلو كان تلاميذ سائر الائمة مع الوسائط في نقل الخبر ايضاً يتجاوز الرقم الى مئة الف نفر. ومعلوم ان عدد الرواة المذكورة اسماؤهم في كتب الرجال اقل بكثير من هذا العدد من رواة الحديث) ومع الغض عن ضعف التعبير فهي تدل على خطأ في التصور التاريخي فإن الفرصة التاريخية للامام الصادق (ع) تختلف عن الفرص التي اتيحت لسائر الائمة من ناحية انه عاش بين فترة ضعف الدولة الاموية في نهايتها وضعف الدولة العباسية في بدايتها مما أعطاه فرصة لنشر الحديث اوسع من غيره وان تكون له مدرسة واضحة المعالم وحلقات علنية لم تتح الفرصة لمثلها مع سائر الائمة وحتى لو تصورنا ان الرقم مماثل لكل إمام فإن الرقم لا يتجاوز المئة ألف (12 إمام × اربعة آلاف راوٍ = 48 ألف راوي) ومن الطبيعي ان بعض التلاميذ لم يحدث برواية او حدث ولم ينقل لنا وهو شيء طبيعي جداً وليس الفرق بين عدد الرواة وعدد الرجال المذكورين في كتب الرجال بذلك الفرق الذي يصوره لنا الكاتب، خذ مثلاً ان السيد الخوئي (قده) في معجم رجال الحديث يصل التسلسل في كتابه الى اكثر من خمسة عشر الف اسم.
 
6- أنه يبالغ في تصوير بعض الامور ليستفز القارئ والواقع ان المسألة اصغر مما يصورها او الطف او بوصف آخر لو اطلع عليه القارئ لم يستغرب منه. خذ مثلاً قوله ص117 (إذا اراد المكلف الصلاة على الميت السنّي فإن عليه في التكبيرة الرابعة ان يلعنه!) وهذا غير موجود في اللمعة والموجود فيه هكذا (والمنافق يخُتصر على اربع ويلعنه) أي اربع تكبيرات، وفي كتاب الذكرى لمؤلف اللمعه (قده) يصرّح بعدم وجوب ذلك، والحكم مأخوذ من الحديث، عن الصادق (ع) (اذا صليت على عدو الله فقل..) فانظر كيف قلب الكاتب العبارة من المنافق وعدو الله الى السني لأجل اثارة استغراب (القارئ الكريم) ولمعرفته ان قلة من الناس لديه نسخة من كتاب اللمعة وانه متداول فقط في الاوساط الحوزوية.
 
7- أن هناك الكثير من الأشياء التي لا يعرف قائلها ولم ترّد بحسب أطلاعي في كلمات الفقهاء وهي بعيدة عن الذوق الفقهي مطلقاً منها قوله ص 117 (لا يحق لغير المسلمين السكن في جزيرة العرب) ولا اعرف من أي فقيه سمع هذه الفتوى وهم جميعاً يرون عالمية الدين الاسلامي وعدم خصوصية الجزيرة العربية في شيء. وقوله في ص209 (جاء في الرسالات العملية انه اذا شك المكلف بعد الصلاة هل انه شك في اثناء الصلاة بين الركعة الثانية والثالثة، او بين الثالثة والرابعة فعليه ان يأتي بعد الصلاة بركعتين من قيام وركعتين من جلوس، ثم يعيد الصلاة بعد ذلك، وببيان آخر اذا احتمل انه أنقص ركعتين من الصلاة وجب عليه ان يضيف لها ثمان ركعات!) وهذا كذب صريح ولم يرد في أي رسالة من رسائل العلماء والمشهور لدى كل متدين ان الشك بين الاثنين والثلاثة يوجب الاتيان بركعة واحدة مع سجدتي السهو وكذلك الامر في الشك بين الثالثة والرابعة، ولا يعيد الصلاة اذ لا معنى لهذه المعالجات ان كان حكمها الاعادة، وهذه من اعاجيب كتاب العقل الفقهي التي يفسد بها على نفسه، وقد بالغ في تصور عدم اطلاع القرّاء اذ أن احكام الشك في الصلاة مما يجب على المكلف تحصيل العلم بها.
 
8- ان بعض الافهام انفرد بها المؤلف ولا وجود لها في عالم الفقه فلا يحق له إلصاقها بالآخرين بدون دليل .والامانة في التاليف والكتابة شيء مهم .
 
9- قد لاحظت ان بعض العبارات في الكتاب هي نفسها في كتابات احمد القبانجي ويبدو ان احمد القبانجي قد تصرف في متن الكتاب بغير ما يريده الكاتب اذ على طول قراءتي للكتاب الاحظ التناقض بين اسلوبين من الكتابة اسلوب يحاول ان يبرز بمظهر ديني حوزوي واسلوب علماني يترحم على الايات الشيطانية وربما كان الكتاب بأجمعه من كتابة القبانجي او محوراً بشكل كبير من كتاب آخر.
 
10 – وهي النقط الأهم في تلك المحاور ، حيث توجد عبارة في آخر الكتاب فسرت لي بعض الاشياء (ص345) قائلاً  (ملاحظة ختامية من المترجم: هذا الكتاب لم يطبع باللغة الفارسية. وقد توفي مؤلفه فجأة قبل سنتين وهو في ريعان الشباب. وبقي هذا الكتاب على شكل مسودة غير منقحة، وقد حصلتُ على نسخة مصورة منه سراً، فقمت بتنقيحه وترجمته الى العربية وفاء لجهود المؤلف وإخلاصه) وفي هذه العبارة عدة موارد للنظر :
 
أ - أنه لمْ يشر الى أماكن التنقيح بعد أعَترافه أنه نقح النسَخة وكان المَفروض بالأمانة العلمية ان ينقل النص الأصَلي في الهامش.
 
ب - أنه يحاول أن يظهر الكاتب بصورة أنــه قتل بسبب أفكاره مما يجعله بطلاً فكرياً (وقد توفي مؤلفه فجأة قبل سنتين وهو في ريعان الشباب) وهذه العبارة تذكرنا بالقصص البوليسية الغامضة وقوله انه حصل على نسخة مصورة منه سراً.. لا معنى له فلماذا السرية طالما ان المؤلف قد توفي الا اذا اراد اظهار الحكومة الايرانية بأنها ستقضي على كل من يروج هذا الكتاب بعد مؤلفه مع العلم ان الكتاب ليس بتلك الخطورة والحكومة الايرانية تتعامل مع هذا الكتاب وأمثاله بمرونة ولم يسبق ان قتل احد مؤلفي سلسلة الثقافة المعاصرة وهم يذهبون الى ابعد مما ذهب اليه المؤلف المتوفى ان صحت نسبة الكتاب الى مؤلفه، ولكن يبدو انه يريد عدم مطالبته بالنسخة الاصلية للكتاب. ثم اني لم افهم معنى للوصول السري للنسخة وهل هناك وصول علني او نسخة سرية وعلنية!
 
ج - يبدو انه ثمة ارتباط عاطفي بين المؤلف والمترجم اذ نراه يصفه بالاخلاص ولا ندري الاخلاص لأي شيء بينهم وكيف حكم على الطرح (العلمي) فيه بالاخلاص الا اذا كانت هنالك تجربة ومعايشة بينهما.
 
د - انه متمم لكتاب آخر للقبانجي هو كتاب تهذيب أحاديث الشيعة وبينهما كلام متشابه جداً للمتأمل الواعي وهو سابق من حيث الاصدار لكتاب العقل الفقهي مما يستبعد معه ان يكون متاثراً به الا اذا كان القبانجي قد يكون اخذ منه وهو لم يزل مسودة قيد التنقيح وهو شيء ينافي الوفاء لاخلاص المؤلف وحقوق التاليف إذا كانت شخصية عباس يزداني حقيقية غير مخترعة من ذهن القبانجي .
 
هذا ما أردنا بيانه مختصراً ولنا وقفات نقدية مع متون هذا الكتاب كما وأشكر الإستاذ عماد الهلالي على تنويره لنا حول هذا الكتاب ومدى التناقضات التي وقع فيها والحمد الله ربّ العالمين .

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


اسامة العتابي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/09/25



كتابة تعليق لموضوع : وقفـات نقدّيه مع كتـاب العقَـل الفقَهي للكاتب عباس يزدّاني ، ترجمَة أحمد القبانجي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net