صفحة الكاتب : حميد آل جويبر

لماذا هذا الخوف من مواجهة التاريخ
حميد آل جويبر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
أتساءل ، لماذا بلغ الحال بنا حد الاحتراب عندما نقرأ موضوعا نرى انه يمس من قريب او بعيد متبنياتنا العقائدية او توجهاتنا الفكرية ؟ لماذا لا يكون هذا دافعا للبحث والاكتشاف؟ هل في تاريخنا الاسلامي ، في الجزء المشرق منه على الاقل ، ما يدعم هذا التعصب المقيت الذي يمثل احد اسباب تربعنا نحن العرب والمسلمين على عرش اكثر الامم تخلفا ، رغم ان كل سبل الحضارة متوافرة اليوم بين ايدينا فنهدرها الواحدة تلو الاخرى بدم بارد . بمرور الايام اصبحتْ متابعة ردود افعال القراء على مقالات منشورة في عدد من المواقع العربية شغليَ الشاغلَ الذي اسعى من خلاله لاستقراء المزاج العربي العام . ذلك لانني افترض مسبقا بان من اقرأ ردودهم هم شريحة تنتمي الى الطبقة الثقافية المتوسطة كحد ادنى . ولا ادل على ذلك من اهتمامهم بالشان الثقافي والفكري وتخصيصهم الكثير من وقتهم الثمين لمتابعة ما يستجد من كتابات حول هذين الشأنين الفاعلين لاثراء ثقافتهم العامة . باعتباري احد الذين يوجه اليهم يوميا شتى انواع السباب المقذع وتهم بالطائفية المقيتة ، الى جانب عبارات الاطراء المبالغ به احيانا بسبب ما اتطرق اليه من مواضيع يشعر البعض انها حساسة وتضرب في صميم التوجهات والمعتقدات وما اكثرها في واقعنا الاسلامي والعربي الراهن ،  باعتباري احد هؤلاء ، اقولها بكل صراحة انه لا السباب يشعرني بالاسف على ما كتبت ، ولا كلمات الاطراء تحفزني على التمسك بما اتبناه ، ذلك لاني اؤمن ايمانا راسخا بان رضا الناس غاية لا تدرك ، وهذا الرضا المطلق لم تظفر به شخصيات غيرت وجه التاريخ منذ كتابته والى يومنا الحاضر ، فضلا عن ذلك فانني اليوم فكريا لست كأنا في غد منطلقا من حقيقة ان "المغبون من تساوى يوماه" ،  فمن انا ؟ وما خطري لآسى من كلمة تجريح ؟ او افرح بعبارة مديح ؟ الامام علي عليه افضل الصلاة والسلام قبل ان يسب على منابر الامويين سبعين عاما ، كان يواجه باقذع الالفاظ وهو يتحدث من منبر رسول الله "صلعم" وكان يواجه ما نعتبره اليوم اساءات بصدره الرحب الذي وسع زمانه المرير . كم من مرة قاطعه الخوارج بعبارة "كافر ما افقهه" فماذا فعل بشان هؤلاء؟ وكيف تصرف لاخماد جسارتهم واسكات افواههم ؟ هل هبط الى مستواهم وقابلهم بالمثل وهو ان شاء ذلك فعل ، فهو ابلغ المتكلمين على مدى العصور ؟ هل بعث بِشَرَطَتِهِ لوضع الجامعات في ايديهم وهو امير المؤمنين الآمر الناهي ؟ لا هذا ولا ذاك ، ولا شيء من هذا أو ذاك . اذ يحكي لنا التاريخ ان اصحاب الامام الخلّص همّوا بمعاقبة هؤلاء المتجرئين فنهاهم الامام قائلا "انما هو سب بسب او عفو عن ذنب" فما زال يعفو عنهم الامام الهمام حتى ارهقوا دولته نصبا بحرب ضروس مكنه الله منهم ومن فتنتهم . والموضوع في غاية البساطة لدى روح سامية كروح الامام، لانه كان واثقا من نفسه ومن ايمانه ولا يعنيه لو ان اهل الارض جميعا صاحوا بصوت واحد " علي بن ابي طالب كافر وابن كافر" كما قيل امس ويتردد اليوم . ما يجري من مطاحنات مريرة على مواقع الانترنت المعنية بنشر مقالات سياسية او فكرية حقا امر مثير للشفقة  ويستحق منا جميعا العناية المركزة علـّها تفرز حلولا ناجعة لهذه الظاهرة المتفاقمة التي تعكس شعورنا الحقيقي ازاء من نختلف معه في راي او فكرة . والانكى من كل ذلك ان التطاحن بين المعلِقين يُستدرج في الكثير من الاحيان الى منحدرات خطيرة هي ابعد ما تكون عن الحضارة والتمدن فتنطلق الكلمات البذيئة والفحش الذي لا يتناسب ومستوى طبقة ثقافية قلنا انها متوسطة او ارفع من ذلك ، واول ضحايا هذا السباب السوقي هي طوائف المسلمين ورموزهم . في مقال لي القيت ضوءا تاريخيا مجردا على سيرة حياة الراوي ابو هريرة الذي يعتبره الكثير صحابيا جليلا واعتبره انا والكثير ممن تجرد ونقـّب عن تاريخه ، ان من التجريح بحق الرسول الكريم ان يكون شخص كابي هريرة صحابيا له فضلا عن ان يكون جليلا. واساس المشكلة طبعا ان شريحة واسعة من المسلمين ترى ان كل من صحب النبي محمدا "ص" ، كائنا من كان ، يستحق ان نطلق عليه اسم صحابي وقد تُردف احيانا بكلمة جليل لكثرة الاستعمال . اسال هؤلاء ،اذا كان الامر كذلك اذاً فيمن نزل اكثر من عشر ايات قرآنية - حسب علمي المتواضع –  وسورة قرانية كاملة هي سورة "المنافقون" التي تشير الى انتشار مندسين بين صحابة الرسول الاجلاء كان همّهم الوحيد اطفاء نور الله ؟ وكلنا يعلم تماما ان كلمة منافق تعني فيما تعني اظهار شيء هو خلاف حقيقته في الباطن ، وهذا بحد ذاته يعني ان كل من كان يرى هؤلاء تعجبه اجسامهم وان يقولوا يسمع لقولهم . ثم اني اتساءل لماذا هذه النظرة القدسية لاشخاص خلقهم الله من لحم ودم كما خلقنا ؟ فممنوع التطرق لتاريخهم . وممنوع استعراض منجزهم . وممنوع المرور على صراعاتهم التي نشبت بينهم وادت الى مقتل آلاف المسلمين آنذاك اي ما يساوي الملايين في هذا الزمان قياسا بعدد نفوس العالم اليوم . واللافت في مقالي الذي تناولت فيه ابي هريرة انني استقيت اكثر من نصف المعلومات الواردة فيه الى المحقق الاسلامي السني الازهري الشيخ محمود ابو رية تغمده الله في فسيح جنانه ، ولكي لا ابخسه حقه العلمي وضعت عنوان المقال شبيها الى حد ما بعنوان كتابه . اذاً لماذا كل هذا النيل من طائفة مسلمة يتجاوز عدد افرادها مئة وخمسين مليون كلهم يشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله . هل يكفي ان تستعرض تاريخ شخص عاصر الرسول بطريقة علمية حتى تُكفّرَ وتخرجَ من الملة ؟ هل يكفي ان تستعرض تاريخ واحد ممن عاصروا الرسول لتعتبر انت وطائفتك عن بكرة ابيك وابيها سبّابين لعّانين للصحابة اجمعين اكتعين بلا استثناء ؟ فاي ظلم هذا ؟ ثم ، من لديه صلاحية اخراج الاخر من هذه الملة ؟ واذا كان من شخص يستحق ان يكفّرَ في هذا الموضوع، فهو الشيخ ابو رية الذي لو قراتَ كتابَه لملئت رعبا ولوليت فرارا واتهمته بالرفض ، وهو غير خاف على احد ، شخصية سنية لا تملك الا ان تخلع لها قبعتك للجهد الكبير الذي بذله في تاليف هذا السفر الخالد واعني به " شيخ المضيرة ابو هريرة " . واذا كان صدرك لا يتسع لهذا السفر، فماذا ستقول لو قرات كتاب "الامام علي " للمؤلف المصري الكبير عبد الفتاح عبد المقصود الذي اعتبرُه سن سنة جديدة للكتابة التاريخية . ماذا ستقول عنه ؟ هل يكفي ان تتهمه بالرفض ثم تطبق دفتي الكتاب بقوة ؟ ارجوك ارهق نفسك قليلا وابحث عن الحقيقة في هذا الكتاب الذي تم تغييبه تعمدا عن المكتبات في البلدان العربية . لكن اتمنى عليك ان لا ترهق نفسك في البحث عن انتماء صاحبه الطائفي فقد رحل عبد الفتاح عبد المقصود من هذه الحياة وهو يعبد الله على مذهب اهل الجماعة . اما ثالثة الاثافي التي لا امتلك الا ان اشير اليها ولو على عجالة وهو موضوع تحسس البعض من التعرض للقضايا التاريخية بحجة انها تثير النزعات الطائفية وتضعف الامة وتعين اعداءها عليها. اقول لهؤلاء النفر ان ما يثير النزعات والنزاعات الطائفية ويضعف الامة ويقوي عليها اعداءها هو اما تجاهل التاريخ او تقديس صفحات كتب ينافس تقديس صفحات القرآن الكريم . هذا القرآن الطافح بقصص الغابرين ، حتى ان بعض المتجرئين راح ينتقده بسبب تكرار عرض تجارب الامم السالفة فيه. فاذا كان نبش التاريخ بهذا السوء الذي تزعمون ، اذن لماذا تطرق القرآن لقصة آدم وموسى وفرعون وآخرين عشرات المرات ؟ ولماذا افرد لبقرة اليهود سورة كاملة فيها من التفاصيل ما جرأ البعض على نقدها . وان شئت ان تطلع على جوانب من هذا النقد المتطاول فما عليك الا ان تقرا كتاب " محنتي مع القران " لعباس عبد النور وهو لا يخفى على احد عالم ازهري بلغ من العلم والمعرفة بالدين واصوله وفروعه ما لم يبلغها الكثير من مشايخنا كثر الله من امثالهم . باختصار التاريخ عبرة فمن شاء فليعتبر ، ومن شاء فلينظر الى هذا التاريخ كقطعة اثرية في متحف محفوظة بطبقات من الزجاج المعتم التي لا تشف عمـّا وراءها من سيرة اجدادنا العظام

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حميد آل جويبر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/01/22



كتابة تعليق لموضوع : لماذا هذا الخوف من مواجهة التاريخ
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net