صفحة الكاتب : محمد جعفر الكيشوان الموسوي

الدعاء بظهر الغيب بدل الغيبة ـ الجزء الأول
محمد جعفر الكيشوان الموسوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

يؤكد علماء النفس والتربية على العلاج بالأضداد للتخلص من العادات السيئة والسلوكيات غير الصحيحة التي تحطم النفس البشرية وتحملها على التمادي والإستمرار في الإنحطاط الأخلاقي وفعل القبائح وإجتراء السيئات، وبالتالي لا يسلم أحد من أذى أحد فالكل يرى فيه الكمال والعلم وفي غيره النقص والجهل. ليس فقط أذى اللسان وانما قد يتطور الأمر ـ بغياب العقلاء ـ إلى الضرب باليد وربما بغير اليد وتحصل معارك دامية بسبب كلمة طائشة تحولت إلى رصاصة قاتلة. نشرح أكثر ونقول أن الذي يعينيه علماء النفس والتربية هو اني ـ على سبيل المثال ـ لو كنتُ أميل بكتفي الأيمن نحو الأسفل عند المشي فعلاج ذلك يكون بمحاولة الميل بالكتف الأيسر بدل الأيمن ليستقيم الكتفان وأمشي بإتزان ودون أدنى ميلان، لا على اليمين ولا على اليسار. مثال آخر هو أني ـ وفعلا كنتُ كذلك ـ أتخوف كثيرا عند الصعود إلى الأماكن المرتفعة كالجبال والمرتفعات أو الملوية في مدينة سامراء العزيزة أو أعالي السطوح والأبراج الشاهقة. إزالة هذا التخوف لا يكون إلاّ بالصعود إلى تلك الأماكن التي تصيبني بالدوار كلما فكرت بها وحتى قبل الصعود إليها. هناك ما لا يخفى على القاري الكريم الكثير من الناس ومن مختلف البلدان يتخوفون من صعود الطائرة ويبقون سنين طويلة لا يسافرون على متن الطائرة. كان جارنا في النجف الأشرف رحمه الله يخاف ركوب السيارة فبقى كل عمره يزور المولى أبا عبد الله عليه السلام من بعد. يعالج هذه الحالة أخصائيون نفسانيون من خلال الشروحات الوافية وتذليل الصعوبات  البالغة لتزول تلك المخاوف ويحل محلها الإطمئنان ولكنها لن تزول إلاّ بصعود أو ركوب الطائرة في نهاية المطاف. كنت في إحدى السفرات ذاهبا إلى الشام للزيارة وكان يجلس بالقرب مني رجل أربعيني ويقف أمامه أحد المضيفين وهو يشرح له بشكل مبسط كيفية طيران الطيارة : الآن بدأ محرك الطائرة بالعمل، والآن بدأت الطائرة بالسير عل الأرض كأنها سيارة عادية، بعد دقائق قال له : الآن سوف ترتفع قليلا عن الأرض لتبدأ الطيران، ولما أستوت الطائرة قال له المضيف : أنظر إنها كسمكةٍ تسبح ولكن في جوّ السماء ويحملها الهواء، ويواصل التحدث مع ذلك الراكب القلق : كل شي بدأ إنسيابيا وإستمر إنسيابيا بلطف الله تعالى وحسن عنايته. ثم سأله : هل لا زلتَ قلقا ومتخوفا من الطيران سيدي؟ فأجابه لفوره : لا.. أبدا أيها المحترم فقد شرحتض لي وساعدتني بما فيه الكفاية وزيادة. الشرح والعلاج النظري هو تمهيد لبداية العمل وممارسته وتطبيقه. عدم التدرب على قيادة السيارة سوف لن يجعلك سائقا بمجرد الدراسة النظرية لكيفية التحكم بالمقود أثناء السير أو إستعمال الفرامل عند الضرورة أوالمناورة الصحيحة أثناء القيادة حتى لو كنت من كبار مهندسي صناعة السيارات. الجانب العملي التطبيقي لا يمكن تجاوزه وإهماله في حياتنا اليومية. أرجو قد فُهم القصدُ من هذه المقدمة المختصرة التي أريدها كمدخل مهم لإحدى أكثر العادات والسلوكيات قبحا وهي الغيبة. الغيبة تهدم النفس البشرية ذاتها قبل أن تهدم المجتمع إن إنتشرت فيه بلا رادع كما يحصل الآن. والرادع هو النصيحة فليس عندنا غير النصيحة وليس عندنا أغلى من النصيحة لنجود به. النصيحة هي دين واخلاق وهي ليست أقلّ ما يملك المرء ويهديه أحبته. بل يكون أحيانا وزن النصيحة ذهباً. فكم من نصيحة دخل من سمعها الجنّة وفاز.. القصص في هذا الشأن كثيرة ولا نريد تكرارها هنا، ويكفي قصة تلك المرأة  بائعة الهوى ـ أجلّ الله السيدة القارئة ـ حينما طرق بابها ذلك العابد الذي نصحه إبليس اللعين ـ خدعه ـ بأن يذهب إليها ويفعل المنكر معها ومن ثم يستغفر الله على فعلته ويظهر للمولى تعالى الندم ويعاهده على التوبة ويداوم على الإستغفار ليكون قريبا من الله تعالى. والخلاصة أنه عندما ذهب ذلك العابد وطرق باب تلك المرأة عرفته ونصحته وقالت له : إرجع ادراجك واستحِ من ربك فأنت رجل صالح لا يليق بك ولا بمقامك ما أفعله أنا. إذهب وإستغفر ربك. رجع الرجل إلى مصلاه ومسجده وفي الليل توفيت المرأة فأمر الله نبيه موسى على نبينا وآله وعليه السلام ان يحضر جنازتها ويمشي في تشييعها. لا أريد الكتابة تفصيلا عن هذه وغيرها من القصص التي تبين لنا قيمة النصيحة ومعنى حسن العاقبة والتحرز من إغواء ووسوسة شياطين الإنس والجن. تنتشر الغيبة بين أو ساط الناس بمختلف توجهاتهم ودرجات تدينهم بشكل ملفت حقا. هل يستطيع أحد المحترمين ان ينفي الغيبة عن طبقة معينة عدا أولئك الذين اعتنوا بأنفسهم وراقبوها فزادهم الله ايمانا! قطعا لا مع كل إحترامي وإجلالي لمن يختلف معي. معلوم للسيد القاري الكرين آثار الغيبة التي شبهها الحق سبحانه بأكل لحم الميتة "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ". قلت لأحد الشباب وكان يشغل نفسه كثيرا بمراقبة الناس : سوف تصل بالنتيجة أن تغتاب كل من يمر امامك فأنت تدرب نفسك وتمهدها لفعل ذلك. تركته بأدب وانصرفت عنه. في اليوم التالي : أبلغني من بقي معه في المجلس أنه فعلا قد إغتابني بعد ذهابي وقد كان يظهر لي بشاشة الوجه ويسمعني عذوبة لسانه ويتظاهر بمزيد من الإحترام فقلتُ للآخر : وانت قد مشيت بالفتنة ولم تحفظ ماء وجه مجالسك ان لم يكن صديقك.. هلاّ سترتَ عليه عيوبه يا سيدي!!
 سلسلة القبائح مترابطة الحلقات وبِلِحامٍ محكم وكل حلقة توصلك بالأخرى، والنتيجة هي ذات السلسة  تكون غدا طوقا من نار يلتف حول العنق. إن أفضل علاج للغيبة من الناحية العملية هو أن نميل إلى الجهة المعاكسة للغيبة وهي الدهاء بظهر الغيب لكل من كنا نستغيبه ونظهر ما ستره الله عليه. تماما كالميلان بالكتف إلى الجهة اليسرى الذي ذكرناه في المقدمة. كي لا نشغل القاري الكريم بمزيد من المطالعة فهناك إلتزامات بحضور مجالس الحزن والعزاء لسيد الشهداء صلوات الله عليه. نكتفي بهذا الجزء المختصر على أمل ان نكمل الموضوع في قابل الأيام إن شاء الله تعالى, 
أعظم الله لكم الأجر وأحسن لكم العزاء وجعلنا وإيّاكم من السائرين على نهج الحسين عليه السلام ومن المتمسكين بولاية مولى الموحدين امير المؤمنين عليه السلام. ولا تنسوا كاتب هذه السطور من صالح دعواتكم. والله وليّ التوفيق.
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد جعفر الكيشوان الموسوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/08/16



كتابة تعليق لموضوع : الدعاء بظهر الغيب بدل الغيبة ـ الجزء الأول
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net