صفحة الكاتب : نزار حيدر

الصدر يعتزل، والأحزاب تتكاثر أميبيّا (2) والأخيرة
نزار حيدر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
   بشأن ظاهرة التكاثر الأميبي للأحزاب في العراق، قلت:
   هناك أسباب عديدة لهذه الظاهرة، وقبل ان أشير اليها، اود ان أعرج على الملاحظات المهمة التالية:
   اولا: ليس في العراق، منذ التأسيس عام 1921 ولحد الان، عمل حزبي بالمعنى المتعارف عليه في العالم، وإنما فيه ظاهرة التيارات، وهي في حقيقتها ثلاثة تيارات، القومي واليساري والديني، فترى الناس تتقلب في هذه التيارات حسب الظروف السياسية، وقاعدة الغلبة، فترى، مثلا، عندما يشتد عود التيار اليساري في الشارع، يجرف حتى المعمم الى صفوفه، وعندما يشتد عود التيار القومي يجرف معه حتى اليساري، واليوم عندما اشتد عود التيار الديني جرف معه الاثنان، واقصد بهما اليساري والقومي، بل وربما حتى غير الملتزم دينيا، ولذلك ليسمح لي العراقيون ان أقول هنا حقيقة في غاية الأهمية، وهي ان الشارع العراقي، باستثناء ما خرج بدليل، تنطبق عليه المقولة (على حس الطبل خفّن يا رجليّة) و(الناس على دين ملوكهم) وكذلك مقولة ان (الناس مع القوي) ولذلك رأينا كيف ان القيادي في التيار اليساري ينقلب فجأة ليكون في اليوم الثاني قياديا في التيار القومي او الأخير في التيار الديني، وهكذا، ما يؤكد حقيقة انعدام أصول العمل الحزبي في العراق وغياب الحياة الحزبية المتعارف عليها في البلاد الاخرى.
   ثانيا: لقد دمّر الطاغية الذليل صدام حسين ما كان موجودا من الحياة الحزبية تدميرا كاملا، من خلال تبنيه لنظرية الحزب القائد وإلغاء بقية الأحزاب، كونه نظاما شموليا، بل محاربتها والقضاء عليها بحملات الإعدام لقادتها وكوادرها، وبالمطاردات التي أجبرت قادة وكوادر الأحزاب والحركات على هجرة ارض الوطن واللجوء الى مختلف دول العالم، الامر الذي غيّر الكثير من معالم هذه الأحزاب، كما غير من هيكلياتها وقناعاتها وبرامجها وغير ذلك.
   انه عمل على تدمير أصول العمل الحزبي من القواعد، فخرَّ عليها السقف.
   وما ساعد الطاغية على تحقيق هدفه في تدمير المتبقي من الأحزاب، هو ظاهرة الخداع التي ابتليت بها بعض الأحزاب السياسية، عندما وافقت، في فترات زمنية متفاوتة، على التحالف او الحوار معه، خاصة الكردية واليسارية، ما مكّنه من كشف هيكلياتها وتنظيماتها ليسهل عليه تدميرها، او على الأقل ضربها ببعضها وتمزيقها، من جانب، واستفراده بالمتبقي من الأحزاب من جانب اخر.
   ثالثا: ولكون هذه التيارات الثلاثة تنطلق من جوهر واحد، فهي تيارات أيديولوجية بامتياز، ولذلك مرت بنفس المشاكل واشتركت بنفس الأمراض، ولعل من ابرزها ظاهرة الانشقاقات والتكاثر الأميبي، وظاهرة الاستبداد والديكتاتورية.
   كما انها تشترك، بالمجمل، في نوعية التشكيلات والمسميات الحزبية، لانها أخذت، بشكل عام، بالتجربة الشرقية للأحزاب، ولم تأخذ بالتجربة الغربية.
   نعود الى الحديث عن الظاهرة الأميبية في العمل الحزبي في العراق، فبرأيي ان هناك عدة أسباب لعل من أهمها:
   الف؛ انها احزاب غير وطنية، والمقصود بذلك، انها لا تعتمد المواطنة كمعيار للانتماء الى صفوفها، فهي اما احزاب دينية او مذهبية او إثنية، ما يغلق حرية الاختيار امام المواطن، فهو، اذا ما أراد ان ينتمي الى حزب ما، فهو مُجبر على ان يختار الحزب الذي يتخذ من دينه او طائفته او قوميته معيارا للانتماء في صفوفه، اي انه مجبر على ان يصمم خياراته على اي قاعدة باستثناء قاعدة المواطنة.
   حتى الأحزاب اليسارية، الشيوعي مثلا، تحكمت فيه هذه الظاهرة، كما يشير الى وجود الطائفية والعنصرية في الحزب الشيوعي، مثلا، اكثر من واحد من قادته في مذكراتهم المدونة والمنشورة، فضلا عن تشكل عدد من احزاب اليسار على أساس القومية، كما هو الحال في الحزب الشيوعي الكردستاني مثلا.
  باء؛ انها احزاب غير ديمقراطية، ولذلك فان كل شيء عندها بمثابة التراث، فنظامها الداخلي تاريخي وهو تراث يجب المحافظة عليه، وقياداتها تاريخية وهي تراث يجب المحافظة عليه، ولهذا السبب فهي تعاني من عجز مستفحل في تطوير المناهج والأساليب والأدوات، الا ما تفرضه عليها الظروف فقط، فهي لا تمتلك القدرة على التخطيط المستقبلي بما يمكّنها من استيعاب التطوير بشكل انسيابي ومن دون عمليات جراحية او ولادات قيصرية، ما يعرضها الى مشاكل الانشقاقات والأزمات والتمزقات الداخلية.
   وإذا أضفنا الى هذه الحقيقة، ظاهرة اعتمادها على الرمزية بشكل مرعب، من خلال تكريس ظاهرة عبادة الزعيم او القائد، فسنتصور حجم الخسائر التي يمنى بها الحزب حال غياب الرمز، ولعل في تجربة الاتحاد الوطني الكردستاني، التي يمر بها منذ اكثر من خمس سنوات ولحد الان خير نموذج واضح على هذه الحقائق.
   ان ظاهرة الرمزية احد اخطر الأمراض التي مني بها المجتمع العراقي، خاصة منذ سقوط الصنم ولحد الان، لما أتاحه له الوضع الجديد من حرية في الاختيار لدرجة انه تحول الى ظاهرة واضحة لقول الله عز وجل {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}.
   جيم؛ انها احزاب تحكمها العقلية العشائرية، ان بالفعل او بالقوة، بالفعل عندما تتداول أسرة او عشيرة قيادة الحزب جيلا بعد جيل، اما بالقوة فعندما يتهيّأ الحزب الى التحول لهذه الظاهرة في اقرب فرصة ممكنة تهيؤها له ظروف السلطة مثلا، فضلا عن ان العقلية العشائرية هي الظاهرة التي تتحكم في طريقة ادارة هذه الأحزاب وأسلوب القيادة وفي التحالفات وغير ذلك، والتي انتقلت الى الدولة بكل مؤسساتها.
   19 شباط 2014

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نزار حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/02/20



كتابة تعليق لموضوع : الصدر يعتزل، والأحزاب تتكاثر أميبيّا (2) والأخيرة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net