صفحة الكاتب : علي جابر الفتلاوي

شباب الثورة في مصر ( اسأل مجرّب..ولا تسأل حكيم )
علي جابر الفتلاوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
يقول المثل العربي في العراق ( اسأل مجرب .. ولا تأسل حكيم ) نحن العراقيون خضنا تجربة مريرة مع الطغاة وعلى رأسهم طاغية العصر صدام المقبور وحزب البعث المندثر ، ومع من يقف خلفهم من قوى اقليمية او دولية ،فثورة الشعب العراقي عام ( 1991 ) والتي حدثت في شهر شعبان فسميت ( الانتفاضة الشعبانية ) ،كلنا نعرف ان هذه الانتفاضة الشعبية التي شملت جميع شرائح المجتمع العراقي وغطت مساحة العراق بأجمعه تقريبا ، والتي كادت ان تطيح بنظام صدام المتهالك الذي خرج من حرب الكويت مترنحا ، لولا أعطائه جرعة الحياة مجددا في الوقت الضائع من قبل نفس القوات التي هاجمته في الكويت واخرجته بالقوة ، اذ سمحت اميركا لصدام بأن يستعيد جزءا من قوته لمواجهة الانتفاضة الشعبانية عام 1991 وبدفع من دول الاقليم الطائفية خوفا من قيام نظام حكم عراقي يستند الى الارادة الشعبية ، لان ما تخشاه الانظمة السلطوية في العالم العربي هو نظام الحكم الذي ينبثق عن ارادة شعبية ، والدليل على ذلك هو هلعهم الشديد اليوم من الثورة الشعبية في تونس ومصر ، ونفس هذا الخوف هو الذي دعا اميركا ايام الانتفاضة الشعبانية ان تقف الى جانب صدام المقبور رغم جرائم صدام في الكويت ، وتقف موقفا غير مشرف ضد الشعب العراقي وبتأييد من دول النظام العربي ، واليوم نرى الموقف الاميركي من الثورة في تونس ، والثورة الشعبية المتصاعدة في مصر ، اذ تطل علينا اميركا في كل يوم بموقف جديد وبدعم من حلفائها في المنطقة ، علّهاان تنقذ حليفها حسني مبارك ، واذ يئست من انقاذه تحاول انقاذ النظام بتغيير بعض الوجوه ، وليكن في علمنا ان اميركا قد تتخلى عن اشخاص من اصدقائها على امل استبدالهم بآخرين ، لكنها لا تتخلى عن النظام الذي تدعمه بسهولة ، فهي عندما تخلت عن شاه ايران وعن صدام ، واليوم تخلت عن زين العابدين بن علي ، وهي في طريقها للتخلي عن حسني مبارك ، فهي على امل ان تحتوي الوضع الجديد بشخصيات صديقة جديدة ، تؤمن لها مصالحها ، وهذا منهج ثابت في السياسة الاميركية ، ونحن العراقيون قد خبرنا وجربنا السياسة الاميركية هذه منذ حكم البعث المقبور في العراق عام 1968 ولغاية سقوط صدام المقبور ، وخبرناهم ايضا خلال وجودهم في العراق من خلال تعاملهم اليومي مع الشعب العراقي ولغاية هذا اليوم ، فالشخصية التي يتعاملون معها لا يهمهم موقفها من الشعب العراقي او موقفها من الحكومة العراقية المنتخبة ، بل الذي يهمهم موقف هذه الشخصية منهم وكيف تتعامل معهم ، فكثير من الشخصيا ت التي تعمل بالضد من مصلحة الشعب العراقي يتعاملون معها بسلاسة ويسر لانها تخدمهم وتخدم مخططاتهم في العراق ، وقد عانينا نحن ابناء العراق الكثير من هذه الحالات ، واصبحنا اصحاب تجربة في ذلك ،وحتى عندما تتخلى اميركا عن الاشخاص من اصدقائها ، فهي انما تتخلى عنهم بفعل امرين ضاغطين قويين ، الاول وجود ثورة شعبية ترفض هذه الشخصية والنظام الذي تمثله كما حصل في ايران عندما تخلت اميركا عن شاه ايران ، وفي تونس عندما رفض الشعب التونسي زين العابدين بن علي ، وكما يحصل الان في مصر عندما رفض الشعب المصري مبارك ونظامه ، والامر الثاني الذي يدفع اميركا للتخلي عن اصدقائها هو عندما يخرج الحاكم الحليف عن الدور المحدد له في المنطقة وفي البلد الذي يحكم فيه ، ويتجاوز حدود المسموح له من تحركات ، كما حصل مع صدام خلال سني حكمه ، اذ تجاوز حدود الدائرة المسموح له بالتحرك فيها ، فكانت النتيجة الغزو الاميركي للعراق عام 2003 ، وقد اتخذ قرار الغزو بناء على اتفاق بين اميركا وحلفائها من دول الاقليم ، وكذلك بدفع من الكيان الصهيوني المستفيد الاكبر من كل هذه التحركات ، لهذا السبب فقد قررت اميركا ان تغيّر صدام بالقوة على امل المجئ بنظام في العراق يخدم اميركا وحلفاءها ، لكن ( تجري الرياح بما لا تشتهي السفن )اذ ان وعي الشعب العراقي هو الذي فوّت الفرصة على اميركا  وحلفائها ، الامر الذي دفع ببعض دول الاقليم للوقوف بوجه النظام الجديد في العراق ، الذي قام على مبادئ الحرية والديمقراطية واحترام الارادة الشعبية ، رغم التدخلات الاميركية لصالح فئات اواشخاص معينين لا يؤمنون بالوضع الجديد ، كما انهم لا يتقاطعون من الناحية العملية مع نظام صدام المقبور لكنهم مختلفون معه شخصيا عندما كان في الحكم ، ورغم موقف بعض دول الاقليم بالضد من ارادة الشعب العراقي وتدخلاتهم في شؤونه بوسائل متعددة آذت الشعب كثيرا ، وهذه اللعبة اصبحت مكشوفة للشعب العراقي ، من خلال التدخلات الاميركية وكذلك دول الاقليم لصالح هذه الجهات ، التي تريد تغيير الوجوه مع الابقاء على اصل النظام وبوجوه جديدة حتى وان تغير الاسم ولبس ثوبا جديدا ، اللعبة هذه تمارس الان في تونس ومصر والتأكيد الاكثر على مصر لانها دولة محورية ، ونتائج الثورة الشعبية ان تحققت ستغيّر كثيرا من الموازين ، خاصة فيما يتعلق بالكيان الصهيوني ، وعلى الشعب المصري ان يقف بكل قوة واستبسال بوجه هذه اللعبة لتفويت الفرصة على رموز النظام ومن ورائهم دول النظام العربي المهزوز ، ، اصحاب المصلحة في هذه اللعبة ، وعلى الثوار في مصر الاستفادة من تجربة العراق في هذا الخصوص ، اذ وقف الشعب العراقي بكل اطيافه بوجه هذه الرغبة الاميركية والمدعومة من دول الاقليم التي تتحرك بدوافع طائفية احيانا او بدافع الخوف من التجربة السياسية الجديدة في العراق احيانا اخرى ، واليوم اذ نعيش احداث الثورة في مصر وتونس  . اذ تحرك الشعب التونسي البطل ضد بن علي ونظامه وقذف به خارج الحدود ، تخلت اميركا بكل سهولة عنه ، لكنها تبذل جهودا حثيثة للمحافظة على اطر واسس النظام ومحاولة المجئ بوجوه جديدة لا تختلف عن بن علي الا في بعض الترميمات غير الجوهرية ، لغرض الالتفاف على الثورة ، ومصادرة نتائجها التي قامت من اجلها ، وهذا الامر يجري بالنسبة لثورة الشعب المصري ايضا ، ولكن باهتمام اكبر لأهمية مصر في المنطقة وخاصة بالنسبة للكيان الصهيوني، هذه الثورة التي اربكت الاميركان ، وهزت عروش الحكم العربي في المنطقة ،وارعبت الكيان الصهيوني  اذ تعتبر الثورة المصرية من اكثر الثورات في المنطقة تعرضا للضغط والالتفاف ، لاهمية النظام المصري بالنسبة لاميركا واسرائيل ،واهمية مصر الستراتيجية في الشرق الاوسط  لدول المحورالاميركي،  و لم نتفاجئ عندما سمعنا قبل ايام الفتوى السعودية التي تدين الثورة في مصر ، وتعتبر القائمين بها من اعداء الاسلام ، ونسأل المفتي السعودي هل يوجد عدوللاسلام اكثر من اسرائيل واميركا ؟ والجواب واضح للشعوب العربية ، لكن هول الصدمة التي احدثتها ثورة الشعب المصري هي التي انتجت هذه الفتوى المضحكة ، وهذه الهلوسة في التصريحات من اميركا واسرائيل او وسائل الاعلام المحسوبة على النظام العربي الخائف من الثورة المصرية ، والثورة التونسية ، وقبلها موقفهم من التغيير السياسي الجديد في العراق الذي جاء لمصلحة الشعب العراقي ، حيث خاض الشعب تجربة مريرة من اجل تحقيق ارادته في التغيير الحاصل ، خاض هذه التجربة العصيبة مع قوات الاحتلال التي ارادت التلاعب والالتفاف على الارادة الشعبية في العراق لمصلحة اصدقائها في داخل العراق وخارجه لتنتج حكما ينسجم مع مصالحها في المنطقة ، ويرضى ويوافق عليه حلفاؤها من دول الاقليم وخاصة الدول التي تتحرك بدوافع طائفية، لكن الشعب العراقي وقف وقفته الشجاعة اذ قاوم ولا يزال يقاوم هذه التدخلات سواء امريكية كانت او اقليمية ، وندعو الشعب الثائر في تونس ومصر للاستفادة من تجربة شعب العراق الذي قاد ثورة شعبية كبيرة عام 1991 ، اذ تعرض لضغط النظام البعثي الدموي ، وللضغط الاميركي ، وضغط دول الاقليم ، فكانت النتيجة القضاء على الثورة ، والقتل الجماعي للشعب العراقي ، والقبور الجماعية هي الشاهد على ذلك ، ولا تزال آثارها باقية لحد هذا اليوم ، وكل ذلك جرى تحت مسمع ونظر الاميركان ، ورجال النظام العربي ،الذي ينتمي اليه حسني مبارك ، وبن علي ، ومن هو على شاكلتهم ، والوقفة الاخرى التي وقفها الشعب العراقي المظلوم هي مابعد الغزو الاميركي للعراق ، اذ ارادت اميركا ودول الاقليم العربي ترتيب نظام على شاكلة نظام صدام المقبور ، ولكن بديكور جديد ، مثل ماتبغي فعله اليوم في تونس ومصر ، وهذا دليل على الاستخفاف الاميركي بشعوب المنطقة ، لكن هذه المحاولة فشلت مع الشعب العراقي ، وستفشل بعونه تعالى في مصر وتونس ،وسينجح الشعب المصري والتونسي في تأسيس نظام يقوم على الارادة الشعبية الحرة بعيدا عن التدخلات الخارجية ، مثل ما وقف الشعب العراقي الذي خبر الاميركان واسلوبهم في المراوغة والالتفاف ، الامر الذي دعاه للالتفاف حول قياداته الوطنية والوقوف بكل قوة وصلابة بوجه الاميركان الذين ارادوا حرف العملية السياسية لصالح الجهات والاشخاص المقربين من الاميركان ومن اقطاب النظام العربي ، وهؤلاء لا يبتعدون كثيرا عن صدام ونظامه الظالم ، فهم في فترة من الفترات كانوا جزءا من نظامه ، وحاول هؤلاء ولا زالوا يحاولون وبدفع اميركي وعربي وطائفي وحتى تدخل تركي الالتفاف على نتائج التغيير في العراق ومصادرة دماء آلاف الشهداء من ابناء الشعب العراقي الذين اثمرت تضحياتهم سقوط نظام البعث في العراق ، كما حاول البعض تحويل الساحة العراقية الى حلبة للصراع الاميركي الايراني ،جرت كل هذه المحاولات على حساب مصلحة الشعب العراقي الذي اسقط نظام البعث بصبره وصموده ، نعم الضربة النهائية كانت بيد اميركية ، لكن هذه الضربة ليست هي التي قتلت النظام ، بل كانت القشة التي قصمت ظهر البعير ، اذ لا يمكن ان ننسى القبضات التي وجهها الشعب العراقي الى صدام ونظامه الجائر ، والتي جعلته يترنح ويسقط خائرا لا يقوى على المقاومة ، كذلك عزلة الشعب عن النظام جعلته يواجه مصيره وحيدا ، اذ وقف الشعب العراقي بعيدا عنه ومتفرجا عليه وهو يتهاوى امام الضربة التي وجهت له من الاميركان ، لان الشعب لا يمكن ان يدافع ويحمي نظاما سفك دماء ابنائه ، وانتهك الحرمات ، وعاث في الارض فسادا لذلك وبمجرد سقوط النظام تحرك الشعب ليسحب البساط من تحت اقدام الاميركان الذين ارادوا حسب مخططهم ترتيب البيت العراقي حسب رغبتهم ومصلحتهم ، ومصلحة دول الاقليم حلفاء اميركا، لكن الشعب العراقي صاحب التجربة لم يسمح لهم بتمرير هذه اللعبة ، وصمم على فرض ارادته ، فكانت عملية الانتخابات الشعبية رغم ما شابها من التفاف لصالح جهات معلومة للشعب العراقي ، ونحن اليوم اذ نرقب ثورة الشعب التونسي ، وثورة الشعب المصري ، ندعوهم ان لا يعوّلوا على الاميركان او على اصدقاء الاميركان من الدول او من المسؤولين في نظام مبارك او بن علي ،لان هؤلاء اساسا انما يريدون مصادرة نتائج الثورة لصالح نظام يتوافق ومصالحهم ، وندعو الثوار في تونس ومصر لانتزاع حقوقهم بالصبر والثبات في المسيرة الثورية ، وطرد فلول النظام السابق الذين يريدون الالتفاف على الثورة ونتائجها ، ولا تصدقوا الاميركان وحلفاءهم من حكام المنطقة بانهم معكم في تحقيق اهدافكم المشروعة بل غايتهم التخدير والالتفاف ، ولابد انكم سمعتم بالفتوى السعودية التي هاجمت ثورتكم واعتبرتكم عملاء لاعداء الاسلام ، وكأن صاحب الفتوى اوحسني مبارك هو الممثل لمبادئ الاسلام ، استفيدوا ايها الثوار من تجارب الاخرين ، واستذكروا تجارب الشعوب في ذلك ، وتجربة الشعب العراقي الذي عانى الكثير من نظام صدام ومن الاميركان حلفاء النظم العربية المتحجرة والظالمة وعدوة الحرية والديمقراطية ، احذروا دعوات ازلام النظام الذين يتقربون اليكم باسم الحوار وتسليم السلطة ، انما هي فقاعات وألاعيب يريدون تمريرها لمصادرة الثورة ونتائجها ، عليكم ان تستفيدوا من المثل العراقي الذي يقول ( اسأل مجرّب .. ولا تسأل حكيم ) ! واخيرا واذ كنت اكتب هذه السطورفي يوم 11 شباط 2011 بعد ظهر الجمعة واذا بالخبر السار يطرق مسامعي بأن الدكتاتور حسني قد رحل وترك السلطة مرغما تحت ضغط الثوار فلا يسعني الا ان افرح للشعب المصري المظلوم واقدم له التهاني الحارة ، واتمنى للشعب المصري الشقيق الموفقية والنجاح في تحقيق اهدافه في الحرية والديمقراطية والحياة الحرة الكريمة ، وتحقيق الرفاهية للشعب المصري وان يجنبه دسائس المتآمرين وان يبعد عنه النفوذ الاجنبي ، واتمنى الحرية لجميع الشعوب المقهورة بحكامها .
  

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي جابر الفتلاوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/02/13



كتابة تعليق لموضوع : شباب الثورة في مصر ( اسأل مجرّب..ولا تسأل حكيم )
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net