صفحة الكاتب : عدي عدنان البلداوي

حصارات محمّد
عدي عدنان البلداوي

مع بداية الدعوة المحمدية كانت قريش تضرم النار في طريق النبي واتباعه وتضربهم بالحجارة وتعتدي على من يقع في قبضتها ، فبثت شريطاً اجرامياً مروعاً للناس يوم اوثقت (ياسر) الرجل المسن وشنقته ، وقيّدت (سميّة) أم عمّار وبقرت بطنها في مشهد لم يكن فيه ادنى درجات الارتباط بالتصنيف البهيمي للسلوك البشري .. ومرّت الأيام ويرحل نبي الأمة فيفاجؤنا التاريخ بوجود سيطرة وهمية للخوارج في بعض الطرق خارج المدينة استوقفوا فيها رجلاً وامرأته فسألوه : كيف ترى علياً قبل صفين ، فقال الرجل هو أمير المؤمنين ، وكيف تراه بعد صفين ، قال: هو أمير المؤمنين ، عندها عمدوا الى بقر بطن زوجته الحامل وقطع رأسه ، وبعدها احتشد الاف القطعان في مجتمعات الضلال يوم عاشوراء ليقولوا للامام الحسين .. انما نقاتلك بغضا لأبيك..
ومرّت الأيام والأعوام ، فاذا اليوم لا يختلف عن البارحة ، واذا بمجتمعاتنا العربية المسلمة تعيش في ظل انظمة فشلت في اقامة دولة ناجحة على الرغم من اعتمادها الاسلام الذي نجح به النبي في اقامة دولته قبل اكثر من الف عام .. أما انظمة اليوم فكانت انظمة لا ترقى الى ادنى مستوى يقدّمه نظام غير اسلامي لمجتمعه في الغرب ..
ففي الوقت الذي تشهد فيه مجتمعات الغرب تعايشاً لمختلف الاديان والاعراق والطوائف ، كانت قريش الضلال تستبدل حجارة الامس التي كانت ترمي بها النبي واتباعه بالعيارات النارية والقذائف والهاونات ، وتضع العبوات والالغام بدل الحطب المحترق ، وبدل (اعلوا هبل) كانت ترفع رايات (الله اكبر) وتطوف حول الكعبة وتعتمد لغة السكين  مع رؤوس المعارضين لها ، وتمول دولتها من سبي النساء وسرقة المتاجر وتهريب النفط ، وفي الدول الداعمة لهذا الشذوذ كانت مناهج التعليم تروّج لمعاداة الفكر الشيعي وتعمل على تهميش الشيعة والتضييق عليهم حد السماح لهم بأدنى درجات العيش في دولهم ، أما في الدول ذات الاكثرية الشيعية فكانت تبعث البهائم المفخخة وسفاكي الدماء والاسلحة المتنوعة والمال ، ثم تسوّق لاعمال ذبح الاسرى واغتصاب النساء وبيعهن بأنها حركة ثوّار ، بينما وصفت الامارات جهود الحشد الشعبي وانتصاراته على داعش بانها مجاميع ارهابية ..
ان وجود المجتمعات العربية المسلمة في ظل هكذا حكومات وانظمة سيجعلها تدفع اثماناً باهضة جدا تبدأ من اضطراب الأمن الى فقدانه ،  ومن اختلاف وجهات النظر الى المشاحنة ثم المعاداة ثم التكفير فقطع الرؤوس والتكبير على زنا النساء وذبح الاطفال الرضع ، ومن (عبد الزهرة ما يدخل الانبار) الى الاعتداء على العتبات المقدسة وتفخيخ المصاحف .. وبشيء من تتبع الاحداث سنجد انحرافاً كبيراً باتجاه تعظيم فكرة التكفير ، فالقاعدة كانت حركة عصابات ارهابية تخطف وتذبح وتفخخ وتنصب سيطرات وهمية على الطرق العامة تصطاد بها المارة وتذبحهم اذا كانوا شيعة وتساوم عليهم اذا كانوا سنّة ، أما داعش فكانت شكلاً اكثر بشاعة واكثر اموالا واسلحة واستعدادات للهجوم على قرى ونواحي ومحاصرة مدن حتى احتلال ثاني اكبر مدينة في العراق بعد بغداد العاصمة ، مقابل هذا التنامي السلبي للضلال لم نجد تناميا ايجابيا لمواجهته من قبل الدولة يرقى لمستوى التصدي والقمع ..
اننا وبعد قراءتنا للتاريخ لا ينبغي ان نستغرب وحشية التكفيريين اليوم بقدر ما ينبغي ان نستغرب كيف اننا لم نقض على كل هذا لحد الآن ، وكيف سمحت حكومة البلاد وحكومة مدينة بلد ان تحاصر مرة اخرى بعد حصار 2005 ومحاولة القاعدة الهجوم والاعتداء على مرقد السيد محمد بن الامام علي الهادي ، لا يبدو ابدا ان هناك دراية ومقدرة على ادارة البلاد ، واني كلما رأيت الاحداث تمشي صوب الانحدار تذكرت قول العلامة السيد محمد حسين فضل الله رحمه الله عندما التقيته في مكتبه في سوريا في 2004 وسألته عن رؤيته للاحداث في العراق فقال (انني لا ارى ان هناك ضوءا في اخر النفق...) ..
ان سوء الاختيار كان وراء وصول اشخاص بلا معنى الى مناصب لها معنى .. وان بقاء الفاشلين في مواقع مهمة في ادارة البلاد سيبقينا مجتمعات تعاني الازمات وتبحث عن لجوء واقامة في بلاد الغرب .. ولعل الشاعر الكبير عبد المهدي مطر رحمه الله يختصر كثيرا مما يدور في نفسي عندما يقف أمام ضريح السيد محمد عليه السلام في بلد منشدا:
كأن ذئابا حوله قد تجمعت   
                         قريش ضلال حيث انت محمد
فعندما لا تستفيد الادارة المحلية لمدينة بلد من احداث عام 2005 ولا تقدم لواقع المدينة ما يجنبها حصارا كالذي تمر به هذه الايام ، وعندما لا نرى الا اعلاما بائسا يدور في شوارع المدينة ويصورها على انها مدينة امنة مستقرة والحياة فيها طبيعية بينما الدواعش على بعد خطوات من منافذ المدينة وعلى مقربة من مرقد السيد محمد ، وعندما نعلم ان واقع المدينة اثبت فشل المسؤولين في امتلاك مشروع سياسي اداري فنراهم يفشلون في توفير ابسط مستلزمات ديمومة المعيشة اوقات الازمات، في مثل هكذا ظروف وفي ظل هكذا ادارات ستبقى مدينة بلد تتعرض للازمات والحصارات ، فقد ايقن اعداؤها صعوبة اقتحامها لكنه ليس من الصعب محاصرتها وضربها بالهاونات وقطع الطريق العام ، المنفذ الوحيد للمدينة الى بغداد ، وعلى الرغم من عديد المحاولات والافكار والكتابات والآراء لانقاذ المدينة والحفاظ عليها وتحصينها فقد كانت الأنا وقلة الوعي في الحكومتين المحلية والمركزية وراء تغييب تلك الجهود ، وكان الحال سيبقى على ما هو عليه أو أسوأ لولا جهود المرجعية الدينية الكبيرة ووفودها الى المدينة لمعايشة واقعها كما هو لا كما ينقله البعض وفق رؤيته الخاصة ومداركه المحدودة ، فجاء دعم المرجعية تعزيزا لمشروع (بلد تنتصر) الذي اعلنه كهول وشباب ونساء المدينة ، فالكهول حملوا السلاح مساندين للشباب المتطوعين ، والنساء في مجالس العزاء الحسيني يرفعن دعواتهن الجماعية الى العلي العظيم ليحفظ مدينة السيد محمد وينصر ابناءها ..
وفي الوقت الذي اعلنت فيه الحكومة التزامها تجاه متطوعي الحشد الشعبي واعتبرتهم من ضمن القوات المسلحة وضمنت لهم الحقوق والمزايا ، تركتهم اكثر من اربعة أشهر بلا رواتب ، ثم كانت جهود المرجعية وتوجيهاتها الى المواكب والاهالي بدعم المجاهدين بالمال والطعام والدم ضخا معنويا وماديا لديمومة الصمود ريثما تنجلي هذه الغمّة ، ان كل هذا الصمود المشرف الذي تعيشه المدينة يحتاج منا الى اعادة النظر فيمن تستحقه المدينة ليكون في ادارة شؤونها متجاوزين الاعتبارات العشائرية وتبادل المصالح الخاصة وتهميش الكفاءات الحقيقية المقتدرة ، واضعين امام اختياراتنا مستقبل ابنائنا الذين لا نعلم الى اليوم ان كان لهم مكان غدا ، ومصير الأيتام الذين قد لا يجدون من يكفلهم غدا.
اذا تجاوزنا هذه الازمات وبقينا على ما نحن عليه منذ 2005 فإن القادم أخطر ... والله خير حافظا وهو ارحم الراحمين....


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عدي عدنان البلداوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/12/01



كتابة تعليق لموضوع : حصارات محمّد
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net