صفحة الكاتب : فلاح العيساوي

رحلة الأحزان
فلاح العيساوي


الليل وحش رهيب، أطفال قلوبهم تخفق خوفا، نساء أيامى وثواكل، خربة لا سقف فيها ولا ضياء، افترشوا التراب والتحفوا ظلمة السماء جميعا، الوسن لا يطاوعهم، فهو مارد عصي عن الحضور، صور الأحباب تمر وكأنها شريط أحمر اللون قاني مثل لون أرض كربلاء، التي اصطبغت في يوم عاشوراء بدماء السعداء، المصير أسود مجهول الهوية، والنهاية ليست كمثل البداية، هن خرجن مع الحماة والغيارى من أبناء الرسول والمرتضى، يحدون بهن على ظهران العيس، في الهوادج مخدرات لا يراهن قمر ولا تحرقهن شمس، لكن رحلتهن من كربلاء إلى الكوفة، ثم إلى الشام كانت محملة بالأسى واللوعة والأحزان والضرب المهين، بنات الرسالة المحمدية، أمسين اليوم سبايا في خربة، أهدين من العراق إلى فرعون الشام، رقية طفلة صغيرة من بنات الحسين، فقدت بصرها بمرض عابر، لم يتسن لها رؤية رأس أبيها وأخوتها تحمل على أسنة الرماح، فتحت عينيها فشاهدت كتل التراب وظلمة الليل الدامس، راعها المشهد المعتم، صاحت والشوق والحنين يحثان الخطى، نحو رؤية ريحانة الرسول وحبيب الزهراء البتول، الهاشميات أمسين لا يعرفن مهرب أو مخرج في سبيل أقناع طفلة الحسين ذات الخمس سنوات، ما زالت رقية تصرخ بقوة الرعد، حتى أضج بكاؤها ونحيبها مسامع ذلك الرعديد، الذي تخيل أن البرق يكاد يخطف أنفاسه، جعل يديه على مسامعه، لكن الصوت الهادر، أريد أبي، عبرّ بين مفارق أصابعه الملوثة بالدماء الزكية، رقية لا يرقّيها غير أحضان أبيها الذبيح من قفاه..
لم يستطع الهجوع، الأرق حالف أصوات رقية، النعاس فارق عينيه، دماء شهداء كربلاء، حرق خيام حرم الرسالة، أشباح تمر أمام ناظريه وخياله، أحدثت الرعب والهلع، حتى بدت تلك الرؤوس الشوامخ فوق رؤوس الرماح، تزلزل جميع أركانه، وهو يسمع منها الترتيل وآيات التنزيل، صورة المظلوم ونظراته تترصده وتتبعه في ذهابه وإيابه، فصاح في أتباعه، أسكتوا صوت الطفلة، أعصابي تنهار لا أريد سماع صوتها المزعج، أريد الراحة والسكينة التي فارقتني منذ قتل الحسين وسبي عياله...
- هي تريد رؤية أبيها الذبيح...
- خذوا إليها أباها!...
حملوا طستا، أسرعوا به إلى الخربة، وضعوه أمام رقية، صاحت: لا أريد الطعام!، أريد أبي، نحّوه عني، أريد أبي!!..
رفعوا الغطاء عن الطست، أمعنت النظر إليه، شاهدت رأس أبيها، صاحت بصوت عالٍ، أبي حسين... من فصل رأسك الشريف عن جسدك، من قطع أوداجك بشفرة السيف، من أحزن المصطفى. من أبكى البتول الزاهرة، من أقرح قلب المرتضى، من أيتمني منك، من حرمني حنانك، من خضب شيبك المهيب؟..
انحنت عليه ضمته بين ذراعيها، أحتضنها وضمها إلى صدره الدافئ، أحس قلبها الصغير بالحنان والأمان، أثرت الرحيل على البقاء في دنيا الأحزان، تمسكت به ورحلت معه إلى برزخ القدس، سكن صوت الطفلة وعم الوجل والبكاء، وأسدل ستار الرحيل على أوجاع الفراق.

ملاحظة: القصة اشتركت في مهرجان السفير سنة 2014 وحصلت على المركز الخامس.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


فلاح العيساوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/11/07



كتابة تعليق لموضوع : رحلة الأحزان
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net