صفحة الكاتب : عقيل هاشم الزبيدي

احتفالية عاشوراء—(في النبطية)---!
عقيل هاشم الزبيدي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

مسرحة التشابيه الحسينية
للمخرج اللبناني\\رئيف كرم
يقول المخرج رئيف كرم(أنا لم أتعامل مع عاشوراء من الداخل ولم آت لاانسفها بل لااثورها من الداخل)-
شغلت الرؤيا المؤدلجة للتشابيه مساحة واسعة في تفسير ظاهرة التعازي الشيعية حتى أصبحنا نتداول تلك التفسيرات وكأنها تمثل واقعا فكريا وهي في الأساس تعتمد على فهم بسيط يرى إن هذه الممارسة تعبر عن الندم العميق عند الشيعة فهم يتحملون مسؤولية ماحدث ويعبرون عن هذه الفاجعة بما يسمى بالتشابيه العرائية(لطم وبكاء وحرق خيم) فقط وفي أماكن عامة مجردة من أي بعد جمالي لفهم حقيقة تاريخية امتلكت مشروعية دينية ودنيوية عبر العديد من الطقوس والتي تتجاوز جميع المضمرات الأيدلوجية إلى مكون صيرورة عاشوراء -
توطئة:إن طوال الحقبة من تاريخ البشرية والتي لعب فيها المسرح دور الموجه والناقد أحيانا ،كان النص الدرامي هو جوهر المسرح ،فتاريخه لايعدو أن يكون تاريخ الشعراء والمؤلفين الدراميين منذ اسخيلوس وسوفوكليس ،وارستوفان حتى شكسبير ،فابسن وبرنادشو حيث يعتبر المؤلف مسرحيته هي المحور الذي يجب أن يملي سلطانه على جميع رجال المسرح لايحيد أحدا منهم عن أدق جزيئية من جزئياته وحيث يعتبر الجمهور حضوره للاحتفالات المسرحية هو حضور تقديس للتصور اللغوي الذي تبنى عليه الصراعات المسرحية،والصراع هو أصل المفهوم المسرحي عند اليونان والإغريق –
وإذا قررنا تاريخيا إن المسرح اليوناني هو أول مسرح متكامل عرفته البشرية ،فان ذلك يضع علينا سؤالا هاما هو هل يكون الصراع سببا رئيسيا في إبعاد المسرح عن التمثيل الإسلامي ،وهل يكون ذلك سببا في خلو الحضارة الإسلامية من أي عمل مسرحي متكامل،ولكن نجد إن المسرح يضيء بعدم وجوده في العالم العربي قبل الإسلام وبعده ،وذلك رغما من معرفة الحضارة الإسلامية تمام المعرفة للإرث اليوناني بما فيه فلسفة أفلاطون وأرسطو ومسرح ايسخيلوس الكبير وسوفوكل واربيديس ،الشيء الذي يؤكد إن التفكير الإسلامي لم يرغب عن طواعية واقتناع أن يتوقف أمام مفهوم التمسرح هذه الإشكالية ممكن قراءتها (بان الاعتقاد السائد هو مادام الإنسان يكتشف نفسه ندا للآلهة في التراجيديا اليونانية التي هي أصل المسرح ،أو على الأقل يشكل شخصية مستقلة تحيا وحدها تجاهه فان الإنسان يجد نفسه أمام إرادتين (إرادته الشخصية،وارادة الله)وبالنسبة للدين الإسلامي فان مثل هذه الثنائية ليست موجودة فحسب بل إنها غير متصورة على الإطلاق-
فهل يعني إن الحضارة الإسلامية بقيت خالية من التمسرح –اومايسمى بالاحتفالية المسرحية ؟
في الحقيقة إن البلاد الإسلامية وحتما التي عرفت ازدهارها الحضاري في أحقاب مختلفة من التاريخ كدمشق،وبغداد،وفاس ،القاهرة،لم تعرف أي نوع من أنواع المسرح بالمفهوم اليوناني إلا إن ذلك لم يمنع هذه البلاد وغيرها من معرفة أشكال مختلفة من التمسرح،فبالإضافة إلى الفروض الدينية ،الشهادة ،الصيام ،الزكاة ،الحج،كلها فروض تؤدى جماعية وبشكل احتفالي-وكثير من الممارسات التي تندرج تحتها نجد جذورها في الممارسات التي تنشد للأولياء والمتصوفة وشيوخ الطرق حيث تقام لهم المراسيم السنوية وتنظم لأجلهم احتفالات دينية لاتخرج في إطارها وتحركاتها عن فنون العرض المسرحي الشامل-
وابرز هذه الاحتفالات (التعازي)التي عرفها الشرق خلال القرن السابع الميلادي والتي تعتبر أهم شكل درامي عرفته الدولة الإسلامية حتى الآن ،ففي الأيام التي تسبق أول محرم في الجوامع وفي الساحات العمومية وفي بعض المنازل الخاصة ومن أعلى المنابر تقف الشخصيات دينية لتروي بطولة الإمام الحسين(ع) وتشيد بمناقبه،وفي اليوم العاشر يمثل المشهد الملقب (بالتعازي)ويدوم عرضه عدة ساعات يكون بعدها نهاية العرض الأليمة وعلى الرغم من أن مسرحيات التعازي التي توجد نصوصها محفوظة في أهم المكتبات العالمية قد كتبها مؤلفون مجهولون ويتم عرضها في الساحات العمومية ويقوم بإخراجها ثلة من المخرجين لاتكون العقيدة الدينية سبب في تناول هذه الشعائر بشكل يتنافى مع العقيدة الإسلامية –
وحتى نضع فكرة من هذه الاحتفالات ذات المظهر المسرحي في موضعها الأصلي يبدو من الضروري أن نضع صورة تقريبية لهذه المظاهر وبذلك سنلجأ إلى تصنيف يجمع هذه المظاهر التي تتوافق مع الأشكال الاحتفالية القابلة للتمسرح والتي هي بالفعل أشكال احتفال مسرحية ،وأوسع مفهوم لشكل هذه الاحتفالية مايسمى بمسرح (الفرجة)واصل هذه التسمية مأخوذ من مصاحبة الشعر الملحون بالإيقاع ،ويرى (ستانسلافسكي)إن المتفرج والممثل على السواء شريكان فاعلان في تمثيل المسرحية فالجمهور لايكمل الممثل في العمل الدرامي فحسب بل هو يكمل الفكرة يكمل المؤلف أيضا إن الفكرة لاتصنع الاحتفال وحدها وحسب حساسية الفكرة ودرجة المخيلة ،ونحن نعرف إن الجمهور هو الذي يخلق الدراما،ونتلمس ذلك في مسرح (الطقس) المقدس ويعرف (بيتر بروك)المسرح الطقسي بأنه مسرح إظهار المخفي ويمتد هذا الاتجاه عبر مسرح (ارتو)إلى العروض الطقسية القديمة أو الممارسات الدينية يكون هذا المسرح بالاستغناء عن الكلمات ويعوض عنها بتعبيرات صوتية وجسمانية لها دلالات لاحدود لها ذلك المسرح الذي يهتم بالأفعال أكثر من الأقوال وتغليب العناصر الروحية على العناصر المادية وعلى رأس هذا الاتجاه مسرح(غرو فسكي)الفقير في بولونيا-
وأخيرا إن المسرح ليس وسيلة ترفيه وتسلية بقدر ماهو أداة إثارة وتحريض وتوعية للمواطنين بقدر ماهو أداة إثارة وتحريض وإدراك حقيقة الأوضاع التي تحيط بهم-
الاحتفالية الحسينية: -رئيف كرم مخرج لبناني (مسيحي)اخرج هذه الاحتفالية على ارض النبطية (اللبنانية)بأسلوب يختلف عما نراه من التشابيه البسيطة ،فهو مفتون بالمسرح الفخامة والذي يعتمد الاحتفالية (مسرح الشارع الضخم)فكان هاجسه من عام 1974 عندما شاهده في مدينته بإشراف الشيخ عبد الحسين صادق فكانت الشرارة لتثوير الجانب الفني عنده ،فيقول(أنا أتعامل مع عاشوراء من الداخل ولم آت لاانسفها) فقد شكلت واقعة ألطف تأثيرات كبيرة في سياق التاريخ في نفوس عامة الناس على مستوى الأدب والفن والتاريخ بكل ملابساتها كونها تتحدد بقانون الصراع ،المشهد الدرامي للطف مكتنز بالدلالة والإثارة مفعم بالحيوية فانطوت الواقعة على عناصر المأساة دم وقتل وسبي ونهب وحرق مما جعلها الجذر المكون لدرامات من ردة فعل قام بها الشارع الإسلامي في استحضار روح الواقعة حتى تمظهر المشهد بالطقس المغمس بالبكاء فتحول إلى شعيرة طقسية دينية روحانية شكلت انعكاسا لبنية الواقعة ولذا فقد أبدا المخرج مهارة فائقة في استحضار هذا الموقف التراجيدي بشكل درامي عالي التقنية في إيجاد مفاصل نجاح وتفرد هذا العمل في ارتكازه على –
1-استقدام ممثلين على كفاءة عالية في الأداء منهم الفنان عمار شلق في دور الحسين(ع) وخالد السيد بدور ابن سعد وبديع أبو شقرا بدور علي الأكبر وباسم مغنية بدور القاسم والفانة وفاء شرارة بدور السيدة زينب-
2-الدلالات اللونية للأزياء ،حيث ارتبطت الألوان بدلالات ومعاني ورموز يألفها الإنسان ضمن البيئة الدرامية للعمل كان لها التأثير للاستخدام المجازي فلكل لون معنى فالأبيض يمثل النقاوة والطهارة أما الأسود فيمثل الحزن والكآبة هذه الرمزية للألوان لها دلالات أساسها فسيولوجي ،إضافة إلى ألوان الريات فألا علام السوداء والخضراء –الخ قد شكلت كونتراس للون المشهد لتشكيلي -
3-الدمى فلقد استخدم المخرج دميتان بداية المشهد تشير الأولى إلى مسلم بن عقيل والأخرى لهاني (ع)تجرهما الخيل في ميدان المسرح إضافة إلى هذا هناك دميتان عملاقتان بلغ ارتفاعهما السبعةامتار شاركتا الفعل الدرامي دلاليا وكأنها جسم حي في اسقطاع عملية الحدث على طبيعة حركتهما من حيث سقوط الأذرع للإمام العباس(ع)وتفرد الشخصية للإمام الحسين(ع) في الوقوف منفردا أخر المشهد-
4-الخلفية البيضاء الكبير(الشاشة) العملاقة والتي تتلون تدريجيا بالدماء الحمراء دالة أخرى استثمرها المخرج ليبن فداحة المعركة والجرم الذي وقع تاريخيا على مقطع من تاريخ الأمة الإسلامية –
5-الموسيقى المصاحبة للعمل والذي ألهب نفوس المتفرجين وقد نجح في استخدامها أيما استخدام فكانت مكملة للعمل ،فضرب الدفوف المتواصلة والتي تذكرنا بدفوف الصوفيين وهو إيقاع متزن يوحي إلى عملية( اللطم)،ويبقى يتصاعد الإيقاع حتى نهاية العمل،إضافة إلى أصوات حركة الخيول والجوقات من الأطفال والنساء-
6-المجاميع وكيفية إدارة حركتهم وحسب بؤرة العمل المتمثلة (الإمام الحسين(ع) وحامل اللواء الإمام العباس(ع)بشكل جميل وغير مؤذي للعين بحيث جعل من المكان ديكور أثث للعمل الدرامي من متفرجين وعمارات معاصرة خلف المسرح مما أضفى جمالا على تاريخية العمل-
7- استحضار شخصية يزيد بن معاوية إلى الواقعة ومقابلته الإمام الحسين(ع) هذا الاستحضار الإيهامي كان بفعل (الفلاش باك)لربط الأحداث بواسطة تحريك رواسب الذاكرة كي يحدث تفاعل مؤثر لدى قراءة المتفرج إلى الواقعة وكأنها فعل تاريخي غير منقطع بفعل الزمن - –
لقد وصلت رسالة المخرج بشكل ملفت للاهتمام وذلك من خلال التصاق هذه الواقعة بالفكر الإنساني عامة ،بدليل ارتباطها بحياة الإنسان وإنسانيته بصرف النظر عن انتمائه المذهبي والعقائدي أو الجغرافي فهي قضية تؤسس لثورة المظلوم على الظلم والجور والشرعية لبني البشر هذه هي رسالة الإمام الحسين(ع)فيقول(كونوا أحرارا في دنياكم)-
وختاما أقول إن هذا العمل بحد ذاته هو بحث في نهوض المسرح الملتزم فقد أصبح ألان ضرورة ثقافية وجذر للهوية ، فالمسرح العاشورائي هو مسعى حقيقي ليكشف مقاربة للكشف عن وعي جمالي يتوائم مع الموروث الإنساني يدل على حتمية القدر ومارسمته السماء لتصحيح ما أفسده الباطل –


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عقيل هاشم الزبيدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/01/19



كتابة تعليق لموضوع : احتفالية عاشوراء—(في النبطية)---!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net