التخطيط الإلهي لتاريخ أهل البيت.. مسيرة الإمام الكاظم أنموذجًا

للحديث عن التخطيط الإلهي لتاريخ أهل البيت عليهم السلام، ننطلق من الآية الكريمة (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾، نناقش محورين: القراءة الموضوعية لتاريخ أهل البيت، وفي معالم مسيرة الإمام الكاظم عليه السلام.

المحور الأول: القراءة الموضوعية لتاريخ أهل البيت 
قراءة تاريخ أهل البيت لها منهجان: المنهج التجزيئي والمنهج المجموعي، تماماً كقراءة القرآن الكريم، كما أن القرآن الكريم يمكن أن يُقرأ بنوعين من القراءة، تارة نقرأ القرآن بتفسير كل آية مستقلة عن الآية الأخرى، وهذه تسمى قراءة تجزيئية للقرآن الكريم، وتارة ننظر إلى القرآن كنفس واحد ومنهج واحد وموضوع واحد فنقرأ القرآن قراءة مجموعية بحيث يُفسر بعضه بعضاً، كما ورد عن الإمام علي : ”القرآن ينطق بعضه ببعض“.

كما أن القرآن له قراءتان، تاريخ أهل البيت أيضاً له قراءتان، تارة نقرأ تاريخ كل إمام مستقلاً عن الإمام الآخر، لنتعرف على معالم سيرته ونتعرف على منهجه التربوي والخلقي، هذه تسمى قراءة تجزيئية، وتارة ننظر إلى تاريخ أهل البيت على أنه تاريخ واحد يشكل كياناً واحداً وموضوعاً واحداً، فعندما نقرأ تاريخ أهل البيت على أنه كيان واحد فهذا يعني القراءة المجموعية.

هذه القراءة المجموعية فيها نظرتان نتحدث عنهما بشكل تفصيلي:

النظرة الأولى: ما ذكره السيد الشهيد محمد باقر الصدر قدس سره عندما عبَّر عن تاريخ أهل البيت بأنه تعدد أدوار ووحدة هدف، والمقصود بهذه النظرة أن تاريخ أهل البيت خضع لإعداد إلهي محمدي منذ أول يوم؛ أي أن الرسول منذ أول يوم رسم خارطة لعمله وعمل أهل بيته، ووزع الأدوار على أهل بيته كل حسب ظرفه وحسب شخصيته، وكان توزيع الأدوار على أهل البيت توزيعاً تكاملي بحيث أن كل واحد من أهل البيت يكمل تاريخ من سبقه، أي تاريخ تكاملي السابق يمهد للاحق، واللاحق يكمل السابق، جرى تاريخ أهل البيت بمنهج تكاملي وُزعت فيه الأدوار حسب الظروف والشخصيات.

النظرة الثانية: تقول أن اختلاف أدوار أهل البيت هو اختلاف عفوي، اختلاف فرضته الظروف وليس اختلافاً خضع لإعداد مسبق أو لخارطة سابقة، الظروف هي التي ساهمت في تأجيج ثورة الحسين، والظروف هي التي ساهمت في أن يكون الإمام الرضا ولياً للعهد في زمان المأمون العباسي، والظروف هي التي ساهمت في أن يكون الإمام الصادق مصدراً للعلوم، ومؤسساً لأعظم مدرسة، فقط اختلاف الظروف، وتنوع أدوار أهل البيت لم يأتي عن إعداد مسبق وعن خارطة مرسومة وعن منهج متكامل، وإنما تنوع أدوارهم أسهمت فيه الظروف التي عاشوها، لا أن هناك إعداد مسبق.

الظروف لم تسمح للإمام الحسين أن يؤسس مدرسة وسمحت له أن يقود ثورة، الظروف لم تسمح للإمام الصادق أن يقود ثورة وسمحت له أن يؤسس له مدرسة، الظروف لم تسمح للإمام السجاد لا بتأسيس مدرسة ولا بقيادة حركة فاتجه للمنهج الروحي، إذن تنوع أدوار أهل البيت جاء نتيجة اختلاف الظروف القاهرة ولم يأتي نتيجة إعداد إلهي وخارطة مرسومة لكل إمام بحسبه.

وهذه النظرية بني عليها لوجهين:

الوجه الأول: أن الظروف ليست بيد أهل البيت، الظروف هي ظروف خارجة عن اختيارهم فُرضت عليهم ولم يصنعوها فكيف يتسنى لهم أن يعدوا خارطة عمل والظروف ليست بأيديهم، الظروف فُرضت عليهم لا أنها صُنعت بأيديهم، لم يسهم الإمام الحسين في خلق الظروف، الدولة الأموية هي التي صنعت الظرف فاضطر الإمام الحسين للحركة، ولم يصنع الإمام الصادق الظروف وإنما حصل نزاع بين الدولة الأموية والدولة العباسية ففتحت الفرصة للإمام الصادق ليؤسس هذه المدرسة العظيمة، والظروف هي التي سجنت الإمام الكاظم، والظروف هي التي قادت الإمام الرضا أن يقبل ولاية العهد رغماً عنه، إذن أهل البيت لم تكن الظروف بأيديهم كي يقوموا برسم خارطة للعمل، بل فرضت عليهم الظروف فأدى كل شخص منهم ما استطاع من الرسالة ومن أداء الأمانة، ولذلك ترى قد تتداخل الظروف وتتداخل الأدوار، مثلاً الإمام الباقر والصادق «عليهما السلام» دورهم واحد وهو دور التعليم، والإمام الهادي والعسكري دورهم واحد وهو دور التقية مثلاً، إذن الظروف أحيانا تتداخل فالأدوار تتداخل، ليس هناك خارطة مسبقة وإنما المسألة عفوية، هكذا حدثت.

الوجه الثاني: ليس لدينا أدلة واضحة بأيدينا تثبت لنا أن النبي قام بإعداد خارطة عمل لنفسه ولأهل بيته، وليس بأيدينا ما يثبت لنا بأن أهل البيت رُسِم لهم خارطة عمل ووُزِّعت عليهم الأدوار فقاموا بأدوارهم، ليس لدينا دليل على ذلك، إذن الذي نقوله بأن التاريخ هكذا حصل بدون إعداد مسبق وهذا الذي وصل إلينا عن الدور الروحي لزين العابدين، والدور العلمي للصادق، والدور الحركي للحسين، والدور السلمي للحسن .

ونحن بين هاتين النظرتين نؤيد النظرة الأولى أن تاريخ أهل البيت وتنوع أدوارهم لم يأتي صدفة ولم يأتي نتيجة اختلاف الظروف فقط، بل هناك إعداد مسبق، وهناك خارطة عمل رسمها رسول لعلي والأوصياء من بعده، والعمل وزعت فيه الأدوار كل له دور بما ينسجم مع شخصيته وظروفه التي عاشها وكان توزيع الأدوار مدروساً بشكل تكاملي بحيث تصير حلقات متكاملة السابق يمهد للاحق واللاحق يكمل السابق إلى أن اكتملت المسيرة على يد الإمام العسكري ، فكان تاريخ أهل البيت من علي إلى الإمام العسكري هو بنفسه خارطة عمل للإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، حيث أنه يقتفي هذه الخارطة التفصيلية التي رسمها تاريخ أجداده صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

ونختار هذه النظرية لعدة وجوه:

الوجه الأول: أن هذا مقتضى حكمة المقنن وهو الله تبارك وتعالى
الله تبارك وتعالى نصب أهل البيت أئمة لأنهم مصادر التشريع قولاً وعملاً أي كما أن قول الإمام تشريع فعمله أيضاً تشريع، وتاريخه تشريع، فأهل البيت مصادر تشريع قولاً وعملاً نصبوا أئمة ليكونوا مصادر تشريع، لأن الله تبارك وتعالى أراد أن يوصل للبشرية لائحة قانونية متكاملة عن طريق أهل البيت خلال مئتي وخمسين سنة مدة تاريخ أهل البيت، فبُلِّغت لائحة قانونية تشريعية أقوالاً وأعمالاً من قبل هؤلاء من الإمام علي إلى الإمام الحسن العسكري صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

فلو لم يكن هناك إعداد إلهي لانتقض الهدف، أي الهدف من نصبهم أئمة وهو أن تصل للبشرية لائحة التشريع بشكل متكامل، فلو لم يقم الله بإعداد إلهي وبرسم خارطة عمل لأهل البيت بحيث تتكامل المسيرة لما تكامل التشريع ولما وصلت للبشرية لائحة تشريعية متكاملة، إذن هناك إعداد إلهي مسبق، ولو لم يحصل إعداد إلهي لمسيرتهم وتاريخهم لانتقض الهدف وضاع الهدف الإلهي من نصبهم أئمة.

إذن مقتضى حكمة المولى عزوجل أن يرسم لهم تاريخاً وأدواراً تنسجم مع ظروفهم حتى تكتمل المسيرة التشريعية على أيديهم وإلا لضاع الهدف من نصبهم أئمة وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم عندما يتحدث عن الأنبياء ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ [الحديد: 25] وما دام هناك هدف إذن هناك خارطة مرسومة لأجل الوصول إلى ذلك الهدف.

وهذا المعنى الذي ذكرناه موجوداً في الروايات، وهذه الروايات الشريفة عندما تقرأها تفهم منها أن هناك إعداد لخارطة رُسمت مسبقاً منذ زمن النبي المصطفى محمد .

الرواية الشريفة التي وردت ذكرها الشيخ الكليني في الكافي ”إن الله عز وجل أنزل على نبيه كتاباً قبل وفاته فقال: يا محمد هذه وصيتك إلى النجباء من أهلك، قال: وما النجباء يا جبرئيل؟ قال: علي بن أبي طالب وولده وكان على الكتاب خواتيم فدفعه النبي إلى أمير المؤمنين وأمره أن يفك خاتماً منه ويعمل بما فيه، ففك أمير المؤمنين خاتماً وعمل بما فيه ودفعه إلى ابنه الحسن ففك خاتماً وعمل بما فيه، ودفعه إلى الحسين ففك خاتماً فوجد فيه أن أخرج بقوم إلى الشهادة فلا شهادة لهم إلا معك واشتر نفسك لله عزوجل ففعل، ثم دفعه إلى علي بن الحسين وعلي بن الحسين إلى الباقر… وهكذا“

إذن هناك مسألة إعداد إلهي وخارطة مرسومة من أجل تحقيق هدف معين من خلال هذه الخارطة المرسومة ولذلك أيضاً ذكر الشيخ الكليني[1] : ”إن الأئمة لم يفعلوا شيئاً ولا يفعلون إلا بعهد من الله“ أي شيء مرسوم لهم مسبقاً وأمر منه لا يتجاوزونه، لأجل ذلك نقول بأن الروايات تدل على أن الحكمة الإلهية اقتضت أن يكون للأئمة إعداد مسبق وخارطة عمل مسبقة قام بها الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

الوجه الثاني: اقتضاء السنن الإلهية
في علم الاجتماع يوجد مصطلح اسمه سنن التاريخ أي أن التاريخ لا يمشي صدفة بل على ضوء سنن تحكم مسيرته، والقرآن الكريم يشير إلى سنن التاريخ عندما يقول ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ [الأعراف: 34] أي أن كل حضارة لها أجل وتنتهي، وتولد حضارة أخرى، فكما يموت الأفراد تموت الحضارات وتموت المجتمعات، ولكل حضارة أجل حتماً تموت فيه يوم من الأيام وتولد حضارة أخرى، هذه سنة تاريخية.

ما السبب في موت الحضارات؟
القرآن الكريم يذكر سنة من سنن التاريخ تؤثر في موت الحضارات، وهي انهيار الكيان الاقتصادي، فكل دولة وكل حضارة إذا انهار الكيان الاقتصادي فيها تموت تلك الحضارة وتنتهي، وهذا ما ركز عليه القرآن الكريم عندما يقول: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ [النحل: 112] لديها روافد الثروة الزراعية وروافد الثروة الصناعية من كل مكان فكفرن بأنعم الله أي الفساد الإداري والمالي، فإذا استشرى الفساد الإداري والمالي في أي دولة وأي حضارة وفي أي كيان ينهار الكيان الاقتصادي، فإذا انهار الكيان الاقتصادي فهذه الدولة ماتت، إذن هناك سنن تاريخية تحكم الحضارات وتحكم المجتمعات.

وكما أن هناك سنن تاريخية تحكم التاريخ، هناك سنن إلهية تحكم سيرة الأنبياء والأئمة، هناك سنن إلهية تحكم مسيرتهم شاءوا أم أبوا، فلو لاحظنا لوجدنا أن الأنبياء كلهم من سلالة واحدة من سلالة إبراهيم الخليل ﴿وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ﴾ [العنكبوت: 27].

إبراهيم الخليل يقول عنه القرآن: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ «127» رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ «128» رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ «129»﴾ [البقرة: 127 – 129] أي أن الرسول من ذريته، ذرية كلها أنبياء وأوصياء، نقرأ في زيارة الحسين : ”أشهد أنك كنت نوراً في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة لم تنجسك الجاهلية بأنجاسها ولم تلبسك من مدلهمات ثيابها“ لأنها سنة إلهية حتى تنشأ نطفة الإمام في أعراق كلها عصمة وطهارة وكلها علم، فيأخذ العامل الوراثي مأخذه ويضع بصماته، فلا يولد هذا الإنسان إلا وهو محفوف بالطهارة والعصمة، هذه سنة إلهية.

وسنة أخرى يبني إبراهيم الكعبة والنبي يفجر دعوته من الكعبة، والمهدي المنتظر يطلق شرارة دولته من الكعبة؛ وذلك لأن الكعبة مكان ربطت به بداية الرسالات ومنطلق الدعوات، وهذه سنة إلهية.

الإمام علي نقل العاصمة من المدينة إلى الكوفة، والإمام الحسين يطلق ثورته من العراق، والأئمة يدفنون في العراق، هذه سنة إلهية وليست مسألة عفوية صدفة جاءت، كلها سنن مرسومة لأجل أشياء معينة.

أم الإمام المهدي عجل الله فرجه، رومية وأصلها مسيحي وأول من ينصر الإمام المهدي عند خروجه عيسى بن مريم، يرفع رايته ويصلي خلفه، فبالتأكيد يوجد روابط بين هذه الأمور.

هذه السنن الإلهية عندما تقرأها تكتشف أن هناك إعداد إلهي مسبق، وأن هناك خرائط رُسمت لكي يسير التاريخ بهذا النحو ولكي تكون مسيرة التاريخ يكمل بعضه بعضاً كل حلقة تكمل الحلقة السابقة عليها.

الوجه الثالث: الأئمة صلوات الله عليهم إما لديهم علم الغيب أو ليس لديهم
فإذا كان الأئمة لديهم علم الغيب فمن الطبيعي أن يرسموا لأنفسهم أدواراً من البداية لعلمهم بظروفهم ومستقبلهم، إذن الإيمان بأن لدى أهل البيت علماً بما يكون يعني الإيمان بأن لدى أهل البيت خطة مرسومة من البداية لأدوارهم وأعمالهم وهذا ما أشارت إليه الرواية عن الإمام الصادق : ”دخل عليه بعض شيعته فرآه يدعو بهذا الدعاء ويتحدث عن نفسه بهذا الحديث الذي يصف فيه شأن الأئمة المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين دخل عليه معاوية بن وهب قال: سمعته يقول في دعائه  يعني الصادق   اللهم يا من أعطانا علم ما مضى وعلم ما بقي، وجعلنا ورثة الأنبياء وختم بنا الأمم السالفة وخصنا بالوصية، مقتضى علمهم بما مضى وما بقي أن تكون لهم خارطة عمل، وأن تكون لهم أدوار مرسومة منذ البداية ذات حلقات يعلمون سابقها ولاحقها“.

كل دولة عظمى كالولايات المتحدة، وفرنسا وروسيا ترسم لنفسها خارطة عمل، تعتمد فيها على خبراء في السياسة وفي الاقتصاد وفي الإدارة وفي الاجتماع، هؤلاء الخبراء يقرأون المستقبل ويتنبؤون بالأحداث، فيرسمون خرائط عمل ويرسمون منهج سياسي لمدة خمسين سنة إلى الأمام وربما لمئة سنة إلى الأمام، قد تختلف أدوار رؤساء الولايات المتحدة لكن لا يختلف المنهج، المنهج واحد والهدف واحد، لأن هناك خطة عمل مرسومة من الأول، هكذا هم الحكماء وهكذا من يتنبأ للمستقبل ويخطط للمستقبل، فمن الحكمة العقلائية أن كل نظام يخطط للمستقبل ولو خمسين سنة للأمام، فإذا كان هذا من الحكمة العقلائية فهل يخرج الرسول محمد عن هذه الحكمة! إذا كانت مقتضى الحكمة العقلائية أن ترسم لنفسك الطريق وأن تقرأ المستقبل فكيف بمحمد وأهل بيته : ”السلام على القادة الهداة والسادة الولاة والذادة الحماة وأهل الذكر وأولي الأمر، وبقية الله خيرته وحزبه وعيبة علمه“.

إذن كما تخطط الدول العظمى لمستقبلها النبي منذ أول يوم رسم خارطة عمل لنفسه ولأمير المؤمنين من بعده وللأوصياء بعده، وليس من الصعوبة أن يقرأ المستقبل، فكل من لديه فكر سياسي وإداري يستطيع أن يقرأ المستقبل ويتنبأ بأحداثه ويرسم الأدوار على ضوء الأحداث المتنبئ بها حتى لو لم يكن لديه علم الغيب، وهكذا كان الرسول وأهل بيته صلوات الله وسلامه عليهم قرأوا المستقبل ونصبوا الأحداث، تنبؤوا بها فوزعوا الأدوار على حسب قراءتهم لظروف المستقبل ومسيرة الأحداث.

الوجه الرابع: عندما نقول الإمام اللاحق يكمل مسيرة الإمام السابق، والإمام السابق يمهد للإمام اللاحق
الإمام علي انتقل إلى العراق وهو بذلك مهد أرضية للحسين لكي يُطلق ثورته من العراق، الإمام الحسين عندما أطلق الثورة من العراق وربط أهل العراق بكربلاء هيأ المجال للإمام الصادق ، يقول الحسن بن علي الوشا دخلت مسجد الكوفة فإذا بتسعمائة شيخ كل يقول حدثني جعفر بن محمد الصادق إذن كل يخطط للاحق، والسابق يمهد للاحق، واللاحق يكمل مسيرة السابق، إكمال المسيرة بالتفريع والترسيخ، السابق يؤسس الأصول واللاحق يفرع على الأصول ويقوم بترسيخها ونشرها وتبليغها وهذا هو معنى أن لأهل البيت أدواراً يكمل بعضها بعضاً، أدواراً ذات حلقات متواصلة ومتسلسلة يكمل بعضها بعضاً.

المحور الثاني: معالم مسيرة الإمام الكاظم باب الحوائج صلوات الله وسلامه عليه
نتناول في مسيرة الإمام الكاظم عدة معالم:

المعلم الأول: موقف الإمام الكاظم من الثورات والحركات التي حصلت في عصره
أبرز ثورة هي ثورة الحسين بن علي صاحب معركة فخ، عندما تقرأ قصيدة دعبل الخزاعي وهي قصيدة تاريخية تشتمل على تاريخ أهل البيت:

قُبورٌ   بِكوفانٍ  وَأُخرى  بِطَيبَةٍ                وَأُخرى   بِفَخٍّ   نالَها  صَلَواتي

وَقَبرٌ  بِأَرضِ  الجَوزَجانِ مَحَلُّهُ                               وَقَبرٌ   بِباخَمرا  لَدى  العَرِماتِ

وَقَبرٌ    بِبَغدادٍ   لِنَفسٍ   زَكِيَّةٍ                  تَضَمَّنَها  الرَحمَنُ  في الغُرُفاتِ

وَقَبرٌ بِطوسٍ يا لَها مِن مُصيبَةٍ                تُرَدَّدُ   بَينِ  الصَدرِ  وَالحَجَباتِ

منطقة فخ موجودة قرب المدينة المنورة، وقد قتل فيها الحسين بن علي من أبناء الحسن ودفن فيها، وجوزجان فهي في الحدود بين مشهد وبين أفغانستان، وهناك يحيى بن زيد بن علي بن الحسين قد قتل ودفن في تلك الأرض، وباخمرا هي القرية التي دفن فيها القاسم بن الإمام موسى بن جعفر، والآن تسمى مدينة القاسم في العراق، وصاحب معركة فخ هو الحسين بن علي من أحفاد الإمام الحسن قام بثورة في زمان الإمام الكاظم واستولى على المدينة وما حولها ثم جاءه الجيش العباسي وقضى على ثورته وقتل في فخ ودفن فيها.

موقف الإمام الكاظم من هذه الثورة  ثورة الحسين بن علي  يقول بعض المؤرخين بأن هذه الثورة انطلقت بدعم من الإمام الكاظم وبمباركته وبأمره، وبعض المؤرخين يقول لا هناك فرق بين مباركة الحركة وبين الرضا على أصحاب الحركة، فمن قام بالحركة هم أناس مرضيين، والحسين بن علي إنسان متدين ومنصف ولو أمسك بالحكم لسلمه إلى أهله وهم أهل البيت، ولكن هذا لا يعني أن الثورة كانت بدعم من الإمام، تاريخياً الإمام لم يدخل في الحركة لأنه كان يعلم مسبقاً فشلها وعدم اكتمال مقوماتها وعناصرها فلم يدخل فيها بدعم ولا بأمر، وإن كان أصحابها أناس مرضيين عند الإمام الكاظم .

الرواية الواردة في ثورة الحسين بن علي صاحب معركة فخ: عندما أوتي برأس الحسين بن علي صاحب معركة فخ قال الإمام الكاظم: ”إنا لله وإنا إليه راجعون مضى والله مسلماً صالحاً صواماً قواماً آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر، ما كان في أهل بيته مثله“ وهذا يعني أنه راض عن صاحب الثورة ويثني عليه، ولكن لما سيطر الحسين على المدينة طلب من الإمام أن يبايعه فقال له الإمام: يا ابن عم لا تكلفني ما كلف ابن عمك زيد بن علي عمك أبا عبدالله، أي أن زيد بن علي أيضاً طلب من الإمام الصادق أن يكون معه ويبايعه فقال لا تكلفني ما كلف ابن عمك عمك أبا عبدالله الصادق فيخرج مني ما لا أريد كما خرج من أبي عبدالله ما لم يكن يريد فقال له الحسين: إنما عرضت عليك أمراً فإن أردته دخلت فيه وإن كرهته لم أحملك عليه.

ولما خرج للقتال قال يا ابن عم أجدَّ الضراب فإنك مقتول، وإن القوم فساق يظهرون إيماناً ويسرون شركاً وإنا لله وإنا إليه راجعون احتسبكم عند الله من عصبة.

وأما موقف الإمام من الوساطة بين السلطة العباسية وبين شيعة أهل البيت في ذلك الزمان، فنلاحظ أن الإمام تعامل مع شخصيتين أحدهما علي بن يقطين وقد كان ركن من أركان السلطة، والآخر هو صفوان الجمال الذي نهاه الإمام أن يتعامل مع السلطة العباسية آنذاك.

لماذا نهى الإمام الكاظم صفوان من أن يتعامل مع السلطة العباسية بينما يبارك لعلي بن يقطين أن يكون ركناً من أركان السلطة العباسية آنذاك؟

في الروايات الشريفة التي باين الإمام فيها بين دور صفوان الجمال وبين دور علي بن يقطين فقال: عن صفوان بن مهران الجمال، قال دخلت على أبي الحسن الأول  الإمام الكاظم   فقال لي: يا صفوان كل شيء منك حسن جميل ما خلا شيئاً واحداً. قلت: جعلت فداك أي شيء؟ قال: إكراؤك جمالك من هذا الرجل  يعني هارون الرشيد  قلت: ما أكريته أشراً ولا بطراً ولا للصيد ولا للهو، ولكن أكريته لهذا الطريق  طريق مكة للحج  ولا أتولاه بنفسي ولكن أبعث معه غلماني فقال لي: يا صفوان أيقع كراك عليهم؟ قلت: نعم جعلت فداك. قال: أتحب بقائهم حتى يخرج كراك. قلت نعم. قال من أحب بقاءهم فهو منهم ومن كان منهم فقد ورد في النار، قال صفوان: فذهبت فبعت جمالي عن آخرها. فبلغ ذلك هارون الرشيد فدعاني فقال: يا صفوان بلغني أنك بعت جمالك. قلت: نعم. قال: لم؟ قلت: أنا شيخ كبير وإن الغلمان لا يقوون بالأعمال. فقال: هيهات هيهات إني لأعلم من أشار عليك بهذا، أشار عليك بهذا موسى بن جعفر.

بينما تجد موقف آخر من علي بن يقطين الإمام يدعم فيه وجود علي بن يقطين في السلطة العباسية آنذاك حتى أصبح علي بن يقطين ركناً من أركان السلطة العباسية، استأذن علي بن يقطين على الإمام الكاظم في ترك عمل السلطان فلم يأذن له وقال له: ”لا تفعل فإن لك بنا أُنسا ولإخوانك بك عزاً وعسى أن يجبر الله بك كسراً ويكسر بك نائرة المخالفين، يا علي كفارة أعمالكم الإحسان إلى إخوانكم، يا علي اضمن لي واحدة أضمن لك ثلاث، اضمن لي أن لا تلقى أحداً من أوليائنا إلا قضيت حاجته وأكرمته وأضمن لك أن لا يظلك سقف سجن أبداً ولا ينالك حد سيف أبداً ولا يدخل الفقر بيتك أبداً، يا علي من سر مؤمناً فبالله بدأ وبالنبي ثنى وبعلي ثلث“.

وقال الإمام الكاظم: ”إن لله أولياء مع السلطان يدفع بهم عن أوليائه“.

لم يكن علي بن يقطين شخصية عادية بل شخصية ثرية جداً، سنوياً يحجج ثلاثمئة شخص، هو يبذل لهم الحج من أمواله، ثلاثمئة في الموقف في منى وفي عرفات يقولون: اللهم اغفر لعلي بن يقطين.

الشيعة في عصر الدولة الأموية والدولة العباسية يحتاجون إلى حلقة بينهم وبين السلطة آنذاك ووجود هذه الحلقة بين السلطة وبين الشيعة أمراً ضروري جداً: أولاً من أجل إيصال القرار الصحيح إلى أعلى موقع في السلطة من خلال هذه الحلقة وهذا ما كان يصنعه علي بن يقطين بين الإمام الكاظم وبين هارون الرشيد آنذاك، ثانياً لكي تكون هذه الحلقة حماية لهؤلاء الشيعة ودفاعاً عن حقوقهم وقضاء لحوائجهم وقضاء لمآربهم، إذن بالنتيجة كان الإمام الكاظم يدعم وجود حلقة وصل بين السلطة وبين الشيعة آنذاك، وصفوان ما كان أهلاً لهذه الحلقة، وعلي بن يقطين لقوة عقلة وفطنته ووفور إيمانه جعله الإمام حلقة الوصل بينه وبين السلطة آنذاك.

المعلم الثاني: المعلم التعليمي
فالإمام الصادق هو رئيس المذهب، والإمام الكاظم والإمام الرضا لقبا في الروايات بعالما آل محمد، وينسب مذهبنا الجعفري إلى الإمام الصادق لأن الإمام الصادق هو الذي شيد أركان المذهب ورسخ أسسه وهو الذي نشر عقيدة أن الإمام معصوم وأن الإمام منصوص عليه ولديه العلوم المختلفة، وأغلب هذه الأسس وردتنا من الإمام الصادق ، فهو الذي شيد أركان المذهب ورسخ جذوره وأسسه، وجاء الأئمة من بعده على منواله فجاء الإمام الكاظم بعد أبيه الإمام الصادق ليكمل مسيرة أبيه، فالإمام الكاظم ربى ثلاثمئة وتسعة عشر فقيهاً منهم محمد بن أبي عمير، صفوان بن يحيى، أحمد بن أبي نصر البزنطي، وهؤلاء أعلام في الفقه الشيعي والحديث الشيعي من تربية الإمام الكاظم وغيرهم من العلية الفقهاء.

المعلم الثالث: معالم الشخصية المؤمنة
الإمام الكاظم يبلور معالم الشخصية المؤمنة الإسلامية المتكاملة من خلال عدة أبعاد: البعد الروحي، البعد السلوكي، البعد الاجتماعي، البعد الخلقي، البعد التطويري.

البعد الروحي:
يقول الإمام الكاظم : ”ليس منا من لم يحاسب نفسه كل يوم فإن عمل حسنة استزاد الله منها وإن عمل سيئة استغفر الله وتاب إليه“ ليكن لديك مبدأ المحاسبة والمراقبة، المحاسبة فالمراقبة فالمعاتبة فالمواظبة، لابد أن تمشي على منهج متسلسل أوله المحاسبة، حاسب نفسك اقرأ تاريخك واقرأ خطواتك وضع النقاط على الحروف من أجل إصلاح مسيرتك وتهذيب شخصيتك.

البعد السلوكي:
حتى تنعكس هذه المحاسبة على سلوكك، ليكن سلوكك سلوك الإيمان والصلاح، ورد عن الإمام الكاظم : ”إذا رأيتم المؤمن صموتاً فأدنوا منه فإن المؤمن قليل الكلام كثير العمل، والمنافق كثير الكلام قليل العمل“ السلوك ليس بالكلام وليس بالدعاية وليس بالإعلان، العمل يثبت نفسه والواقع يثبت نفسه، والمؤمن قليل الكلام كثير العمل، المهم أن تكون لديك لغة الإنجاز لا لغة الثرثرة ولغة الدعاية، ورد عن الإمام علي : ”قيمة كل امرئ ما يحسنه“.

البعد الخلقي:
كيف تكون لوحة من الأخلاق الجميلة، كيف تكون مشهداً من المثل العالية السامية، يقول الإمام الكاظم : ”إن الله حرم الجنة على كل فاحش بذيء اللسان قليل الحياء لا يبالي بما قال ولا بما قيل فيه“ فالمؤمن هو الذي يصون لسانه عن البذاءة والسباب والشتم ﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾ [الفرقان: 72] ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ [الفرقان: 63] المؤمن لغته دائماً لغة البسمة والكلام الطيب والخلق العالي ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ [آل عمران: 159] وقال في آية أخرى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: 4]

البعد الاجتماعي:
الإمام الكاظم يرسم لنا البعد الاجتماعي في التعامل مع الآخرين يقول: ”سائلوا العلماء وخالطوا الحكماء وجالسوا الفقراء“ هذا كمنهج اجتماعي ترسمه لنفسك لتعيش العلاقات الاجتماعية بصورة حيوية.

البعد التطويري:
هذه الكلمة من أولويات علم الإدارة وعلم البرمجة، يقول الإمام الكاظم: ”من تساوى يوماه فهو مغبون“ لا يكن يومك مثل أمسك، ولا يكن غدك مثل يومك، لابد أن تعيش روح التطوير والانطلاق والتغيير، إذا كنت تحمل بين جنبيك روحاً هي كلها طموح وكلها رغبة في التغيير والتطوير سوف تتغير وتتطور، أما إذا كنت تمشي على روتين جامد ومنهج لا يتغير ولا يتبدل فأنت سوف تقبع بعد عشرين سنة في مكانك، ومن تساوى يوماه فهو مغبون.

السيد منير الخباز/شبكة المنير


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/06/16



كتابة تعليق لموضوع : التخطيط الإلهي لتاريخ أهل البيت.. مسيرة الإمام الكاظم أنموذجًا
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net