صفحة الكاتب : نزار حيدر

عْاشُورْاءُ السَّنَةُ الثَّامِنةُ (١٠) [علَّمتني كَربَلاء]
نزار حيدر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

   *إِنَّ الرَّأيَ مسؤُوليَّةٌ والمَوقِفَ مسؤُوليَّةٌ يُعبِّرُ عن شخصيَّةِ المرءِ، عن دينهِ وثقافتهِ وأَخلاقهِ ومبانيه الفكريَّة، ولذلكَ فالتنَّازُل عنهُ تنازُلاً عن كُلِّ ذلكَ.

   لقد قالَ الحُسين السِّبط (ع) [لا] لسُلطةِ الظَّالمِ الغاشمِ، لكنَّ الظالِمَ الغاشِم [يزيد] ردَّ عليهِ بالقَولِ؛ لا يحِقُّ لكَ ذلكَ فإِمَّا أَن تقولَ [نعم] أَو أَن تُقتل!.

   فردَّ الحُسين السِّبط (ع) {مَوتٌ في عزٍّ خَيرٌ مِن حياةٍ في ذِلٍّ}.

   وهذا يعني أَنَّهُ (ع) كانَ يَعتَقدُ جازماً بأَنَّ الرَّأي الذي يُعبِّر عنهُ المرء بكلمةٍ وموقفٍ، هوَ عِزُّه فإِذا تنازلَ عنهُ ذَل! وهوَ الأَمرُ الذي لا ينبغي لعاقلٍ فِعلهُ {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِوَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَـكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ} وقولُ الحُسينِ السِّبط (ع) {أَلا وإِنَّ الدَّعي بن الدَّعي ـ يعني إِبن زِياد ـ قدْ ركَزَ بينَ اثنتَينِ، بينَ السلَّة والذلَّة، وهيهات مِنَّا الذلَّة، يأبى اللهلنا ذلكَ ورسولهُ والمُؤمِنُونَ، وحُجورٌ طابت وحجورٌ طهُرت، وأُنوفٌ حميَّة، ونفوسٌ أَبيَّة، مِن أَن نُؤثرَ طاعة اللِّئام على مصارعِ الكِرام، أَلا وإِنِّي زاحفٌ بهذهِ الأُسرة على قلَّةِ العددِوخُذلان النَّاصر}.

   لقد شرعنت كربلاء التَّضحِية من أَجلِ حُريَّة التَّعبير، فلا تتنازل عن رأيٍ بسببِ هجَمات الذُّباب الأَليكترُوني الذي ينتشرُ في مواقعِ التَّواصلِ الإِجتماعي لصالحِ الفاسدينَوالفاشلينَ.

   لا تُدلِ برأيي لا تعتقدُ بهِ وإِن قلَّ ما تعتقدُ بهِ! فالتَّنازُل عن الرَّأي تنازلٌ عن شخصيَّتكَ، وهوَ بدايةُ الذُّلٍّ، وإِذا قُلت رأَياً تحت بريقِ المطامعِ فأَنتَ قلمٌ للإِيجارِ أَو إِمَّعة تقولُقَولَ الآخرين حتَّى إِذا لم تعتقد بهِ أَو لا ترى فيهِ صواباً.

   * أَن نُشكِّلَ فريقاً [جماعة] عندما نحملُ رسالةَ مشروعٍ، فالفرديَّة لا تساعدُ في استدامةِ المشاريعِ، وأَن نبحثَ في نفسِ الوقتِ، عن النوعيَّة من رجالِ الفريقِ ولا نبحث عنالعددِ، فالنوعيَّةُ تثبُت والعددُ يهرُب.

   لقد وصفَ أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) الكَثرة بأَعظمِ وأَدقِّ وصفٍ كان قد عانى منهُ {كَمْ أُدَارِيكُمْ كَمَا تُدَارَى الْبِكَارُ الْعَمِدَةُ وَالثِّيَابُ الْمُتَدَاعِيَةُ كُلَّمَا حِيصَتْ مِنْ جَانِبٍ تَهَتَّكَتْ مِنْ آخَرَكُلَّمَا أَطَلَّ عَلَيْكُمْ مَنْسِرٌ مِنْ مَنَاسِرِ أَهْلِ الشَّامِ أَغْلَقَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بَابَهُ وَانْجَحَرَ انْجِحَارَ الضَّبَّةِ فِي جُحْرِهَا وَالضَّبُعِ فِي وِجَارِهَا الذَّلِيلُ وَاللَّهِ مَنْ نَصَرْتُمُوهُ وَمَنْ رُمِيَ بِكُمْ فَقَدْرُمِيَ بِأَفْوَقَ نَاصِلٍ إِنَّكُمْ وَاللَّهِ لَكَثِيرٌ فِي الْبَاحَاتِ قَلِيلٌ تَحْتَ الرَّايَاتِ وَإِنِّي لَعَالِمٌ بِمَا يُصْلِحُكُمْ وَيُقِيمُ أَوَدَكُمْ وَلَكِنِّي لَا أَرَى إِصْلَاحَكُمْ بِإِفْسَادِ نَفْسِي أَضْرَعَ اللَّهُ خُدُودَكُمْ وَأَتْعَسَجُدُودَكُمْ لَا تَعْرِفُونَ الْحَقَّ كَمَعْرِفَتِكُمُ الْبَاطِلَ وَلَا تُبْطِلُونَ الْبَاطِلَ كَإِبْطَالِكُمُ الْحَقَّ}.

   وكُلَّما كانَ المشروعُ عظيماً كلَّما كانت نوعيَّة الرِّجال أَعظم، وعلى مُختلفِ المُستوياتِ، حتَّى يصِلُ إِلى مُستوى الرِّجال الذين كانُوا حولَ الحُسين السِّبط (ع) والذين وصفهُمبقولهِ {أَمَّا بعدُ؛ فإِنِّي لا أَعلمُ أَصحاباً أَوفى ولا خيراً من أَصحابي}.

   أَمَّا القِلَّة التي تميَّزت بمواقفِها وشجاعتِها ووعيِها وثباتِها واستقامتِها وثقتِها بالقائد فقد كانَ أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) يتحسَّر لرحيلهِم وغيابهِم بقولهِ؛ أَيْنَ إِخْوَانِيَ الَّذِينَ رَكِبُواالطَّرِيقَ وَمَضَوْا عَلَى الْحَقِّ أَيْنَ عَمَّارٌ وَأَيْنَ ابْنُ التَّيِّهَانِ وَأَيْنَ ذُو الشَّهَادَتَيْنِ وَأَيْنَ نُظَرَاؤُهُمْ مِنْ إِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ تَعَاقَدُوا عَلَى الْمَنِيَّةِ وَأُبْرِدَ بِرُءُوسِهِمْ إِلَى الْفَجَرَةِ .

   قَالَ؛ ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى لِحْيَتِهِ الشَّرِيفَةِ الْكَرِيمَةِ فَأَطَالَ الْبُكَاءَ، ثُمَّ قَالَ (ع)؛ أَوِّهِ عَلَى إِخْوَانِيَ الَّذِينَ تَلَوُا الْقُرْآنَ فَأَحْكَمُوهُ وَتَدَبَّرُوا الْفَرْضَ فَأَقَامُوهُ أَحْيَوُا السُّنَّةَ وَأَمَاتُوا الْبِدْعَةَدُعُوا لِلْجِهَادِ فَأَجَابُوا وَوَثِقُوا بِالْقَائِدِ فَاتَّبَعُوهُ.

   *أَن نكونَ باباً للخيرِ لكُلِّ من يرغب في عملِ الخَير وبِلا تمييزٍ، فلا نفتحَها لأُناسٍ ونغلقَها بوجهِ آخَرين.

   لقد كانَ الحُسينُ السِّبطِ (ع) بابَ خيرٍ تنتهي لمِرضاةِ الله تعالى وللحريَّةِ في الدُّنيا والسَّعادة في الآخِرة، ولأَنَّهُ للنَّاسِ كافةً لِمن يرغب باللِّحاق، لذلكَ فتحَ بابَ الخيرِ علىمِصراعَيهِ أَمامَ الجميع من دونِ تمييزٍ قائلاً {مَن كانَ باذِلاً فِينَا مُهجتَهُ، ومُوطِّناً على لِقَاءِ الله نفسِهِ، فلْيَرْحَل مَعَنا، فإنِّي راحلٌ مُصبِحاً إِن شاءَ الله}.

   لم يغلِق بابَ الخيرِ حتَّى بوجهِ مَن حاصرهُ في الطَّريق ورفضَ كُلَّ خياراتهِ تجنُّباً لتوريطهِ بالدَّم، إِلَّا أَنَّهُ قرَّر في نِهاية المطافِ وفي يومِ عاشوراء أَن يختارَ الإِنقلابِ علىالباطلِ  ويلتحِقَ بالحقِّ [الحُر بن يَزيد الرِّياحي]. 

   ولَو لم يكُن الحُسينُ السِّبط (ع) بابَ رحمةٍ لما ذاقَ الحُرُّ طعمَ التَّوبةِ ثمَّ طعمَ الشَّهادةِ. 

   ولذلكَ التحقت بهِ (ع) شرائِحَ شتَّى من دونِ تمييزٍ، يجمعهُم هدفٌ واحدٌ ومشروعٌ واحدٌ ومصيرٌ واحدٌ وهو المُهم، هو أَن تجمعَ الفريقُ أَهدافاً رساليَّةً وليست مصلحيَّة،وبعدها ليسَ مُهمّاً أَن يختلفَ الفريقُ بالجنسِ واللَّونِ والسِّنِّ والإِثنيَّة.

   بهذهِ العقليَّة فقط تنجحُ مشاريعنا الرساليَّة والوطنيَّة أَمَّا إِذا رأيتها فاشِلةً فذلك دليلٌ على أَنَّ معايير الإِنتماءِ إِليها والتصدِّي لتحمُّل المسؤُوليَّة فيها غَير سليمة تقومُ علىأَساسِ الوَلاء الشَّخصي وليسَ الوَلاء للهدفِ، والإِنتماء للإِثنيَّة واللَّون والمنطقة وليسَ للمصيرِ الواحِد!.  


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نزار حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/08/19



كتابة تعليق لموضوع : عْاشُورْاءُ السَّنَةُ الثَّامِنةُ (١٠) [علَّمتني كَربَلاء]
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net