صفحة الكاتب : د . مصطفى يوسف اللداوي

رأسُ المقاومةِ مطلوبٌ والسكوتُ عنها ممنوعٌ
د . مصطفى يوسف اللداوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

يبدو أن رأس المقاومة الفلسطينية مطلوبٌ في هذه المرحلة أكثر من أي مرحلةٍ مضت، وأن ما كان قبل معركة "سيف القدس" ينبغي ألا يعود أبداً، وألا يتكرر مرةً أخرى، فقد كشفت هذه المعركة أكثر من سابقاتها أن الكيان الصهيوني وحلفائه لا يستطيع الصمت أكثر تجاه قوى المقاومة المتعاظمة، ولا يستطيع مساكنتها أو التعايش معها، كما لا يستطيع تدجينها وتقليم أظافرها، أو ضبط أدائها ترغيباً والسيطرة على سلوكها ترهيباً، فقد شبت عن الطوق فعلاً، وخرجت عن السيطرة كلياً، وباتت لاعباً أساسياً لا يمكن إغفالها ولا يستطيع أحدٌ تهميشها، وزاد الأمر خطورةً نهمُ المقاومةِ وتطلعاتها، وتغير برامجها وتبدل خطابها، وعلوُ صوتها واختلاف نبرتها، والتفاف الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والإسلامية حولها.

صدمت المقاومة الفلسطينية العدو بقدراتها، وفاجأت أهلها وأصدقاءها بأدائها، وأذهلت المراقبين لها والمراهنين عليها بقوة فعلها وسداد رميها ودقة إصابتها، وأربكت العدو والصديق بغزارة نيرانها وجاهزية منصاتها وكثافة رشقاتها، وأحسنت استخدام قدراتها وتوظيف معلوماتها والاستفادة مما جمعته وراكمته، فأدرك العدو أنه أمامها مكشوف، وأن أهدافه عندها مرصودة، واحداثياتها معلومة بدقةٍ، وأن الاستمرار في المعركة أكثر سيكشف عن المزيد من نقاط الضعف ومظاهر الخرق، وسيمزق الجبهة الداخلية أكثر، بعد أن أجبرت صواريخ المقاومة غالبية مستوطني الكيان الصهيوني على الهروب إلى الملاجئ والبيوت المحصنة.

أصبحت المقاومة بتراكم قوتها وآخر معاركها التي أطلقت عليها اسم "سيف القدس"، قادرة على إثبات وجودها وفرض قواعدها وحماية معادلاتها، وباتت ذراعها طويلة بعد أن كانت جدرانها حصينة، وأصبحت تغزو وتهاجم بعد أن كانت تصد وتدافع، فأصاب العدو هلعٌ كبيرٌ بأن مشروعه في فلسطين بات مهدداً فعلياً من الداخل، وأن إمكانية تفجيره من داخله أصبحت ممكنة، وهو الذي اعتاد على خوض الحروب القصيرة المدى خارج حدوده، وعلى أرض خصومه، ولكن الحال تغير والواقع تبدل، وباتت المعركة بين مستوطنيه وداخل تجمعاته السكنية، ونجحت المقاومة في تعطيل الحياة العامة، وإغلاق الأجواء الإقليمية ووقف الملاحة الجوية، وخسرت المطارات البعيدة ميزتها الاستراتيجية، بعد أن أدخلتها المقاومة في أتون المعركة.

أدرك الكيان الصهيوني المتخبط سياسياً، والمضطرب اقتصادياً، والمتصدع داخلياً، والقلق على تحالفاته الدولية، أنه لن يستطيع بحروبه التقليدية، وسياساته المتكررة نفسها، ضبط المقاومة، أو نزع سلاحها، أو ترويضها وإجبارها على القبول بالشروط الدولية والالتزام بضوابط الاتفاقيات والمعادات، فلجأ إلى حلفائه الدوليين وأصدقائه الإقليميين، وعرض عليهم أزمته وشكا إليهم خطورة ما يواجه، وطلب منهم المساعدة في ضبط الفلسطينيين وإخضاعهم، وتحجيم قوتهم وإلزامهم، ودعاهم إلى استخدام كل الوسائل الممكنة للوصول إلى الغايات المرجوة والأهداف المنشودة.

يريد الإسرائيليون بكل صراحةِ ووضوحٍ من المجتمع الدولي مساعدتهم في الحرب على المقاومة الفلسطينية عموماً وعلى حركة المقاومة الإسلامية "حماس" على وجه الخصوص، والوقوف معهم وتفهم مخاوفهم، فهم لا يريدون قوةً تهددهم، ولا سلاحاً يرعبهم، ولا قراراً مستقلاً يفاجئهم أو إرادةً حرةً تزلزلهم، والمقاومة الفلسطينية باتت حرةً في قرارها، سيدةً في موقفها، قويةً في سلاحها، عنيدةً في موقفها، ومصرةً على تحقيق أهدافها، وهو الأمر الذي ما كانوا يتوقعونه يوماً أو يخشون منه تاريخياً، وكأنهم بعد أن تفككت الجيوش العربية النظامية التي كانت تهددهم، ابتلوا بما هو أشد منها وأقوى، وأخطر عليها وأشد.

يبدو أن التنسيق الأمني الدولي والإقليمي قد تم بالفعل، وأن الأهداف قد حددت بدقةٍ، والخطط قد رسمت بتفاصيلها، وأن التنفيذ الرسمي قد بدأ فعلياً، فقطاع غزة يجب أن يستمر حصاره ويشتد، فلا مسافاتٍ بحرية توسع، ولا معابر تفتح، ولا بوابات تشغل، ولا بريد إليه يصل، ولا أموال إليه تدفع، ولا كهرباء إليه تصل، وأهلها يجب أن يحبسوا فيه ويخنقوا، فلا دواء يصلهم، ولا معوناتٍ تقدم إليهم، ولا سفر يتاح لهم، ولا إعمار لما دمرته الحروب السابقة والحرب الأخيرة، ولا تعويض للمواطنين، ولا مساعدة للمتضررين.

الحرب على المقاومة وأهلها، والتضييق على شعبها وحاضنتها، ليس حصاراً اقتصادياً فقط، أو تجويعاً يومياً ومعاناةً ماديةً، بل إن خطة العدو وحلفائه متكاملة، وهي على كل الجبهات وفي مختلف العناوين، فالحرب مستمرة والعدوان متواصل، والعمليات الحربية قد تستأنف بقوةٍ وعنفٍ، ولا أمن للمقاومين، ولا ضمان لاستمرار الهدوء أو الالتزام بالهدنة ووقف القصف والغارات الجوية.

يريد الإسرائيليون من الوسطاء الدوليين والإقليميين توصيل الرسالة إلى الفلسطينيين بصورةٍ مباشرةٍ، الحرب مستمرة، والضغط متواصل، حتى يسلم الفلسطينيون سلاحهم، ويتخلوا عن مقاومتهم، ويعيدوا إلى الإسرائيليين جنودهم المفقودين وأشلاءهم، فهل تسمح لهم المقاومة بتمرير مخططهم، وتنفيذ مشروعهم، أم أنها يقظة ومدركةٌ، وواعيةٌ ومنتبهةٌ، وتعرف كيف تواجه عدوها وترغمه على تغيير أفكاره وتبديل مفاهيمه، والتاريخ على قدرة شعبها شاهدٌ وعجز عدوها دامغٌ.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . مصطفى يوسف اللداوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/06/22



كتابة تعليق لموضوع : رأسُ المقاومةِ مطلوبٌ والسكوتُ عنها ممنوعٌ
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net