صفحة الكاتب : شعيب العاملي

كيف بكت السماء والأرض وجميع الخلائق على الإمام الحسين ؟!
شعيب العاملي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

قال تعالى عن قوم فرعون: ﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ﴾ [الدخان : 29]
ومثلهم سائر أعداء الله تعالى، ففي الحديث الشريف أن رجلاً عدواً لله ورسوله مرّ على أمير المؤمنين عليه السلام فقرأ عليه السلام هذه الآية..
ثُمَّ مَرَّ عَلَيْهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ (ع) فَقَالَ: لَكِنْ هَذَا لَيَبْكِيَنَّ عَلَيْهِ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ، وَقَالَ: وَمَا بَكَتِ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ إِلَّا عَلَى يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا وَالْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عليه السلام.(تفسير القمي ج2 ص291)
وفي حديث آخر: يَا بُنَيَّ إِنَّ اللَّهَ عبر [عَيَّرَ] أَقْوَاماً بِالْقُرْآنِ فَقَالَ ﴿فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ﴾‏ وَايْمُ اللَّهِ لَيَقْتُلُنَّكَ بَعْدِي ثُمَّ تَبْكِيكَ السَّمَاءُ وَالْأَرْض‏ (كامل الزيارات ص89)
وفي حديث ثالث عنه عليه السلام: خَرَجَ عَلَيْهِ الْحُسَيْنُ مِنْ بَعْضِ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ: أَمَا إِنَّ هَذَا سَيُقْتَلُ وَتَبْكِي عَلَيْهِ السَّمَاءُ وَالْأَرْض‏ (المصدر 88)

ثم إن النصوص دلّت على أن البكاء شمل (جميع الخلائق)، فعن الإمام الصادق عليه السلام: إِنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنَ ع لَمَّا قَضَى بَكَتْ عَلَيْهِ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرَضُونَ السَّبْعُ وَمَا فِيهِنَّ وَمَا بَيْنَهُنَّ وَمَنْ يَنْقَلِبُ (يتقلّب) فِي الْجَنَّةِ وَالنَّارِ مِنْ خَلْقِ رَبِّنَا وَمَا يُرَى وَمَا لَا يُرَى بَكَى عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنِ ع إِلَّا ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ لَمْ تَبْكِ عَلَيْهِ.
قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ وَمَا هَذِهِ الثَّلَاثَةُ الْأَشْيَاءِ ؟
قَالَ: لَمْ تَبْكِ عَلَيْهِ الْبَصْرَةُ وَلَا دِمَشْقُ وَلَا آلُ عُثْمَانَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ الله...
وفي زيارته عليه السلام من هذا الحديث: أَشْهَدُ أَنَّ دَمَكَ سَكَنَ فِي الْخُلْدِ وَاقْشَعَرَّتْ لَهُ أَظِلَّةُ الْعَرْشِ وَبَكَى لَهُ جَمِيعُ الْخَلَائِقِ وَبَكَتْ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرَضُونَ السَّبْعُ وَمَا فِيهِنَّ ومَا بَيْنَهُنَّ وَمنْ يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ وَالنَّارِ مِنْ خَلْقِ رَبِّنَا وَمَا يُرَى وَمَا لَا يُرَى (الكافي ج‏4 ص575، ومثله كامل الزيارات ص198)

ولئن كان الإنسان يبكي بدموعه تارة، فإن الأمر قد يصل إلى حدّ البكاء بدمه، ففي زيارة الناحية المقدسة: وَلَأَبْكِيَنَّ عَلَيْكَ بَدَلَ الدُّمُوعِ دَماً، حَسْرَةً عَلَيْكَ وَتَأَسُّفاً عَلَى مَا دَهَاكَ وَتَلَهُّفاً، حَتَّى أَمُوتَ بِلَوْعَةِ الْمُصَابِ وَغُصَّةِ الِاكْتِيَاب‏ (المزار الكبير ص501)

وقد تبيّن مما تقدّم في بحث سابق تحت عنوان (كيف سبّحت الجمادات لله ؟) على الرابط التالي
http://www.yahosein.com/vb/showthread.php?t=215958
تبيّن أن للمخلوقات جميعاً نوع شعور وإدراك، وأنها تسبح الله تعالى وتسجد له تسبيحاً وسجوداً تكوينياً، بل أنه ثبت لجملة منها نوع خاص من النطق.
وإذا كان كذلك فليس هناك ما يمنع من الالتزام بظواهر النصوص التي دلّت على بكاء الخلائق على الإمام الحسين عليه السلام، غاية الامر أن بكاء كل شيء منها بحسبه.

أما كيفية هذا البكاء، فقد ورد ذكره في جملة من النصوص ومنها:
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: إِنَّ الْحُسَيْنَ (ع) بَكَى لِقَتْلِهِ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَاحْمَرَّتَا (كامل الزيارات ص89)

وسئل عليه السلام في خبر آخر: وَمَا بُكَاؤُهَا ؟
قَالَ: مَكَثَتْ أَرْبَعِينَ يَوْماً تَطْلُعُ كَشَمْسٍ بِحُمْرَةٍ وَتَغْرُبُ بِحُمْرَةٍ.
قُلْتُ: فَذَاكَ بُكَاؤُهَا ؟
قَالَ: نَعَمْ. (كامل الزيارات ص89)

وفي حديث ثالث: قُلْتُ مَا بُكَاؤُهَا ؟
قَالَ: كَانَتْ تَطْلُعُ حَمْرَاءَ وَتَغْرُبُ حَمْرَاء(كامل الزيارات ص90)

وفي حديث رابع : عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: احْمَرَّتِ السَّمَاءُ حِينَ قُتِلَ الْحُسَيْنُ ع سَنَةً وَيَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا وَحُمْرَتُهَا بُكَاؤُهَا.(كامل الزيارات ص90)

أما بكاؤها دماً، فقد سئل الإمام زين العابدين عليه السلام: أَيَّ شَيْ‏ءٍ كَانَ بُكَاؤُهَا ؟
قَالَ: كَانَتْ إِذَا اسْتُقْبِلَتْ بِثَوْبٍ وَقَعَ عَلَى الثَّوْبِ شِبْهُ أَثَرِ الْبَرَاغِيثِ مِنَ الدَّمِ. (كامل الزيارات ص91)
وقول المجلسي: بكاء السماء احمرارها أي خارجا عن العادة، فإنه من علامات غضبه تعالى فكأنه يبكي على من استحق الغضب أو على من يستحق العباد له الغضب كما وقع بعد شهادة الحسين ع. (بحار الأنوار ج57 ص179)
لا ينافي كون البكاء حقيقياً بل يؤكده وإن حاول تبيان سببه بأنه من جهة استحقاق الغضب على العباد.

أما الحيوانات والطيور، فلم يكن حالها مختلفاً عن حال الإنسان، فقد ورد في الحديث عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ: بَكَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ وَالطَّيْرُ وَالْوَحْشُ عَلَى الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ع حَتَّى ذَرَفَتْ دُمُوعُهَا (كامل الزيارات ص79)
وعن أمير المؤمنين عليه السلام: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى الْوُحُوشِ مَادَّةً أَعْنَاقَهَا عَلَى قَبْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْوَحْشِ يَبْكُونَهُ وَيَرْثُونَهُ لَيْلًا حَتَّى الصَّبَاحِ (كامل الزيارات ص80)
وعَنْ دَاوُدَ بْنِ فَرْقَدٍ قَالَ: كُنْتُ جَالِساً فِي بَيْتِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فَنَظَرْتُ إِلَى الْحَمَامِ الرَّاعِبِيِّ يُقَرْقِرُ طَوِيلًا فَنَظَرَ إِلَيَّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع فَقَالَ: يَا دَاوُدُ أَ تَدْرِي مَا يَقُولُ هَذَا الطَّيْرُ ؟
قُلْتُ: لَا وَاللَّهِ جُعِلْتُ فِدَاكَ.
قَالَ: تَدْعُو عَلَى قَتَلَةِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍ‏ ع فَاتَّخِذُوهُ فِي مَنَازِلِكُمْ (كامل الزيارات ص98)

وبهذا يتضح أن كل ما في الوجود قد بكى سيدّ الشهداء بكاءً تكوينياً كما سبح لله تسبيحاً تكوينياً وسجد له. أي أن كلّ ذرة من ذرات الوجود تقرّ لله تعالى بالوحدانية وتبكي الإمام الحسين عليه السلام ولو كانت ذرات جسم الإنسان الكافر. ومن هذا الباب كان بكاء أهل النار.
وقد يقال في بكاء أهل النار عليه أنه بكاء اختياري أيضاً، نظير دعائهم لله تعالى أن يخلصهم من النار وهم فيها، ودعاؤهم أن يسقيهم ويطعمهم، ونظير ما في قوله تعالى: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [الأعراف : 50]
ويرد عليه، أن الآخرة وإن لم تكن دار عمل، إلا أنه من البعيد أن يبكي جميع أهل النار على الحسين عليه السلام ثم يبقون فيها، فإن البكاء عليه مما يطفئ غضب الجبار.
ويجاب عنه: أن البكاء عليه ليس سبباً للنجاة مطلقاً، نظير ما رواه ابن كثير: ودنا عمر بن سعد من الحسين فقالت له زينب: يا عمر أيقتل ابو عبد الله وأنت تنظر ؟ فبكى وصرف وجهه عنها. (البداية والنهاية ج8 ص131)
وفي رواية أخرى: ثمّ صاح ابن سعد بالنّاس : انزلوا إليه وأريحوه !!
فإن هذه دموع من أشرك في دم الحسين عليه السلام، وهي أجدر بأن تكون حسرة عليه يوم القيامة لما يعرف من مقام الإمام والإمامة ثم يشرك في قتل الإمام!

كذلك بكته جملة من المخلوقات بكاءً اختيارياً، فمن الإنسان من أسبل دموعه ولا يزال حزناً عليه، ومن الحيوان من بكاه بالدموع كما دلت عليه النصوص، أما السماء فقد تغير لونها وأمطرت دماً.

وأما استثناء ثلاثة أشياء من البكاء: لَمْ تَبْكِ عَلَيْهِ الْبَصْرَةُ وَلَا دِمَشْقُ وَلَا آلُ عُثْمَانَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ الله.
فظاهره البكاء الفعلي الاختياري في الدنيا..
فإن كان المراد من عدم بكاء (البصرة ولا دمشق) البكاء التكويني دلّ على خبث في تكوين هذه البلاد، فلم تبك على الحسين عليه السلام كما بكت سائر الجمادات، ويمكن ان يكون هذا لخبث أصلها، كما روى الكشي عن أبي عبد الله عليه السلام: إِنَّ عَلِيّاً (ع) لَمَّا أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنَ الْبَصْرَةِ قَامَ عَلَى أَطْرَافِهَا، ثُمَّ قَالَ: لَعَنَكِ اللَّهُ يَا أَنْتَنَ الْأَرْضِ تُرَاباً وَأَسْرَعَهَا خَرَاباً وَأَشَدَّهَا عَذَاباً فِيكِ الدَّاءُ الدَّوِيُّ! قَالُوا وَمَا هُوَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ: كَلَامُ الْقَدْرِ الَّذِي فِيهِ الْفِرْيَةُ عَلَى اللَّهِ، وَبُغْضُنَا أَهْلَ الْبَيْتِ، وَفِيهِ سَخَطُ اللَّهِ وَسَخَطُ نَبِيِّهِ (ع)، وَكَذِبُهُمْ عَلَيْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ، وَاسْتِحْلَالُهُمُ الْكَذِبَ عَلَيْنَا.( رجال الكشي - إختيار معرفة الرجال ص397)
وسواء كان المراد منها ترابها فعلاً، أم ترابها لدلالته على ما يحمل من مبغضين لأهل البيت كاذبين عليهم.. فإن كل من كان عدواً لهم كان مذموماً مدحوراً، وكل من كان ولياً لهم كان آمناً مطمئناً.

وأما دمشق، فلما كانت مورد مدح في بعض النصوص (على فرض اعتبار روايات مدح بلاد الشام) وذمٍّ في بعضها الآخر علمنا أن هذا قرينة على إرادة سكانها وأهلها.
قال المجلسي: بكاء البلاد والبقاع بكاء أهلها وظهور آثار الحزن فيهم (البحار ج57 ص205)

أما آل عثمان، فيشمل بني أمية، وقد قال أبو سفيانهم عندما عقدت البيعة لعثمان: يا بني أمية تلقفوها تلقف الكرة، فوالذي يحلف به أبو سفيان ما زلت أرجوها لكم، ولتصيرن إلى صبيانكم وراثة (مروج الذهب للمسعودي ج2 ص351)

وقد فصّلت رواية أخرى في كيفية بكاء بعض المخلوقات، فعن زُرَارَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع: يَا زُرَارَةُ..
إِنَّ السَّمَاءَ بَكَتْ عَلَى الْحُسَيْنِ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً بِالدَّمِ
وَ إِنَّ الْأَرْضَ بَكَتْ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً بِالسَّوَادِ
وَ إِنَّ الشَّمْسَ بَكَتْ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً بِالْكُسُوفِ وَالْحُمْرَةِ
وَ إِنَّ الْجِبَالَ تَقَطَّعَتْ وَانْتَثَرَتْ
وَ إِنَّ الْبِحَارَ تَفَجَّرَتْ
وَ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ بَكَتْ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً عَلَى الْحُسَيرقمي 2, [١٥.١٠.١٥ ٠٤:٤٢]
كيف بكت السماء والأرض وجميع الخلائق على الإمام الحسين ؟!
http://www.yahosein.com/vb/showthread.php?t=215960

قال تعالى عن قوم فرعون: ﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ﴾ [الدخان : 29]
ومثلهم سائر أعداء الله تعالى، ففي الحديث الشريف أن رجلاً عدواً لله ورسوله مرّ على أمير المؤمنين عليه السلام فقرأ عليه السلام هذه الآية..
ثُمَّ مَرَّ عَلَيْهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ (ع) فَقَالَ: لَكِنْ هَذَا لَيَبْكِيَنَّ عَلَيْهِ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ، وَقَالَ: وَمَا بَكَتِ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ إِلَّا عَلَى يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا وَالْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عليه السلام.(تفسير القمي ج2 ص291)
وفي حديث آخر: يَا بُنَيَّ إِنَّ اللَّهَ عبر [عَيَّرَ] أَقْوَاماً بِالْقُرْآنِ فَقَالَ ﴿فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ﴾‏ وَايْمُ اللَّهِ لَيَقْتُلُنَّكَ بَعْدِي ثُمَّ تَبْكِيكَ السَّمَاءُ وَالْأَرْض‏ (كامل الزيارات ص89)
وفي حديث ثالث عنه عليه السلام: خَرَجَ عَلَيْهِ الْحُسَيْنُ مِنْ بَعْضِ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ: أَمَا إِنَّ هَذَا سَيُقْتَلُ وَتَبْكِي عَلَيْهِ السَّمَاءُ وَالْأَرْض‏ (المصدر 88)

ثم إن النصوص دلّت على أن البكاء شمل (جميع الخلائق)، فعن الإمام الصادق عليه السلام: إِنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنَ ع لَمَّا قَضَى بَكَتْ عَلَيْهِ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرَضُونَ السَّبْعُ وَمَا فِيهِنَّ وَمَا بَيْنَهُنَّ وَمَنْ يَنْقَلِبُ (يتقلّب) فِي الْجَنَّةِ وَالنَّارِ مِنْ خَلْقِ رَبِّنَا وَمَا يُرَى وَمَا لَا يُرَى بَكَى عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنِ ع إِلَّا ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ لَمْ تَبْكِ عَلَيْهِ.
قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ وَمَا هَذِهِ الثَّلَاثَةُ الْأَشْيَاءِ ؟
قَالَ: لَمْ تَبْكِ عَلَيْهِ الْبَصْرَةُ وَلَا دِمَشْقُ وَلَا آلُ عُثْمَانَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ الله...
وفي زيارته عليه السلام من هذا الحديث: أَشْهَدُ أَنَّ دَمَكَ سَكَنَ فِي الْخُلْدِ وَاقْشَعَرَّتْ لَهُ أَظِلَّةُ الْعَرْشِ وَبَكَى لَهُ جَمِيعُ الْخَلَائِقِ وَبَكَتْ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرَضُونَ السَّبْعُ وَمَا فِيهِنَّ ومَا بَيْنَهُنَّ وَمنْ يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ وَالنَّارِ مِنْ خَلْقِ رَبِّنَا وَمَا يُرَى وَمَا لَا يُرَى (الكافي ج‏4 ص575، ومثله كامل الزيارات ص198)

ولئن كان الإنسان يبكي بدموعه تارة، فإن الأمر قد يصل إلى حدّ البكاء بدمه، ففي زيارة الناحية المقدسة: وَلَأَبْكِيَنَّ عَلَيْكَ بَدَلَ الدُّمُوعِ دَماً، حَسْرَةً عَلَيْكَ وَتَأَسُّفاً عَلَى مَا دَهَاكَ وَتَلَهُّفاً، حَتَّى أَمُوتَ بِلَوْعَةِ الْمُصَابِ وَغُصَّةِ الِاكْتِيَاب‏ (المزار الكبير ص501)

وقد تبيّن مما تقدّم في بحث سابق تحت عنوان (كيف سبّحت الجمادات لله ؟) على الرابط التالي
http://www.yahosein.com/vb/showthread.php?t=215958
تبيّن أن للمخلوقات جميعاً نوع شعور وإدراك، وأنها تسبح الله تعالى وتسجد له تسبيحاً وسجوداً تكوينياً، بل أنه ثبت لجملة منها نوع خاص من النطق.
وإذا كان كذلك فليس هناك ما يمنع من الالتزام بظواهر النصوص التي دلّت على بكاء الخلائق على الإمام الحسين عليه السلام، غاية الامر أن بكاء كل شيء منها بحسبه.

أما كيفية هذا البكاء، فقد ورد ذكره في جملة من النصوص ومنها:
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: إِنَّ الْحُسَيْنَ (ع) بَكَى لِقَتْلِهِ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَاحْمَرَّتَا (كامل الزيارات ص89)

وسئل عليه السلام في خبر آخر: وَمَا بُكَاؤُهَا ؟
قَالَ: مَكَثَتْ أَرْبَعِينَ يَوْماً تَطْلُعُ كَشَمْسٍ بِحُمْرَةٍ وَتَغْرُبُ بِحُمْرَةٍ.
قُلْتُ: فَذَاكَ بُكَاؤُهَا ؟
قَالَ: نَعَمْ. (كامل الزيارات ص89)

وفي حديث ثالث: قُلْتُ مَا بُكَاؤُهَا ؟
قَالَ: كَانَتْ تَطْلُعُ حَمْرَاءَ وَتَغْرُبُ حَمْرَاء(كامل الزيارات ص90)

وفي حديث رابع : عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: احْمَرَّتِ السَّمَاءُ حِينَ قُتِلَ الْحُسَيْنُ ع سَنَةً وَيَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا وَحُمْرَتُهَا بُكَاؤُهَا.(كامل الزيارات ص90)

أما بكاؤها دماً، فقد سئل الإمام زين العابدين عليه السلام: أَيَّ شَيْ‏ءٍ كَانَ بُكَاؤُهَا ؟
قَالَ: كَانَتْ إِذَا اسْتُقْبِلَتْ بِثَوْبٍ وَقَعَ عَلَى الثَّوْبِ شِبْهُ أَثَرِ الْبَرَاغِيثِ مِنَ الدَّمِ. (كامل الزيارات ص91)
وقول المجلسي: بكاء السماء احمرارها أي خارجا عن العادة، فإنه من علامات غضبه تعالى فكأنه يبكي على من استحق الغضب أو على من يستحق العباد له الغضب كما وقع بعد شهادة الحسين ع. (بحار الأنوار ج57 ص179)
لا ينافي كون البكاء حقيقياً بل يؤكده وإن حاول تبيان سببه بأنه من جهة استحقاق الغضب على العباد.

أما الحيوانات والطيور، فلم يكن حالها مختلفاً عن حال الإنسان، فقد ورد في الحديث عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ: بَكَتِ الْإِنْنِ ع ....
وَ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ عِنْدَ قَبْرِهِ لَيَبْكُونَ فَيَبْكِي لِبُكَائِهِمْ كُلُّ مَنْ فِي الْهَوَاءِ وَالسَّمَاءِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ
وَ لَقَدْ خَرَجَتْ نَفْسُهُ ع فَزَفَرَتْ جَهَنَّمُ زَفْرَةً كَادَتِ الْأَرْضُ تَنْشَقُّ لِزَفْرَتِهَا وَلَقَدْ خَرَجَتْ نَفْسُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ وَيَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ فَشَهَقَتْ جَهَنَّمُ شَهْقَةً لَوْ لَا أَنَّ اللَّهَ حَبَسَهَا بِخُزَّانِهَا لَأَحْرَقَتْ مَنْ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ مِنْ فَوْرِهَا وَلَوْ يُؤْذَنُ لَهَا مَا بَقِيَ شَيْ‏ءٌ إِلَّا ابْتَلَعَتْهُ وَلَكِنَّهَا مَأْمُورَةٌ مَصْفُودَةٌ وَلَقَدْ عَتَتْ عَلَى الْخُزَّانِ غَيْرَ مَرَّةٍ حَتَّى أَتَاهَا جَبْرَئِيلُ فَضَرَبَهَا بِجَنَاحِهِ فَسَكَنَتْ وَإِنَّهَا لَتَبْكِيهِ وَتَنْدُبُهُ وَإِنَّهَا لَتَتَلَظَّى عَلَى قَاتِلِهِ وَلَوْ لَا مَنْ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ حُجَجِ اللَّهِ لَنَقَضَتِ الْأَرْضَ وَأَكْفَأَتْ بِمَا عَلَيْهَا .. (كامل الزيارات ص81)

نعم، وليس في كل هذا شيء من المبالغة، فإنا لم نصل إلى ما ذكره صادق آل محمد عليهم السلام عندما قال: وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي زِيَارَتِهِ مِنَ الْخَيْرِ وَيَعْلَمُ ذَلِكَ النَّاسُ لَاقْتَتَلُوا عَلَى زِيَارَتِهِ بِالسُّيُوفِ وَلَبَاعُوا أَمْوَالَهُمْ فِي إِتْيَانِه‏ (كامل الزيارات ص87)
صلى الله عليك يا أبا عبد الله..
والسلام عليك يا صريع الدمعة الساكبة..
وإنا لله وإنا إليه راجعون
http://www.yahosein.com/vb/showthread.php?t=215960
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


شعيب العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/10/18



كتابة تعليق لموضوع : كيف بكت السماء والأرض وجميع الخلائق على الإمام الحسين ؟!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net