صفحة الكاتب : ادريس هاني

الحداثة كماضي ( 2 )
ادريس هاني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

وتسأل عن الحداثة وما بعدها فأجيبك:
إدراك الحداثة هو إدراك إشكالياتها....التعريفات القائمة على الحد المنطقي لا موضوع لها هنا..الحداثة جملة قطائع ورهانات وقيم ومواقف وأفكار تؤسس لنمط وجودنا الحديث في السياسة والاقتصاد والاجتماع.. هو نقلة تاريخية لم نخرج منها بعد...الحداثة هي التي مكّنتنا من فهم التّاريخ بوصفه قطائع أيضا...ما بعد الحداثة ما هي إلاّ جواب آخر عن مأزق الحداثة..هي الحداثة حين تغادر ذاتها نحو المجهول...
العرب والحداثة والحرب :
أوّل صدمة إزاء الحداثة ظهرت آثارها في ميادين الحرب..وأولى صدماتها على العقل المحلّي ظهرت في الهزائم العسكرية التي يعود سببها ليس إلى خور في العزيمة أو تراخيا في الإرادة بل لتفاوت في تقنية الحرب وأسلحتها..اهتم العرب أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين بسؤال التحديث في العسكرتارية ولوازمها من فن الحرب واللوجيستيك وتحديث أدوات الحرب..في كل الوثائق التي اهتم بها الرحالة العرب في مهمّاتهم السفارية وما أكثرها كان الاهتمام يخصّ تحديث الجيش..وقبل أن تكتمل مهمة تحديث الجيوش العربية كان الجيش الإسرائيلي بداية الاستيطان سابق للكيان، أي أنّ الجيش العربي منذ ذلك العهد يعد مشروعا غير مكتمل..ومع أنّ العرب راكموا من الثروة ما لا يحصى لا سيما في مناطق إنتاج النفط وإنفاقهم على التسلح بما يفوق الخيال إلاّ أنهم لا زالوا عاجزين عن خوض حرب حقيقية..وأكبر دليل على ذلك هزيمتهم الكبرى أمام إسرائيل..وهذا أمر ليس موضو عا لنا الآن ، إنما قصدنا بذلك أنّ تحديث قطاع الجيش في العالم العربي هو تحديث مجتزئ لأنّه تحديث جعل هذا القطاع تحت إشراف ورقابة المركز الحداثي..إنه قطاع واقع تحت التبعية..ومن فكّر في الاستقلال أجهز عليه المركز وأدخله في استنزاف إن لم يقتحمه بتدخل مباشر..تحديث الجيش العربي من جهة أخرى لا يعني حداثته..فهو قطاع غامض ليس في تقنياته وأسراره التي هي جزء من اقتداره الطبيعي بل غامض حتى في سياساته معزول عن إرادة الشعب وقرار الأمّة..يخوض حروبا لا دخل فيها للشعب ولا مصلحة له فيها..وأحيانا رغم حداثة تجهيزاته وتقنياته هو جيش قبلي يخوض حروب انتقام وثأر ولا يؤمن بالديمقراطية..هنا لم يعد الجيش جيشا لدول حديثة بل جيشا لعشائر وقبائل تمارس التّوحش لا السياسة..وهذه الجيوش لازالت ضعيفة وهشّة لأنها لا تحمل فكرة عن الحروب التي تخوضها.جيوش من دون عقيدة..ولا تتحرك برؤية استراتيجة بعيدة المدى..إنها أشبه بالفنتازيا الحربية الفرجوية..الحرب بكل أبعادها هنا أقل ما يقال عنها أنها غير حداثية بالمعنى الذي نعنيه بحداثة السادة الأقوياء، لأنّنا طبعا لم نتحدث عن أنها ليست حروبا أخلاقية لكي لا نقع في المفارقة..يستنزف قطاع الجيش في العالم العربي معظم الثروة الوطنية..وإذا كانت بعض الجيوش العربية تساهم إلى حدّ ما في التنمية من خلال تدخلها في قطاع الاستثمار أو مساهمتها في البناء والتعمير في زمن السلم، فإنّ الجيش في معظم النظم العربية في حال السلم هو عاطل يستنزف الطاقة في أنشطته الروتينية ولا يساهم في التنمية والبناء..ومع ذلك ساهمت هشاشة هذه النظم في سباق غير عقلاني في التسلح يتناقض مع مطالبها في التنمية..سباق يجعل الحرب العربية ـ العربية هي الحرب المتوقعة دائما..فأكثر الحروب التي خاضها العرب هي ضدّ العرب أنفسهم..فهي عساكر عاجزة عن مواجهة الغزو والاحتلال..إنّ الحرب تعيد هذه البلدان الهشة إلى بداياتها..وكأنّ الجيوش العربية تشكلت لتعيد العرب دائما إلى وضعية ما قبل العصر الحديث..إنها حروب تحمل ملامح أزمة العقل العربي..
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ادريس هاني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/09/19



كتابة تعليق لموضوع : الحداثة كماضي ( 2 )
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net