صفحة الكاتب : احمد لعيبي

طشار العمر.. المطر يغسل عيون التراب
احمد لعيبي

كان البرد قاسيآ في كانون

من ثمانينات القرن الماضي

والمطر يغسل عيون التراب ليجعلها طينآ

في قريتنا البعيدة جدا عن العيون ..

كانت الحرب آنذاك ساخنة جدا لأن

احبتنا كانوا حطبها..

كانت جدتي سكينة هي رجلنا الوحيد

في دارنا الطينية المتهالكه من كل مكان

رغم ذلك كان المطر يخجل من جدتي

ومن شيبة جدي الذي يغيب عنا في عمله

فلم يتجرأ المطر على دخول سقفنا أبدآ..!!

 

كل شيء في وقتها كان يستحي من جدتي

تنور الطين والمطر وباب الدار المخلوع

وبقراتنا الاربع ودجاجاتنا العشرون  وكلبتنا السوداء وكيس الطحين

الذي لا يريد ان ينقص مهما خبزت منه جدتي..!!

 

في أحد الصباحات وضعت جدتي العجين

فوق دكة تنورها الطيني وكانت السماء تمطر

والنار تلتهم حطبها و تلفح وجههاالجنوبي ..

كانت العجينة تلتصق بتنور الطين التصاق

 شامة بخد حسناء عفيفة ..

وتعالى مع صوت كف جدتي وهي تضرب

العجينة لتجعلها رغيفا صوت صراخ ..

يبووووووووه...يبووووووووه..يبووووووه

خرجت جدتي مسرعة من باب دارنا المخلوع

وركضت ورائها بإتجاه صوت الصراخ المتعالي

الذي سرعان ما تحول الى كورال نسوي يتلو

ترنيمة الفاقدين ...

لقد كانت سيارة كراون تحمل جنازة ملفوفة ببطانية عراقية عسكرية بلون الخاكي تسأل عن عائلة فضولي...

وفضولي هو شاب في قريتنا أخ لسبع فتيات

والده كفيف وامه أمرأة كل شيء فيها رجولي

لكنها لا تملك شاربآ في وجهها...

كانت السيارة تسير من بيت الى بيت تبحث

عن بيت فضولي و كانت كل امرأة تسير

خلف السيارة كأنها هي ام فضولي ..

أتذكر ان جدتي وقفت امام السيارة وقالت

للسائق بلسان شروكي فصيح(خاله بداعت العباس

عليك لا تكول لأم فضولي إبنك مات )..!

 

أمام الجنازة وقفت ام فضولي بكبرياء الانبياء

وهيبة الاولياء هي متوزرة بعباءة سوداء قد مسَ

عباءتها الطين والحزن والفقد  ..!!

 

لم تصرخ ...

نعم لم تصرخ ..

قالت لبناتها (يمه أخيجن نايم لا تثغبن وتكعدنه)

الصراخ يعلو والمرأة واقفة مثل سيف علي

تحصد رأس الحزن بإرادة عجيبة وغريبة..

 

لقد كان وجه فضولي يبتسم رغم الدم الذي يملأ

صدره وقلبه..

 فلقد أعدم الرفاق فضولي لأنه تأخر يومين بسبب وفاة جده وبقي مع امه واخواته ثم التحق للحرب

لينفذ به حكم الاعدام ويعاد الى إهله غائبا..!!

عادت جدتي الى تنورها الطيني

وكان الخبز محترقا تماما مثل قلب ام فضولي

وقلوب اغلب العراقيين ايام عصابة البعث..!

عادت جدتي ونار تنورها لم تنطفأ

ونار قلبها متقدة حتى بعد مماتها


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


احمد لعيبي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/01/17



كتابة تعليق لموضوع : طشار العمر.. المطر يغسل عيون التراب
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net