صفحة الكاتب : تراب علي

محاورة مع كتاب.. (اتجاه الدين في مناحي الحياة) لسماحة السيد محمد باقر السيستاني (دام عزه)
تراب علي

 - هل هناك ظلم على الانسان اثر العناء الذي يقتضيه الدين؟

 الكتاب:ـ ليس لاختلاف حال الناس في العناء ما يكون ظلماً لبعض بالقياس الى بعض فإن سنن المعاناة والسعادة مرتبطة ببعضها البعض في خلق الانسان، خلقه أن يمتحن الناس بامتحانات مختلفة، وسبب العناء هو الجهد الذي لابد أن يبذله الانسان في مسيرته في هذه الحياة للثبات على السلوك الحكيم والفاضل.
 فكم من لذة ورغبة عارمة على الانسان أن يتحمل عناء الوقوف امامها تحسباً من الضرر المتوقع من الاستجابة لها، وكم من انفعال وغضب هادر يجب إيقافه، وكذلك الحال في مراعاة الفضيلة، فكم من سلوك خاطئ يرغب الانسان اليه، العناء ليس شقاء لأنه أحمد عاقبة وأسلم نتاجا، فهو اوفق بالسعادة وأجلب للراحة، والعمل الفاضل يوافق الحكمة دائماً، بمعنى انه أوفق بصلاح الشخص وسعادته، ولو مستقبلا، فيكون داعي الحكمة قريناً للفضيلة وداعماً لها مؤمنا كان الانسان أم لا، سواء في الحياة ام في الحياة الأخرى.
 إن صاحبها لن يأمن من نتائجها نوعا، فهو يبتلى بآثارها في هذه الحياة الا ان تلك الاثار قد تكون بينة في نظره، وقد تكون آثاراً خفية، ان الانطباع السيء للآخرين عن الانسان يؤثر سلبا عليه، لما يستتبعه من زوال الثقة به وإساءة الظن به، ولا محيص للإنسان من تحمل عناء السلوك الحكيم والفاضل حتى وفق التشريعات العقلانية.
- وهل يزيد الدين من عناء الانسان في الحياة؟
الكتاب:ـ لا طبعاً.. لأن التكاليف الشرعية ليست الا تحريا لمقتضيات الفطرة الإنسانية، حتى أن ما يمتاز به الدين من أنواع التكاليف، وهي التكاليف العبادية والتي هي اشبه بالحق الشخصي لله سبحانه لما فيها من مراعاة الادب معه، والشكر لنعمه تعود بالمنفعة عليه؛ لأن وجود الله سبحانه يعد من أهم الأبعاد التي يرتبط بها وجود الانسان، فلا يستكمل الانسان ما يليق به في مقياس الفطرة الا بمراعاة هذا البعد، على ان فيها عونا لمسار الحكمة والفضيلة في سائر ابعاد حياة الانسان، وان عناء التكاليف الدينية، الا عناء تحريه للحكمة والفضيلة للحكمة والفضيلة ومراعاتها، روح جميع التكاليف الدينية، الاتصاف بروح الحكمة والفضيلة يحتاج الى عناء من الانسان لما تقتضيه من ترويض النفس وتهذيب الاخلاق، بتنمية الدواعي الفطرية لتكون اتجاهات وملكات مستقرة للنفس الإنسانية، ولكن هذا العناء لا يختص بمراعاة التكاليف الدينية العقلانية، المتمثلة في القوانين المجعولة من قبل العقلاء، تقتضي أيضاً تزكية الانسان لنفسه، الرؤية الدينية تؤكد الدواعي الحكيمة والفاضلة لخطورة الاثار الإيجابية والسلبية المترتبة على العمل الصائب والخاطئ فيما بعد هذه الحياة، ان يوجب انبثاق الداعي الى الاعمال الفاضلة غير الإلزامية: كالتبرعات والصلوات بشكل غير محدود لأن هذه الحياة فرصة استثمار للإنسان، وروح الحكمة والخلق الفاضل الذي هو أساس رعاية التكاليف الفطرية، عن روح الحكمة والخلق الفاضل الذي هو أساس رعاية التكاليف الفطرية.
 وإذا تأمل المرء الآيات القرآنية، وجد انها تركز على الاخلاق والحكمة، وتستحضر الحقائق الكبرى التي تمثل افاق تأثير العمل الفاضل والحكيم، وتصف المؤمن والمتقي بما يتعلق بذلك، وكذلك الحال في كلمات الأنبياء والصالحيين.
 ان خطب النبي (ص)، والامام علي (عليه السلام) التي خاطب بها عموم الناس، تسعى في عامة مضامينها نحو إرساء الأصول الأخلاقية الفاضلة، واحضار الحقائق الكبرى الماثلة، ليعرف المرء مدى جدية هذه الحياة، ان أساس العناء الذي لابد ان يبذله الانسان في هذه الحياة انما يجده في مقام تربية النفس وفق الأصول والقواعد الفاضلة فان ذلك لم يجد كبير عناء في امتثال التكاليف.
 ان من العناء المنظور ما ينشأ في الحقيقة عن مقتضيات الحكمة والفضيلة، فيظن ان ذلك ناشئ من الدين، مثلا ظهور المرأة او الرجل امام الآخر بمظهر الاغراء امر قبيح بالمنظور الفطري، ومنافٍ لأصل العفاف الذي هو من الأصول الفطرية المرتكزة في الأذهان، ومع ذلك قد يحسب عناء اقتضاء الدين، ومثل هذا الظن ينشأ عن أسباب فكرية وسلوكية مختلفة، وعدم النضج الكافي للإنسان، من جهة الاندفاع الذي يجده الى الممارسين المختلفة في حال الشباب، فانه يضعف الشعور ببعض وجوه الحكمة والفضيلة، والوسواس النظري، عدم الخبرة الكافية، فان هناك تشريعية مبنية على حكم تربوية واجتماعية، يمكن ان يتلمسها الباحث الاجتماعي الممارس، ولكن قد يشكك فيها من لا يعرف الاثار الإيجابية التربوية لتلك القيم في المجتمع، عدم الفرز بين البعد الشخصي للسلوك والبعد الاجتماعي، السلوك الاجتماعي حالة اجتماعية تربوية نوعية فلا يقدر بحالات شخصية، لأن يعتذر الفرد عن ارتكاب سلوك يوصى لغاية معينة الحالة الاجتماعية من المنظر الفطري تسوتجب مراعاة سلوكيات نوعية سليمة من حيث اثارها الاجتماعية كالفردية.
- هل هناك أسباب طارئة وخاطئة للعناء محسوبة على الدين وليست ناشئة منه حقيقة؟ 
الكتاب: العناء الناشئ عن ضعف في فهم الدين، والعناء الناشئ عن سوء تطبيق الدين، ما تنشأ نسبة العناء فيه عن الأعراف الاجتماعية المبالغ فيها، وليس من احكام الدين، وما يكون حاميا للأحكام، ان يحتاج كل حكم تشريعي الى عرف يحميه، وبيئة ثقافية تساعد على احترامه ورعايته، وما يكون مفرطا تجاه احكام، فيوجب عناء لأفراد المجتمع وينسب هذا العناء الى الدين، وقد يكون العرف المتعلق بموضوع واحد في جزء منه خاطئا، كما هو في بعض الأعراف الحامية للعفاف فإنها قد تصح في مستوى استقباح بعض السلوكيات التي من شأنها الاخلال به، ما ينشأ العناء فيه عن الخلط بين الغاية والوسيلة، فقد تكون الغاية حكيمة وفاضلة، بحيث تنتهك قيمة أخرى لا مبرر لانتهاكها، "ولكني لا أرى اصلاحكم بافساد نفسي"، ما ينشأ العناء فيه عن بعض المواقف الاجتهادية في فروع الدين، والاجتهاد سعي في ادراك الحقيقة والانطباع المتيسر عنها، والزامي تجب مراعاته ولا يصح اهماله بحال، وغير الزامي يناط برغبة الانسان وطموحه وتطوعه، والاهتمام بالشيء بأكثر مما يليق به، ما ينشأ العناء فيه عن الاهتمام بالشيء بأكثر من المستوى اللائق به او المطلوب فيه، مما يؤدي الى سلوك غير حكيم.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


تراب علي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/05/30



كتابة تعليق لموضوع : محاورة مع كتاب.. (اتجاه الدين في مناحي الحياة) لسماحة السيد محمد باقر السيستاني (دام عزه)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net