صفحة الكاتب : د . محمد تقي جون

المتنبي يكتب سيرته
د . محمد تقي جون

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

اختلف في المتنبي كثيرا، ومن ثم كنا بحاجة الى مصدر أوثق يحسم النقاط المختلف فيها. وكان المتنبي يكتب شاعراً ويوثق مؤرخاً فقام بالمهمتين لأنه أراد أن يسجل لممدوحيه البطولات والامجاد. ويبدو جليا ذلك حين نجده وهو عند سيف الدولة يرسم شجرة نسب الامير بدقة النسابين قائلا:  

وَأَنتَ أَبو الهَيجا اِبنُ حَمدانَ يا اِبنَهُ       تَشابَهَ مَولودٌ كَريمٌ وَوالِدُ

وَحَمدانُ حَمدونٌ وَحَمدونُ حارِثٌ       وَحارِثُ لُقمانٌ وَلُقمانُ راشِدُ([1])

وفي ايران نجده يذكر اسم عضد الدولة ولقبه وكنيته ولقبه السياسي كما ذكر مكانه (بلاد فارس) في قوله:

أَبا شُجاعٍ بِفارِسٍ عَضُدَ الدَولَةِ فَنّاخُسرو شَهَنشاها([2])

ولذا توجهنا في محاولة رسم الصورة الصحيحة للمتنبي بعد تجميع أجزائها حتى تتطابق مع الواقع من خلال شعره ايمانا منا بأنه من باب أولى سيذكر تفاصيله الشخصية.

         ورد في شعره اسمه (احمد) محققاً ما ذكرته المصادر " احمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي الكندي الكوفي، وقيل هو احمد بن الحسين بن مرة بن عبد الجبار([3]):

جمـعت بــين جـسم (احمـــد) والـسقــم وبـــين الجفــون والتـــســهيد([4])

وكانت ولادته في الكوفة، ولهذا قيل له الكوفي، في محلة يقال لها كندة فنسب إليها. والمتنبي في شعره يذكر الأماكن التي ألفها ويذكر كندة التي تقول المصادر انه ولد فيها:

أمنسي الـــسكون) و(حــــضرموتا) ووالدتي و (كنـــدة) و (الــــسبيعا) ([5])

وهذه أسماء الأماكن حسب العشائر.

         أما أصله فهو جعفي، وجعفى جد المتنبي هو جعفى بن سعد العشيرة بن مذحج واسمه مالك بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان([6]). ويؤكد ذلك ديوانه فغالبية ممدوحيه الأوائل هم قحطانيون، كما نستدل على يمنيته بقوله من قصيدة يعتذر لشخص نما إليه أن المتنبي ذمه فقال له:

أبـــت لـك ذمـــي نخــوة يمنيــة      ونفـس بها فـي مــأزق أبـــداً ترمـي([7])

أسرته وعشيرته         

         لا تذكر المصادر شيئا عن أسرته غير أبيه وجدته التي تقول عنها إنها "همدانية صحيحة النسب وكانت من صلحاء النساء الكوفيات"([8]). كما يتردد في المصادر اسم ولد واحد له هو (محسد). ولكن المتنبي في شعره يقدم صورة واضحة لاسرته وظروفها؛ اما عائلته فيؤكد شعره ان له عائلة وعيالاً تركهم في الكوفة في أثناء طوافه بين الإمارات والدول وليس ولداً واحداً (هو محسد) كما تقول المصادر، ففي شيراز، وكان ابنه معه([9])، ذكر لعضد الدولة انتظار عائلته له في الكوفة:

وكم دون الثويــة مـــن حـــزين               يقـول لــه قـــدومـــي ذا بـــذاكا([10])

والثوية موضع في الكوفة([11])، وقوله: (كم من حزين) يدل على عائلة كبيرة، ولعل محسداً كان أكبر أبنائه، وقد استصحبه معه ليعينه على أموره في حلب، وفي رحلته المميتة إلى إيران حيث قتل معه. غير انه لم يأخذه معه إلى مصر بل فضل أن يعود إلى العائلة في الكوفة؛ لأنه لا يذكره في شعره ولا تذكره المصادر معه في مصر. كما ورد ذكر العائلة في شعره الذي قاله في سوريا وفي مصر؛ ففي حلب كان يستأذن الأمير لزيارة أهله في الكوفة:

إذن الأميــــر بــأن أعــود إلــيهم    صلة تـــسير بــشكرهـا الأشـــعار([12])

وفي مصر يذكر شوقه إليهم ولكنه لا يستطيع مواصلتهم لأنه ممنوع من السفر:

أحـن إلـى أهلــي وأهوى لقـاءهـم     وأيــن مـن المـشتاق عنقاء مغـــرب([13])

وهذا يدل على انه كان يفضل إبقاءهم في الكوفة على أخذهم معه أينما ذهب، لأنه آمن لهم، كما يدل على أن المتنبي لم يجعل غاية طموحه (المال) بل (الملك) وإلا لحمل عائلته معه حيث يحل، واكتفى برفد الممدوحين ولعاش حياة مستقرة مرفهة، وهذا يفسر أن شخوصه إلى حلب كان للغاية نفسها ، وان سفره إلى كافور سببه يأسه من الملك جوار سيف الدولة فتركه؛ فهذا الذي اضطره إلى ترك أهله في الكوفة ومواصلتهم بين الحين والأخر.

         والمتنبي يستدل بعظمته على عظمة اصله دائما:

ولو لـم تكوني بنـت اكـرم والــد      لكان أباك الضــخم كونــك لـي أمـَّا([14])

أنا ابـن مـن بعــضه يفــوق أبـا الــباحث والنــجل بعض مـن نجـلــه([15])
على أن الإحساس الواضح الذي يخرج به دارس شعر المتنبي، هو انه كان من عائلة فقيرة، وانه لم يخرج منها من له شأن؛ والدليل خلو شعره ذكر نابهين من آبائه واجداده.

حقيقة ثورته:          

ودليل آخر من شعر المتنبي على انه طلب الملك وليس المال هو تركه مدح الخلفاء العباسيين فلم يقصد بغداد ليدق ابوابهم ليمدحهم ويغتني بجوائزهم لا في أول قوله الشعر ولا بعد اشتهاره. فنراه يترك الكوفة ويقصد الشام؛ لانها خارطة متحركة، أو أو مشروع واعد بالسلطة حسب ما فكر ودبر، ولم يكن تفكيره وتدبيره صائبا دائما في هذا الاتجاه.   

لقد اتخذ بغداد طريقاً الى الشام، واتخذ مدح احدى الشخصيات العلوية سببا للحصول على المال الكافي للوصول إلى الشام. والمتنبي في قصيدته يشير إلى أنه قطع الطريق من الكوفة إلى بغداد مشياً على الأقدام([16]) لعدم امتلاكه اجرة السفر:

لا نــاقتـي تقبــل الرديـــف ولا               بالــسوط يــوم الرهــان أجهــدها

شــــــراكـها كورها، ومـــشفرهـا             زمامـها، والشــسوع مقـودهـا([17])

أراد أنه سافر إليه وناقته نعاله، مما يشير إلى انه كان في أقسى الفقر.

         وشعر المتنبي الأول في الشام يمزج بين شكوى الفقر والثورة ويتوزع على ثلاث مناطق جغرافية (الجزيرة- وشمالي الشام) و(اللاذقية) و(طرابلس) وقد كتب في هذه المرحلة ست عشرة قصيدة.

         إذاً يمثل الشعر الشامي الأول بغض النظر عن الممدوحين شعر الثورة الشاملة، وان قصيدة المدح التي نظمها المتنبي كانت إطاراً لذلك الشعر الهائج المهيج فقصيدة المدح لا تستقل بأصحابها، إذ أن كل ما نظمه ينطبق على كل ممدوح وهذا يؤكد رمزيته، وتؤكد قصيدته الدالية التي مطلعها:

أحاد أم ســداس فــــي أحــــاد                 لييلتنــا المنوطـــــة بالتنــــــاد([18])

أن هدفه اعم واشمل من القرمطية والتشيع، وهو أن تجتمع كلمة العرب وان يعود إليهم ملكهم وسلطانهم وان يرد غير العرب من الخدم والرقيق إلى طورهم الذي كانوا فيه حين كان الملك عربيا صحيحا([19]).

         وقصائده الأولى الساخنة تؤكد انه فضلاً عن التهييج قولا، سعى إلى تنظيم الناس وتكوين حركة مسلحة، ويبدو انه وصل إلى حالة الصفر مبكراً قبل أن يستكمل أدواته، فقد نفد صبره:

لقـــد تـصبرت حتى لات مـــصطبرٍ                   فالآن أقحــــمُ حتـــى لات مقـــتحَـمِ([20])

والحرب عمل جماعي، وهذا يؤكد أنه جمع اتباعاً كما يذكر الثعالبي، ورسم لهم خطة ثم حان وقت الهجوم، ولكن حصل ما قاده إلى السجن. ولكن المصادر غبنت المتنبي في هذه القضية فهي تقول إن  المتنبي غادر العراق ميمما وجهه شطر الشام سنة (321هـ/933م) وبعد طواف في مدن الشام ادعى النبوة([21]).

         إلا أن الثعالبي يبدل ادعاء النبوة بالثورة التي كانت سببه سجنه "وبلغ من كبر نفسه وبعد همته أن دعا إلى بيعته قوماً من رائشي نبله على الحداثة من سنه والغضاضة من عوده وحين كاد يتم له أمر دعوته تأدى خبره إلى والي البلدة ورفع إليه ما هم به من الخروج فأمر بحبسه وتقييده"([22]).  ولكن استخلاص الحقيقة إنما يكون من شعره؛ وليس في شعره ما يشير من قريب أو بعيد إلى ادعاء النبوة أو القرمطية مما يسقط الدعويين. أما أشعاره الثائرة فلا تشير إلى غير (الثورة) ولهذا السبب سجن، وفي شعره يؤكد المتنبي اكثر من (سجنة) فهو يشير إلى سجن كان في كوتكين من قبل أحد الهاشميين:

 

 

 

زعــم المقـيم بكـــوتكــين بأنــه                مـن آل هاشم بـــن عـــــبد مــــناف

فأجبتـه مـذ صـرت مـــن أبنــائـهم            صارت قـــيودهــم مــن الصفصاف([23])

والمحقق أن المتنبي ثار أو كان على وشك أن يثور، كما قال الثعالبي، بدعوى علوية كما يؤكد ذلك ابن كثير والدكتور عبد الرحمن محمد شعيب، ولابد أن نعترف بان الثورة في العصر العباسي أصبحت خالصة للبيت العلوي، وان أهل البيت (عليهم السلام) كانوا يمثلون القاعدة الشعبية للثورة أي أن (التقية) وهي المبدأ الذي التزمه أئمة أهل البيت (عليهم السلام) بعد (معدمة) الطف لم يكن نكوصاً أو تراجعاً، بل هي صورة أخرى للثورة؛ فكل ثورة علوية استندت إلى آل البيت القاعدة الشعبية والشرعية للثورة؛ فثورة محمد النفس الزكية، مثلاً، ما كان لها أن تتم لولا وجود الإمام جعفر الصادق (ع)، ولهذا كان الثوار يدعون إلى شعار ثابت هو (الرضا من آل محمد). وقد "ثار خلال المدة مابين خلافة المعتصم والمعتمد ثمانية عشر ثائراً كلهم دعا إلى الرضا من آل محمد"([24]). بل أدعى الطامحون الاعتياديون أنهم علويون أيضاً ليتم لهم الأمر مثل صاحب الزنج ولم يكن صادقاً في علويته([25]).

         ولارتباط الثورة بأهل البيت فقد استقدم الخلفاء العباسيون من عاصروهم من الأئمة؛ استقدم المنصور جعفر الصادق وموسى الكاظم (عليهما السلام)، واستقدم المأمون الإمام علياً الرضا (ع) إلى إيران حينما كان فيها، واستقدم الإمام محمد الجواد (ع) إلى بغداد حين عاد إليها بل زوجه ابنته ليحكم مراقبته من الداخل والخارج([26])، واستقدم المتوكل الإمام علي الهادي (ع) إلى سامراء، حتى كان زمن الإمام محمد المهدي (ع) الذي اختفى بوفاة أبيه الحسن العسكري (ع) عام (260هـ/874م) الذي استقدم كذلك إلى سامراء، وهو ما يفسر وجود أضرحتهم في مشهد وبغداد وسامراء وهم في المدينة المنورة. وقد استمرت الغيبة الصغرى حتى عام (329هـ/941م) ([27]).

         وقد اعترفت بعض المصادر بأن المتنبي ثار بدعوى العلوية([28])، وكانت ثورته في زمن الغيبة أي قبل عام (329هـ/941م)، ولكنه لم يحقق شيئاً وألقي في سجن حمص، على أن المتنبي لم يكن صادقاً في علويته كما تؤكد أشعاره على نحو واضح وانما كان ينادي بكل العرب لإعادة السلطات الحقيقي إليهم.

ويعترف المتنبي بأنه أراد الثورة ولكنه لم يقم بها في الواقع:

وكـن فـارقـاً بــــين دعـوى أرادت            ودعـوى فعـلت بـشأو بعـــــــيد([29])

 وقد اخرج من السجن واستتيب، ولكنه لم يترك الثورة ولكن صارت دعواه علنية وهي (ثورة عربية) وليس علوية،

ولاحقا أبدى عدم ايمانه بنظرية الانتظار المهدوي، ففي مدحه لابن العميد اقترح عليه ان يكون هو المهدي ليملأ الأرض عدلا بعدما ملئت جورا، فهو نقد والمهدي المنتظر وعد:

 فـان يـكن المهدي من بـان هــديه    فهــذا وإلا فـــالهدى ذا فمـــا المهدي

يعللـنا هـذا الــزمـان بـذا الـــوعــد   ويـخدع عــما في يديه مــن النــقـــد([30])

فهو يرى بعد انتهاء زمن الغيبة وجوب ملء الفراغ وعدم الركون إلى الانتظار، ولهذا استمر المتنبي بالثورة ولكنه أرادها للعرب على نحو كامل ونجد في قصائده بعد السجن اثر الثورة واضحاً:

وان عمرت جعلــت الــحـرب والــدة        والسمـهـري أخـاً والمشــرفي أبـــا

بـكل أشـعث يــلقى المــوت مبتسماً           حـتى كـأن لـــه في قـــتــلـه أربـــا

فالموت اعـذر لي والـصـبـر أجمل بي       والبر أوســع والـدنــيا لـــمن غــلبـا([31])

تطوافه بعد خروجه من السجن: 

         انكمشت نفس المتنبي بعد خروجه من السجن وأحس بالغربة الروحية لأنه اصطدم بقعود الناس واستسلامهم، وله أبيات يخاطب بها أسد الفراديس تبين هذا الشعور ولعله في خطابه الحيوان يستشعر الخوف من بني البشر كما يقول أحد أبياتها:

 

ورائـي وقــدامـي عـداة كثــيرة   أحـاذر من لــص ومنـــك ومنـــهم([32])

وقد وصل المتنبي إلى بدر بن عمار عامل ابن رائق لأهميته، والمتنبي في هذه المرحلة اخذ يطلب الحماة وقد طرح نفسه شاعرا فقط يملأ عيابه بالصلات عتاداً للحرب القادمة ما دام شعار عصره كما قال (الدنيا لمن غلبا) ولهذا نجده يعيش ازدواجية ففي خطابه الأمراء يعظم الكرم:

مـن طـلـب المـجد فلـيكـن كـعلي     يـهـب الألــف وهـــــو يبتـــســـم([33])

وفي خطابه نفسه في تسامح بالبخل:

فما كـــل بمعــــذور ببـــخــل         ولا كل علـــى بخـــــل يــــــــلام([34])

ومدح المتنبي بدر بن عمار بشعر كثير، وسجل في شعره لقاء بدر بن عمار بأسد وصرعه إياه بالسوط. وهذه القصيدة على قيمتها الفنية لا تعني تاريخياً إلا أن المتنبي اصبح شاعره الرسمي فوصف بطولاته وأرخ معاركه وقال يعزيه ويهنئه، ولكن أشعاره في بدر لا تشير إلى هدفه لا من بعيد ولا من قريب مما يعني انه في مرحلة (التحضير)؛ فقد كان بدر بن عمار محطة ليس غير، وقد تركه لذلك. وليس لسوء تصرف، ولا بسبب مكائد الحساد، كما يخبرنا تسلسل الديوان، فانه عرج على العراق لزيارة جدته التي ماتت فرحاً برسالته التي بعثها إليها من بغداد، ولم يرها:

أتـاهـا كتـابـي بعــد يـأس وتـرحة             فماتت سـروراً بـي فمــت بـها غمـاً([35])

ثم عاد إلى الشام مضطرباً يتنقل من الشمال حتى انتهى إلى الرملة مادحاً أبا محمد الحسن بن عبيد الله بن طغج (ت359هـ/970م) بقصيدة مطلعها:

أنـا لا ئمـي إن كنـت وقــت اللـوائم           علمت بما بـي بـيـن تـلك المعـالم([36])

وفي هذه القصيدة يظهر عدم ظفره بهدفه بعد، وصراعه المستميت على ذلك فهو يستسقي فلا يجد أمامه إلا أن يكون شطر مائه دما وإلا فلن يسقى إذا لم يزاحم:

وان تــرد المــاء الــذي شـــطره دم                   فتـسقى إذا لم يـسق مـن لــم يـــزاحم([37])

وكان قد عقد النية على الوصول إلى إمارة الحمدانيين، ولذلك أصبح يغذ السير إلى إنطاكية حيث أبو العشائر عامل سيف الدولة. ولم يكن ندى الأمير يغريه لأنه يريد في هذه المرحلة المجد، ولهذا خاطبه بقوله:

وسـرت إلــيك فـي طلـب المعــالي           وســار سـوى فــي طلــــب المعــاش([38])

ان الحقبة التي سبقت التقاء المتنبي بسيف الدولة لم تكن كبيرة الأهمية، فأهمية المتنبي كانت بهذا اللقاء التاريخي "ولم يزل المتنبي بعد خروجه من الاعتقال في خمول وضعف حال في بلاد الشام حتى أتصل بأبي العشائر ومدحه بقصائد عدة([39])، ولما قدم سيف الدولة إنطاكية عرفه أبو العشائر بالمتنبي" وعرفه منزلته من الشعر والأدب، واشترط المتنبي على سيف الدولة أول اتصاله به أنه إذا انشده مديحه لا ينشده إلا وهو قاعد، وأنه لا يكلف بتقبيل الأرض بين يديه، فنسب إلى الجنون ودخل سيف الدولة تحت هذه الشروط وذلك سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة"([40]).

         وتأتي أهمية مرحلة سيف الدولة في حياة المتنبي في أنه طرح نفسه ماجداً وشاعراً، كما أنه أسهم إسهاماً مهماً؛ هو إسهام المؤرخ، فكان أفضل من أرخ معارك سيف الدولة مع الروم، وقد أدرك المتنبي أن شعره يمثل مع معارك الأمير وحدة متكاملة:

إن هـــذا الشــعر فـي الشـــعر ملـــك        ســـار فهــو الــشمس والــــدنيا فلـك

عـــــدل الرحمــن فيـــــه بيننـــــا             فقـضى بــاللفــظ لــــي والحمــد لك([41])

وقد أشعر المتنبي في هذه المرحلة بإرهاصات الحرب الصليبية، والمتنبي يذكر أن لسيف الدولة غارتين في السنة (الصائفة والشاتية) ولا سيما قبل البرد الشديد والحر الشديد:

دون السهام ودون القرِّ طافحة        على نفوسهم المقورَّة المزعُ([42])

أي قبل الصيف وحرارته وقبل الشتاء وبرودته، متفقا مع المصادر على أن لسيف الدولة اكثر من أربعين وقعة مع الروم([43]).

وقد صحب المتنبي سيف الدولة في معاركه فاتيح له أن يسجل بالتفصيل وقائعها، كما كان يحفز الجنود للمعركة أي أن مهمته كانت مركبة، فهو يقول ملمحا عن اشتراكه في المعارك مخاطباً الشعراء الذين استعانوا بمشاهداته على كتابة أشعارهم:

رضيت منهم بأن زرت الوغى فرأوا                  وان قرعت حبيك البيض فاستمعوا([44])

وقد سجل المتنبي في سيفياته انتصارات سيف الدولة وانهزاماته؛ فكان مصدرا موثوقاً به وغير موارب في الحقيقة. وكان في وصف معاركه مع الروم يقرن اسمه بالبطولة ليصبح داعية عربية مهولة تخافها الحكام، لأنه يطرح الوحدوية والحرب المقدسة أمام التجزئة المتهافتة التي كان عليها الواقع العربي. وسيف الدولة ذو طموح كبير، لم يكتف بحلب وقد حاول مراراً التوسع على حساب الإخشيديين([45])، فضلاً عن رغبته بالتوسع في عمق بلاد الروم وهو ما يفسر عدم توقف هجماته عليهم وأهم من هذا كله طموحه بضم بغداد إليه وقد كانت لهُ سابقة في ذلك([46])، وظهوره بمظهر البطل الغيور في محاربته البويهيين الذين أذلوا الخلافة الإسلامية.

كل هذه الأمور حببت سيف الدولة إلى المتنبي وحببت إليه العمل معه على تحقيق مشروع بعينه وهو نفسه مشروع المتنبي الكبير([47])، وهذه المرحلة تتسم بطلب الفضل والمنزلة:

وذاك لان الفضل عندك باهرٌ          وليس لأن العيش عندك باردُ([48])

"والظاهر أن سيف الدولة كان قد عزم في نفسه ان ينال بهمته غاية الغايات في ضم أشتات البلاد تحت سلطانه وفي ظل حكومته"([49])  فالمشروع الكبير هو إعادة الهيبة للخلافة العباسية "فوافق سيف الدولة المتنبي في المذهب السياسي والرأي الذي يريانه لإنقاذ العرب من عادية الأعاجم"([50]). وفي شعره نجد إشارات إلى اتفاق كان بين الطرفين؛ وهو أن تتوج كل الجهود بالقفول إلى بغداد والسيطرة على المركز:

أنت طول الحياة للروم غاز           فمتى الوعد ان يكون القفولُ

وسوى الروم خلف ظهرك روم               فعلى أي جانبيك تميل([51])

فقوله (فمتى الوعد) وعد سيف الدولة الذي قطعه للمتنبي بأن يغزو العراق ويزيل عنه سلطان الموالي([52])، وأكد ذلك في البيت التالي فانه قصد بالروم الآخرين الذين هم خلف البويهيين([53])، فقد كانوا دائمي المشاغبة عليه والتحرش به وقد قالها صراحة في قصيدته الدالية التي جعلها لتهنئة سيف الدولة بعيد الفطر:

فيا عجبا من دائل أنت سيفه            أما يتوقى شفرتي من تقلدا([54])

فهو يعرض بالدولة التي ينسب إليها علي بن حمدان (سيف الدولة) إشارة إلى (حكومة بغداد) ويرى الواحدي أنه "يريد بالدائل صاحب الدولة يعني الخليفة، يقول

 

أما يخافك إذا تقلدك سيفاً وفي هذا تفضيل له على الخليفة..." ([55]).

المرحلة الأخيرة:

         في شعره المتنبي إشارة الى اختلافات بين الأمير والشاعر وكذلك مشاغبات وتحريضات انتهت إلى التضييق على المتنبي ثم تطورت إلى محاولة التخلص منه وقتله بموافقة الأمير؛ فحين أراد السامري قتله رخص له سيف الدولة ذلك([56])، وفيه يقول:

أسامري ضحكة كل راء               فطنت وأنت أغبى الأغبياء([57])

وكذلك فعل أبو العشائر فأرسل غلمانه لقتله، فاضطر المتنبي إلى التخفي ومراسلة الأمير:

ومنتسب عندي إلى من أحبه          وللنبل حولي من يديه حفيف([58])

فاضطر المتنبي إلى البحث عن أرض جديدة ليقيم عليه مملكته، فالأمير معه هواه ولكنه يسمع للحاشية والنتيجة ينقلب عليه لصالح الحاشية:

وقد كان ينصرهم سمعه                وينصرني قلبه والحسب([59])

وفي شعره إشارات كثيرة إلى تغير الأمير وانقلابه عليه، منها قوله:

ألا ما لسيف الدولة اليوم عاتباً فداه الورى            أمضى السيوف مضارباً

ومالي إذا ما اشتقت أبصرت دونه                     تنائف لا أشتاقها وسباسبا([60])

"فترك حلب متذرعا بمشاجرة تافهة"([61]) وقادته تقديراته المطولة إلى اختيار مصر وكافور، فالفرصة كما رآها مواتية لتحقيق هدفه هناك، ولم تكن الفكرة آنية أو بسبب الغضب، بل أنه هدد بها سيف الدولة وكأنه كان يساومه بقصده مصر على شيء ما، ولهذا لوح له بذكر هجره إلى مصر مهددا:

لئن تركن ضُميراً عن مياميننا                 ليحدثن لمن ودعتهم ندم

وضُمير جبل عن يمين الراحل إلى مصر من الشام قريب من دمشق. فواضح أن المتنبي اختار مصر في تريث كبير وهو عند سيف الدولة، وبعد إهانة أبن خالويه له ترك حلب فوصل إلى مصر سنة (346هـ/957م).

 

المتنبي يصحح تاريخ كافور:

         في هذه المرحلة طرح المتنبي نفسه قائداً، ولذا طلب الولاية من كافور في أول لقاء بينهما:

وغير كثير أن يزورك راجل         فيرجع ملكاً للعراقيين واليا([62])

أي انه لم يجعل علاقته بكافور علاقة مادح بممدوح بل ملك بملك، وأكد له أهليته للملك في قوله:

وفؤادي من الملوك وان كان لساني يرى من الشعراء([63])

وبهذا يتضح أن المتنبي عندما قصد كافور كان مهيئاً نفسه لتحقيق شيء خطير؛ بعدما صار عنده المال والاسم القيادي، ولذا نراه يلحف في طلب الأمارة:

إذا لم تنط بي ضعية أو ولاية         فجودك يعطيني وشغلك يسلب([64])

فهو يعرض عليه الشراكة، وكافور يدرك بأن مطمح المتنبي اكبر من ولاية أو ضيعة ولكنه كان يسوفه. وقد مر المتنبي مع كافور في مرحلتين اكتشف المتنبي في نهاية المرحلة الأولى أنه لا أمل له مع كافور، وحين ليم كافور في أمره قال : "انه يريد أن يكون ملكاً بديار مصر"([65]). وفي المرحلة الثانية من علاقة المتنبي بكافور نجد المتنبي يجدّ في البحث عن بديل من كافور وقد وجده في شخصية (فاتك الكبير)؛ فهو برأيه الحاكم الحقيقي لمصر فهو الشجاع الصادق، والكريم الأصيل على الضد من كافور الذي وصفه بقوله:

أمَيناً وإخلافاً وغدراً وخسةً            وجبناً أشخصاً لحت لي أم مخازيا([66])

ولم يكذب.. وما عرف المتنبي إلا صادقاً([67])، ويؤكد هذا الرأي بلاشير بقوله: "إن المتنبي كان يبحث عن حام غير كافور بعد السنتين.. ولكنه مات فجأة"([68]).

المؤامرة الثلاثية: 

         لم أجد مصدراً تاريخياً، غير ديوان المتنبي، يذكر ما كان يجري في مصر من صراع داخلي على السلطة، ولكن شعر المتنبي دلّ على المؤامرة التي مثلها فاتك الإخشيدي (الكبير) (ت 350هـ/961م) وشبيب العقيلي (ت348هـ/959م) وكان المتنبي محورها للإطاحة بكافور (ت357هـ/968م) وهذه المرحلة اخطر مراحل تحولات المتنبي السياسية. وقد أخمد كافور بغدره المؤامرة في مهدها واستطاع اغتيال شبيب العقيلي لذا لا نفاجأ إذا رأينا المتنبي لا يهنئ كافورا بالنصر بل يرثي شبيباً ويتهكم بكافور:

أتلتمس الأعداء بعد الذي رأت                 قيام دليل أو وضوح بيانِ

رأت كل من ينوي لك الغدر يبتلى            بغدر حياة أو بغدر زمان

برغم شبيب فارق السيف كفه                  وكانا على العلات يصطحبان([69])

وحينما وصل الى قوله:

 

 

وقد قتل الأقران حتى قتلته             بأضعف قرن في أذل مكان([70])

قال كافور "لا والله إلا بأشد قرن في اعز مكان" وتهكم به بقوله:

فما لك تختار القسي وإنما              عن السعد يرمى دونك الثقلانِ

لو الفلك الدوار أبغضتَ سعيه         لعوَّقه شيء عن الدورانِ([71])

وهذه الأبيات تدل على أن شبيباً قتل بغير سلاح، وهو ما تقوله المصادر ويدل على أن شبيباً كان على اتصال  بفاتك قول المتنبي وهو يجمعهما في حالة واحدة :

واسودَ أما القلبُ منه فضيق                    نخيبٌ وأما بطنه فرحيبُ

يموتُ به غيظًاً على الدهر أهلهُ                كما ماتَ غيظاً فاتك وشبيبُ([72])

ومن شعر المتنبي تتضح علاقته الصميمية مع فاتك، فانه يظهر أحب الناس إلى المتنبي فخيال فاتك ظل يطارد المتنبي حتى بعد انتهاء كل شيء وعودته إلى العراق:

يذكرني فاتكاً حلمهُ             وشيء من الندَّ فيه اسمهُ

ولست بناسٍ ولكنني            يجدد لي ريحهُ شمهُ

بمصر ملوك لهم ما له                  ولكنهم ما لهم همهُ([73])

فهذه الأبيات وغيرها تؤكد أن المتنبي كان يضع فاتكاً في مصاف الأمراء، بل هو يتجاوزه، وتظهر فاتكاً أحب الشخصيات التي التقاها المتنبي، وحبه له أكبر من حبه لسيف الدولة الذي أحبه قائداً وإنسانا. يقول أبن جني: "ما رأيت أبا الطيب أشكر لأحد منه لفاتك"([74]).

         ويتضح ذلك الحب في مراثيه المتعددة ومقدار ما كتبه فيه؛ فأبياته في فاتك (357) بيتاً وهي تناظر تقريبا أبياته في الشيرازيات (396) بيتاً أي أعطاه أهمية عضد الدولة. وقد رثاه بقوله:

إني لأجبنُ من فراق أحبتي            وتحس نفسي بالحمام فأشجعُ

أيموت مثلُ أبي شجاعٍ فاتكٍ           ويعيش حاسده الخصيّ الأوكعُ([75])

وهذه الأمثلة تدل بوضوح على أن المتنبي جعل فاتكا ندا لكافور، وأنه أراده البديل منه لحكم مصر. وتذكر المصادر أنه جرت المراسلات بين فاتك والمتنبي كما انهما التقيا في الصحراء وتباحثا([76])، ولا بد أن تلك المراسلات واللقاء أو اللقاءات قد وضع في أثرها مخطط صارم للثورة، وهكذا تعود النغمات الحماسية إلى شعر المتنبي لتلهب الشعر المصري وتهيئه للمرحلة القادمة:

وفي الجسم نفس لا تشيب بشيبه               ولو أنّ ما في الجسم منه حرابُ

يغيِّر مني الدهرُ ما شاء غيرَه                  ويبلغ أقصى العمر وهي كعابُ

تركنا لأطراف القنا كل شهوةٍ                  فليس لنا إلا بهنَّ لعابُ

أعزّ مكان في الدنى سرج سابحٍ               وخير جليس في الزمان كتابُ([77])

كما أنه عمل قصيدة دعائية لفاتك فمدحه ندا لكافور ولم يمدح المتنبي وزيراً أو من هو دون ملك، وبهذا تكون هذه القصيدة ترشيحية دعائية ومطلعها:

لا خيل عندك تهديها ولا مال          فليسعد النطق إن لم تسعد الحالُ([78])

وفيها يقول:

واجز الأمير الذي نعماه فاجئه                 بغير قول، ونعمى الناس أقوالُ([79])

تعريض بكافور([80]). وفي قصيدته هذه بيت يقول طه حسين انه يشير إلى أن المتنبي كان مسجوناً عند كافور أو أنه تحت المراقبة الشديدة([81]) وهو:

وان تكن محكماتُ الشكل تمنعني              ظهورَ جري فلي فيهن تصهالُ([82])

 

ولا بد من أن كافور حال بين فاتك والمتنبي كي لا يلتقيا، وفرضت عليه الحراسة المشددة ولم يسمح لهُ بالحركة، وحين تذرع بزيارة أقطاع له لاستحصال مال منه قال له كافور: لا نكلفك المسير فنحن نأتيك بالمال منه، خوفاً من هربه، وفي ذلك يقول المتنبي:

أتحلفُ لا تكلفني مسيراً                إلى بلد أحاول فيه مالا

وأنتَ مكلفي أنبى مكانا                 وابعد شقة وأشدّ حالا([83])

 

         بل عانى المتنبي حبساً آخر؛ هو حبس العيون والجواسيس الذين أصبحوا يفتشون داخل نفسه وتفكيره ليعرفوا بماذا يفكر ويخطط، فقد دس إليه كافور ليستعلم ما في نفسه ويقول له: قد طال قيامك عند هذا الرجل فقال المتنبي للجاسوس:

يقل له المقام على الرؤوس            وبذل المكرمات من النفوس

إذا خانته في يوم ضحوك              فكيف يكون في يوم عبوس([84])

وقد تعجب البديعي اشد العجب من أن يكون المتنبي وصل إلى هذا الحالة من التضعضع فقبل أن يقف على رأسه لكافور وهو الذي لم يرض أن ينشد سيف الدولة قائماً([85])! وفي أشعاره الأخيرة في مصر نلمس يأسه المفرط وشعوره بالغربة كقوله:

بم التعلل لا أهل ولا وطن              ولا نديم ولا كاس ولا سكن([86])

وتلك أول مرة يحس غربة خانقة كهذي ويطلب وطنا وسكناً "لقد كان وصفه وصف رجل لحقته الغربة فتمنى أهلاً يأنس بهم، ووطناً يأوي إليه، ونديماً يحل عقد سره معه، وكأساً ينتشي منها، وسكناً يتوادع عنده"([87]) كما نراه يعلن عن فشله وصعوبة تحقيق هدفه:

أريد من زمني ذا أن يبلغني           ما ليس يبلغه من نفسه الزمن([88])

وقد مرض المتنبي وتلف في مصر بسبب ماعاناه من ضغوط نفسية وجسمية كما يخبرنا في قصيدة له يذكر الحمى ويعلل سبب المرض:

يقول لي الطبيب أكلت شيئاً            وداؤك في شرابك والطعام

وما في طبه أني جواد                           اضر في جسمه طول الجمام

تعود أن يغبر في السرايا               ويدخل من قتام في قتام

فأمسك لا يطال له فيرعى              ولا هو في العليق ولا اللجام([89])

والبيت الأخير مثل ضربه لحاله مع كافور، أي انه ممنوع من الحركة لتحقيق طموحه في داخل مصر وكذلك هو ممنوع من الخروج لمباشرة هدفه في مكان آخر خارج مصر. وبعد موت فاتك لم يعد أمام المتنبي إلا الهرب من مصر التي كانت آخر جولة في طموحه([90]).

         وفي عرَفة من سنة خمسين وثلاثمائة هرب المتنبي من مصر إلى العراق بعد أن بقي في مصر أربع سنين وستة أشهر([91])، وكانت وجهة الشاعر الكوفة فدخلها في شهر ربيع الآخر سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة([92]). وقد صاحب رجوعه من مصر الانقلاب الكبير في فكرته ونظرته للأمور، وأعلن فشل أداته (القلم) في عصر لا يؤمن بغير (السيف):

حتى رجعتُ وأقلامي قوائلُ لي       المجدُ للسيف ليسَ المجدُ للقلمِ

فاكتب به أبدا بعد الكتاب بنا           فإنما نحن للأسياف كالخدمِ([93])       

وفي العراق يصمت شعره عدا ما نظمه جواباً على رسائل سيف الدولة وقد ضايقت عليه حاشية الخليفة ونالوا منه ليستدرجوه إلى إيران. وفي فارس يلقي شعره السلاح ويصح أعزل، فيتنبه اول مرة على الطبيعة فيصف (شعب بوان) ويحمِّل أدم جريرة سنِّه المعاصي وتعليمه البشر مفارقة الجنان:

أبوكم أدم سن المعاصي                وعلمكم مفارقة الجنان([94])

فالحرب أصبحت باطلة أمام الحياة الهادئة، واصبح طلبها من باب المعصية التي سنها آدم (ع)، ولم يكن الحاكم الفارسي لينسى ما أججه المتنبي ضد الأعاجم، وحفظه الناس أو تمثلوه، وتظهر خشية عضد الدولة من المتنبي انه حين سمع قوله:

لتعلم مصر ومن العراق               ومن بالعواصم أني الفتى([95])

قال: "هو ذا يتهددنا المتنبي"([96]).  وفي شيراز وزع شعره بين المجاملة والتحدي المبطن والاستسلام للنهاية فقد مدح الأمير بعدة قصائد ولكنه غمزه بقوله مستحضرا صورة البدوية:

لو أن فنا خسرو صبَّحكم               وبرزتِ وحدَك عاقة الغزلُ

يقول ابن جني: انه كنيى بذلك عن الهزيمة([97]) وهو ما يتخيله من قيام مبارزة أو لقاء بين العرب والفرس تطيح بدولتهم. وفي قصيدته الأخيرة يذكر مؤامرة عضد الدولة ضده. ويعجب المرء العارف بالمتنبي كيف يحاط بالمتنبي بعرض الصحراء من قبل قاطع طريق، والمتنبي أعجز دولا عن اللحاق به فهو أعلم الناس بطرق الهرب ومجاهيل الصحراء، وقد هرب من حرس ثلاث حكومات (ابن كيغلغ، سيف الدولة، كافور الإخشيدي). ولو كان فاتك قاطع طريق لما قتل أحداً واكتفى بالسلب، ولو كان موتورا من المتنبي لقتل المتنبي واكتفى به عن سواه، ولكنه كان يريد أن يدفن خبره.

ومن خلال هذا العرض التحليلي لمسيرته السياسية الثورية يتضح أن المتنبي رجل من رجال السياسة، وثائر بارز من رجال الثورة، وأنه وظف الشعر لخدمة قضيته وليس العكس. وهذا ما لم يسلط عليه ضوء الدراسة قبلا عدا إشارات لا ترسم صورة كاملة لهذا الرجل الداهية.

ومن خلال تقييمنا لشخصيته السياسية نجده متخوفاً من أن يكون الرجل الأول، فأكثر حالاته يكون محتاجاً إلى أمير يعمل تحت مظلته كما أنه استعمل سلاح الأدب وحده في عصر أصبح عسكرياً تماماً فهو لا يعرف غير لغة والعنف. واقران المتنبي الساسة الذين قابلهم لم يكن يشبههم؛ فكلهم طغاة جلادون لا يتورعون عن القتل والإباحة، والمتنبي لا يستطيع فعل ذلك، ولكنه كمن تستهويه النتائج وحدها ولا يقدر الأسباب لتحقيقها التقدير الدقيق، وبهذا عاد المتنبي إلى طبيعته بعد أن نفض ثوب طموحه فمارس مهمة الشاعر بكل خفة، وتغافل التاريخ والمؤرخون عن كونه خاض في لجة السياسة وعاملوه بوصفه شاعرا فقط.

أخلاقه:

         يبدو البون شاسعاً بين ما ذكرته المصادر وبين ما يبينه شعره في تحديد أخلاق المتنبي، فالصورة التي ترسمها المصادر مزرية جداً، فقد اتهم المتنبي بالبخل؛ قال ابن فورجة: "كان المتنبي داهية، مر النفس، شجاعاً، حافظاً للأدب، عارفاً بأخلاق الملوك، ولم يكن فيه ما يشينه ويسقطه إلا بخله وشرهه على المال"([98])، وتورد المصادر قصصاً متنوعة عن بخله؛ كقصة البطاطيخ في سوق بغداد([99]) وحكاية الخوارزمي عن دنانير الصلات([100]) وحكاية أجرة الغسال التي يرويها الأصفهاني([101]). . . وغيرها.

         كما أتهم بعدم التزامه الديني إلى درجة ترك الواجبات؛ حكى علي بن حمزة قال: "بلوت من أبي الطيب ثلاث خلال محمودة؛ وتلك أنه ما كذب ولا زنى ولا لاط، وبلوت منه ثلاث خلال ذميمة؛ وتلك أنه ما صام، ولا صلى، ولا قرأ القرآن"([102]) واتهمه أبو القاسم الأصفهاني بالضلالة صراحة([103])، ومما رمى به أيضاً التعالي والتعاظم([104]) وهو يوردون حكايات عن ذلك ولعل طه حسين انطلق منها في قوله: "كان المتنبي مغروراً"([105]). كما اتهموه بالضعف والجبن.. قال الأصفهاني: "قال بعض من شاهده، انه لم تكن فيه فروسية، وإنما كان سيف الدولة سلمه إلى النخاسين والرواض، فاستجرأ على الركض والحضر، أما استعمال السلاح فلم يكن من عمله"([106])، ولذلك زعموا أنه هرب من المواجهة الأخيرة في دير العاقول على الضد مما يدعيه في شعره من بطولة([107]).

         واتهم المتنبي بكثير غير ذلك مما هو مجانب للحقيقة والواقع في اغلبه؛ لان تاريخ المتنبي كتب في بغداد في الحقبة التي زامنت رجوعه من مصر إلى العراق أو التي بعدها وكتبته أقلام مأجورة حرصت على إرضاء الوزارة العباسية المعادية للمتنبي وقد تحامل عليه أغلب الكتاب؛ الأصفهاني والثعالبي والصاحب بن عباد وابن وكيع التنيسي والعميدي والبديعي وغيرهم. ونستطيع من خلال شعره أن نذكر بعض من أخلاقه وصفاته وقد سجل المتنبي جانباً من نفسيته وأخلاقه في شعره ومن ذلك:

  1. الألفة: فقد كان محباً للناس ألوفاً يتفقد الصديق ويجزع لفراقه كقوله:

خلقت ألوفاً لو رجعت إلى الصبا     لفارقت شيبي موجع القلب باكيا([108])

وهذا جعله يصور لحظات التوديع بأرق وصف وأبداعه:

إني لأجبن من فراق أحبتي            وتحسُّ نفسي بالحمام فأشجُعُ([109])

وأبانَ شعره عن تواضع للصديق قلَّ نظيره كقوله لأحد الأصدقاء حين جاء يعاتبه قائلاً: سلمت عليك فلم ترد عليَّ الجواب:

أنا عاتبٌ لتعتبكْ                 متعجبٌ لتعجبكْ

اذ كنتَ حين لقيتني             متوجعاً لتغيبكْ

فشغلتُ عن ردِّ السلام                  وكان شغلي عنكَ بكْ([110])

وقال في وداع صديق:

ماذا الوداع وداع الوامق الكبد                 هذا الوداع وداع الروح للجسد([111])

  1. عقدة الحسد: أبان شعر المتنبي عن قلقه، وخوفه من الحسد. وقد وردت لفظة الحسد مع مشتقاتها أكثر من (ستين) مرة في شعره أما معاني الحسد فهي أوسع من أن يوقف عليها فأعداؤه وذاموه ومهجووه كلهم في نظره حساده حتى اللئام وهذا يفسر تسمية ابنه (محسداً)([112]).
  2. الحزن: عاش المتنبي حزيناً مكظوظاً والحزن صفة بارزة عليه ألقت ظلالها كثيفة على شعره فشعره تغلب عليه السوداوية، ففي سيفياته وهي مرحلة مستبشرة من حياته نجد أن استعماله ألفاظ الفرح والسرور أقل كثيراً من الألفاظ الدالة على الحزن أما في مصر فقد أجاد الغناء الحزين كل الإجادة([113])،وقد انطوت أبياته الأخيرة (الكافية) في إيران على حزن بلغ غايته فانقلب إلى استسلام مرير للنهاية.
  3. عدم الانتماء لاحد: كان المتنبي متفرداً غير تابع لجهة ولهذا أبدل أرضاً بأرضً وأميراً بأمير، ومن الصعب أن يضعه أحد في دائرة  محددة فلا هو عباسي ولا هو علوي ولا هو سيفي ولا كافوري ولا عضدي أي انه لم ينتمِ إلى أحد، بل انه انتمى إلى العروبة والإسلام على نحو مطلق، وإلى نفسه التي جعل منها محوراً في التغيير الذي نهد إليه وكذلك في أوقات سباته وتراجعه.
  4. العفة: دل شعره على أنه كان عفيفاً نظيف القلب ولهذا خلت حياته من النساء وشعره من الحب فالمراة في شعره صورة جامدة معلقة في جدار القصيدة إلا أن شعره أعطى صورة جلة لعفته:

وترى المروّة والفتوّة والأبـــــــــــــــــــوْة فيَّ كل مليحةٍ ضراتِهَا

هنَّ الثلاثُ المانعاتي لذتي             في خلوتي لا الخوفُ من تبعاتِهَا([114])

وقد استقدتُ من الهوى وأذقته                  من عفتي ما ذقتُ من بلبالِهِ([115])

مقتله:

بعد أن بقي المتنبي في بغداد سبعة أشهر أو ثمانية([116]) قصد إيران، وأرى أنه استدرج اليها. وفي فارس مدح أبن العميد وأقام عنده في أرجان شهرين([117]) ثم مدح عضد الدولة في شيراز وبقي عنده زهاء ثلاثة أشهر([118]). وفي الطريق (في دير العاقول) وهو عائد من شيراز إلى الكوفة قتل من مجهولين يوم الأربعاء لست بقين من شهر رمضان سنه أربع وخمسين وثلاثمائة([119]) الموافق 26/7/965م.

وقد ذكرت في مقتله قصص مختلقة لا ترقى الى الاقناع أجملها البديعي في كتابه الجامع لأخبار المتنبي (الصبح المنبي). وقد جعلت القاتل قاطع طريق (فاتك الاسدي)، وهي تشبه ما نسميه اليوم (ضد مجهول)، ففاتك لم تعرّفه المصادر ولا تذكر حتى اسم ابيه.

وفي حين تعجز المصادر عن ذكر سبب مقنع لقتل المتنبي، او قاتل مقنع، نجد المتنبي يذكر بشدة ان قاتله (عضد الدولة) والسبب هو (الخوف والبغض). قال المتنبي في آخر قصيدة انشدها لعضد الدولة، وهي آخر قصيدة له:

 

وَهَذا الشَوقُ قَبلَ البَينِ سَيفٌ       فَها أَنا ما ضُرِبتُ وَقَد أَحاكا

وَأَيّا شِئتِ يا طُرُقي فَكوني       أَذاةً أَو نَجاةً أَو هَلاكا

يُشَرِّدُ يُمنُ فَنّاخُسرَ عَنّي       قَنا الأَعداءِ وَالطَعنِ الدِراكا

وَأَلبَسُ مِن رِضاهُ في طَريقي       سِلاحاً يَذعَرُ الأَبطالَ شاكا([120])

فهذه الابيات تحتاج قراءة وفق ما يسميه العرب (اللحن) أو (المحاجاة) وهو كلام يفهمه المخاطب بفحواه وان كان على غير وجهه. فـ(الشوق = الكره والحقد) وهو لشدته كسيف يقطع الضريبة قبل أن يمسها، مشيرا الى انه قتل بشيف حقد عضد الدولة. وفي البيت الثاني استسلام من قتله الذي لا مفر منه. وبعده بيتان يوضحان بل يفضحان ما سيلقى في الطريق من غدر اذا قرأناهما بألفاظهما المقصودة، فيكون: سيجلب حقد عضد الدولة لي وعدم رضاه عني في طريق عودتي الطعن والضرب والقتل الذي يذعر الابطال. ويهذا يكون المتنبي قد سجل سيرته الصادقة والمعتمدة بنفسه.

 

([1]) شرح ديوان المتنبي: 1/ 400.

([2]) شرح ديوان المتنبي: 4/ 410.

([3]) ابن خلكان، وفيات الأعيان وأنباء أهل الزمان: 1/ 120.

([4]) شرح ديوان المتنبي: 2/ 42.

([5]) شرح ديوان المتنبي، 2/364.

([6]) ابن خلكان، وفيات الأعيان: 1/ 123.

([7]) شرح ديوان المتنبي: 4/ 178 .

 

([8]) الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد: 4/ 103.

 

([9]) ينظر: البديعي، الصبح المنبي: 172.

([10]) شرح ديوان المتنبي: 3/ 129.

 

([11]) ياقوت الحموي، معجم البلدان: 2/ 87.

([12]) شرح ديوان المتنبي: 2/ 192.

([13]) المصدر نفسه: 1/ 307.

([14]) المصدر نفسه: 4/ 233.

([15]) المصدر نفسه: 3/ 383.

 

([16]) طه حسين، مع المتنبي: 52.

([17]) شرح ديوان المتنبي: 2/ 26.

([18]) المصدر نفسه: 2/ 74.

 

([19]) مع المتنبي: 60.

([20]) شرح ديوان المتنبي، ج4، ص157.

([21]) ينظر في قضية ادعاء المتنبي النبوة: الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد: 4/ 104؛ ابن كثير، البداية والنهاية، (بيروت، مكتبة المعارف، د.ت): 1/ 257؛ البديعي: الصبح المنبي: 45- 52 وغيرهم.

([22]) الثعالبي، يتيمة الدهر: 1/ 141.

([23]) الواحدي، شرح ديوان المتنبي، تحقيق: فريدريخ ديتريصي، (برلين، 1861): 856 (ذيل).

([24])الغيبة الصغرى، محمد صادق الصدر: 80.

([25]) تاريخ ابن الوردي: 1/ 101.

([26]) الغيبة الصغرى: 1/ 101.

([27]) الغيبة الصغرى: 1/ 341.

([28])المتنبي بين ناقديه في القديم والحديث: 338.

([29]) شرح ديوان المتنبي: 2/ 68.

([30]) المصدر نفسه: 2/ 170.

([31]) المصدر نفسه: 1/ 248- 249.

 

([32]) شرح ديوان المتنبي: 4/ 214.

([33]) المصدر نفسه: 4/ 181.

([34]) المصدر نفسه: 4/ 193

([35]) المصدر نفسه: 4/ 229- 232.

([36]) المصدر نفسه: 4/ 236.

 

([37]) المصدر نفسه: 4/ 238.

([38]) المصدر نفسه: 2/ 325.

([39]) الصبح المنبي: 68.

([40]) المصدر نفسه: 71.

([41]) شرح ديوان المتنبي: 3/ 113- 114.

 

([42]) شرح ديوان المتنبي: 2/ 337.

 

([43]) ينظر: شرح الواحدي:454.

([44]) شرح ديوان المتنبي: 2/ 342.

([45]) تاريخ الدويلات العربية والإسلامية في المشرق والمغرب: 2/ 251.

([46]) مآثر الانافة: 1/ 296.

([47]) المتنبي بين ناقديه: 286.

([48]) شرح ديوان المتنبي: 1/ 403.

([49])المتنبي، محمود شاكر: 303.

([50]) المصدر نفسه: 326.

([51]) شرح ديوان المتنبي: 3/ 277.

([52]) المتنبي، محمود شاكر: 328.

([53])شرح الواحدي:617.   

([54]) شرح ديوان المتنبي: 2/ 9.

 

([55]) شرح الواحدي:،532.

([56]) الصبح المنبي: 486.

([57]) شرح ديوان المتنبي: 1/ 169- 170.

([58]) المصدر نفسه:، 3/ 25.

([59]) المصدر نفسه: 1/ 226.

([60]) المصدر نفسه: 1/ 199-200.

([61]) حياة ابي الطيب المتنبي وشعره، بلاشير، مجلة المورد، المجلد السادس، العدد الثالث سنة 1977 (عدد خاص بالمتنبي): 47.

([62]) شرح ديوان المتنبي: 4/ 427.

([63]) المصدر نفسه: 1/ 159.

([64]) المصدر نفسه: 1/ 306.

 

([65]) البداية والنهاية: 11/ 259

([66]) شرح ديوان المتنبي: 4/ 432.

([67])الخصائص، ابن جني: 1/  239.

([68]) حياة أبي الطيب المتنبي وشعره: 47.

([69]) شرح ديوان المتنبي: 4/ 373- 376.

 

([70]) شرح ديوان المتنبي:4/ 375.

([71]) المصدر نفسه: 4/ 378.

([72]) شرح الواحدي: 704.

([73]) شرح ديوان المتنبي: 4/ 373- 376.

([74]) النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، ابن تغري بردي: 3/ 397.

([75]) شرح ديوان المتنبي: 3/ 12، 19.

([76])وفيات الأعيان: 4/ 21.

([77]) شرح ديوان المتنبي: 1/ 316- 319.

([78]) المصدر نفسه: 3/ 394.

([79])المصدر نفسه: 3/ 396.           

([80])ذكرى أبي الطيب بعد ألف عام، عزام: 169.

([81]) مع المتنبي: 325.

([82]) شرح ديوان المتنبي: 3/ 396.  

 

([83]) شرح ديوان المتنبي: 3/ 392.

([84]) المصدر نفسه: 2/ 311.

([85]) الصبح المنبي: 112.

([86]) شرح ديوان المتنبي: 4/ 363.

([87]) الإشارات الإلهية، أبو التوحيدي :114.

([88]) شرح ديوان المتنبي/ 4/ 364.  

([89]) المصدر نفسه: 4/ ص279.     

([90]) اثر الإخفاق في شعر المتنبي، صبيح صادق، مجلة المورد، المجلد السادس، العدد الثالث، سنة 1977 (عدد خاص بالمتنبي): 118.

([91])ذكرى أبي الطيب: 110.

([92]) الصبح المنبي:ص27.

([93]) شرح ديوان المتنبي: 4/ 291.

([94]) شرح ديوان المتنبي: 4/ 389.

([95]) المصدر نفسه: 1/ 165.

([96]) الواضح: 20.

([97]) شرح ديوان المتنبي: 4/ 18.

([98]) الصبح المنبي: 95.

([99]) المصدر نفسه: 95- 96.

([100]) يتيمة الدهر: 1/ 135- 136.

([101]) الواضح: 22.

([102]) الصبح المنبي: 94.

([103]) الواضح: 7.

([104]) الصبح المنبي: 92.

([105])مع المتنبي: 13.

([106]) الواضح: 17.

([107]) الصبح المنبي:175.

([108]) شرح ديوان المتنبي: 4/ 321.

([109]) المصدر نفسه: 3/ 12.

([110]) شرح الواحدي: 60.

([111]) شرح ديوان المتنبي:،2/ 116.

([112]) الحماسة في شعر المتنبي، محمد تقي جون: 72.

([113]) مع المتنبي: 332.

([114]) شرح ديوان المتنبي: 1/ 349- 350.    

([115]) المصدر نفسه: 3/ 182.

([116]) مع المتنبي: 350,

([117]) ذكرى أبي الطيب: 237.

([118]) المصدر نفسه: 247.

([119]) وفيات الأعيان: 1/ 123.

([120]) شرح ديوان المتنبي: 3/ 128، 133، 134.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . محمد تقي جون
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/02/15



كتابة تعليق لموضوع : المتنبي يكتب سيرته
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net