صفحة الكاتب : ا . د . حسن خليل حسن

حلول ازمة المياه في البصرة
ا . د . حسن خليل حسن

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

         سيجري عرض مختصر لبعض الحلول الجديرة بحل ازمة نقص المياه في محافظات الجنوب وبالأخص محافظة البصرة، مع التركيز على افضل الحلول العاجلة لمواجهة كارثة نقص المياه خلال الاشهر القليلة المقبلة، لإنقاذ هذه المحافظة التي تعد ثالث اكبر مدينة عراقية يقطنها اكثر من 4 ملايين نسمة من جفاف وشيك. وللاختصار سنناقش الموضوع وفق النقاط التالية:
1-  اذا اعتبرنا ان الانسان اولوية في العراق، فإن توفير مياه الشرب وعزلها عن باقي الاستخدامات سيكون من اهم الامور الواجب التفكير بها مستقبلاً في ظل تحديات نقص المياه بسبب تكرار سنوات الجفاف طبيعياً وتزايد نشاط الخزن داخلياً وخارجياً.
2.  محافظة البصرة تعتمد على نهر دجلة فقط (بعد قطع نهر الفرات عنها منذ العام 2010 قبل القرنة)، ونهر دجلة يستلم مياهه بنسبة 39% من تركيا )) 61% من اقليم كردستان،  وان نهر دجلة يعبر      10 محافظات (بإستثناء المحافظات التي تعتمد على بحيرة الثرثار وجدول الغراف ومصدرهما من مياه نهر دجلة ايضاً) قبل ان يصل الى محافظة البصرة، ويجري استهلاك معظم مياهه خلال رحلته الطويلة، ويحمل ملوثات تلك المحافظات الى مياه شط العرب الذي يمثل شريان الحياة في محافظة البصرة.
3- تعتمد البصرة على مصدرين من المياه العذبة اولهما قناة مياه البدعة ومصدره مياه جدول الغراف المتفرع المتفرع من نهر دجلة مقدم سدة الكوت، الشكل (1) ، وتوفّر قناة البدعة ما بين عن 5-7 متر مكعب بالثانية لسد بعض متطلبات مياه الشرب والاستخدامات المنزلية في البصرة(الجانب الاوسط والغربي من المحافظة)، وثانيهما مياه الاسالة المأخوذة من مياه شط العرب لسد احتياجات الجانب الشرقي (مركز محافظة البصرة والتجمعات السكنية على جانبي شط العرب).
4- من المهم التفكير بانشاء قناة لنقل مياه الشرب والاستخدامات المنزلية من الموصل بدلاً من الكوت،  ثم تنظم بشبكة من الانابيب لتوزيع مياهها على مدن بغداد وواسط وميسان والبصرة، وقناة مماثلة باتجاه محافظات صلاح الدين والفلوجة وبابل وكربلاء والنجف والقادسية والمثنى وذي قار، الشكل(2)،  لتكون المياه العذبة في الوسط والجنوب معزولة تماماً عن الاستخدامات الاخرى، لتجنب تلوثها وتملحها وتسهيل التحكم بحجم الاطلاقات المائية.
5- عند البدء بإملاء الخزن (الميت)* لسد اليسو التركي بعد شهرين او ثلاث على الاكثر، سيقل تصريف نهر دجلة الى النصف تقريباً، اذ يشير الخبراء ان  ايرادات نهر دجلة ستنخفض من 20.95 مليار متر مكعب في السنة، التي يحصل عليها العراق حالياً، إلى 9.5 مليارات متر مكعب بعد تشغيل السد؛ 
     أي ما يزيد على النصف، واذا افترضنا اعلى التوقعات بأن نهر دجلة سيجلب 10 مليار متر مكعب، فان هذه الكمية ستقسّم على جميع المحافظات العشر التي يمر بها قبل ان يصل الى البصرة، وبعبارة  اخرى ان ما يمثل تصريف نهر دجلة في الكوت حالياً سيكون هو التصريف الكلي الداخل لأول منطقة عراقية (الموصل) في احسن الاحوال، وستكون هذه الكمية هي الحصة الكلية لجميع المحافظات التي يمر بها نهر دجلة.

الشكل (1) الموارد المائية السطحية في العراق
ـــــــــــــــــــــــ 
الخزن (الميت)* هو الكمية الدائمة التواجد في بحيرة السد، وما زاد عليها هو خزن حي يتم استخدامه.


الشكل (2) مسار القنوات المقترحة لنقل مياه الشرب باتجاه وسط وجنوب العراق.
6- محافظة البصرة هي الاكثر تضررا من ازمة المياه المقبلة  من حيث كمية المياه ونوعيتها خصوصاً خلال الصيف لأنها الابعد عن منابع دجلة فهي آخر محطة من مجاري النهرين والاكثر سكاناً والاشد حرارةً.
7-  هنالك تجاوزات كبيرة على حصة محافظة البصرة ومن المتوقع ازدياد تلك التجاوزات مستقبلاً اذ لا يوجد قانون واضح لتقاسم المياه بين محافظات العراق، سوى فقرتين في دستور جمهورية العراق هما الفقرة  110 وهي فقرة عائمة لأنها لا ترتب اثر قانوني على التجاوزات الحاصلة بين المحافظات، والمادة 114 (الفقرة: سابعاً) التي فتحت الباب لتشريعات تخص توزيع المياه بشكل عادل لكنها لم تشرّع أي قانون لحد الان، واذا كانت البصرة حالياً لا تحصل على اكثر من 40 م3/ثا من نهر دجلة في احسن احوالها فما الذي ستحصل عليه في حال نقص المياه الى نصف الايراد المائي الحالي.
8- من الواجب ان تعتمد الحلول في محافظة البصرة على ايراداتها المالية من تصدير النفط لإنجاز حلول حقيقية، وان لا تعتمد فقط على الحكومة الاتحادية بسبب سياسات التقشف وخفض الانفاق الحكومي ، وان تبدأ الحلول سريعاً فاذا تعززت الازمة بشكل اكبر ستكون الحكومة مشغولة بمناطق اخرى في محافظات الوسط والشمال.

السيناريوهات مقترحة لتقليل اثر الشحة المائية في البصرة (وجدوى كل حل):
من المهم وضع بعض السيناريوهات التي جرى الحديث عن بعضها لمواجهة ازمة شحة المياه لبيان نقاط القوة والضعف في كل سيناريو مقترح واختيار اكثرها ملائمة وهي كالتالي:
اولاً:  اذا افترضنا ان الحكومة ذهبت الى التفاوض مع تركيا او ايران او كردستان فمن المتوقع ان توافق على تزويدنا بالمياه لكن بشروط مالية ثقيلة وتنازلات سياسية قاسية، وحتى مع تحقق ذلك ستكون تلك الدول والكيانات هي المتحكمة بالعراق لأنها تتحكم بأهم الامور الحياتية وهي الماء، وربما سترفع من سقف مطالبها مستقبلاً، كما ان البصرة  لن تحصل على كفايتها من المياه  العذبة الصالحة للاستخدام المنزلي بسبب موقعها في  ذنائب الانهار، ثم ان كمية المياه فقط لا تحدد مدى الاستفادة منها اذا كانت نوعيتها رديئة وملوثة.
 ثانياً: لو افترضنا ان الحكومة ستتوجه الى بناء سدة او هويس ملاحي في الجزء الجنوبي او الاوسط من شط العرب لمنع توغل جبهة المد البحري فهذا غير اجراء منطقي للأسباب التالية:
1.    ان مدة انشاء السد تتراوح ما بين  2-4 سنوات لأنها تحتاج الى دراسة جدوى اقتصادية ودراسة الاثر البيئي ثم فحص مواصفات التربة وغيرها قبل البدء بالعمل الذي يتطلب سنوات.
2.    ان بناء سد امر غير منطقي حالياً لان التلوث في شط العرب وتملح مياهه ليس مصدره البحر فقط، اذ  تشترك الاهوار المجففة والاراضي الزراعية ومياه البزل في تملح في شط العرب، ناهيك عن استمرار تلويث الانهار الداخلية في مركز المدينة لمجرى شط العرب.
3.    ان المنشأ المقترح سيقيد من حركة التيارات في شط العرب وهو ما قد يسبب مشاكل بيئية كارثية في ظل تصريف مياه الصرف والنفايات اليه مباشرة.
4.    ان التكاليف الكبيرة للمنشأ تتعارض مع سياسة التقشف الحالي وتقليص الانفاق الحكومي، وان توفرت فستكون مخفّضة وستنعكس على جودة المشروع.
5.    ان تجربة البصرة مع المشاريع التي تُقام وتُدار محلياً في البصرة غير مثمرة، فمشروع قناة كتيبان وميناء الفاو الكبير اصدق دليل على ذلك.
6.    هنالك محاذير بيئية وهندسية محتملة من السدة المقترحة في مجرى شط العرب في منطقة ابي فلوس فربما يسبب رفع مستوى الماء الارضي في الاراضي الواقع على خلف السد على جانبي شط العرب، عند ارتفاع منسوب المد في مقدمة السد، حيث يحدث المد مرتين في اليوم.
7.    من المتوقع ان يكون للسد تأثير سلبي على الحياة البايلوجية وتنوع الاحياء المائية في شط العرب.
8.    من المحتمل ان لا يكون للسد اهمية مستقبلاً في حال انقطاع نهر دجلة نهائيا عن البصرة كما هو متوقع ان يحصل ذلك في العام 2050 ، وهذا ليس مستبعداً اذا انقطع نهر الفرات قبل ذلك، اذ من المتوقع ان ينقطع نهر الفرات عن العراق في العام 2035 وحتى قبل ذلك الموعد فان مياهه اصبحت شديدة الملوحة لقلة تصريفه وهو ما سيعجّل موعد الكارثة.
       ثالثاً:- الافتراض الثالث هو استيراد المياه من ايران (نهر الكارون): وهذا امر ممكن في حالات محددة ومؤقتة لكنه مكلف ويحتاج الى ادارة وبنى تحتية جديدة، كما انه غير مناسب على المدى البعيد وفيه محاذير عديدة، وكمثال فقد امتنعت دول الخليج عن استيراد المياه من أي بلد آخر رغم الامكانات المادية الكبيرة لهذه الدول لأنها ادركت ان الاعتماد على دولة اخرى يضعف امنها القومي، ويجعلها تحت رحمة الاخرين.
رابعاً: الاعتماد على الذات في توفير المياه محلياً عن طريق تحلية مياه الخليج: 
        ان الاعتماد على تحلية مياه البحر هو افضل الحلول واسرعها تنفيذاً واكثرها نجاحاً في الوقت الحاضر، وتعّرف تحلية المياه Water desalination على انها عملية إزالة كل أو جزء من الأملاح الزائدة والمعادن الذائبة في الماء. والهدف من التحلية هو استعمال المياه المُنتجة في سد احتياجات الانسان في مجالات الاستهلاك الزراعي واغراض الشرب والصناعة وغيرها.
ونرجّح سيناريو تحلية المياه لسد نقص مياه الشرب في البصرة للأسباب التالية:
1.    ان  مياه البحر مصدر دائم للمياه الخام وقد استمرت التحلية في دول الخليج لقرون وبنجاح وبوتيرة انتاج مستقرة.
2.    تكلفة انشاء وتشغيل محطات التحلية أقل من تكلفة انشاء وتشغيل المنشآت التقليدية، مثل السدود.
3.     تناقص تكلفة التحلية خلال الاعوام الاخيرة ، وهو قليل مقارنة بالسيناريوهات الثلاث السابقة اذ تتراوح تكلفة انتاج متر مكعب من المياه المحلاة بطريقة التناضح العكسي RO ما بين   220 – 750 دينار عراقي (وتقل التكلفة كلما زادت الكمية المُنتجة). 
4. ان انجاز ونصب محطات تحلية تستغرق اشهر قليلة اذا توفرت الارادة، ونشير الى وجود احد معامل استغلال الاملاح البحرية(تابع الى التصنيع العسكري) قرب لسان المدينة المنورة الشكل (3) الذي تدخل من خلاله مياه البحر خلال المد الى المعمل عبر قناة مفتوحة لهذا الغرض، وهي موجودة حالياً ولا ينقصها سوى نصب محطات تحلية المياه، علماً ان البنى التحتية من طرق وكهرباء متوفرة لتلك المناطق.
5. مواصفات المياه البحرية العراقية مالحة الى مويلحة تتراوح ملوحتها ما بين 32-36 جزء بالالف، وبالرغم من وجود مشكلة ترسيب عالي قرب الساحل العراق الا ان استغلال حركات المد في سحب المياه الداخلة في التحلية تقليل من تأثير الرواسب، كما ان تحويل مجرى نهر الكارون  وانخفاض تصريف نهر دجلة وانقطاع نهر الفرات عن شط العرب خلال السنوات الاخيرة، سوف يقلل من حالات الترسيب في المنطقة.
6. للعراق اطلالة بحرية بطول 64 كم على خور عبدالله ويمتلك بحر اقليمي في الخليج العربي وهذا الجزء عرضة للتمدد عليه من قبل دول الجوار البحري، وسيكون استثماره نقطة تحول في ملف الحدود، لأنه سيكون مورد لحياة الاجيال ونهاية للمطامع في ضمه الى اراضي الغير.
7. ان حركات المد والجزر التي تحدث مرتين في اليوم الواحد الشكل (3) تخدم عمليات التحلية، اذ يمكن ان تدخل المياه البحرية الى داخل اليابس (الساحل العراقي) وبذلك تصل المياه الخام الى محطات التحلية بدون سحب من عرض البحر العميق، لوجود ارتفاع يومي لمناسيب المياه البحرية مرتين يومياً، حيث يصل مدى المد Tidal range   (الفرق بين اعلى مد وادنى جزر) قبالة الساحل العراقي حوالي 3.5 متر. وهنالك فائدة متحققة من تيارات الجزر التي من الممكن ان تسحب مخلفات المحطات  Drain  فهنالك مدة 6 ساعات خلال حدوث الجزر لتصريف المياه الناتجة عن عمليات التحلية لابعاد ما تحتويه المياه المتخلفة من محلول ملحي وانبعاثات غازية مرافقة وحرارة  للمياه المصروفة.
8. يمكن فتح قنوات مشابهة للسان المدينة المنورة لإدخال المياه البحرية خلال المد في الجزء الغربي من الساحل العراقي المقابل لجزيرة وربه الكويتية ومدخل خور الزبير، ويمكن تعميق الخيران الموجودة في ذلك الجانب واستثمار حركات المد في ادخال المياه الخام الى محطات التحلية هناك.
9.  من الممكن استثمار مياه بحيرة ساوه في التحلية لسد لنقص الحاصل في محافظات الفرات الاوسط حيث يقل تركيز الاملاح في مياه البحيرة عن 20 جزء بالألف، ويمكن ان تكون مصدر دائم لمياه الشرب بعد انشاء محطات تحلية بالقرب منها كونها ذات مصدر جوفي دائم من تكوين الدبدبة الذي  ينكشف في مناطق واسعة في شبه الجزيرة العربية ليستلم كميات كبيرة من التساقطات المطرية.   

الشكل (3) يوضح مواقع محطات التحلية المقترحة بالاستفادة من حركات المد والجزر الذين يحدثان
 

 

 جامعة البصرة – مركز علوم البحار
h_almahmood@mscbasra.org
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ا . د . حسن خليل حسن
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/03/23



كتابة تعليق لموضوع : حلول ازمة المياه في البصرة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net