صفحة الكاتب : حميد الحريزي

العراق اليوم - الواقع وآفاق المستقبــل الوليد المشوه ...... الرحم القاصر
حميد الحريزي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
 البنية الاجتماعية الاقتصادية  في بلدان العالم الثالث ، لا تمتلك رحما قادرا  على انجاب  وليدا  ديمقراطيا معافى ، وذلك بسبب تشوه  البنية الطبقية  لهذه المجتمعات قياسا  لوضوح معالمها  وحدودها في العالم الاول  والثاني ، مما يجعلها مؤهلة  لولادة طبقة اجتماعية  حاملة  لثقافة  التحولات الديمقراطية  الا وهي الطبقة البرجوازية الناهضة  وخصوصا  في فترة صراعها  ضد الطبقة الاقطاعية  الممسكة بالسلطة الملكية ، كما انها  بالضرورة  تنتج نقيضها  الطبقي الطبقة العاملة  المنتجة ، وما بينهما  الطبقة  المتوسطة  هذه الطبقة  التي تمثل  حزام الاشعاع الفكري والثقافي  في اتجاهين متضادين  صوب الطبقة الاقطاعية وأنصارها  وصوب  الطبقة البرجوازية  والعاملة وأنصارها ، فبقدر  ما تكون هذه الشريحة او الطبقة  نامية معافاة مزدهرة يزدهر الفكر والحوار  والحراك  السلمي  المتحضر في المجتمع وهي  بالتأكيد تؤثر وتتأثر بمدى قوة وهيمنة  وتنظيم الطبقتين  البرجوازية والطبقة العاملة ......
كأني اسمع  الهمس  بين بعض القراء والأصدقاء وهم  يشفقون  على كاتب مسكين  لازال  يتكلم   بمفردات  ومفاهيم  عفى عليها الزمن ، حيث اصبحت  مفاهيم  مثل الطبقة والبرجوازية والطبقة العاملة  وما اليه  من  علامات  التخلف  وعدم  مواكبة العصر حتى عند بعض ادعياء اليسار والشيوعية !!!!!
عموما نعود  الى صلب  الموضوع  نقول  ان  افكار الحرية والديمقراطية  والحداثة  لا يوجد لها حامل فكري  في  مثل بلداننا  وخصوصا   الريعية منها  المعتمدة بالدرجة الاولى على ايرادات البترول ، معتمدة   على الاستيراد  الجاهز لأبسط  الاشياء والحاجات  في بلدانها  ابتداء من  الحذاء والمكنسة الى  الطائرة .... اي بمعنى عدم وجود  طبقة برجوازية  وطنية منتجة بل برجوازية طفيلية  تابعة لقوى الرأسمال العالمي ، وبالتالي  هشاشة  وشرذمة  وكتلوية  نقيضها الطبقي  اي  الطبقة العاملة المنتجة ، وبالتالي  موت الطبقة الوسطى الفاعلة ....
 فمن يحمل راية الحداثة والديمقراطية في هذه البلدان ؟؟؟؟
في العراق  تأسست الدولة العراقية  على يد الاستعمار البريطاني  ، فصنع برلمان  ومجلس اعيان ودستور  ، وقانون انتخابات  وا اليه من مستلزمات  مظاهر واليات الديمقراطية .... ولكنها  وكما  وصفها  الرصافي (( ... علم ودستور ومجلس امة كل  عن المعنى الصحيح محرف )).... فعاني   عموم  ابناء العراق من الجهل والمرض والبطالة والقهر  والفقر  رغم ثرواته  الكبيرة ... هذا ما   جعل  ثلة من ابناءه العسكر  ان ينتصروا له   من اجل  ان تكون الديمقراطية ومؤسساتها  ومظاهرها والياتها تخدم  الاغلبية الساحقة من ابناء الشعب .....فكانت   ثورة ((14)) تموز  1958 ، التي كانت تهدف الى بناء عراق   حديث  ودولة ديمقراطية  متطورة ، وتصحيح  مسار  صيرورة الطبقات الاجتماعية في العراق  لتكون  الكفة تمل  لصالح الطبقات المنتجة  من البرجوازية الوطنية  والفلاحين والعمال  ، وإنعاش الطبقة الوسطى  وإعطائها الدور والمكانة التي تستحق ..... ولكن  للأسف الشديد  لم تتمكن  ارادة النوايا الحسنة  من تحقيق    اهدافها  نظرا  لعدم  تكافوء القوى بين قوى الرأسمال  والاحتكار العالمي  وخدمه  والمتخادمين  معه  من  الاقطاعيين  وقوى البرجوازية الطفيلية ... بالإضافة الى جنينية الطبقة العاملة  وتردي وعي  القسم الاكبر من الكسبة والفلاحين  ادى الى خنق  الثورة ومصادرة  مكتسباتها  بعد ان اغرقتها  بالدماء والمعارك الجانبية  العرقية والقومانية  والدينية.... وبعد مرور اكثر من  اربعين عاما  على ذلك الحدث   ظل  الوضع  والوصف الطبقي للمجتمع العراقي على ما هو عليه  من الشرذمة  والتشتت  وعدم الوضوح  مما انعكس  على  القوى السياسية  العاملة على الساحة الوطنية  وبمختلف  توجهاتها   شيوعية ويسارية  ولبرالية  وقومية ودينية ، مما افقدها  القدرة على بناء دولة الحداثة  والتقدم  لأنها  تقاد من قبل تحالف  طبقي هجين  من بقايا الاقطاع  والبرجوازية الطفيلية ((الاقطاوازية)) المأزومة .......
بعد انهيار الديكتاتورية  في 2003  على يد المحتل الامريكي وأعوانه ، تحت  ستار تبريري قدمه لهم  الديكتاتور  باحتلال الكويت  وتهوره  في ادعائه بامتلاكه لأسلحة دمار شامل  مؤديا دوره  كجندي مخلص لأسيادة وأولياء نعمته  وحتى الرمق الاخير .... فعمل المحتل على اعادة لعبة  ما قبل 1958 ولكن  بزي جمهوري   ونظام حكم  عرقي طائفي  سافر هذه المرة ، فأعاد هيمنة طبقة ((الاقطاوازية)) ثانية  على السلطة السياسية ، وهي تحمل في  كينونتها  ازمتها  المتوارثة  المزمنة  رغم  تقنعها  بالديمقراطية والتعددية ، فأغرقت البلاد في فوضى  لانهاية لها  إلا  بنهاية  هيمنتها القسرية على السلطة السياسية ....مما  جعل عموم  الاغلبية المذررة من الجماهير  العراقية  تشعر  بالغضب  والاستياء والإحساس  بالقهر والحرمان  نتيجة فساد وجهل وطائفية  الطبقة الحاكمة ، ولكنها نتيجة لتشتت قواها  وهلامية تركيبتها الطبقية ، باعتبارها كتلة غير  واضحة اللون والتركيب والحدود ، افقدها القدرة على تنحية  ((الاقطاوازية ))  من سدة الحكم  وتولي زمام السلطة بما يخدم مصالحها في الامن  والعدل  والحرية .... وهنا  يتطلب  ظهور قوة قادرة  على  هذا الفعل  وقد تمثل في  14-تموز 1958  بالعسكر  وثورة الضباط الاحرار  باعتبارها  منفذة لإرادة الجماهير  الغاضبة والمستاءة .......وقد تمثلت في جمهورية مصر العربية الان  بالسيسي ورفاقه  انتصارا  لإرادة  الشعب المصري  في  نظام حكم حر ديمقراطي عادل .... ولكن الامر مختلف  تماما  الان في العراق  خصوصا  بعد حل الجيش العراقي بعد الاحتلال  وفقدانه  لمهنيته وميلشته  وتشويه تركيبته من قبل الطبقة الحاكمة  مما افقده القدرة كما نرى  لتادية دوره في تحقيق ما  تصبو اليه  الجماهير المستاءة من زيف الديمقراطية  ومن  فساد وجهل وفشل  الطبقة الحاكمة .....
فما  العمل اذن ؟؟؟
نرى ان  يصار الى تطوير وتحذير الحراك الاجتماعي  الحالي  في العراق ، ومنع استهلاكه في  مطالب  جزئية  وقتية ، كالكهرباء  والتموينية والرواتب التقاعدية  لانها   هي نتائج  حتمية  لحكم  طائفي عرقي اناني  تابع ....مما يستوجب توجيه  الحراك  نحو سبل الخلاص الجذرية  من قبل  النخب الوطنية الديمقراطية واليسارية  القادرة  على  وعي  لا وعيها  وهي :-
- المناداة بحل البرلمان  المشلول  في واقع الامر تحت  واقع صراعاته الدائمة من اجل مصالح  ضيقة  تخص الطبقة الحاكمة ولا تهتم  بمصالح الجماهير .
- العمل  على اعادة  كتابة الدستور  الحالي باعتباره  مستودع ضخم للتناقضات ، كرس وشرعن  العرقية والطائفية والعشائرية  وهي مكونات  دولة ما قبل الحداثة .
- ان يتم هذا عبر  حكومة تكنوقراط  انتقالية مستقلة  تعمل خلال سقف زمني محدد  بانجاز المهام الموكلة لها  بتامين الظروف   المناسبة لكتابة دستور  مدني علماني ، مطالب بسن  قانون انتخابات  يوفر الفرص  المتكافئة  لكل ابناء الشعب  في   اختيار ممثليه في البرلمان ، ان يكون العراق   ذو نظام رئاسي  منتخب ، وان يسن قانون  ينظم  عمل الاحزاب  ويمنع   عمل ومشاركة احزاب على اساس عرقي او طائفي .... والعمل على  اعادة تشكيل  الجماهير المذررة  المستهلكة الى قوى   منتجة فاعلة  مؤهلة  لحمل   افكار الحداثة والديمقراطية مغادرة ولاءاتها  العرقية والطائفية والعشائرية  ما قبل الحداثية ، هذه الطبقات المنتجة  ستكون هي  الحارس الحقيقي  لديمقراطية ا ذات بعد اجتماعي  عادل يحقق  السلام  والتقدم الاجتماعي  المتحضر ...
يجب ان تعمل  كافة القوى الوطنية الديمقراطية  بمختلف   تسمياتها  لبرالية ويسارية  وقومية  على توجيه بوصلة الحراك الجماهيري  بهذا الاتجاه  لتلافي  نقص الموضوع  بقوة الذات  الواعية  والعابرة  للاوعيها ، من اجل   بناء دولة  مدنية ديمقراطية علمانية عادلة  تعتمد المواطنة   كمبدأ  اسمى  بعيدا عن  الجنس والقومية  والدين  وهي الدولة  الاكثر  نجاحا   وقدرة على  بقاء العراق  ارضا وشعبا  ، عراقا  موحدا  حرا   مرفها  قويا ...

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حميد الحريزي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/02/19



كتابة تعليق لموضوع : العراق اليوم - الواقع وآفاق المستقبــل الوليد المشوه ...... الرحم القاصر
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net