الآن وقد وقفنا على حدود الوطن!!
عادل الموسوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
عادل الموسوي

معرفتنا بالوطن وحدوده ونحن تلاميذ في الإبتدائية كانت بسيطة، متأثرة بمناهج الدراسة في تلك الحقبة البائدة، تبيّن فيما بعد أنَّ خارطة الوطن الكبير المرسومة على علبة أدوات الهندسة كانت أسطورة كاذبة.. كانت مكاءً وتصدية.
في مرحلة وعي أخرى رسم بعضنا خارطةً غير تلك المرسومة في كل مكان.. خارطةً لوطنٍ بمعنى آخر، يُعد رسمها -حين ذاك- جرماً وخيانة للأمة "ذات الرسالة الخالدة" والوطن المزعوم.. وتهمةُ جاهزةً بالإنتماء إلى حزبٍ عميلٍ لدولةٍ معادية..
لم تَخلد تلك الرسالة ونجونا حينما أفلت، ولن تُبعث تلك الأُمّة إلّا حين يُنفخ في الصور..
مع توالي الأيام صارت خطوط خارطتنا غير واضحة المعالم، ضبابيّة تارة وغباريّة تارة أخرى.. فُقدت فيها البوصلة!! وتأرجحت إبرتها بين روابط الإنتماء وبين ما يفرضه الواقع من ضرورة الإستقلال ونقض تهمة التبعيّة!!
لم يتنكر الباحثون عن الوطن للخريطة -الدينية- السابقة، لكن لا بّد للحدود أنْ تتميز ولو بخط رفيع.. أو أنْ تتشابه -على الأقل- مع الحدود ما بين محافظات الوطن الواحد.
بعد فتوى الدفاع المقدس؛ إتخذ الوطن شكلاً آخر مشابهاً تماماً لخارطة العراق!
بفارق أنَّ عاصمته النجف..
بفارق أنَّ الشمس لم تعد شمس جعفر الخفاف ولا العراق عراقه..
فالعراق؛ عراقُ عليٍ عراقُ الحسين..
من المواقف شديدة الحساسية: أنَّ الأحداث تتداخل وتتشابه الصور وتتكرر المشاهد، ويقتضي الأمر البحث في العلامات الفارقة والتمييز بين الألوان المتقاربة، وتُتَخَذُ المواقف ولها منطلقات كثيرة..
منها؛ الأهواء، فتنحاز وتجانب الحق، فيُصَرَح بها جهاراً دونما حريجة..
ومنها؛ صوت الحكمة، إلاّ أنَّ العقل والحكمة يؤثران الصمت في أحيانٍ مخافةَ سوء الظن، او تقيّةً من أبناء الجلدة والمذهب.
لذا فقد تلفظ الحروف او تكتب بعناية فائقة.. كأنها أحجارٌ ثقيلةٌ تُنْقَلُ على حافةِ وادٍ سحيقٍ بدقةٍ وحذر"..
ولذا لا بّد من التلميح إلى ما يقرب التصريح: من إنُه وللأسف؛ قد وُضِعت بعض الألفاظ لبعض المعاني للتمييز والتفريق بين أبناء الملة؛ كمحور المقاومة، والمليشيات الموالية، الولائيين والمرجعيين، التيار والاطار، حشد العتبات وحشد اخر.. كتائب وعصائب، ومشتتات أخرى!!
في الوقت الذي يفترض فيه أن تُرفع كل الخطوط وتوحَّد جميع الساحات ويُرسم لها خطٌ واحدُ يُميز الأمّة ويُحصنها، عنوانه: "خط المواجهة".. خَطٌ خُطَ بالقلم، فرضته طبيعة المرحلة فلا محيص!
بعد التصاعد السريع للأحداث الإقليمية والحرب القائمة؛ يبدو أننا بحاجة إلى إعادة ضبط المصنع، ورسم خارطة جديدة، فهناك بيانٌ من النجف الأشرف، سبقنا العدو بذكاءه الإصطناعي الى فهم كنهه، وإدرك من خلاله ومن معطياتٍ أخرى خريطة دولتنا ومحاور قوتنا وحدد أهدافاً إستراتيجية، كان منها؛ قيادة النجف!!
كان البيان؛ هو بيان المواساة وتقديم الدعم والمساعدة الإنسانية إلى الاخوة في لبنان.. ويبدو أنه علامة من علامات تشكيل منعطف تاريخي مهم في مسيرة الأمة، ونهاية لصبر العدو في مواجهة سلسلة بيانات محوريّة غير متوقعة.
أدرك العدو أننا الآن فقط وقفنا على حدود دولتنا التي رسّمها المرجع الأعلى بحبر بسملة بياناته المباركة وختمه الشريف.
معالم دولتنا لم تحدد بكتاب ولم تناقش كإطروحة، تلك المعالم حددتها المواقف العملية للمرجعية الدينية المبلغة ببيانات مكتبها خلال عقدين من حياة الأمّة.
حدود دولتنا ليست أسلاكاً شائكة أو كتلاً كونكريتية أو خنادق شقيّة.. هي الحدود المحيطة بكيان الأمة ووجودها الذي أصبح على المحك مهدداً.. وأصبحت فيه المعركة مصيرية.. وموقعنا فيها الآن هو خلفيات عمق إمتدادها عن الخط الأول للصد.
حدود دولتنا كانت مبهمة مغيبة عن أفهامنا، لأننا قضينا وطراً طويلاً تلاميذاً في الإبتدائية، ولم نتجاوز إلى المتوسطة إلاّ في الدور الثالث بدرجات نجاح متواضعة.
ربّما يستهين البعض ويستبعد حماقات العدو، ويردد: هل من الممكن؟!
هل من المعقول؟!
نعم من الممكن جداً وأيضاً من المعقول!
إنّها الحرب التي لا تخضع للقوانين فضلاً عن الآداب!
لا بّد من توطين النفس لما هو متوقع وما هو غير متوقع.. ولا فرصة بعد اليوم لحياة السكينة والدعة!
ولا الأوانُ أوانَ فتنةِ "أحلاسَ البيوت"!
فالمعركة معركة مصيرٍ وهُوية.. كفانا فيها المؤمنين -لحد الآن- القتال..
لكن المعركة الشاملة قد تبدأ قريباً!!
فأنظرَنْ كيف تصنعُ!!
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat