صفحة الكاتب : كاظم الحسيني الذبحاوي

مسجد بنت الملة في الكوفة حكومة المعارضة وقوافل الدماء ..!!
كاظم الحسيني الذبحاوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

من كتاب : الدنيا عناوين ،يمرُّ صانعوها (كما تمرُ السحاب) .. تقرير ما تستحيل كتابته في الزمن الصعب
العنوان الثالث والعشرون

هو من المساجد المهمة في مدينة الكوفة ،ويقع في محلـّة السراي . مسجدٌ رهيبٌ  ـ على الرغم من بساطة بنائه والأثاث الذي فيه ـ كان يُخيف البعثيين كثيراً ، لأنَّ الذي(يتخرج) منه يصير معارضاً حقيقياً للبعث ولحكمهم الدموي ، فهو لم يكن مسجداً لإقامة فريضة الصلاة فحسب؛بل هو مؤسسة ثقافية تخرَّج منها الكثير من المفكرين والمناهضين لعقيدة البعث .
الجميع المتظافر في هذا المسجد معارضون للنظام حقيقة ،لأنهم لا يبحثون عن فرص عمل أو مقاولات أو مناصب في الجهاز الإداري العراقي ..
إنّهم يريدون أن تسود في العراق كلمة(لا إله إلاّ الله محمّداً صلى الله عليه وآله  رسول الله)لأنهم يعتقدون أنّ سيادة هذه الكلمة في أي مجتمع تكفل سعادتهم في الدارين ..
أصحاب الإمام الحسين عليه السلام كانوا من وجوه القوم ، وفي هؤلاء (الفتية) عددٌ غير قليل من وجوه أهل الكوفة ..
مسجد ( بنت الملـّة) أضحى مؤسسة تعارض النظام الأموي بأشخاص البعثيين المشركين..
مسجد(بنت الملـّة) تحكم ضوابطها السلوكية أغلب تجمّعات (الكوفيين) في هذا العصر([1]).
في هذا المسجد المبارك تُقام صلاة الجماعة بإمامة سماحة الشيخ الشهيد الذي لا يخاف الموت ،ماجد البدراوي وهو أحد وكلاء آية الله العظمى السيّد محمّد باقر الصدر(رض) ، وكان الشيخ يُلقي فيه دروساً في الأحكام الشرعية طبقاً لكتاب منهاج الصالحين للسيد أبي القاسم الموسوي الخوئي(رض) ، لكنَّ الغالب هو المطالب العقائدية التي لها مساس ملحوظ بالفكر السياسي السائد والصراع بين الإسلام وبين الشرك . وبوصفي أحد روّاد هذا المسجد المعظم فقد استفدت كثيراً من تلك الدروس التي لم تُلق على المنابر التقليدية . وكان الشيخ الأستاذ محمّد علي دعيبل من أبرز مساعدي الشيخ ماجد البدراوي. ومن الوجوه العلمية البارزة السيد حسن النفاخ ،والسيد عبد العال ،وشخص من أهالي البصرة اسمه الشيخ عبد العزيز .ويتصدى هؤلاء لإلقاء المحاضرات النافعة والإجابة على استفسارات الشباب الذين كانوا يرتادون هذا المسجد .ولقد كان من بين أولئك الرواد بعض العناصر البعثية من طلاب إعدادية الكوفة يحاولون من خلال طرح أسئلتهم إحراج هؤلاء من أجل إسقاط اعتبارهم لما لهم من الهيمنة على عقول وضمائر المؤمنين ،بما عندهم من الحجج البالغة على وجوب إعلاء رسالة الإسلام .
ولا شكّ ولا ريب أنّ البعثيين يكتبون التقارير الحزبية إلى رؤسائهم ليكونوا على اطلاع تام بما يجري في هذا المسجد ، ولا سيما أنّ جميع المؤمنين فيه يُعارضون تسلط البعث على البلاد ، أو في الأقل يرفضون الانتماء إلى حزب البعث ، فمن الطبيعي أن تضعهم السلطة تحت المراقبة المباشرة . فلم يبق عندي شكٌّ أن هؤلاء الشباب هم من أعضاء حزب الدعوة الإسلامية الذي تلاحقه الحكومة البعثية ، فزاد ميلي إليهم لأنّ الخطاب الإسلامي السائد الذي يصدر عن غيرهم هو خطابٌ باهت يكاد لا يعتمل بالقلوب ، إلاّ بنحو التمسّك العشائري بتراث الأسلاف ،وكان خطاب(الدعاة) بارعاً في تشخيص حدود المزايلة بين (الدين الحق) وبين (الدين البديل) الذي تتبناه السلطات الحاكمة على مرِّ التأريخ ؛ذلكم الدين الذي يجعل من المتسلط حاكماً إلهياً تجب على المسلمين طاعته والاجتناب عن الخروج عليه بدعوى أنَّ الإمام صاحب الزمان عجّل الله فرجه هو الذي سيتولى هذه المهمة ،فما على المسلمين إلاّ (انتظاره) بهذا المعنى المنحرف .
 إن اصطفاف المؤمنين وانتظامهم هو موردٌ من موارد القوة التي يحث القرآن على وجوب تحصيلها لمواجهة الأعداء ،وقد يكون ذلك سببٌ في تنديد السلطات بثورة جدنا زيدٌ عليه السلام وخروجه على الأمويين ، وإثارة الغبار على هذه الوثبة العظيمة بدعوى أنّ زيداً لم يكن معصوماً بعصمة إلهية حتى يسوغ له الخروج على الحاكم !
ومن الجانب الآخر ،وعوداً على ما ذكرناه في العنوان الثامن ،فإنَّ المسلمين في العراق يسيرون منذ أمد بعيد على طريق أنّ العمل السياسي حرام ؛بل أنّ مجرّد إعلان معارضة السلطة الغاشمة من لدن المؤمنين حرام . والبعثيون كرَّسوا مفهوم موادعة السلطة في مشاعر وضمائر الملايين ، حتى صار ديناً يدينون به ، بعدما كانوا (جند المرجعية) في محاربتهم للشيوعيين في الخمسينيات وما بعدها !
البعثيون يعضّون بنواجذهم على تلابيب الاقتصاد والعسكر والتربية والتعليم والقيم الاجتماعية الذين يعتبرون أنفسهم أنهم المصدر الوحيد لها كونهم أصحاب منهج عروبي.
(الدعاة) يريدون تغييراً جذرياً في الأنماط السلوكية السائدة في شتى المجالات ، لكنهم لا يمتلكون من أسباب (القوة) اللازمة لإحداث هذا التغيير المنشود من لدن الملايين الخائفين دوماً من البطش ،حتى صار همهم لا يتعدى توفير فرص حصولهم على الطعام والإيواء ، لذا نجد أن تقهقر الاهتمام بشيء اسمه الإسلام أو التشيع لدى قطاعات لا بأس بها من الشعب العراقي  ، قد بدا واضحاً لدى أغلب الشرائح الاجتماعية الشيعية .
(الدعاة) لا يمتلكون غير الدعاء والحجّة البالغة على البطلان لهذا الواقع الخاطيء !!
الفشل  حليف الشيعة في (معاركهم) ! !
(الشيعة) في السبعينيات يتبنون بعضاً من خطاب البعث وهم لا يعلمون !!
البعث يقول للناس : نحن حزبٌ عربي وغير عميل للأجنبي ،والدعاة يقولون للناس :نحن حزب إسلامي وغير عميل للأجنبي ..
لا أدري .. هل أنَّ الاعتماد على طرف دولي لتوفير أسباب القوة لإزالة هذه (الأفعى الإرهابية) الجاثمة على صدر العراق والعالم ، عمالة؟؟
إنّ الذي منعني من الانتماء إلى حزب الدعوة الإسلامية هو هشاشة الدعاة في مواجهة هذا الطاغوت المتجبّر الذي تمكّن من اختراق مجاميعهم وتصفيتهم الواحد تلو الآخر حتى وصلت النوبة إلى الرموز الكبيرة أمثال السيد قاسم المبرقع والشيخ عارف البصري والشيخ عبد الصاحب دخيل والشيخ ماجد البدراوي والشيخ محمّد علي دعيبل قبل إعدام العلاّمة الكبير السيد محمّد باقر الصدر وشقيقته العلوية الطاهرة بنت الهدى ،على ما أظن ،فضلاً عن الذين عرفتهم في سجن الحاكمية .
إنَّ الاعتقاد الذي توّلد عندي يبعث على الأسى واللوعة في نفوس المخلصين منَ الدعاة ومن غيرهم من أبناء هذه البلاد المنكوبة ،وملخص هذا الاعتقاد : هو أنّ السلطة البعثية اكتسبت تجربة إضافية ، أضافتها إلى رصيدها في الإجرام وإشاعة أجواء الإرهاب ،بل أخذت على عاتقها تصدير الإرهاب وإشاعة الجريمة في عدد من البلدان كبريطانيا ومصر ولبنان والأردن والسعودية والسودان والجزائر وموريتانيا واليمن وفرنسا وأفغانستان والهند وباكستان وإيران وتايلند وبلاد البلقان !!
ولا أدري ،ما هو سبب إطالة أمد المعاناة عند أهل العراق ؟؟
هل أنّ السبب مردّه إلى فساد العقيدة التي يحملونها التي تقضي بحرمة العمل السياسي ؟
أم أنّ السبب هشاشة منهج الدعاة في قلب نظام حكم الطاغوت البعثي ، ذلك أن التضحيات التي قدمها الدعاة ،ومعهم باقي أفراد الشعب العراقي، كانت تضحيات جسام  كان المفروض أن لا يستمر نظام البعث يحكم العراق هذه المدة الطويلة؟


[1]ـ  ( الكوفي) إطلاقٌ يطلقه خدام مرقد مسلم بن عقيل (ع) ومسجد الكوفة على أنفسهم فقط ،ونحن نرى أنّ هذا التقييد لا موضوع له .
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


كاظم الحسيني الذبحاوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/05/20



كتابة تعليق لموضوع : مسجد بنت الملة في الكوفة حكومة المعارضة وقوافل الدماء ..!!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net