صفحة الكاتب : الشيخ محمود الحلي الخفاجي

الشعائر الحسينية: اهداف ودلالات ونتائج -ح 16- لماذا تركيز اهل البيت عليهم السلام على زيارة المشي لسيد الشهداء عليه السلام؟
الشيخ محمود الحلي الخفاجي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

إن قاعدة الشعائر المستفادة من أدلتها الشرعية هي قاعدة مستحكمة لوجود الملاك والاعتبار الشرعي لها، حيث أن قاعدة الشعائر العامة وتعظيم هذه الشعائر   المستفاد من دليلها (( ذلك ومن يعظم شعائر الله فأنها من تقوى القلوب )) هي واضحة الدلالة على اهمية تعظيم مطلق الشعائر الدينية ٠
ومن أبرز مصاديق الشعائر الدينية هي شعائر الإمام الحسين عليه السلام ومن مصاديقها البارزة والواضحة في الأدلة الشرعية هو عنوان وشعيرة الزيارة(تكلمنا عنها سابقا)وهنا طرأ عنوان جديد على شعيرة الزيارة هو عنوان... زيارة الحسين عليه السلام مشيا ها الأقدام.... وهذه الشعيرة قد دلت عليها الأدلة الشرعية من الآيات الشريفة والروايات الواردة عن أهل بيت العصمة عليهم السلام بعنوان المشي وأن المشي إذا اقترن بنية القربة أو أنه يكون بغاية عبادية يكون هذا المشي عبادة وطاعة لله عز وجل.
- ومن هذه الروايات:
١ـ  عن الحسين بن عبيد الله، عن الحسن بن علي [بن أبي عثمان، عن عبد الجبار النهاوندي، عن أبي سعيد، عن الحسين] بن ثوير بن أبي فاختة، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: «يا حسين، مَن خرج من منزله يريد زيارة الحسين عليه السلام إن كان ماشياً كتبت له بكل خطوة حسنة، وحُطّ بها عنه سيئة، حتى إذا صار في الحائر كتبه الله من المفلحين المنجحين، حتى إذا قضى مناسكه كتبه الله من الفائزين، حتى إذا أراد الانصراف ناداه ملك فقال: إن رسول الله عليها السلام [يقرئك السلام و] يقول لك: استأنف العمل؛ فقد غفر الله لك ما مضى».
 ٢ـ  عن الحسين بن محمد، عن حميد بن زياد، عن عبيد الله بن نهيك، عن محمد بن فراس، عن إبراهيم بن محمد الطحان، عن بشير الدهان، عن رفاعة النخاس، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «أخبرني أبي أن مَن خرج إلى قبر الحسين عليه السلام عارفاً بحقه غير مستكبر، وبلغ الفرات ووقع في الماء وخرج من الماء، كان مثل الذي يخرج من الذنوب، وإذا مشى إلى الحسين عليه السلام فرفع قدماً ووضع أُخرى، كتب الله له عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات».
 ٣ـ  عن محمد بن جعفر الرزاز، عن محمد بن الحسين، عن أبي داود المسترق، عن أم سعيد الأحمسية، قالت: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: «يا أُمّ سعيد، تزورين قبر الحسين عليه السلام؟ قالت: قلت: نعم. قال: يا أُمّ سعيد، زوريه؛ فإن زيارة الحسين واجبة على الرجال والنساء))٠

الآن نأتي للسؤال:
- لماذا هذا التأكيد على زيارة الحسين عليه السلام مشياً دون غيره من الأئمة عليهم السلام؟
- الجواب هو يكون على شقوق ثلاثة:
الشق الأول: تجذير ديمومة الإرتباط بحبل الله المتين وصراطه المستقيم وهم أهل البيت عليهم السلام وهم عدل القرآن والذين هم الإدلاء إلى الله والامناء على دينه.
بالتالي فإن التمسك بحبلهم من خلال ممارسات سلوكية كالزيارة المقترنة بالمشي هو إدراك وارتباط الإنسان بالمنظومة الفكرية والعقائدية والفقهية في الكيان الشيعي بإنجاح المشروع الإلهي الذي لا يمكن تحققه الا من خلال الارتباط بهم بواسطة ممارسة تلك الشعائر.

الشق الثاني: هو إن للأحكام الشرعية ملاكات وهذه الملاكات هي السبب في تشريع هذه الأحكام ، فالواجب الشرعي كالصلاة هو قد شرعت لوجود ملاك المصلحة الشديدة فيها والحرمة كشرب الخمر والغناء هو وجود مفسدة شديدة فيها، والاستحباب ملاكه وجود مصلحة خفيفة بحيث لو تركه المكلف لاياثم ولو عمله سيؤجر ويثاب عليه.
فالمشي لزيارة الحسين عليه السلام بعد أن دلت عليه الروايات الشريفة ملاكه هو وجود مصلحة فيه ومحبوبية في هذا العمل وهذه المصالح قد تكون مخفية وراء تشريع هذه الشعيرة المباركة في زيارة سيد الشهداء عليه السلام  وان كان ظاهرا ندرك بعض ملاكات هذه الشعيرة والتي منها الحفاظ على هوية التشيع والارتباط بقادتها عليهم السلام والرجوع إلى الله عز وجل وإبقاء هذا الدين ومعالمه وأحكامه حية تتناقلها الأجيال رغم عواطف العولمة والحداثة والانحرافات الفكرية والعقائدية٠ 

الشق الثالث : زيارة الأربعين من مظاهر قوة التشيع:
تعتبر زيارة سيد الشهداء عليه السلام مشيا على الأقدام مظهرا من مظاهر قوة الكيان الشيعي من جهات عدة: 

- الجهة الأولى: حجم هذه المسيرة المليونية وكثافة اعدادها التي لم يشهد لها العالم نظير ابدا من داخل العراق وخارجه وبشكل ابهرت العالم باسره٠

- الجهة الثانية: هذه المسيرة اقترنت بعنصر اخر اضفى عليها قوة اخرى ، وهي قوة البعد العقائدي لهذه المسيرة حيث ان لها غرضا وغاية عقائدية تحث خطاها نحوها لتحققها، فضلا  انها مع اول خطوات هذا الزائر هو انه نوى زيارته قربة لله عزوجل   ويبقى تصاحبه العقيدة طوال هذا الطريق،  ويأتي بأعمال عقيدته فيصلي ويذكر الله تعالى ويستغفر وبدعوا ويزور الحسين عليه السلام. 
وهي بهذا تعزز النهج الحسيني كقيم وسلوكيات في حياة الزائرين ، وبهذا تكون شعيرة زيارة المشي الى سيد الشهداء عليه السلام ماهي الا وسائط للوصول الى الغاية وهي تحقق القيم الألهية والاخلاق والفضائل٠
وهنا يمكن القول : أن الزيارة من اهم الشعائر الدالة على هوية الوجود، الشيعي فكانت في بداياتها والمراحل التي مرت بها انها حملت عنوان التركيز على امامة اهل البيت عليهم السلام وولايتهم ، وتحمل عنوانا اخر وان لم يصرح به غالبا للظروف  العصيبة التي مر بها شبعة اهل البيت عليهم السلام،  وهو ان الزيارة تشكل معارضة قوية ضد كل من سار على نهج بني أمية من الزعامات الموهومة التي اغتصبت منصب الولاية الالهية ٠
وهذه الزيارة وبهذه الممارسة فأنها تحولت الى حالة فعالة جدا في مواجهة التحديات التي تحيط الكيان الشيعي،  بل ان المستفاد من الروايات الشريفة الواردة عن أهل بيت العصمة والطهارة والتي اوردها ابن قولويه القمي في كتابه كامل الزيارات هو استحباب زيارة الامام الحسين عليه السلام حتى بالنسبة إلى النساء بل حتى الاطفال، وهذه تعبئة كببرة من خلال تحشيد روائي صدر من اهل البيت عليهم السلام في خصوص زيارة الحسبن عليه السلام،  وانها زيارة ليست كبقية الزيارات، وانها ليس استحبابها استحبابا فرديا بل هو حكم جماعي٠
وبهذا هذه الزيارة تشكل مظهرا واضحا _ وهو مااراد اهل البيت عليهم السلام تحققه في واقع الكيان الشيعي ومظهرا من مظاهر قوته وامام الرأي العام  العالمي ٠

- كيف تستفيد من زيارة الأربعين؟ 
تعرضت حياة الانسان عبر تاريخ طويل الى حملات تشويه عقائدي وتضليل ديني وانحطاط اخلاقي وارباك ثقافي وفكري. وفق منهج منظم لأستهداف الانسان خصوصا في العصور المتأخرة حيث أصبح الإنسان دمية استهلاكية لصيحات مادية نفعية، هذه الثقافة المادية التي كبلت الانسان وجعلته يلحث وراءها ليلا ونهارا بعد ان تعرض الى  عمليات السحق الفكري وتزلزل قيم الاخلاق فيه من خلال ماكنة اعلامية تعرضها شاشات الإعلام ووسائل الاتصال الحديثة في كل لحظة من لحظات حياتة اليومية في مرئيات ومسموعات استهدفت قيم الانسان.
وهنا لابد من إيجاد وسائل إنقاذ لغرض إصلاح الانسان وارجاعه الى قيمه وسلوكياته الفاضلة، ولابد من الرجوع الى الحلول ، وأول هذه الحلول هو ايجاد القدوة وجعل هذه القدوة نموذجا يحتذى به وزرع قيم ومبادئ جديدة من خلال ما تحمله شخصية القدوة عن طريق استعراض شخصيته في اطار حدث حقيقي ٠
ومدرسة عاشوراء هي خير من تمثلت فيها  شخصية القدوة وهو من اختارته السماء ليكون حجة على العالمين ( الإمام  الحسين عليه السلام ) وبقية اهل بيته وأصحابه الكرام، اذ ان كل شخصية من شخصيات الطف لها القدرة في بناء شخصية الانسان وزرع المفاهيم والقيم بعيدة عن الأهواء والتيارات المحكومة بالمادية والنفعية والتعلق بها .
فإحياء عاشوراء بقدواتها هو إحياء للقيم فهي حدثت ( في العاشر من محرم) لأنقاذ الانسان من قيم الدنيا التي تبنتها النفوس الهزيلة.
واليوم يشكل أحياء عاشوراء استنهاض لقيم عاشوراء في نفوس الناس حيث نرى نكران الذات والايثار والتضحية والموت في سبيل الله كي يكون بديلا للثقافات النفعية والمادية الوضيعة والركون الى الشهوات والى الدنيا .
فالإحياء في زيارة الاربعين هو إحياء لقيم واخلاق الإسلام العضيم لحماية الانسان من شر الموجات الانحرافية وصيانته من رذائل الأخلاق التي دمرت الانسان ونخرته من خلال تقاليد مستهلكة وافدة من الغرب .
وهذة المسيرة المليونية وما يصحبها من زخم العطاء الكبير والتضحية والقيم النبيلة والشهامة ونكران الذات والكرم والسخاء اللامتناهي وشيوع فضائل الأخلاق والتعاون فهي بحق مدينة فاضلة ومسرح نموذجي قيمي لا يوجد له نظير في تاريخ البشرية، فهذه محطة واسعة لبناء الانسان من خلال منظمومة قيمية وتربوية وأخلاقية وعقائدية
ولزيارة الأربعين آثار قيمية على الإنسان، حيث ان
ملحمة عاشوراء اقترنت بقيم عالية المضامين لبناء الإنسان وتربيته ،فنلاحظ ان الوقوف الى جانب الحق والانتصار له هو أمر واضح ودون النظر الى النتائج وما ستؤول الية اثار المعركة يوم عاشوراء، حيث ان يوم عاشوراء  جذر ثقافة قيمة قرانية وهي الوقوف الى جانب الحق ونصرته بعد ان طغت الثقافة المادية والمنافع الشخصية وحالة الخنوع للباطل والذل والاستكانة ... في المجتمع الإسلامي .
فأن الأنصار الذين التحقوا بالإمام الحسين (عليه السلام) تمسكوا بمبدأ الإنتصار للحق وان كان هذا الوقوف سيحملهم الاعباء الكثيرة والخسائر في المنظور المادي ،حيث انهم رفضوا الحياة المادية وانتظار المغانم والمكاسب التي توعد بها الطرف الآخر، فهم ثبتوا على هذا المبدأ وقدموا أنفسهم رخيصة لمبدأ الحق وهذه هي صفة الصراع بين الحق والباطل،  فالقران الكريم   يستعرض لنا انموذجا لهذه الفئة وهم سحرة فرعون عندما امنوا بالنبي موسى (عليه السلام )ووقفوا الى جانب الحق ورفضوا باطل فرعون حيث نرى انهم لم يكترثوا بالوعيد والتهديد ونتائج إيمانهم هذا بل قالوا ( فاقض ما انت قاض انما تقضي هذه الحياة الدنيا، انا امنا بربنا ليغفر لنا٠٠٠٠ ) فان هولاء الاصحاب هم الذين بقوا مع الامام بعد ان انسحب الكثير من الذين  جاءوا مع الامام( عليه السلام) فان هولاء كان وجودهم مع الإمام (عليه السلام )وجودا نفعياً قائم على اساس المكاسب المادية، لذا انهم قد انسحبوا وفروا بأنفسهم بعد ان عرفوا ان النتائج لا تناسب مبدأهم المادي. اما الذين وقفوا بجانب الحق وضحوا بانفسهم من القلة الباقية الذين لم تشوب شخصيتهم اي ثقافة نفعية ٠
فزيارة الأربعين تحي هذه القيم وتزرعها في نفوس الزائرين ومن يقوم بخدمة الزائرين، حيث تذوب عندهم المنافع الشخصية فنراهم يضحون بأموالهم بل ان بعضهم يقترض المبالغ المالية ليبذلها في شعيرة الزيارة وهذا أمر مهم حيث انه يحدث نقلة قيمية للإنسان لينقله من احضان المادية التي استعبدت الإنسان الى التضحية، والترفع عن المادية النفعية٠
فهي رحلة البصيرة الى ما وراء المادة فكما أن أصحاب الحسين كانوا هم أهل البصائر ( البصيرة ) يملكون الوعي والرؤيا الواضحة المطابقة للموازين الشرعية والارتباط بالله تعالى ،فتكون الزيارة والزائر ومن يقدم الخدمة لهم هم ايضا أصحاب بصيرة تنتشلهم من براثن المادة العمياء والتي استحكمت على غيرهم عقلاً وروحا وسلوكاً .

شيخ محمود الحلي الخفاجي ٢٣صفر ١٤٤٣هج٠


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ محمود الحلي الخفاجي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/09/12



كتابة تعليق لموضوع : الشعائر الحسينية: اهداف ودلالات ونتائج -ح 16- لماذا تركيز اهل البيت عليهم السلام على زيارة المشي لسيد الشهداء عليه السلام؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net