صفحة الكاتب : حسين علي الشامي

من تراث كربلاء مِئذَنة العبد
حسين علي الشامي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

  أثرٌ كُتبَ على أوراقِ غصنه تأريخٌ مشرف، فتشجرت منه حياة مليئة بالصمود، نما منه ثمر طيب، عنوانه الرئيسي قداسة مدينة بأرضٍ طيبةٍ طهورة، انتهى عند أعتابها ذكرُ كلِ من حاول التقليل من شأنها، لتبقى تلك المدينة صرحاً حصيناً لكل لاجئٍ الى ساحةِ الرَّحْمَةِ.

 ضريحُ الحسين (عليه السلام) بجدرانه النورية المحروس بالملائكة لكلٍ منها خاصية وذكرى أثرية تكفل المؤرخون بحفظ ما وقع فيها من حكايا إنسانية ناهضت الظلم على مر السنين، قبته، مآذنه صرحٌ معبر عن قامةِ أباة الضيم لا ينساه معتمرٌ توجه الى كربلاء، ومن هذه الصروح الفنية الغاية بالإبداع والترتيب صرح (مئذنة العبد).
 تعدُ مِئذنة العبد من المآذن الغاية في الروعة والابداع، وتحمل بين طياتِ رمالها تأريخاً كتبته الحاجة الملحة لمن بناها وعمل على تشيدها، فهي جاءت نتاجاً لتلبية ذلك الطلب الصعب في الوقت الكَؤُود بعدما عزلت الدنيا العامل على تشييدها وحاصرته المحن حتى بات قاب قوسين أو أدنى من القتل المحقق.
يرجع تأريخ مئذنة العبد الى سنة 767 ه‍ عندما بناها الخواجة مرجان والذي كان والياً في بغداد، حيثُ ولي من قبل السلطان الجلائري اويس الجلائري وبعد تمرد الخواجة مرجان بحادثةٍ معروفة زحف اليه السلطان بجيشٍ عظيم، ولما علم أنصاره بقدوم هذا الجيش الهائل العدد تفرقوا عنه، وبذلك حسمت معركة السلطان معه ودخل بغداد، وعلى إثرِ ذلك فر الخواجة من بغداد الى كربلاء ولازم القبر الحسيني بحاجته التي خنقت عليه وسع الدنيا: "إذا خرجتُ من هذه الغمة سأبني مئذنة خاصة بالصحن الحسيني" [موسوعة العتبات المقدسة].
وما هي الا أيام وفرج الله عنه وأخذ الحسين (عليه السلام) ببركاته الرحمانية بيده الى بر الامان وجاء أمر السلطان الجلائري بالعفوِ عنه والاكرام له وإرجاعه واليا للعراق.
عكف الوالي الجلائري على بناء هذه المئذنة الرائعة بفنها المعماري والتي عدتْ فيما بعد من المعالم الاثرية العجيبة التي كتب عنها المؤرخون وذكرها المستشرقون والرحالة الذين زاروا الصحن الحسيني الشريف وتحدثوا عنها بشكلٍ مذهل على رأس القائمة خان اديب الملك المراغي حين زار كربلاء عام 1273هـ [دائرة المعارف الحسينية، تاريخ المراقد].
بقيت هذه المئذنة ستة قرون تعانق السماء، وبسبب تقادم الزمن أجريت عليها عدةُ إصلاحات كان أبرزها ما فعله الشاه طهماسب الصفوي في سنة 982 ه‍ من ضمن ما قام به من الإصلاحات الفنية المعمارية والتوسعة في الحائر المقدس والصحن الحسيني الشريف، وبسبب الاحتلال العثماني للمدينة، وما أصاب هذه القطعة الفنية المعمارية من تخريب على يدِ جنود نجيب باشا، عندما احتلوا المدينة تعرضت الى الكثير من التغييرات؛ بسبب القنابل والشظايا الواضحة، وبقيت على هذه الحال حتى أوعز البلاط العثماني بتصليح المئذنة وتحسين طلتها المهيبة، لتبقى هذه المئذنة صرحاً رائعاً يسرُ الناظرين.
ولكن مع كل الاسف، وبسبب جهل القائمين على إدارة المدينة في ذلك الوقت وتحديداً في عام 1936م قام متصرف لواء كربلاء صالح جبر بهدم مئذنة العبد الاثرية متعمداً متجاهلاً قيمتها التاريخية بحجج ضعيفة لا يصدقها المتضلعون بأمر السياسة فميلانها وتصدعها لا يمكن تصديقه، ولكن الحقيقة التي عرفت كوضوح الشمس للعيان فيما بعد هو طمع المسؤولين في ذلك الوقت بالاستيلاء على عائدات الاوقاف الكثيرة التي تركها مرجان للمئذنة وللمدينة سويةً، وبإزالتها - مئذنة العبد - خسرت المدينة قطعة فنية رائعة حَزنَ عليها الكثيرون من المحبين والعاشقين لأروقةِ المدينة المميزة.
 حتى ان الدكتور عبد الجواد الكليدار آل طعمة كتبَ عن تلك الخسارة بحزنٍ عميق فقال: تركت مئذنة العبد فراغا هائلا في الحائر المقدس وحسرة دائمية في قلوب محبي الفن والتاريخ. [تاريخ كربلاء وحائر الحسين (عليه السلام)].


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حسين علي الشامي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/04/14



كتابة تعليق لموضوع : من تراث كربلاء مِئذَنة العبد
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net