صفحة الكاتب : بشرى مهدي بديره

وجيهاً بالحسين
بشرى مهدي بديره

جاء في زيارة عاشوراء "اللهم اجعلني عندك وجيهاً بالحسين"،  وقال تعالى: "أحياء عند ربّهم"، (عندك، عند ربّهم) هذه العندية هي مجاز عن القرب والإكرام والتشريف عند الله، هم مقربون عنده، قد خصهم بالمنازل الرفيعة، والدرجات العالية ، وهل وَعينا ما عند الله؟!.
كل نفس ذائقة العشق ويبقى وجه ربك المعشوق الأوحد.. وعندما نبتغي إليه الوسيلة تكون سفينة الحسين أسرع وأنجى... 

من عالم الدهشة واليقين، من عالم يضج بمناجاة المحبين.. آنست عشقاً لعلي آتيكم منه بقبس!، والعشق هو الشيء الوحيد العصيّ على الفهم والإدراك عقلياً، هو حالة غير مبررة، غير مبرهنة.. فكيف إذا كان عشق الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) ذاك العشق النقي الشفيف..
نشعر برغبة عارمة لترجمته، وتفسيره، وفكِّ رموزه، غير أنه يصاغ بلغة لا ندركها، ارتباط وتعلق فطري مكانه ليس الإدراك فهو غير واعٍ، مكانه اللاوعي، وفي نفس الوقت هو الشعور الواعي جداً عاطفياً وروحيَّاً.. هو ما عقد عليه القلب وهو الميثاق وهو العهد . 
هكذا يحصل اجتماع النقيضين في حب الحسين (عليه السلام).. وليس بإمكاننا كبشر قاصرين أن نعرف كنهه.. او ان نحيط بكل أبعاده..

الأمسية الأخيرة.. الوصال.. الوداع الأخير و النعي الأخير!

(وجيهاً بالحسين) برنامج حسينيّ بامتياز  يتم بثه من العتبة المقيمة في وجه السماء تلك البقعة الطاهرة أرض كربلاء، حيث يستودع العاشقون لهف قلوبهم وحرارة أشواقهم..
والبرنامج كبير ورائع يهدف لإعداد رواديد تتوافر لديهم صفات الارتقاء المنبري، فهو مسابقة تحدد مستوى الصوت والأداء والمقدرة الإبداعية، والحضور، ومدى امتلاك الحنجرة والقدرة على التحكم بها، اختيار القصيدة الملائمة للصوت، كما تهتم أيضا بالأمور العقائدية واللغوية وتدرس مدى تأثر الرادود مصائبياً..

في الحادية عشرة ليلاً تقام طقوس العشق ويجتمع مجانين الحسين ومن بهم مس على مائدة واحدة لينهلوا من ذاك المعين ولسان حالهم يقول اللهم زدنا فيه جنونا ..
أما عن فقرة تحديد مستوى الحب والعشق والارتباط بسيد الشهداء (عليه السلام) لدى قارئ العزاء فهو أمر متعلق بعالم الملكوت وعالم المجردات وخارج عن بنود المسابقة لأنه الرابط الخاص بين مولانا وخدامه ..

وفي لحظة خارج حدود وقيود الزمن في إحدى الأمسيات يتدخل القدر ليختار وجيها بالحسين هنا وفي هذا المشهد تتهاوى كل معاييرنا الوضعية بغتة!، وتسقط كل أنظمة الدنيا ليحكمها نظام مبهم قوامه الحب والحب فقط.. لا نفهم قوانينه ولربّما ليست له قوانين، فالحسين عشق دون قيد أو شرط.. ومن هنا تأتينا صورة من صور الذوبان بالحسين (عليه السلام)، ذلك الشاب البصري (أمجد عدنان محمد الهاشمي) رادود حسيني كان على موعد مع عالم الملكوت منذ أن ارتقى المنبر المتصل بالسماء لم يكن يدري أنه قد سلك فعلاً درب العلا، حين أحرم في ميقاته الأخير، وأنه سيكون وجيهاً بالحسين (صلوات الله وسلامه عليه).. وأنه ارتقى المنبر ارتقاء مودِّع..
صوت حسيني، ثائر، هادئ، يخفي بين طياته الحنين والحزن معاً ويأتيه التقييم بطريقة فيها من الرموز ما يذهل! كلمات تعجز بعدها الأبجدية والقوافي..
ويقول الرادود الملا قحطان البديري: "أنا متأكد بعد هاي الحنجرة حنجرة عطاء آخر"، فبحق السماء ملا قحطان أي عطاء كنت تقصد؟! وأية حنجرة؟!.

ثم يردف الرادود الشيخ حسين الأكرف قائلاً: "صوتك من تلقائية النغم ال بيه يذكرني بأهل اليمن – وما أدراك ما اليمن في صناعة النغم - يعني فد شيء جميل ثبات النغم عندك، ذكاء عندك، حضور مميز، لازم تعرف "أين تستقر بك النوى يعني وين تجد نفسك وحنجرتك وين تجد راحتها". 
فبحق الحسين يا شيخ ما الذي راود قلبك في تلك اللحظة، وماذا قصدت بأهل اليمن وهم الأعزة وهم الخُلَّص وهم المؤمنون؟! .
وأين كانت لتستقر به النوى؟، وأين يفترض ان يجد نفسه أخيراً، بل وحنجرته أين ستجد راحتها؟!

وهل أصبح لقاؤه أمنية لديك سيد حسنين – (مقدم البرنامج، وهو قارئ وحافظ للقرآن الكريم) - عندما قلت له: "إذاً نتمنى نشوفك مرة أخرى".

ويرتقي سيد أمجد إلى عليين عقب مشاركته في البرنامج وبعد أن أوضح أن سبب وجوده هو "إيصال رسالة للحسين بأحسن صورة تليق بالحسين (عليه السلام)" على حد تعبيره.. فلا بد وأن رسالته قد وصلت فقد عرجت روحه إلى بارئها بعد أن أدى المهمة  ولربّما عالم الدنيا لا يليق بمن احترق وجوده..
وعالم الرموز عالم مبهر له أسراره وإشاراته تلك الإشارات لا يعلمها إلا الراسخون في العشق.. والرمز أكبر من الكلام ومن التعبير، هو خطاب صامت، تحتشد فيه كل المشاعر وكل المعاني، وتكتظ فيه الكلمات والتعابير التي لا صوت لها، ولا وقع إلا في القلب والروح.. 
ومن عالمي وأنا أخط هذه السطور وبرمزية ما أشعر به من شغف نحو العالم العلوي أسأل الله لي ولكم أن يرزقنا حبه وقربه وأن يكون فناؤنا وجيهاً بالحسين، أن ننصهر به، وأن يحترق وجودنا بحبه، وأغبط ذاك العاشق الوجيه وأهنئه بالمكانة التي حباه الله إياها فهو الآن عنده (جل وعلا) ينعم بالحب والقرب بجوار حبيبه... أما عن ذاك المنبر  فنتابعه بشغف، لأننا على يقين بأنَّا سنشهد قصص عشاق كثر أنفاسهم فيه تسبيح وأصواتهم فيه تقديس فهل أتاكم يا سادة حديث الحسين (عليه السلام)..


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


بشرى مهدي بديره
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/05/02



كتابة تعليق لموضوع : وجيهاً بالحسين
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net