صفحة الكاتب : شعيب العاملي

الإمام المعذّب في قعر السجون ... سماحة المرجع الديني الشيخ الوحيد الخراساني حفظه الله تعالى
شعيب العاملي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.


 بسم الله الرحمن الرحيم
 
إنما يُعرَفُ الإمام بالعلم وإجابة الدعوة.
 
إنّ أهم مبحثٍ بين كلّ المباحث هو مبحث الإمامة، ووجهُ هذه الدعوى أن الإمام حرفُ ربطٍ بين الإنسان وخالق العالم، فلو لم يكن الإمام لم تكن هناك إنسانيةٌ مطلقاً.
 
نحن لم نفهم هذه المباحث: أَنْتُمُ السَّبِيلُ الأَعْظَمُ وَالصِّرَاطُ الأَقْوَم‏.
 
وأيّ معانٍ في كلمة (السَّبِيلُ)؟! وأهمُّ منها وصفها ب(الْأَعْظَمُ)! ثم أي مباحث في (الصِّرَاطُ)؟! وأيُّ دقائق في (الْأَقْوَم)؟!
 
على كل حال كلُّنا عوام! ومنشأ ذلك أنّا غفلنا عن فقه دقائق ولطائف الروايات، وكل واحدةٍ منها بحرٌ عميق!
 
إن الإمام يربط بين الخالق والخلق: بِيُمْنِهِ رُزِقَ الوَرَى، وَبِوُجُودِهِ ثَبَتَتِ الأَرْضُ وَالسَّمَاء: هذا مقامه في عالم التكوين!
 
أما في عالم التشريع، فإنّ فقه هذا الحديث يحتاجُ إلى كتابٍ ومجالس، ولا أقلّ من أن نغتنم ونغترف شيئاً من هذا البحر ببركة صاحب يوم الغد الذي لم نعرفه أبداً!
 
إنّ الإمام هو الرائد والمهيمن، والإمامة هي الريادة والهيمنة، فهناك مُقتَدَىً ومُقتَدٍ، إمامٌ ومأمومٌ، والنسبة هي الإمامة.
 
إن كلّ إنسان مركبٌ، وقد جمعت فيه الجمادات والنباتات والحيوانات: فعناصر البدن من مواد الجماد، والرشد والنمو من آثار النبات، والشهوة والغضب من نتائج حيوانيتنا، وما يكون به الإنسان إنساناً جوهران: أحدهما العقل، وثانيهما الإرادة.
 
فماذا صنع الإله الحكيم على الإطلاق؟!
(إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ) فالتركيب الأوّل من الروح والبدن، وهناك العقل والحواس: إذا غلب الهوى فمصيره في أسفل السافلين، وإذا غلب العقل فثمرته أعلى عليين، (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى * فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأْوى‏)، فالجنة مأوى مثل هذا الإنسان.
 
وعلى أيِّ حال: الأول هو العقل والثاني هو الإرادة، والإمام هو إمام العقل والإرادة عند البشر، والإمامة مقولة مشكِّكَة، فينبغي في الإمامة العامة أن يكون شخص الإمام في النقطة الأعلى التي لا تُتَصَوَّرُ نقطةٌ فوقها من حيث العلم.
 
وعلى هذا قامت أدق البراهين، لأن دعامة الإنسان العقل، وكمال العقل بالعلم، فينبغي أن يكون الإمام في نهاية نهايات العلوم، ومن جهة الإرادة ينبغي أن تصل الإرادة إلى حدٍّ تفنى في إرادته تعالى (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)، فمثل هذا يصبح إماماً!
 
للأسف، قد انقضى العمر ولم نفهم جواهر الزيارة الجامعة: بِكُمْ يُنَزِّلُ الغَيْثَ، وَبِكُمْ يُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِه‏، هذا في نظام الكون، فلولا الحجة لساخت الأرض بأهلها.
 
أما في نظام الشرع: بِنَا عُرِفَ الله، وَبِنَا عُبِدَ الله، نَحْنُ الأَدِلَّاءُ عَلَى الله، وَلَوْلَانَا مَا عُبِدَ الله.
 
ولقد كان الإمام أبو إبراهيم موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام مظهر ذلك العلم وتلك القدرة.
 
إنه يثير الحيرة فعلاً، ومقامه يحير العقل! وللأسف، فإنّا لم نعرفه أبداً، ولو كنّا قد عرفناه ما كان حال بلدنا غداً كما هو عليه هذه الأيام! الأسواق مفتوحةٌ وكلٌّ مشغولٌ بنفسه! وإنما صرنا كذلك لأنّا لم نعرف من الذي فُقد في مثل يوم غد، وأيّ جوهر كان!
 
لقد كانت مدة حياته خمسة وخمسين سنة، وقد شرعت مرحلة الإمامة الفعلية في العشرين من عمره، وابتُلِيَ بالمنصور الدوانيقي، واختُبِرَ بحكومة هارون، ثم في أيِّ سجنٍ كان لسبع سنوات؟! مَن كان أسيراً لمن؟! وأيُّ تسليمٍ ورضىً كان عنده؟!
 
لهارون أعدى أعدائه جملةٌ تُعَدُّ حجّةً لما سأله ابنه المأمون: مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي قَدْ أَعْظَمْتَهُ وَأَجْلَلْتَهُ وَقُمْتَ مِنْ مَجْلِسِكَ إِلَيْهِ فَاسْتَقْبَلْتَهُ وَأَقْعَدْتَهُ فِي صَدْرِ المَجْلِسِ، وَجَلَسْتَ دُونَهُ، ثُمَّ أَمَرْتَنَا بِأَخْذِ الرِّكَابِ لَه؟
 
قَالَ: هَذَا إِمَامُ النَّاسِ وَحُجَّةُ الله عَلَى خَلْقهِ وَ خَلِيفَتُهُ عَلَى عِبَادِهِ.. يَا بُنَيَّ إِنَّهُ لَأَحَقُّ بِمَقَامِ رَسُولِ الله (ص) مِنِّي وَمِنَ الخَلْقِ جَمِيعاً.
 
فمَن كان حتى انعكست صورته هكذا في قلب هارون؟!
 
أما ما ورد في زيارته: .. السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا نُورَ الله فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا إِمَامَ الهُدَى، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا عَلَمَ الدِّينِ وَالتُّقَى، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا خَازِنَ عِلْمِ النَّبِيِّينَ، السَّلَام‏ عَلَيْكَ يَا خَازِنَ عِلْمِ المُرْسَلِينَ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا نَائِبَ الأَوْصِيَاءِ السَّابِقِينَ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مَعْدِنَ الوَحْيِ المُبِينِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا صَاحِبَ العِلْمِ اليَقِينِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا عَيْبَةَ عِلْمِ المُرْسَلِين.
 
ذِكرُها يحيّر العقل!
اقرؤوا سورة النور وافهموا آية النور: (الله نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ)، ونور النور هو موسى بن جعفر! السلام عليك يا نور الله، ما الذي يمكن قوله؟! فكلُّ جملةٍ منها بحرٌ.
 
المطلوب منا جميعاً أن نعرفه وأن نُعرِّفَه للناس، ولضيق الوقت نكتفي بحديثٍِ واحدٍ صحيح السند، والشيخ الأنصاري يرفع يده عن الاحتياط الفقهي بمثل هذا الحديث ويفتي بضرصٍ قاطع.
 
عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ قَالَ: اسْتَدْعَى الرَّشِيدُ رَجُلًا يُبْطِلُ بِهِ أَمْرَ أَبِي الحَسَنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عليه السلام وَيَقْطَعُهُ وَيُخْجِلُهُ فِي المَجْلِسِ، فَانْتُدِبَ لَهُ رَجُلٌ مُعَزِّمٌ، فَلَمَّا أُحْضِرَتِ المَائِدَةُ عَمِلَ نَامُوساً عَلَى الخُبْزِ، فَكَانَ كُلَّمَا رَامَ خَادِمُ أَبِي الحَسَنِ عليه السلام تَنَاوُلَ رَغِيفٍ مِنَ الخُبْزِ طَارَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، وَاسْتَفَزَّ هَارُونَ الفَرَحُ وَالضَّحِكُ لِذَلِكَ.
 
هارون مع حكمه للأقاليم وثروته، أحضر مثل هذا الرجل القادر، ولما صار الغذاء يطير بسحر هذا الساحر، وكان كلّ المجلس قلقاً، وهارون يضحك بكامل سروره فرحاً من تأثير هذا المجلس في الدولة:
 
فَلَمْ يَلْبَثْ أَبُو الحَسَنِ عليه السلام أَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى أَسَدٍ مُصَوَّرٍ عَلَى بَعْضِ السُّتُورِ فَقَالَ لَهُ: يَا أَسَدَ الله خُذْ عَدُوَّ الله.
 
قَالَ: فَوَثَبَتْ تِلْكَ الصُّورَةُ كَأَعْظَمِ مَا يَكُونُ مِنَ السِّبَاعِ، فَافْتَرَسَتْ ذَلِكَ المُعَزِّمَ، فَخَرَّ هَارُونُ وَنُدَمَاؤُهُ عَلَى وُجُوهِهِمْ مَغْشِيّاً عَلَيْهِمْ، وَطَارَتْ عُقُولُهُمْ خَوْفاً مِنْ هَوْلِ مَا رَأَوْهُ.
لمّا أفاق هارون وندماؤه لم يجدوا غير الصورة على الستار.
 
ماذا فعل موسى عليه السلام؟ لقد رمى عصاه فابتلعت سِحر السَّحَرة، وكانت جِسماً، أمّا ما فعله الإمام عليه السلام فكان مِن صورةٍ، والتفاوت بينهما كما بين الأرض والسماء.
 
فَلَمَّا أَفَاقُوا مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ حِينٍ قَالَ هَارُونُ لِأَبِي الحَسَنِ عليه السلام: أَسْأَلُكَ بِحَقِّي عَلَيْكَ لمَّا سَأَلْتَ الصُّورَةَ أَنْ تَرُدَّ الرَّجُلَ.
فَقَالَ: إِنْ كَانَتْ عَصَا مُوسَى رَدَّتْ مَا ابْتَلَعَتْهُ مِنْ حِبَالِ القَوْمِ وَعِصِيِّهِمْ، فَإِنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ تَرُدُّ مَا ابْتَلَعَتْهُ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ.
 
هذا معنى أنّ الإمام يعرف بالعلم وإجابة الدعوة.
غداً يومُ خروجه من السجن، لكن بأيِّ كيفية؟
 
خرج على النعش، هناك على جسر بغداد، كيف كان بَدَنُه؟ ذِي السَّاقِ المَرْضُوضِ بِحَلَقِ القُيُودِ!
 
كان الحديد سبع سنوات على قدمه، فماذا يفعل بالعظم؟! وأين كان ذلك؟
 
فِي قَعْرِ السُّجُونِ وَظُلَمِ المَطَامِير، فما هو المطمور؟ تلك الأماكن التي تُحفَرُ تحت الأرض يسمونها مطمورة، سجنٌ تحت الأرض.
 
فما هي وظيفة الشيعة في هذه الدولة غداً أمام هذه الساق المرضوضة وظُلَم المطامير؟
 
السعداء هم أهل العراق، وأيُّ سعادة، والأمرُ محيِّرٌ فعلاً، هنيئاً لهم، لو كنت هناك لقبّلتُ أقدامَكُم، أقدامُكُم تاجُ رأسنا يا زوار الكاظمين.
 
يُقتَلون مع نسائهم وأولادهم، ويكملون طريقهم!
 
يا شباب إيران الغيارى، قوموا بما ينبغي لئلا تخجلوا غداً أمام النبي (ص)!
ينبغي على كل الهيئات أن يخرجوا، ويلطموا رؤوسهم وصدورهم، لتشييع جنازة المنادى عليه.. والباقي لا يمكن بيانه..
 
لا إله إلا الله.
السبت 24 رجب 1435هـ الموافق 24-5-2014 م.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


شعيب العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/03/08



كتابة تعليق لموضوع : الإمام المعذّب في قعر السجون ... سماحة المرجع الديني الشيخ الوحيد الخراساني حفظه الله تعالى
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net