صفحة الكاتب : كاظم فنجان الحمامي

معاول المستشفى الجمهوري بالبصرة
كاظم فنجان الحمامي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

عثر ثلاثة أصدقاء على حفرة قرب بوابة مستشفى, فقال الأول: دعونا نستنجد بسيارة الإسعاف لتقف بجوار الحفرة تحسبا للطوارئ, فقاطعه الثاني, وقال: كلا بل نردم هذه الحفرة ونحفر واحدة أخرى في مكان آخر, فرفض الثالث رفضا قاطعا, وقال لأصدقائه: كلا, كلا, اتركا الحفرة في مكانها, وانقلا المستشفى إلى موقع آخر.

لا ادري ما الذي يجعلني أتذكر هذه النكتة كلما مررت بواجهة المستشفى الجمهورية في البصرة, ونظرت إلى اللافتة المثبتة على الرصيف, عند التقاطع القريب من مصرف الدم. .

الملفت للانتباه إنها تعلن عن مشروع متعدد المحاور, تتكرر فيه عبارة (هدم وبناء) مرات عديدة في متوالية إعلانية تبعث على الدهشة, من مثل: هدم وإعادة بناء المختبر, هدم وإعادة بناء صالة العمليات الأولى, هدم وإعادة بناء ردهة الأنف والإذن والحنجرة, هدم وإعادة بناء ردهة التدرن والأمراض الصدرية, هدم وإعادة بناء ردهة الحروق, هدم وإعادة بناء ردهة الجملة العصبية, هدم وإعادة بناء شعبة العيون, هدم وإعادة بناء مخازن الأدوية. وكأننا نقف أمام حملة شاملة لتهديم أركان المستشفى وردهاتها وقواطعها والمباشرة بإعادة البناء من جديد في المكان نفسه, وفي المساحة القديمة التي شيد عليها المشفى في العقد الأول من القرن الماضي, وصار عندنا انطباع إن البصرة ضاقت بما رحبت, ولم تجد وزارة الصحة إلا هذا المكان المحاصر بأنهار الصرف الصحي, في بيئة أقل ما يقال عنها, إنها لا تصلح للسكن, فما بالك إذا كان المشروع المتعدد الخطوات يتمحور في منطقة تعج بسقائف وكالات بيع الاسمنت ومواد البناء, وتحيط بها طرق مغطاة بطبقات الرمال والأتربة, ولا تبعد عن الكراج المركزي الخاص بالسيارات والحافلات والباصات سوى خطوات معدودات, حيث يطغي ضجيج السيارات وصخبها على الأجواء المشبعة بالهواء الفاسد. .

وهنا لابد لنا من طرح مجموعة من التساؤلات المنطقية, فنقول: أليس الأفضل أن نلجأ إلى البناء الجديد بدلا من التورط بدوامة الهدم والبناء ؟. ثم ما الذي يضطرنا لتحمل تكاليف الهدم والردم والدفان, وتكاليف نقل الأنقاض, وتكاليف إزالة الأسس القديمة الضاربة في عمق الأرض, وتكاليف الإجراءات الوقائية التي يفرضها واقع المنطقة المزدحمة الصاخبة المتربة المزعجة ؟, وما الذي يدفعنا للتضحية بالوقت والجهد, ومواصلة الإصرار على إعادة البناء في مكان لا تتوفر فيه الشروط الصحية ولا البيئية ؟, ألا يعلم المخططون إن التخطيط لبناء مستشفيات جديدة في أماكن أوسع وأجمل يضمن تحقيق نتائج أفضل وأوفر وأكثر نفعا ؟, أما المستشفيات القديمة فيفترض أن تدخل ضمن المواقع التراثية, أو تتحول إلى متاحف ومعاهد صحية, أو مواقع سكنية للأطباء, ويتعين علينا نقل المستشفيات من المناطق المكتظة إلى الضواحي الريفية الفسيحة, فالنمو العمراني في البصرة يحتاج إلى تفرغ علمي لدراسته, حتى نستطيع التعمق بالرؤية المستقبلية لما يجب أن تكون عليه مشاريعنا المرتقبة, ويحقق لنا التغلب على الظواهر التنموية السلبية, وفي مقدمتها التقوقع في الأماكن العتيقة المزدحمة بالسكان, مع وجوب الاستفادة القصوى من نظم المعلومات الجغرافية عند البحث عن الأماكن المناسبة لبناء المستشفيات, حيث ينبغي أن يبعد الموقع عن أقرب طريق رئيس بنحو (500) مترا, وان يبعد عن أقرب مستشفى بحوالي عشرة كيلومترات, وأن يكون قريبا من شبكات المياه العذبة, والطاقة الكهربائية, وقنوات الصرف الصحي, مع وجوب مراعاة الشروط البيئية في ضوء المعايير القياسية التي أقرتها منظمة الصحة الدولية. .

ختاما نقول نأمل أن تحمل التصاميم الجديدة سمات العمارة الموروثة في البصرة, كالشناشيل والشرفات الخشبية, التي تعكس ملامح الفن المعماري الشائع في هذه المدينة المينائية العريقة, وتحمل المعالم التاريخية الأصيلة. وأن لا تكون التصاميم الجديدة عبارة عن كتل خراسانية صماء بكماء, لا تسر المرضى, ولا تبعث في قلوبهم الفرحة والسعادة والأمل. . .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


كاظم فنجان الحمامي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/03/08



كتابة تعليق لموضوع : معاول المستشفى الجمهوري بالبصرة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net