صفحة الكاتب : الشيخ حيدر السندي

هل الحقيقة المطلقة موجودة عند النبي ؟ ( تأمل في كلام السيد الحيدري)
الشيخ حيدر السندي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 السؤال : هل بلغكم المقطع الذي يقول فيه السيد الحيدري ( هداه الله) أن النبي ( صلى الله عليه و آله) لا يملك الحقيقة المطلقة وإنما معرفته نسبية ؟

إذا لم يصل إليك فهذا هو الرابط ، و لو تتفضل بتعليق.

الجواب : استمعت إلى المقطع ، و لم أفهم منه أن السيد الحيدري ( بصره الله) يريد أن يقول بأن معرفة النبي ( صلى الله عليه و آله) نسبية تحتمل الخطأ ، كما هو المعروف من نفي ( المعرفة المطلقة) ، وهذا شيء نقوله إنصافاً ، وليس بغرض الدفاع عنه.

نعم ، وقع السيد الحيدري في خلل معنوي لأنه خلط بين مطلبين كان ينبغي عليه أن لا يخلط بينهما ، فإن سياق حديثه كان مرتبطاً بإقصاء الآخر بسبب الاختلاف العقدي ، ولهذا استشهد بالآية الكريمة: ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَىٰ لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ ۗ كَذَٰلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ ۚ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) ، وكذلك بحديث: (ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين كلها في النار إلا واحدة ) ، ثم عقب السيد الحيدري ( أصلح الله حاله) بأن سبب قول اليهود في النصارى و قول النصارى في اليهود اعتقادهم بأن الحقيقة عندهم كما هي ، ولا يملك الحقيقة كما هي أي الحقيقة المطلقة إلا الله وحتى النبي ( صلى الله عليه و آله ) لا يملكها !

وهذا يناسب أن يكون مقصوده بالحقيقة المطلقة ما جرى عليه الاصطلاح ، وهو معرفة الواقع في كل شيء كما هو ، ومن ذلك واقع الدين السماوي الذي يزعم كل أهل ديانة أنهم واقفون عليه ، فإن من الواضح أن اليهود والنصارى والمسلمين لا يزعمون أنهم يحيطون بعلم الله ، ولا يضللون غيرهم ويقولون هو ليس على شيء لأنه لا يعلم علم الله .نعم ، كل أصحاب دين يزعمون أن عندهم واقع أصل الدين وغيرهم ضال عنه ، وإذا كان هناك رد عليهم فهو بأحد طريقين :

١- القول بأنه لا يوجد عندهم واقع الدين، و إنما هم فيه على باطل وضلال ، واقامة الدليل على ذلك ، وهذا ما بينه القرآن في عشرات الآيات منها :

(لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ۘ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۚ وَإِن لَّمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) و (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ أُولَٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) و ( وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا) و ( وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ۖ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

٢- القول بنسبية المعرفة الدينية و أنه ليس بين المختلفين من هو ( ليس على شيء) ، لأن المعرفة المطلقة غير النسبية لا توجد عند أحد منهم، فالكل على حق، لأنه بحسب ظروفه الخاصة لا يرى الواقع كما هو ،وإنما بنحو يناسبه.

و أما القول بأنه ليس بين المختلفين من يحيط بعلم الله تعالى ، فليس أصلاً يناقض دعوى كل طرف أن الطرف الآخر ليس على شيء ، إذ نحن نعم أن النبي ( صلى الله عليه و آله ) وجميع الأئمة ( عليهم السلام) وجميع المسلمين لا يحيطون بعلم الله تعالى ، ومع ذلك نقول : الملحد و عابد الفأر ليس على شيء من دين الله تعالى، وقال تعالى : ( و (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ أُولَٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ)

لهذا كان فهم المقدم للبرنامج نابهاً عندما أوقف السيد الحيدري ( أرشده الله طريق الحق) عند قوله بأن ( معرفة النبي ليست مطلقة) ، فقد فهم من السياق أنه يتحدث عن نسبية المعرفة، لأنه ما ينفع كرد على دعوى إنحصار الحق عند طرف فقط ، فقال له : (هذه بيها نقاش وأنه يلزم عدم وجود اليقين عند النبي )، غير أن السيد الحيدري قفز قفزة كبيرة جداً ، وأدخل شوال في شعبان - كما يقال - وقال : مرادي هو أن النبي ( صلى الله عليه وآله) يملك معرفة يقينية برتبة ، ولكنه لا يملك اليقين الموجود عند الله تعالى ، و استشهد بالآية الكريمة ( وقل رب زدني علماً) ، وهذا مرده إلى أن النبي ( يملك المعرفة المطلقة في جملة أمور ) ولكن لا يملك مطلق العلم أي لا يحيط بعلم الله تعالى !

وهذا ما يورث التعجب ، فإنه :

أولاً : ذكر مصطلح في معنى خاص في سياقه المناسب ، ثم قفز إلى معنى آخر.

وثانياً: أثبت اليقين لله ، فهل يصح أن يقال: الله متيقن؟ وهو محل بحث ليس المقام مقام تفصيله.

وثالثاً : خلط بين عدم ثبوت الحق وبين الهلاك ، وهذا كثير ما يقع فيه ، وأيضاً ليس المجال لتفصيله، و تعرضنا له في نقد نظرية جواز التعبد بجميع الاديان.

ورابعاً: لما اعترف بأن النبي عنده يقين ولو في رتبة ، فمن حقنا أن نسأل هل من خلاف النبي ( صلى الله عليه و آله ) في يقينه على شيء أم لا ؟

و إذا لم يكن على شيء يأتي سؤال آخر : هل النبي بعث لعرّف الناس الحق المتيقن به أم يستحيل أن ينقل يقينه ولو برتبة نازلة ، و بتالي ما الفائدة من بعثته؟!

وإذا كانت الأمة وقفت على حقائق مطلقة ( غير نسبية ) من النبي ، فما حكم من خالف عقيدة الأمة هذه هل هو كالامة بلا فرق أو هو ليس على شيء من جهة خلافه ، و بالتالي ليس كل الناس سواء ويستوي حال تابع النبي وحال تابع الشيطان؟!

وهل هذا يختلف عن مضمون حديث ضلال غير المتبع للنبي و أهل البيت ( عليهم السلام) وعليه يحمل حديث افتراق الأمة وإن كان في سنده بحث.

و ظني أن الرجل ( اعطاه الله البصيرة في دينه) كان يفكر بصوت مرتفع ، و لم يرتب أفكاره جيداً قبل الحوار ، و لو أنه تأمل ولو قليلاً قبل أن يرتجل لتنبه إلى تداخل الموضوعات في كلامه .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ حيدر السندي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/10/19



كتابة تعليق لموضوع : هل الحقيقة المطلقة موجودة عند النبي ؟ ( تأمل في كلام السيد الحيدري)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net