صفحة الكاتب : منتظر الخفاجي

ما الذي يحمله كورونا؟
منتظر الخفاجي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

قبلنا أم رفضنا، ناسبَ عقولنا واهوائنا أم لم يناسبها، الكونُ له مالكٌ، له خالقٌ، إلهٌ، مدبرٌ، على حسب اختلاف التسميات.
وصاحبُ الملكِ هذا لم ولن يتركَ ملكه ولا يغفل عن ادارته، نعم هناك مساحةٌ للخلق والبشرية خصوصاً في تغيير او تكميل بعض شؤونه بما يسمح النظام بذلك.
لابد لواضع أي نظام او صانع أي مصنوع ان تكون له غاية من نظامه او صنعه، ولابد ان يبلغَ تلك الغاية مهما تعددت واختلفت الوسائل ولن يقف أي حائل بينه وبين تحقيق غايته ان كان مقتدراً.
الحقُ جل جلاله له غاية كلية من خلقه، والصورة – لنقل الظنية- لهذه الغاية التي ارتسمت لدينا من الاثار المنقولة لنا وكذلك من استنتاج العقل السليم ان الخلق سائر نحو كماله، فالعبادة والعمل الصالح واختيار الأفضل وترك القبيح، كلها تؤدي الى الكمال العام، ومادامت هنالك حركة فهنالك كمال.
نعم تحصل انحرافات في داخل النظام العام من قبل المنتظمين أي الداخلين تحت ذلك النظام، سواء أكانوا من المساهمين في تسيير النظام او من الخاضعين لذلك النظام، وحصول الانحراف لن يؤدي الى الخروج عن النظام وانما الى تأخير بلوغ غاية وجوده.
فان حصل مثل هذا الانحراف تعيّن على صاحب النظام ان يقوم بما يلزم القيام به والذي يضمن معه عودة هؤلاء الى الاستقامة بمساوقة النظام والسير وفق متطلباته.
حينها يلجأ صاحب المُلك الى اتخاذ العلاج الأنسب لإرجاع خلقه الى السير وفق ما يريد.
نحن عبيد، استنكرنا ذلك ام تكبرنا عليه ام رفضناه، يبقى الواقع اننا صنائع تابعون لمن أوجدنا وله سلطة التحكم فينا.
ليس هذا محل الجدل في أن الوباء الذي يصيب البشرية الآن هو من صنع الانسان او من صنع الطبيعة العمياء او من صنع الخالق، فهذا جدل المترفين؛ لان النتيجة النهائية سواء أكان هذا الوباء من صنع الانسان او من التطورات المنحرفة في الطبيعة، بالنتيجة هو بإرادة صاحب المُلك، حيث العبيد لا تفرض على الأسياد، والضعيف لا يفرض على المقتدر، فهو من صُنعِ صاحب الملك سواء أكان بصورةٍ مباشرة او غير مباشرة.
نعم سيضحّي بجزء من خلقه وسيتألم جمع كبير من عباده، وهذا ليس بالهين عليه لأنهم من ضمن ملكه، وقد نَسَبَهم لنفسه وقال عنهم عبادي وخلقي.
لكن ذلك لن يجعله يتخلى عن مسؤوليته تجاه ما أوجد ولن يدعه يتنازل عن غايته التي من أجلها أوجد ما أوجد.
فحينما يرى خلقه أمسوا يدمرون أنفسهم ويدمرون ملكه دون ان يردعهم أي رادع، ويبصر عقلاء خلقه الذين تخلوا عن تكليفهم وأصبحوا يُسخّرون عباده لتشييد ملكهم الخاص؛ حينئذ لابد ان يتدخل ويُعيد الأمور الى مسارها الصحيح ويختار الطريقة الأنجع التي يضمن من خلالها تحقيق غايته الجزئية على أقل تقدير آخذاً بعين الاعتبار التساهل والتسامح التي هي من شيم أصحاب المسؤولية.
"وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ"(21السجدة) طبيعة النفوس تنصاع بالترهيب أكثر من الترغيب، والعذاب هو الفعل المسبب للألم الدافع للرجوع بعد الابتعاد.
حينما أرسل علينا هذا الوباء ليس مراده ان يُهلك البشرية وانما هو تنبيه بصوت مرتفع، حينما وصلت البشرية الى مستوى من الانحراف عن النظام لا ينفع ولا يجدي معه الا الدفع بقوة (وان كان ليس بقوة كبيرة لحد الان) إستخدم الحق هذه الطريقة المناسبة مع درجة الانحراف، وتجاوب الانسان بأدنى مراتب التجاوب، وليس من المتوقع أن تتجاوب كل البشرية مع هذا التنبيه! فمن كان في غفلة مطبقة يصعب عليه سماع هذا الصوت.
كورونا ليس فايروساً صغيراً إنما هو نظام كبير، غيّر الكثير من الثوابت وصحح الكثير من الانحرافات وأزال الكثير من الأوهام.
ضرب المعتقدات قبل ان يضرب الأبدان، غيّر في النظام العقلي العام والخاص، أحدث تغيرات في النظام البيئي، هزَّ أركان النظم الاقتصادية المتداعية، كشف ثغرات الإدارة الإنسانية، ضعّف جزءاً معتداً به من المعتقدات التي عفى عليها الزمن، وسوف نرى تغيرات كبيرة في السياسيات الدولية، لقد زلزل كيان البشرية وكسر أنف غرورها، وكشف للمتجبرين بعلمهم وعقولهم وتدبيرهم قيمتهم الحقيقية من أن كل ما في أيديهم هو سراب أوهام، وان القدرة التي كانوا يتوهمونها ما هي الا صورة خيالاتهم.
من هنا يأتي سؤال جوهري يفرض نفسه بقوة، هل يكفي هذا البلاء او الوباء لإرجاع البشرية الى طريق الاستقامة؟
البشرية هي من تجيب عن هذا السؤال.
كورونا سينتهي قريباً (أقصد هو وليس آثاره) وربما بأتفه الأسباب، لكن هل تستطيع البشرية وخاصةً عقلائها ان تضمن عدم مجيء بلاء آخر؟.
حسب فهمي والله العالم، ان الإجابة على هذا السؤال مرتبطة برد فعل البشرية تجاه هذا الوباء ومستوى فهم الرسائل التي يحملها لهم.... الناظر البصير يرى ان الانحراف الذي وصلت اليه البشرية كبير جداً فإن كان التجاوب مع رسائل كورونا تجاوباً بسيطاً فلابد – والحالة هذه- ان يأتي بلاء آخر او قد تكون سلسلة من البلايا- وهذا ما أميل اليه- واما إن استطاعت البشرية ان تفهم الأسباب الواقعية لهذا البلاء وتتصرف على وفق تلك الأسباب فسوف يكون هنالك تغير في صيغة التعامل الإلهي معهم.
المتوقع من المجتمع الانساني بأفضل حالاته وأشخاصه، أنهم أو جزء منهم سوف يعمل على تغيير بعض مفرداته وثوابته وعاداته في فترة البلاء، وحين زواله سوف يرجع الاغلب الى ما كان عليه؛ والذي سيحرّك الإرادة الإلهية لاتخاذ الطريقة الاصعب، فإن من يرفض الصغيرة فقد دعاك بلسان فعله لإنزال الكبيرة. نتأمل من المجتمع البشري عموماً ومن عقلائهم خصوصاً ان يفهموا ويعوا ويتعاملوا مع هذه الرسائل ويقوْموا سلوكهم وفق مؤدى هذه الرسائل الواضحة جداً.
ولا منجيَ من أمر الله إلا هو.
وله الحمد على كل ما يأتي منه.
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


منتظر الخفاجي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/04/15



كتابة تعليق لموضوع : ما الذي يحمله كورونا؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net