صفحة الكاتب : عبدالاله الشبيبي

المركب الإلهي!… الصلاة...
عبدالاله الشبيبي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

قال تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾. إن أهمية الصلاة أمر غير خافٍ وليس موضوع جدل، حيث آيات القران الكريم تترئ وهي تحث المؤمنين على الصلاة، وتبين أهميتها وآثارها، وحيث الحديث الشريف اعتبرها عموداً للدين، إن قبلت قُبل ما سواها وان ردت رد ما سواها، وهي معراج المؤمن، وصلة العبد بربه.
لكن كل مصل ينهل من هذا المعين العذب بمقدار توجهه وفهمه وإدراكه وعروجه فيها، بل وبمقدار صلته بالله من خلالها. المصدر: مقدمة كتاب سر الصلاة.
من الناس من يقف بين يدي الله تعالى بجسمه ــ لا بجوارحه ولا بروحه ــ فهو يؤدي فريضته وكأنه غائب متخلف عن الكتاب الموقوف، غافل عن التوجه الكامل والخشوع العميق لأنوار الحضرة الإلهية، فإذا به يبتعد عن ملكوت الرحمة والمغفرة في حين يفترض إن يكون قريباً منها، ضارعاً اليها متوحداً معها. المصدر: صلاة الخاشعين، ص7. 
قيل ان معنى كتاباً موقوتا أي مفروض، والفرض يأتي بمعنيين رئيسيين:
أحدهما: التظنن والافتراض. وهو مما قد يفيد علمياً، فيما إذا كان هو الطريق المنحصر لحل المشكلة، ويسمى عندئذ: الأطروحة.
ثانيهما: الإلزام والوجوب. وبهذا المعنى ورد في الكتاب الكريم، ومنه قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إلى مَعَادٍ﴾. وقوله سبحانه: ﴿إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً﴾. ومن هنا سميت الصلاة الواجبة: الفريضة، وهي مفعول من الفرض، يعني المفروضة أو الموجبة بالفتح. المصدر: ما وراء الفقه، ج9، ص221.
وقد قال صاحب الميزان عن معنى قوله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً﴾ بالقول التالي: الكتابة كناية عن الفرض والإيجاب، والموقوت من وقت كذا أي جعلت له وقتا فظاهر اللفظ أن الصلاة فريضة موقتة منجمة تؤدي في أوقاتها و نجومها.
والظاهر أن الوقت في الصلاة كناية عن الثبات وعدم التغير بإطلاق الملزوم على لازمه فالمراد بكونها كتابا موقوتا أنها مفروضة ثابتة غير متغيرة أصلا فالصلاة لا تسقط بحال، وذلك أن إبقاء لفظ الموقوت على بادئ ظهوره لا يلائم ما سبقه من المضمون إذ لا حاجة تمس إلى التعرض لكون الصلاة عبادة ذات أوقات معينة، فالظاهر أن المراد بكونها موقوتة كونها ثابتة لا تسقط بحال، ولا تتغير ولا تتبدل إلى شيء آخر كالصوم إلى الفدية مثلاً. المصدر: تفسير الميزان، ج5، ص35.
قد عبر القران الكريم أجمل تعبير وأدق وصف لمن يدخل الصلاة وهو غافل ساهي كأنه سكران لا يعلم ماذا ينطق ومن يناجي، وحذر التقرب الى ذلك اذ قال تعالى: ﴿لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ﴾: قيل إن هذا الخطاب عند المحققين خطاب موجه الى القوى الروحية التي صار الإيمان لها مشهوداً في عالم الروح بحيث لا تقترب من الصلاة في مسجد القلب ما دامت في حال سكر الغفلة وغياب الرغبة الى أن تنتبه من غفلتها وسكرها وتعلم ما تقول وتعرف مع من تتكلم. 
اذ يقول السيد الخميني: ان الصلاة هي براق السير ورفرف العروج لدى أهل المعرفة وأصحاب القلوب، ولكل من أهل السير والسلوك الى الله صلاة مختصة به، وله منها حظ ونصيب على حسب مقامة. 
وهي المركب الإلهي الذي يمتطيه العبد ليحلق عالياً في سماء الكمالات المعنوية، والمعراج الحقيقي والوصول الى باب الله بمرقاة الصلاة. 
كما يقول العلامة النراقي: الصلاة مركب إلهي مؤلف من عدة أجزاء بعضها بمثابة الروح وبعضها بمثابة الأعضاء الرئيسية للبدن وبعضها بمنزلة سائر الأعضاء. 
ويقول العقاد: الصلاة هي من علامات الرقي والتقدم، وهي الطريق الى فهم حقائق الكون، وفهم الصفات الإلهية، لانها رياضة روحية تربط عالم الغيب بعالم الشهادة، وتجعل وجود الله حقيقة أعلى من حقيقة النواميس الكونية التي تهم الإنسان في مطالب ضميره وحياته. 
ويقول كاريل: ليست الصلاة مجرد عبادة فحسب بل هي أيضاً انبعاث خفي لروح الإيمان في الإنسان وهي أقوى صورة للطاقة التي يمكن أن يولدها الإنسان، ان كثرين من الناس يعتبرون الصلاة ألفاظاً شكلية روتينية او ملجأ للمستضعفين او التماساً صبيانياً للأمور المادية، بيد ان فهمنا للصلاة فهماً صحيحاً سيجعلنا ندرك بأنها نشاط ناضج لا غنى عنه لاكتمال نمو الشخصية.
اذ ورد انه قد سأل أبا عبد الله الصادق عليه السلام عن أفضل ما يتقرب به العباد إلى ربهم، وأحب ذلك إلى الله عزوجل ما هو؟. فقال: ما اعلم شيئاً بعد المعرفة أفضل من هذه الصلاة، الا ترى ان العبد الصالح عيسى بن مريم عليه السلام قال: ﴿وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا﴾.
فالصلاة الحقيقية بحضور القلب وبخلوص النية وخضوع الجوارع وخشوعها مع ادراك معانيها وما تحتويه هي مدرسة أخلاقية تصفي النفوس وتنقيها من الأدران والإمراض وتبعدها من ارتكاب الفواحش وتنبهها من غفلتها، وتمنعها عن ارتكاب المنكرات. فهنيئاً لمن اتقن صلاته وأتمها وأقامها وأدامها في وقتها. 
جاء في كتاب المحجة البيضاء ما حاصلة: إن الخشوع في الصلاة على قسمين: 
الأول: الخشوع القلبي، وهو أن يكون تمام همّته في الصلاة ومعرضا عما سواها بحيث لا يكون في قلبه سوى المحبوب.
والثاني: الخشوع في الجوارح، وهو يحصل بأن يغمض عينيه ولا يلتفت إلى الجوانب ولا يلعب بأعضائه. 
قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾. فجعل الخشوع في الصلاة من حدود الإيمان وعلائمه. فكل من لم يكن خاشعا في الصلاة فهو خارج عن زمرة أهل الإيمان طبقاً لما قاله الذات المقدسة الحق تعالى شأنه. 
قال الإمام الصادق عليه السلام: إذا دخلت في صلاتك فعليك بالتخشّع والإقبال على صلاتك فإن الله تعالى يقول: الذين هم في صلاتهم خاشعون. 
وعنه أيضاً: اذا أحرمت في الصلاة فأقبل اليها لأنك ان أقبلت أقبل الله إليك وإن أعرضت أعرض الله عنك فربّما لا يرفع من الصلاة الا ثلثها أو ربعها أو سدسها بقدر ما أقبل المصلّي إليها وان الله لا يعطي الغافل شيئاً.
يقول البعض: إِنّهم لا ينكرون فلسفة وأهمية الصّلاة وآثارها التربوية، ولكنهم يسألون عن ضرورة إِقامتها في أوقات محددة، ويرون أن الأحسن أن يترك الناس أحراراً لكي يؤدي كل منهم الصّلاة متى ما سنحت له الفرصة أو متى ما وجد استعداداً روحياً لأداء هذه الفريضة؟.
الجواب: إِنّ التّجربة قد أثبت أنّ القضايا التربوية لو لم تخضع لشروط وقيود معينة، فإِن العديد من الناس سيتجاهلون ويتركون هذه القضايا، وسيؤدي هذا التجاهل إِلى أن تتزلزل أركانها، لذلك فإِن القضايا التربوية يجب أن تخضع لقيود خاصّة ويخصص لأدائها أوقات محددة، وأن لا يسمح لأحد بتخطي هذه القيود أو تجاهل تلك الأوقات، خاصّة وإِنّ أداء فريضة كالصّلاة وفي وقت معين وبصورة جماعية يظهر عظمتها وهيبتها وتأثيرها القوي الذي لا يمكن لأحد نكرانه، والصّلاة في الحقيقة من أهم العوامل في تربية الإِنسان وتكوين شخصيته الإِنسانية. المصدر: تفسير الامثل، ج3، ص426.
وقد اختار الله سبحانه للصلوات اليومية أفضل الأوقات دنيوياً ودينياً كما ذكرها السيد محمد الصدر في كتابه الموسوم بـ فقه الأخلاق، نذكرها:
أما دنيوياً، فباعتبار أن أوقات الصلوات ليست وقت عمل عادة، وخاصة مع الإلتزام بالجمع بين الصلاتين، أو القول بجوازه على الأقل، وهذا واضح في كل الفرائض والنوافل اليومية، كصلاة الليل وصلاة الفجر ونافلته، إذ من الواضح أن تلك الأوقات لا تكون وقت عمل إلا نادراً جداً.
وكذلك وقت صلاة الظهر وصلاة العصر ونوافلهما، فإنه وقت الراحة وتناول وجبة نصف النهار، غير أن ذلك يكون أوضح في مجتمع قائم على اتباع مثل هذه التعاليم، لا على مثل نظام المجتمع الحديث، غير أن ذلك أيضاً لا يمنع من إيجاد الصلاة في أول وقتها وخاصة مع الإقتصار عل الفرائض.
ونفس الشيء يقال: بالنسبة إلى وقت صلاتي المغرب والعشاء، لفإنه وقت هدأة وراحة،قد انتهت به أتعاب النهار، ولم تبدأ به فعاليات الليل، ولا يفوت به شيء من أهداف الدنيا اقتصادياً ولا اجتماعياً.
وإذا نظرنا من الناحية الدينية، فالأمر يكون واضح ولعدة مستويات:
المستوى الأول: إن الفرد في الأوقات التي تخلو من العمل الدنيوي، يكون فارغ البال عادة أو غالباً من هذه الناحية، ومن هنا يكون توفره للعبادة وتوجهه خلالها أسهل وأكثر.
المستوى الثاني: إنّ كثيراً من الأعمال الدنيوية هي عبادة أيضاً، وهي لا تتوفر إلا في الأوقات الطبيعية للعمل، ومن هنا لا ينبغي أن تكون أوقات الصلاة مزاحمة لها أو مانعة عنها، كما لا ينبغي أن تكون الأوقات الأخرى الخارجة عن العمل الدنيوي خالية وبالية، إذن فالأحجى أن تكون الصلوات في الأوقات الخالية من العمل الدنيوي، لكي يكون الفرد المؤمن في كلا الحالين في عبادة.
المستوى الثالث: إن كثيراً من الأعمال الدنيوية ضرورية للفرد وأسرته.
ولا ينبغي أن تحول الصلوات دونه. كما لا يمكن تحويله إلى الأوقات الشاذة اجتماعياً، إلا أن تحويل أو تعيين أوقات الصلاة بشكل غير مزاحم مع العمل ممكن للشريعة، وهذا ما أنجز فعلاً.
المستوى الرابع: في الإمكان التأكيد على أن أوقات الصلوات اليومية الواجبة والمستحبة، وخاصة مع الالتزام بالصلاة في أوقات فضيلتها... إن هذه الأوقات هي الأوقات الأفضل من كل مدار الساعة، وهي الأكثر توجيهاً للفرد إلى الله سبحانه وباعثة عل الخشوع والخضوع والتضرع، وإذا أراد الله سبحانه لصلاة عبده أن تكون هي الأفضل، وهو مريد لذلك جزم، إذن، فينبغي أن يأمر بإيقاع صلواته في أفضل أوقات الليل والنهار.
لاريب أنّ الصلاة أكمل وسيلة للبناء والسير والسلوك إلى الله تعالى، وهي المغزى الأساس لبلوغ الهدف الأعلى للإنسانيّة والمجتمع الإنسانيّ المثاليّ. ومن المدهش والمؤسف حقّاً أنّ عامّة الناس ـ بل كثيراً من خاصّتهم ـ لا يعرفون هذا المغزى الّذي هو مغزى الحياة والحركة والازدهار حقّ معرفته، ولا يستفيدون منه كما ينبغي، مع جميع ماورد في القرآن الكريم والسنّة الشريفة من نصوص تؤكّد الدور الإعجازيّ للصلاة في بناء الفرد والمجتمع.
كثيرون هم الّذين يصرفون وقتاً من حياتهم للتفكير في بناء أنفسهم وممارسة ما يهديهم في سيرهم وسلوكهم، فيبحثون عن مرشدٍ يهتدون بأذكاره وأوراده ورياضاته ليطووا مراحل الكمال ومراتب الكشف والشهود، ولكن نلحظ في كثير من الحالات أنّهم ربما يقعون في فخّ الماكرين الّذين لا يعرفون من السير والسلوك إلّا الاسم، متّخذين من ذلك وسيلة للارتزاق والشهرة واستغلال المريدين الجهلة بشتّى ضروب الاستغلال.
ويعلم السالكون الواعون والمسلمون المتبصّرون الصادقون أنّ الصلاة هي أفضل التعليمات التوجيهيّة في السلوك وتزكية النفس، وأقرب الطرق إلى مواجهة الغزو الثقافي لأعداء الإسلام، وأحسن الجهاد ثمراً لتحقيق القيم الإنسانيّة وتطبيق المعرفة الإسلاميّة الأصيلة في المجتمعات البشريّة.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عبدالاله الشبيبي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/05/09



كتابة تعليق لموضوع : المركب الإلهي!… الصلاة...
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 1)


• (1) - كتب : عادل عبدالبدري ، في 2020/06/26 .

بالنسبة لما اورده صاحب المحجة البيضاء من ان الخشوع في الصلاة على قسمين /( الثاني ) ... وهو اغماض العينين , لعله من المكروهات في الصلاة اغماض العينين ...




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net