صفحة الكاتب : علي حسين الخباز

الأساليب الحداثوية القسم الأول
علي حسين الخباز

قد نحتاج الى تعريف يبيّن لنا مفهوم الأسلوبية، ويضعنا أمام معناها الحداثوي كموجه من الموجهات القصدية، يرى بعض النقاد أنها تعني الثقافة الفكرية التي تعلمنا كيف نفكر برأس الآخر، لندخل الواقع بوجهة نظر ترسخ لنا هذا الواقع. إحدى الكليات العراقية قدمت مؤتمراً حوارياً يعتني بدراسة النص الحسيني وجوهر الكتابة الى واقعة الطف، فلجأت الى مقارنة بين الكتابة من داخل الواقع التاريخي دون ان تترك أي مجال للنظائر الموضوعية وبين الكتابة التعبيرية التي ترتكز على النظائر الموضوعية، وعلى قوة التخييل وإسقاط رؤى فكرية، وتكون حرة بتكوين الدلالات التي تقود القارئ الى جوهر الواقعة. فلو تأملنا مثل هذه المقارنة سنجد أشياء غريبة لوجود نصوص ترتكز على الواقع التاريخي منها الضعيفة، ومنها القوية، ونصوص أخرى ترتكز على التخييل كتبت بمستويات متعددة منها القوي ومنها الضعيف، وهذا يقدم لنا صورة مغايرة لما اعتمدته الكلية. لابد هناك معايير أخرى تجري عليها المقارنة، وبمعنى أن الأسلوبية هي الفيصل بين جميع الطرق التوصيلية، القضية ليست بما يكتب داخل - خارج الواقع، وإنما في أسلوب الكتابة، في مقدرة الجذب، حضور القوة الاسلوبية يتحكم أيضا في مسألة بث روح العاطفة ودقة الإحساس الموضوعي بمقدرة حقيقية على الابداع والخلق. البعض ينظر الى الوضوح كإبداع اسلوبي، وينكر أهمية الغموض في بعث العوالم الإبداعية، بينما هناك غموض يعبر عن عجز الكاتب، وتقصير ابداعه عن أضواء مكونات الواقع الفكري، فبدأ بتأسيس مناطق واهمة يبني عليها تغريبية غير مفهومة، وهناك غموض فني يرتكز على عمق ابداعي. وهذا النوع الرفيع من الأدب يعطي فسحة كبيرة للإيحاء وللمكون الدلالي، ويؤثر تأثيراً معنوياً في توجيه المتلقي الى البحث عن معنى المعنى، ويصنع حراكاً فكرياً لمفاهيم متنوعة، والاهتمام بالقيم الاسلوبية يجعلنا أمام روحية الكتابة، ومثل هذه الروحية تمنح قدرا حقيقيا بتطابق هوية المنجز بين الذات والموضوع، ونبذ جميع حالات الانفصام وخاصة نحن نطالب الأديب العراقي أن يتسامى على الواقع الذي يشكو من تدني في القيم الروحية والأخلاقية.. نريده أن يكون مرشداً مؤثراً بإبداعه. يرى بعض النقاد أن الأسلوب عصي والبعض الآخر يقول: إن الأسلوب هو الرجل والأسلوب هو الكاتب نفسه، شخصيته الحقيقية الى ابعد ما يكون, الأسلوب هو عمق الكاتب الإنساني والإسلامي يخرج دون قصد الكاتب، وقد يدون المبدع دون أن يشغل بالا لطبيعة الفكرة التي يتناولها, القيم الوجدانية وثقافة الكاتب فكرياً وعاطفياً لها تأثيرات مباشرة على محتوى الأفكار. الألفاظ التي يستخدمها للتعبير عن مضمون فكرته, التركيب الجملي هي الموهبة التي تميز كاتباً عن غيره امتلاكه لأسلوب مختلف في الطرح يمكنك التعرف عليه من بين مئات النصوص له صوته الخاص ونبرته المتميزة. الكاتب الموهوب يتميز في كلماته؛ لأن الأسلوب الجيد تتلبس به روح الكاتب، لذلك يقولون: إن الأسلوب هو الانسان، هناك اكثر من طريقة مختلفة تقول الفكرة نفسها، ولكل أسلوب طريقة خاصة نابعة من طبقات الرغبة اللاوعي. القدماء كانوا يعتقدون بوجود جن (فحيناً أقول وحينا هو) نصف مصدر الالهام من الرغبة والنصف من اللاوعي اختلاف تفاصيل التعبير يترجم اختلاف الرغبات اختلاف اللاوعي، فتكون لدينا نصوص متباعدة رغم أن جميعها يعمل لترجمة المضمون، ولا ادري من قالها: (الشيطان يكمن في التفاصيل)، النص المبدع اصبح وسيلة لحمل تفكيرنا الواعي، ورغباتنا غير الواعية، احلامنا... المبدع عندما يعايش فكرة يقدمها بكلمات في الكثير من الايحاءات والإشارات والرمز والاقتباسات والاستشهادات، والصور البلاغية والأدوات السريالية التي هي نتيجة من نتائج التراكيب الجملية يؤطرها بانسجام، وعبارات مؤثرة تنطبع في ذاكرة الانسان. وفي موضوع منشور في موقع العرب الجديد للأستاذ حبيب سروري بعنوان الأسلوب هو الانسان، ينقل قول مهم لفيكتور هيجو (الأسلوب فن قبل كل شيء فن صعب يتطلب شغل يومي مثابر ليكتب المبدع نصاً مؤثراً لا تظهر عليه التكلفة او الصنعة وان كان مسبوكا من الخيال الخالص او أعاد صياغته اكثر من عشرين مرة كما يفعل كل المبدعين الكبار، تلزمه المثابرة في الكتابة والاصغاء للنص وحسن القراءة قبل كل ذلك (لكي تكتب جيدا يلزم ان تقرأ جيدا) قراءة النص عشق, علاقة غرامية حسب تعبير احد النقاد، حتى الصمت بين العبارات يحلو الاصغاء الرهيف اليه وتذوقه.. الحوار مع الأفكار بعمق. في إحدى المسابقات التي كانت لجنة التحكيم فيها تحكم على النص عبر قراءة مباشرة كان رئيس اللجنة التحكيمية الدكتور مهدي حارث الغانمي وانا والشاعر عماد الصائغ من الكوفة، حصانتي في الموضوع اني صاحب تدوين الكثير من الملاحظات في صفحات ما اقرأ.. لا يمكن الاحتفاظ بكتاب نظيف بعد قراءتي، هذه نفعتني في جلسة التحكيم التي لم نكن على بينة بما سيقرؤون، هذه القراءة المباشرة تحتاج الى متابعة ذهنية مباشرة قلمي في يدي أدوّن كل صورة شعرية تمر على أذني، وكل صيغة إبداعية أكرر كتابتها لألحق ركب القراءة، فالشاعر على المنصة أتابع قوة الفكرة والمضمون والصور البلاغية، وحين قدمت النتائج كان رئيس اللجنة التحكيمية يطالبنا بالتقييم، وأعطيته مفصلاً عن جميع هذه المكونات الإبداعية، وحين قدم الأمسية النقدية لينوب عن لجنة التحكيم عرض صعوبة الموقف التقييمي. الروح حين تتناغم مع الأسلوب تشكل تقارب ذهني، وأنا كنت في ذوبان مع ما يقرأ على المنصة، البعض يبالغ في اعداد الصور تركيبات مبالغ بها، هناك بعض الصياغات الخبرية تأتي بأخطاء اسلوبية، نستعرضها مثل كافة الصحف وكافة المحافظات لابد ان تكون المحافظات كافة، او (لازال الحوار قائماً) الـ(لا) لا تصلح للاستمرارية، فنستخدم (ما)، وهناك دائما زيادة استعمال تم (تم افتتاح المؤتمر)، وهذا خطأ لابد أن يقال (افتتح المؤتمر) أو تكرار كلمة كلما مثلاً (كلما ارتفعت الشمس كلما زاد الحر)، وهذا ايضا خطأ؛ لأنه يجب ان يقال (كلما ارتفعت الشمس زاد الحر). هناك من يعترض على جملة (استلم الامر) يجب ان تقول (تسلم الامر)، صدر ملحق من ملاحق جريدة المدى اليومية ملحق اسمه ملحق أوراق بعنوان الصحة الاسلوبية في صياغة الاخبار، تكنيك الخبر الصحفي المراجعة الانطباعية كانت للكاتبة فريدة الانصاري، والكتاب من تأليف الدكتور اكرم فرج الربيعي، إيجاد نمط جديد في صياغة الاخبار يتصف بالدقة والموضوعية، يطالبنا بالحيادية يتجنب المزالق الدعائية، يبحث عن الأخطاء في المقاس العلمي بينما النتيجة، قد تكون نسبية، يطالب الصحفي بعدم التدخل الشخصي في صياغة الاخبار، ويطالب أيضا بأسلوبية المعنى اللغوي، مكونات الأسلوب الصحفي، يقول هناك كلمات تصوغ منها خبراً، وهناك أسلوب تعبيري لصياغة الخبر، وجود الكلمة السهلة الدالة على المعنى القريب الى القارئ، مثلا هو يطالبنا ان نقول: توفى الرجل، وان لا نقول انتقل الى رحمة الله أو ان نقول مثلا وافته المنية، او امتدت له يد المنون، والابتعاد عن الجمل الطويلة؛ لكونها تبعد المتلقي، لديه كلمات ولديه مترادفات وكيفية الاختزال الفكري لا يريد من الكاتب ان يتدخل تدخلاً شخصياً، الذي افرحني انه كتاب اسلوبي والذي احزنني انه يرتكز على القياس بشكل مرعب وكأنه يتعامل مع الموضوع تعاملاً رياضياً، فيذكر المقياس اللغوي، والمقياس الاحصائي، ومقياس صحة اسلوبية، ودرس سمات الأسلوب الاخباري لكل جيل اعلامي، مع التجربة التي عشناها مع الصحافة، نجد ان هناك مشكلة من الممكن ان نسميها ضعف الموائمة أي اطلاق المفردة غير اللائقة كقرينة للشخصية مثلاً (استغل النبي محمد (ص) قوة ايمان أصحابه...)، فكلمة استغل لا تصلح ان تقال لنبي، ممكن ان يقال استثمر وتكون اكثر لياقة، او مرات اقرأ مفردة يصيح او صاح الحسين (عليه السلام)، فكان من الممكن ان تكتب نادى الحسين (عليه السلام). ولاحظنا من خلال ما نقرأ ان كثرة تكرار حرف الواو، وكثرة تكرار لكن، ولما، وعندما، وحينما، وثم.. وكل نص له سياقاته الاسلوبية الخاصة به، يعتقد البعض ان طبيعة الموضوع لها تأثير على قوة النص ابداعيا مثل الحرب والحشد وموضوع الفتوى المباركة ونجد ان الموضوع من الوجهة الاسلوبية مهما يكن له دفق عال في الحدث او حرارة في الموضوع هو يحتاج الى معادل حقيقي يرسخ العمق الوجداني للمواجهة من فرح وانتصار وحزن وألم ووبال حرب. أحياناً الواقع في الجبهة اكبر من الكتابة (الحكاية نفسها)، لكن الوسائل الاسلوبية الفنية تمنحنا واقعاً اكبر من حجم ذلك الواقع نفسه.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي حسين الخباز
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/12/15



كتابة تعليق لموضوع : الأساليب الحداثوية القسم الأول
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net