صفحة الكاتب : د . صادق السامرائي

فلس - طين؟!!
د . صادق السامرائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

أول عهدي بالمدرسة كنا نتعلم الأحرف الهجائية في القراءة الخلدونية , وأخذنا نجمع الحروف إلى بعضها ونصنع منها كلمات ونتعرف على الأسماء , وكنا نذهب للمدرسة (مدرسة سامراء الإبتدائية الأولى) , التي تقع في الركن الذي يربط بين شارع القاطول وشارع الإمام أو البنك سابقا.

وعلى سور المدرسة من جهة شارع القاطول , كانت كلمة كبيرة وطويلة مكتوبة باللون الأحمر هي (فلسطين) , وما كنا نعرف معناها فإجتهدنا بلفظها ورحنا نردد "فلس + طين" , وتحولت إلى ممازحة ومن ثم لعبة , على شاكلتها أخذنا نصوغ الكلمات ونبتكرها , فنأتي بمسميات ونضعها مكان فلس وطين , ونمضي في لعبتنا الكلماتية كل يوم.

ولا زلنا لا نعرف ما معنى كلمة "فلسطين" , ففي وعينا كانت لعبة نأنس بها ونبتكر كلمات جديدة على شاكلتها , حميدة وغير حميدة , في دوامة اللعب الذي يأخذ معظم وقتنا , ولم ندركها , إلا ذات يوم عندما إقترب منا شاب وقد غضب على ما نقوم به فنهرنا , وهو يقول ,  إنها فلسطين , ومضى مزمجرا بغيرة فائقة ,  وهو يلقي خطبة لم أفهما في حينها , لكننا عرفنا بأن ما نقوم به شيئ غير صحيح , فبقينا ننظر إلى بعضنا والخوف يكتنفا , وعندما ذهبت إلى البيت سألت أمي عما حدث , فأوضحت لي معنى (فلسطين) وقصت لي الحكاية , فتركت تلك اللعبة!!

 

ومنذ ذلك العمر وفلسطين ترافقنا , وما وجدت لها مخرجا أو حلا وإنما هي تدحرج إلى الوراء ,  حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم , وكأنها تهاوت من كونها قضية العرب الأولى إلى القضية رقم مئة!!

 

وكلما تأملت ما جرى أعود إلى لعبتنا (فلس + طين) , وأحيانا أدرك أن طفولتنا البريئة كانت تتنبأ بمصير القضية , وما هي إلى فلس بعد أن كان مضافا إليه طين , صار مطروحا منه طين , فهي اليوم "فلس - طين" , أي فلس ناقص طين , ولا أدري في هذا القرن هل سيبقى الفلس على حاله , أم سيتم تحويشه وتنتهي اللعبة مثلما إنتهت لعبتنا بالذي نهرنا وردعنا بغضب شديد.

 

ولن ينفع بعدها توضيح أمي لمعنى الكلمة , ولن تفيد تمائم الخاملين الخامدين القابعين في أوعية التبعية والخذلان والهوان المشين.

فأين الفلس وأين الطين؟!!

أمة تتهاوى وتفقد أبسط حقوقها بعد مسيرة عقود من اللعب واللهو , والتبجح بالكلمات والشعارات والخطابات , والعنتريات والتحزبات والفئويات والثورات والإنقلابات , وها هي اليوم تنخرها التصارعات المتفاقمة والمشاكل المتعاظمة , وأعدؤها يستثمرون بما فيها من تناقضات ويوفرون لها مؤهلات الجزر السريع والدمار الفظيع والخراب الشنيع.

ووفقا لآليات تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ , فأن فلس لن تعرف طين , وأن أبناء القضية يتلاحون ويندثرون ببعضهم وينقرضون , ما دام الدين من أروع أسلحة الدمار الشامل التي ستبيد العرب عن بكرة أبيهم , وليفرح الطامعون فيهم , ويشربون أنخاب النصر المؤزر بدين!!

ويا ليت الأمة قد أصغت للعبتنا الطفولية (فلس + طين) , وإستلهمت منها مسارات ذات قيمة واقعية ومنطلقات حضارية , لكن هيهات , فقد سقط الجدار الذي كان يتباهى بكلمة (فلسطين) , وصار أجردا تعشعش عليه لافتات سوداء ذات داء مبين!!


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . صادق السامرائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/12/03



كتابة تعليق لموضوع : فلس - طين؟!!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net