صفحة الكاتب : علي علي

ما أحوجنا الى بشائر سارة
علي علي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

    منذ عقود والعراقيون بأمس الحاجة الى عيد حقيقي يدخل السرور الى نفوسهم، عيد خالٍ من المنغصات والمفجعات، عيد لا يشوبه صنف من أصناف المكدرات، وقطعا لم تكن الأخيرات تأتي من السماء، أو تنشق الأرض فتلفظها عليهم، إذ هي نتاج حاكميهم وجلاديهم المتعاقبين على التسلط وتنسنم مفاصل إدارة بلدهم.
  ولما كان العيد المعهود لايأتي إلا مرتين في العام، فهم إذن، يفتقدون خبرا يفرحهم، أو بشرى تنتشلهم من بحر اليأس الذي غرقوا في لجه حد القنوط، إذ ما نفذوا من مصيبة إلا ولجوا في أخريات أشد وطأة وأقسى وقعا، وما انفكوا -حتى ساعة صياغة هذي السطور- يعانون من مفاجآت أيامهم غير السارة، فضلا عن لياليهم الحبلى، بما تلد لهم من بنيات الدهر ومصائبه، وبات لسان حالهم يردد قول الشاعر:
حتامَ أخرج من ياس الى ياس
وكم أذوق وأبقى طافح الكاس؟
لا أبلغ الذروة العليا على قدمي
حتى أنكَس للوادي على راسي
  إذ لايخفى على القاصي والداني مدى تدني كثير من جوانب حياتهم، في بلدهم العائم على بحر من نفط، فضلا عن باقي الخيرات والثروات التي تملأ أرضه ظهرا وباطنا. وقد غدت البشائر السارة بالنسبة للعراقيين حلما غير قابل للتحقيق، أو هي قدح معلى نأى عن متناول أيديهم، وصار مستقره في عنان السماء، أو هو في "جبهة الليث أو في قبة الفلك". وقطعا لم يصل الوضع الى هذا الحد إلا بسبب السياسات المتبعة من قبل قادته، ونهجهم السائرون عليه، والذي يجترون منه ديمومة حكمهم كل أربع سنوات، ليعيدوا الكرة بعدها بأربع أخريات، تعقبها مثلها عجاف.
   في الأسابيع الأخيرة الماضية، وسط ثقل اليأس الشديد، لاحت في أفق العراقيين بشرى سرتهم كثيرا، وتأملوا أن تكون فاتحة خير لبشائر تعقبها، تعيد إليهم أملهم بالحياة الهانئة والعيش الرغيد، بعد أن طالت عليهم أعوام، كان شبح الموت هو المتسيد في الساحة، كذلك بعد ان عم الخراب مدنا ومحافظات، هي للمواطن العراقي بيته وشرفه وعرضه.
  وقد كانت قبل أيام بشرى تحرير قضاء تلعفر، هذا القضاء الذي طاله عدوان التنظيم الإرهابي داعش، وصار في غفلة من الزمن موطئ قدم له، واستحل حلاله، وهو الذي لايعرف في الحل والترحال إلا الخراب والدمار والقتل وإراقة الدماء. 
   بالأمس، شعر العراقيون بغبطة وبصيص أمل يشرق من بين ظلمات الساسة ودهاليز أقبيتهم، ومن تحت قبب مجالسهم المشبوهة التي تعج بالخلافات والمماحكات والصراعات، ولا تفارقها مخاضات معسرة، لا تلد للعراقيين غير المسوخ المتعطشة للنهب والسرقة ما استطاعت، في وقت تشردت فيه عوائل آمنة، وقتل رجالها وأطفالها، وسبيت نساؤها وبيعت في أسواق الرقيق، على أيدي نفر ضال من عصابات تترية، أتت مسخرة من قبل دول لها في تأخر العراق تقدم، ولها في انكسار العراق انتصار، كما لها في ضياع العراق وجود وشموخ.  
   بالأمس، بزغ نور من أواخر مواطئ القدم التي تمكن منها تنظيم داعش، في ظرف لم يكن لأرباب الكتل والأحزاب هم غير هم المناصب والمكاسب، إذ ما برحوا منذ أربعة عشر عاما يقضمون من أعمار العراقيين، غير آبهين بما يضيع من بلدهم أرضا وإرثا وحضارة وتأريخا، فضلا عن حاضرهم ومستقبلهم.
   بالأمس، تولّد للعراقيين أمل أن الصفحة الأخيرة من مآسيهم أوشكت على الطي، لاسيما أن ذريعة إخفاق القائمين على مراكز السلطة والتحكم بمقدرات العراق هي "داعش"، ومن المفترض أن بزواله تزول الحجج والمسوّغات والمبررات لإخفاقاتهم، فهل سينفضون عنهم رداء التحايل والتمسك بالأعذار السمجة؟ أم أن حليمة عصية على التغيير ولن تترك عادتها القديمة!.
  قد يكون نداءً سابقا لأوانه، وقد أكون متفائلا أكثر من اللازم، إلا أن استقراءً بسيطا للأحداث يحتم على المستطلع النظر اليه بجدية، ذاك أن "داعش" الى زوال حتما، سواء أكان عاجلا أم آجلا؟ فهل دار بخلد ساستنا أن العراقيين تمرسوا بألاعيبهم وكشفوا خدعهم، ولم يعد خافيا عليهم مغزى ما يصرح به سياسي هنا، أو مقصد مايفعله مسؤول هناك، بل حتى أضحوا يفقهون مايفكرون به ويخططون له، فالقناعة أمست تامة لدى العراقيين أن زيدا ليس أفضل من عمرو، ولا الثاني أحسن من الأول، وإن كان هناك تفاضل أو تفاوت بينهما، فهو بالسيئات لا بالحسنات، وبهما يتباريان، وقد صح بيت الدارمي بحق كل منهما حيث يقول:
لا ابن زنا ولا دون دگ دگتك هاي
        عالجسر لو مريت اتنگس الماي
aliali6212g@gmail.com


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي علي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/09/06



كتابة تعليق لموضوع : ما أحوجنا الى بشائر سارة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net