• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : كيف يكون الحديث صحيحا وكاذبا في آن؟ الحلقة الثامنة من سلسلة شواهد تحقيق الفقهاء والمحدثين للروايات والأحاديث .
                          • الكاتب : السيد علوي البلادي البحراني .

كيف يكون الحديث صحيحا وكاذبا في آن؟ الحلقة الثامنة من سلسلة شواهد تحقيق الفقهاء والمحدثين للروايات والأحاديث

تكملة للشاهد الثالث عشر

كيف يكون الحديث صحيحا وكاذبا في آن؟

الصدق صدقان: صدق خبري وصدق مخبري ، والكذب كذبان كذب خبري وكب مخبري ، 

وشرح ذلك فيما يلي:-

الخبر ان طابق الواقع فهو خبر صادق بلا فرق بين ان يكون الخبر موافقا لاعتقاد المخبر وبين ان يكون مخالفا لاعتقاده ، وان خالف الخبر الواقع فهو خبر كاذب وافق اعتقاد المخبر او خالفه ، فميزان الصدق والكذب الخبري هو المطابقة للواقع وعدم المطابقة للواقع ، بغض النظر عن اعتقاد المُخبر ، اما الصدق المخبري والكذب المخبري فميزانه اعتقاد المُخبر ، فان كان الخبر موافقا لاعتقاد المُخبر فهو خبر صادق مخبريا ، وان خالف اعتقاده فهو خبر كاذب مخبريا ولا فرق في الحالين بين المطابقة للواقع والمخالفة له ومن هذا العرض تظهر لنا أربع صور وهي:-

الصورة الأولى:- ان يكون الخبر مطابقا للواقع مع اعتقاد المُخبر المطابقة للواقع ومثاله ان يخبرنا الفلكي بان ( الأرض كروية ) فهذا الخبر صادق صدقا خبريا لانه مطابق للواقع ، وهو صادق مخبريا أيضا لان المُخبر يعتقد مطابقة خبره للواقع.

الصورة الثانية:- ان يكون الخبر مطابقا للواقع ولكنه مخالف لاعتقاد المخبر ، فيكون الخبر كاذبا مخبريا لكنه صادق خبريا ، ومثاله خبر المنافقين فهو خبر كاذب مخبريا وصادق خبريا في قوله تعالى:

( إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ) الآية الأولى من سورة المنافقين.

فالخبر هنا هو الشهادة برسالة النبي محمد صلى الله عليه وآله وانه مرسل من قبل الله عز وجل ، وهذا الخبر مطابق للواقع بلا ريب ، فهو خبر صادق صدقا خبريا ، ولكنه كاذب كذبا مخبريا ، لماذا؟

لان الخبر غير مطابق لاعتقادهم ، فهم لا يعتقدون برسالة محمد صلى الله عليه وآله الطاهرين ، فحكم القرآن الكريم عليهم بالكذب من ناحية الكذب المخبري لا الخبري.

وهكذا فان المنافقين لم يقصدوا الإخبار عن واقعية رسالة رسول اللّه (ص) و إنّما قصدوا الإخبار عن اعتقادهم برسالته ، فكذبهم من ناحية عدم مطابقة خبرهم لاعتقادهم ، وهو من نوع الكذب المخبري لا الكذب الخبري.

الصورة الثالثة:- ان يكون الخبر مخالفا للواقع ومخالفا لاعتقاد المخبر ، فيكون الخبر كاذبا بالكذب الخبري وكاذبا بالكذب المخبري اما انه كاذب بالكذب الخبري فلعدم مطابقته للواقع واما انه كاذب بالكذب المخبري فلعدم اعتقاد المخبر صحة ما اخبر به كما لو اخبر بان زيدا نائم ، او اخبر بموت عمرو ، ولم يكن المُخبر معتقدا نوم زيد وموت عمرو ، ولم يكن زيد نائما في الواقع ولم يكن عمرو ميتا.

الصورة الرابعة:- ان يكون الخبر مخالفا للواقع ولكنه مطابق لاعتقاد المخبر كما لو اخبر زيد بموت عمرو اعتقادا منه بذلك وكان عمرو على قيد الحياة في الواقع فهذا الخبر كاذب خبريا لعدم مطابقته للواقع ، ولكنه خبر صادق  مخبريا لمطابقته اعتقاد المُخبر.

وهذا الشرح يجيب على سؤال مقدر وهو كيف حكم الاعلام بكذب روايات معينة ( ذكرنا عدة امثلة في الحلقة السابعة) رغم صحة اسنادها؟ الا يتنافى القطع بكذب الخبر مع وثاقة المخبر؟ وهل تسقط وثاقة المخبر بالعلم بكذب خبره؟

والجواب على ذلك يتضح على ضوء ما بيناه فيكفي فرض الخطأ والاشتباه في بعض الرواة فلا يكون من الكذب في المخبر وان كان من الكذب في الخبر وبعبارة أخرى يكون الخبر كاذبا ولا يكون المخبر كذلك لعدم قصده ، فان كذب تلك الروايات انما هو بمعني الكذب الخبري وليس الكذب المخبري ، فالعلم بان الخبر كاذب بالكذب من قسم الكذب الخبري لا يلازم الكذب من القسم المخبري ، والنتيجة هي الحكم بوثاقة اؤلئك الرواة وعدم تزعزع الاعتقاد بصلاحهم ، وهكذا فالاصل ان نأخذ بروايات الثقاة والعدول ، الا في موارد العلم بكذب خبرهم كذبا خبريا وعدم مطابقة الخبر للواقع ، فنحملهم على الخطأ والاشتباه فهم غير معصومين عنه.

العلاقة بين الكذب والتقية

تقدم في الحلقة السابعة ان بعض الروايات يحكم الفقهاء بعدم صدقها وانتفاء قابليتها للتصديق وهذا في غير موارد التقية يمكن حمل المورد على اشتباه الراوي وخطأه مثلا ، ولكن في مورد حملها على التقية كيف يفسر الامر؟

الجواب ان الروايات المحمولة على التقية تارة تكون من قسم الانشاء فلا تتضمن إخبارا ، بل انشاء كالاوامر والنواهي ومن الوضوح بمكان فان هذه الاحاديث إن أخذ بظاهرالأمر فيها على الوجوب وأخذ النهي فيها على التحريم فهو عمل بالظاهر ونفي للتقية ، وان لم يؤخذ فيها بالظاهر وحملت على التقية فهذا لا ربط له بالكذب لا من قريب ولا من بعيد ، وذلك لان الصدق والكذب انما يكونان من صفات الخبر واما الامر والنهي وسائر الانشائيات فلا تتصف بالصدق ولا بالكذب ، فيقال بشأنها ان الامام عليه السلام لم يكن جادا في ما أمر او في ما نهى فلا جدية في الامر والنهي الواردين في روايات التقية وظروفها الضاغطة.

وتارة أخرى تكون الروايات المحمولة على التقية تتضمن إخبارا كأن يخبر الامام عليه السلام ان الشيء الكذائي مباح او حلال او حرام او صحيح او فاسد ونحو ذلك.

وهذه الاحاديث هي التي يمكن ان يرد الاشكال والسؤال بشأنها وفي مقام الجواب يمكن ان نذكر وجهين:-

الوجه الأول- يمكن ان يكون ظرف التقية مبيحا للكذب كما في حال حفظ النفس من القتل ، ونحن هنا لا نقرر صدور الكذب من المعصوم عليه السلام تقية لحفظ دمه او دم مواليه وشيعته ولكنا نبين انتفاء الحرمة الشرعية للكذب في مثل هذه الحالات ومن الممكن ان تكون بعض حالات التقية من هذا القبيل فيرتفع الاشكال ولكن قبول هذا التصوير انما يتم بناء على جواز الكذب حال الضرورة مع امكان التورية واما بناء على عدم جواز الكذب مع تيسر التورية فلا يتم هذا الوجه لامكان التورية.

الوجه الثاني- ان يكون جواب الامام عليه السلام بنحو التورية وان الامام عليه السلام قصد ان الشي الفلاني حكمه كذا عند العامة مثلا ، وليس عند مدرسة اهل البيت عليهم السلام ، فلا يكون الخبر كاذبا ، أجل قد لا يفهم السائل مقصود الامام عليه السلام ، وظرف التقية هو ما فرض على الامام عليه السلام ذلك.

وقد أشار لهذين الوجهين الشيخ مرتضى الانصاري في فرائد الأصول: أن الخبر الصادر تقية يحتمل أن يراد به ظاهره فيكون من الكذب المجوز لمصلحة و يحتمل أن يراد منه تأويل مختف على المخاطب فيكون من قبيل التورية و هذا أليق بالإمام عليه السلام بل هو اللائق له إذا قلنا بحرمة الكذب مع التمكن من التورية.

وقال المروجي في تمهيد الوسائل في شرح الرسائل / ج‏12 / 382 / ص : 382 شارحا:

 

 أنّ التقيّة الصادرة منهم عليهم السّلام هل هي كذب جائز لمصلحة أو تورية؟ فيها احتمالان؛ إذ يحتمل أن يراد بالخبر الصادر عنهم تقيّة ظاهره، فيكون من الكذب الجائز؛ لأنّ الكذب عبارة عن مخالفة ما أريد من اللفظ للواقع، فإرادة ما هو ظاهر من لفظ الخبر الصادر تقيّة مخالفة للواقع فيكون كذبا، و يحتمل أن لا يراد من اللفظ ظاهره، بل يراد منه معنى غير ظاهر من اللفظ بحيث يكون مختفيا على المخاطب، فيكون من قبيل التورية بأن يكون المراد من قوله: «المتعة حرام» ما إذا كانت بلا إذن الولي، فلا يكون ما أريد من اللفظ مخالفا للواقع، بل ما هو الظاهر من اللفظ مخالف للواقع. و التورية أليق بالإمام عليه السّلام إذا قلنا بجواز الكذب مع إمكان التورية؛ لوجود مقتضي الفساد فيه، أو متعيّنة عليه، إذا قلنا بعدم جواز الكذب مع إمكان التورية.

http://beladey.blogspot.com.au/2013/08/blog-post_28.html




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=36290
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 09 / 07
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28