• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الارهاب, بيدق أم ملك؟ .
                          • الكاتب : د . أحمد فيصل البحر .

الارهاب, بيدق أم ملك؟

صباح هذا اليوم ذهبت كعادتي لشراء الحليب والخبز من محلات موريسونز القريبة من منزلي. كان البرد قارسا رغم أن الجو كان صحوا والشمس تضرب بضياءها على ذلك البرج الشبيه بمنارة مسجد قديم قرب بناية مركز التسوق. قررت أن ألقي نظرة أقرب الى ذلك البرج العتيق. كان برجا نحيفا مبنيا من الطابوق الأحمر الداكن اللون, ولدى اقترابي منه رأيت رجلا عجوزا يسند ظهره الى البرج ووجهه الى الشمس يلتمس من ضياءها بعض الدفء والسمار. سألته عن البرج فأجابني بأنه لمعمل طابوق قديم يعود للعصر الفكتوري, لكنه لم يهدم عندما هدم المعمل لكي يبقى كأثر شاهد يروي للأجيال حكاية الثورة الصناعية في الامبراطورية التي لاتغيب عنها الشمس.
تذكرت وانا أسرح بنظري مرة أخرى الى البرج, المئذنة الخليلية في مدينة عنه, تلك المدينة الضاربة في القدم والمتنوعة الاطياف والاعراق على نهر الفرات. كم تعودنا أن نلعب على أكتافها عندما كنا صغارا. كانت تشبه كثيرا ذلك البرج وكانت قديمة جدا تعود للعصر العثماني على ماأظن..ولكن للأسف فقد أصبحت اليوم اثرا بعد عين بعد تفجيرها من قبل زمرة من الأرهابيين. كانت مئذنة مسجد ولم تكن تمثالا لبوذا فلماذا فجرها أولئك الجهلة؟؟
هنا أو هناك..في العراق أو بريطانيا وفي كل مكان في العالم أصبح الأرهاب هو الشغل الشاغل للحكومات والأعلام والأنام ولكن لماذا؟ وما هو القصد؟. جماعات تعمل في الخفاء..تفجر, تقتل, تثير الفزع والرعب في كل مكان بأسم الدين والعقيدة والجهاد. أبطالها شخصيات ليس لها ماض ولا مستقبل, ومنفذوا أهدافها شباب بعمر الزهور لم تعركهم الحياة بعد, تقودهم عواطفهم الجياشة الى مواضع الحتوف عن قناعات مزيفة تحمل في ظاهرها طابع الولاء والبراء وغير ذلك من القيم الاسلامية التي يساء اليها, لتجعل منهم ضحايا من قبل أن يكونوا أداة لأفتراس الأبرياء والامنين.
 هنا في أوروبا تتضح أبعاد الصورة أكثر مما هي عليه في عالمنا الأسلامي. هنا المساجد في كل مكان في أرض الفرنجة, يأوي اليها الشيعي والسني والصوفي والسلفي بقصد الصلاة لاغير. الكل هنا مسالم مبتسم بشوش وخصوصا المسلمون من الاجانب..صورة جميلة للأسلام الحقيقي المعتدل السمح, ولكن الخطر يكمن هنا. هنالك أيادٍ خفية وأكاد أجزم بأنها هي التي أبدعت لنا مايسمى بالقاعدة, هدفها تشويه هذه الصورة الجميلة للأسلام في عيون المجتمع الغربي من خلال أبرازه كدين همجي يدعو الى القتل والتدمير واستعباد المرأة والتخلف وغير ذلك, وهو بالضبط الدور الذي يؤديه الارهاب بجدارة, خدمة جليلة يقدمها لتلك الأيادي اللعينة الخفية. فعندما يحصل تفجير هنا أو هناك في أوروبا ويذهب ضحيته مدنيون لاعلاقة لهم باحتلال العراق ولا فلسطين ولا أفغانستان بل على العكس, يبدأ الناس بالسؤال...لماذا يريدون قتلنا؟ ولأجل ماذا ونحن نعاملهم أحسن معاملة ونجيرهم من ضيم بلادهم؟ ويأتي الجواب صريحا..أنه دينهم وديدنهم..هكذا علمهم محمد(صلى الله عليه واله) الذي كان يقتل ويسبي النساء, والدليل مايدعيه أولئك الأرهابيون بأنهم يقتفون اثار النبي بأفعالهم. قبل أحداث سبتمبر كان كثير من الناس في أوربا وأمريكا يدخلون في الاسلام طواعية عن أعتقاد وايمان لايشوبهما شيء, وكانت المنظمات الأسلامية الخيرية منتشرة وتمارس شتى الأنشطة بحرية تامة حتى أصبح معدل من يسأل عن الاسلام بقصد الدخول فيه في أوربا وأمريكا حسب ماقيل لي ثلاثة أشخاص في اليوم منهم واحد على الاقل يدخل في الاسلام بعدها.  لكن هذا الأمر تراجع كثيرا بعد ظهور مايسمى بالارهاب.
لايمكن لأحد أن ينكر أن الأسلام أنتشر بالسيف ولكن الخطأ الكبير يكمن في التواري خلف حقائق جزئية واستغلالها بطريقة تسيء للأسلام من أجل تحقيق أهداف بعينها.  فالأفكار عموما لايمكنها أن تنتشر وتكتسب أقبال الأمم والشعوب لها بقوة السيف بل بالقناعة التامة المشوبة بالرضا دون أكراه أو أجبار, وعليه لم يكن الاسلام لينتشر حتى في الجزيرة العربية لو كان انتشاره قائما على السيف. نعم..أن الرسومات التي حاولت النيل من شخص رسول الله صلى الله عليه واله أثارت غضب المسلمين لكننا لم نحسن الرد عليها. فمقاطعة حليب نيدو وزبدة لورباك تدل على ضعفنا..مثلما أن ردود الفعل الدموية تزيد الطين بلة وتسيء الى الأسلام أكثر وأكثر. أن المنطق يقول أن الأفكار السلبية يرد عليها بأفكار أيجابية مضادة محفوفة بالحجج الدامغة تفحمها وتردها الى أفواه قائليها ومبتدعيها ولا أظن أن الأمة الأسلامية قاصرة عن الدفاع عن دينها بالحكمة والموعضة الحسنة وفيهم من يقرأ قول الله تعالى "بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فاذا هو زاهق". لقد أصبح واضحا من جهلنا بديننا و تخبطنا وشتات أمرنا وعدم رؤيتنا للحقائق أننا ساهمنا بشكل مباشر أو غير مباشر في الأساءة لأسلامنا الحنيف, في حين أن نظرة بسيطة لتاريخنا كانت تكفي لأستلهام الحلول الناجعة في كيفية التعامل مع المسلمين وغير المسلمين. فالخليفة أبو بكر الصديق لم يتهاون مع المرتدين وحاربهم بالسيف وكذا فعل الأمام علي بن أبي طالب مع المبتدعين عندما خط لهم أخدودا وأحرقهم فيه لأنهم أعداء حقيقيون يسعون لتحقيق مكاسب شخصية على حساب الأسلام, بينما فتح الفاروق عمر بن الخطاب بيت المقدس دون اراقة قطرة دم واحدة ولم يصلي في كنيسة القيامة احتراما لخصوصية الديانة المسيحية وكذا فعل من بعده صلاح الدين الأيوبي حين اصدر عفوا عاما عن الصليبيين بعد تحريره بيت المقدس رغم أنهم قتلوا الاف المسلمين لدى احتلالهم لدمشق وبيت المقدس. وهذا ليس ضعفا ولا أسلوب دعاية وأنما تطبيق عملي صحيح لمنهج الأسلام. أو كما حدث في أزمة الخوارج وكيف عالجها الأمام علي بكل حكمة حين أوفد أليهم عبد الله بن عباس ليحاججهم. وقد نجح ابن عباس في تغيير قناعات الكثير منهم وردهم عن غيهم بالحوار السلمي, ثم بعد ذلك جاء دور السيف ضد من استمروا في عنادهم وغيهم رغم بيان الحجة. اذن نحن أمام ثلاثة أصناف من البشر: مسلمون مضللون يحتاجون الى تغيير قناعاتهم الخاطئة بأخرى صحيحة, ومثلهم من غير المسلمين, وفئة ثالثة بينهما تعمل على زيادة الفجوة وهم الارهابيون والصهاينة ومن لف لفهم ودار في فلكهم.
لقد اصبح لزاما علينا أن نتعامل مع الارهاب على طريقة الخليفة الصديق والأمام علي, لان اهدافهم اتضحت في الأساءة للاسلام وقيمه السامية. لم يكن الاسلام يوما من الأيام ضعيفا في مواجهة الحجج الواهية والادعاءات الزائفة بكلمة حق صادقة أمضى من ألف سيف..لكننا نحن, حملة الاسلام, أصبحنا ضعفاء ودب فينا الوهن فلم نعد قادرين على رد الحجة بالحجة وصارت أمورنا بيد سفهائنا وصعاليكنا. ان الأمة الأسلامية اليوم امام خطر عظيم ويجب عليها أن تتوحد وتنهض ضد من يقتلون المسيحيين في الكنائس والمسلمين في بيوت الله, والأطفال والنساء في الشوارع... بأسم الأسلام.   
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=2368
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 01 / 06
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29