• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : في رحاب الإمام الحسن.. معرفة القرآن والنابذين له والمحرّفين .
                          • الكاتب : عبد الناصر السهلاني .

في رحاب الإمام الحسن.. معرفة القرآن والنابذين له والمحرّفين

في رحاب الإمام الحسن؛ روي عن الامام الحسن السبط (عليه السلام) انه قال في ضمن كلام له:  “… ولنْ تمسّكُوا بِمِيثاقِ الْكِتابِ حتّى تعْرِفُوا الّذِي نبذهُ، ولنْ تتْلُوا الْكِتاب حقّ تِلاوتِهِ حتّى تعْرِفُوا الّذِي حرّفهُ، فإِذا عرفْتُمْ ذلِك عرفْتُمُ الْبِدع والتّكلُّف، ورأيْتُمُ الْفِرْية على اللّهِ والتّحْرِيف، ورأيْتُمْ كيْف يهْوِي منْ يهْوِي، ولا يُجْهِلنّكُمُ الّذِين لا يعْلمُون …” (تحف العقول: ص٢٥١).

ويُنسب هذا الكلام ايضا الى امير المؤمنين (عليه السلام) كما في روضة الكافي للشيخ الكليني (رحمه الله)، (مع بعض الاختلاف في الفاظه) وأياً كان فان المنبع واحد وهو بيت العصمة والطهارة.

فهذه السطور التي جاد بها المعصوم على العقول لتستفيد منها، لعل من فوائدها هو استخراج منهج علمي وطريقة في الوصول الى الكمال في فهم دين الله تعالى، والتحصين من الشبهات.

سنحاول فهم معاني هذه الكلمات الشريفة بعون الله تعالى وتوفيقه. فقوله (عليه السلام) في الفقرتين الاولى والثانية من كلامه أعلاه:

الاولى: “ولن تمسكوا بميثاق الكتاب حتى تعرفوا الذي نبذه”. والثانية: “ولن تتلوا الكتاب حق تلاوته حتى تعرفوا الذي حرفه”.

حيث علق الامام (عليه السلام) شيء على شي آخر لا يوجد في الظاهر تلازم بينهما، فقد علق الامام في الفقرة الاولى الوصول الى التمسك بميثاق الكتاب على معرفة من نبذ الكتاب، وفي الفقرة الثانية علق تلاوة الكتاب حق تلاوته على معرفة من حرفه.

ولكن اذا تدبرنا قليلا وجدنا التلازم وثيقاً. فاذا اردنا ان نصيغ الامر على شكل سؤال وجواب ، فنطرح  سؤالا:

ما هي العلاقة والملازمة بين الأمرين في كلا الفقرتين؟
وقبل الجواب لا بد ان نتعرف على المقصود من نبذة القرآن، ومحرفيه.

فنقول:

١- ان ظاهر الكلام يفهم منه ان المقصودين بنبذ القرآن هم المكذبين له وغير المؤمنين به أصلاً، كأهل الكتاب والمشركين والملحدين وغيرهم، بدلالة الاية (١٠١) من سورة البقرة:  “وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ”

وقد يشمل التعبير بعض المؤمنين بالقرآن ايضاً من المسلمين من جهة تركهم العمل بمضمونه وتعاليمه، وركنه جانباً.

٢- ان المقصود بالتحريف في كلام الامام (عليه السلام) هنا ليس التحريف اللفظي بمعنى النقصان والزيادة في كلمات القرآن، فان الله تعالى تكفل بحفظه من هذه الجهة بدلالة الآية (٩) من سورة الحجر:

“إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ” وهو ما عليه الغالبية العظمى من المسلمين.

وبالتالي فان المقصود هو التحريف المعنوي بحرف معاني الالفاظ عن حقيقتها التي نزلت بها وهذا ما ابتُلِي به كثير من المسلمين مع الاسف الشديد بدءا من وفاة النبي الاعظم (صلى الله عليه وآله) والى يومنا هذا بحسب ما تقتضيه مصالحهم.

مما ادى الى اضلال الناس عما رسمه الله لهم باتباع اهل البيت (عليهم السلام) فعمدوا الى كل آية تختص بهم الى تحريف معناها فتارة يجعلونها عامة تشمل غيرهم كآية التطهير الخاصة باصحاب الكساء في وقت نزولها والشاملة للمعصومين من ذرية الحسين (عليهم السلام) فيما بعد.

فادخلوا معهم من لم تعنهم الآية من ازواج النبي (صلى الله عليه وآله)، وأخرى ينفونها عنهم تماما كآية الولاية والتصدق بالخاتم وغيرها. والآن نأتي الى الجواب، فنقول:

ان معرفة من نبذ القرآن وتركه ولم يعترف به اصلاً ولم يؤمن به ولم يصدقه، وكذلك معرفة المحرفين الذين غيروا معاني القرآن.

هذه المعرفة ليست بمعنى معرفة اشكالهم واصنافهم واسمائهم وصفاتهم، اذ لا فائدة من ذلك، بل المعرفة المقصودة هي معرفة متبنياتهم وما يتذرعون به من حجج ساقوها لعدم الاعتراف بالاسلام والقرآن (بالنسبة للنابذين)، وعدم الاعتراف بالمعنى الحقيقي لآيات القرآن (بالنسبة للمحرفين)،

الحث على البحث والانفتاح على أقوال المخالفين
وفي نفس هذا الحث من الامام (عليه السلام) يُعرَف منهج اسلام اهل البيت (عليهم السلام) في الحث على الاطلاع والبحث والانفتاح على ما يقول المخالف في الدين او المذهب فلا انغلاق ولا تعصب، فهنا المنبع الصافي والعذب للاسلام لا ما يمثله المتحجرون الذين شوهوا الاسلام.

اذن هذه المعرفة لمتبنيات الآخرين ستوقفنا على اشتباهاتهم المعرفية وخطأ مناهجهم التي اتبعوها في التقييم والاستنتاج مما ادى بهم الى رفض الاسلام ونبذ القرآن عند قسم، وتحريف المعنى عند قسم آخر، وهو ما اشار اليه الامام (عليه السلام) في الفقرة الثالثة من كلامه بقوله:

“فإذا عرفتم ذلك عرفتم البدع والتكلف ورأيتم الفرية على الله والتحريف ورأيتم كيف يهوي من يهوي”

فمن خلال معرفتنا بهم سنعرف بدع وتكلف الملحدين مثلا من ان هذا النظام الكوني لا يحتاج الى منظم، او كون هذا العالم خلق صدفة، وغيرها.

فهذه بدع في الفكر بالنسبة للعقل السوي، الذي يدرك بان لا مسبب الا بسبب، ولا تنظيم مستمر الا بمنظم واع، ومن مضحكات اقوالهم هو قول احد أكابرهم بان من خلقنا هي كائنات فضائية، خلقتنا وذهبت!

بدع تحريفية
وكذلك نعرف التكلف والبدع في سلوك المحرّفين للمعاني حيث يتكلفون حرف المعنى الحقيقي وذلك لان الامر الواضح يحتاج الى تكلف حتى يحرَّف.

فمثل آية التطهير ووضوحها من خلال معاني اللغة، ومطابقتها لسيرة المعنيين بها، وبيانات النبي حولها، فقد تكلفوا بحجج واهية لتحريفها وحرفها عن الاختصاص باصحاب الكساء (صلوات الله عليهم).

وايضا يشير الامام (عليه السلام) في بقية كلامه في الفقرة الثالثة الى اتضاح الرؤية في كيفية الافتراء على الله من قبل المنكرين للاسلام، وكشف التحريف ايضا، فعندها يسقط ويهوي علمياً وبالادلة امثال هؤلاء.

ومن المؤسف ان تتسرب هذه البدع التحريفية الى بعض من يدعون الانتساب الى مدرسة اهل البيت (عليهم السلام) فيكشف عن جهله المخجل عندما يفسر (التقوى) في قوله تعالى: “إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ” بانها تقوى اي انسان لما يعبده!

لِيُدخِل في الاية كل ملة على وجه الارض الهية او غير الهية!

فالذي يعبد الصنم ويتقيه، والذي يعبد النار ويتقيها، والذي يعبد البقرة ويتقيها، والذي يعبد بوذا ويتقيه، كل اولئك لهم كرامة عند الله بقول هذا المحرّف المخرّف، مع ان الاية في غاية الوضوح بان متعلق التقوى هو الله تعالى بمعنى ان اكرمكم عند الله تعالى اتقاكم لله،

وهل يشك مسلم قارئ للقرآن في ذلك؟!

الانسان يقف حائرا امام مهزلة هذا العقل الذي يفكر بهذه الطريقة. والطامة الكبرى انه ينادي بالتدبر في القرآن، وينادي بشعار زائف بعنوان (اسلام القرآن). فهذا مصداق للذين يحرفون معاني الكلم.

وبمناسبة ذكرنا للتقوى لا بأس بالتبرك بكلام للامام الحسن (عليه السلام) حولها حيث قال:

“اِعْلمُوا أنّ اللّه لمْ يخْلُقْكُمْ عبثاً و ليْس بِتارِكِكُمْ سُدًى،… وأوْصاكُمْ بِالتّقْوى و جعل التّقْوى مُنْتهى رِضاهُ. والتّقْوى بابُ كُلِّ توْبةٍ و رأْسُ كُلِّ حِكْمةٍ و شرفُ كُلِّ عملٍ، بِالتّقْوى فاز منْ فاز مِن الْمُتّقِين، قال اللّهُ تبارك و تعالى: “إِنّ لِلْمُتّقِين مفازا” وقال: “ويُنجِّي اللّهُ الّذِين اِتّقوْا بِمفازتِهِمْ لا يمسُّهُمُ السُّوءُ ولا هُمْ يحْزنُون” فاتّقُوا اللّه عِباد اللّهِ و اِعْلمُوا أنّهُ منْ يتّقِ اللّه يجْعلْ لهُ مخْرجاً مِن الْفِتنِ و يُسدِّدْهُ فِي أمْرِهِ و يُهيِّئْ لهُ رُشْدهُ ويُفْلِجْهُ بِحُجّتِهِ و يُبيِّضْ وجْههُ و يُعْطِهِ رغْبتهُ، مع الّذِين أنْعم اللّهُ عليْهِمْ مِن النّبِيِّين و الصِّدِّيقِين و الشُّهداءِ و الصّالِحِين و حسُن أُولئِك رفِيقاً.” (تحف العقول: ص٢٥٦)

وأخيراً اذا عرفنا ما تقدم اصبح تمسكنا بميثاق الكتاب وحقانيته تمسكاً واعياً علمياً قوياً لاتؤثر عليه الشبهات وهو ما اشار اليه الامام (عليه السلام) في آخر النص عندما قال: “ولا يجهلنكم الذين لا يعلمون”.

فلا يمكن لهؤلاء ان يقوموا بتجهيلنا وتشكيكنا بديننا ومعانيه الحقة وذلك لاننا تعرفنا على مناهجهم وشبهاتهم واشتباهاتهم ودوافعهم واسسهم ومقدماتهم الخاطئة التي بنوا عليها نتائجهم، وكذلك هذه المعرفة ستجعلنا نتلوا الكتاب حق تلاوته بمعرفة معانيه والتدبر، ما وسعنا ذلك، و “لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا”.

والحمد لله أولا وآخرا، وصلى الله على محمد وآله ابدا.

وأسألكم الدعاء




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=167197
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 04 / 17
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29