• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : احترام الرأي الآخر بصورة مطلقة، أمر لا يقرهُ دين ولا عقل .
                          • الكاتب : عبد الناصر السهلاني .

احترام الرأي الآخر بصورة مطلقة، أمر لا يقرهُ دين ولا عقل

🔹 العقل المجرد اذا قطع بشيء ووصل الى نسبة ال ١٠٠٪‏ فان احتمال الخلاف عنده يساوي صفراً، وهذا القرار العقلي بصفرية الاحتمال المخالف نابع من تركيبة العقل التي تقول باستحالة اجتماع النقيضين، فأي رفع لمستوى الاحتمال المخالف عن الصفر الى ١٠٪‏ مثلا، فهذا يعني التنازل عن القطع الى الظن فتتحول قيمة ال ١٠٠٪‏ الى ال ٩٠٪‏ . 

وبعبارة اخرى موجزة : ان القطع بشيء، يلازمه قطع آخر، وهو القطع بخطأ الاحتمال المخالف. 

وعليه اذا قطعنا بصحة عقيدتنا الاسلامية وانها هي الحق الحقيق "هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا" (الفتح ٢٨) فكل عقيدة سواها مطلقا، الهية او غير الهية تكون قيمتها الاحتمالية تساوي صفرا. وبالاصطلاح الديني (باطلا) .

فمثلا لو قطعنا بان الاله واحد لا شريك له، فان احتمال كونه ثالث ثلاثة باطل قطعا .

ولو قطعنا بان نبينا (صلى الله عليه وآله) خاتم الانبياء، فاحتمال ارسال نبي بعده باطل قطعا.

ولو قطعنا بحرمة شرب الخمر، فاننا نقطع بعدم حلية شربه. وهكذا. 

قال امير المومنين (عليه السلام): "إني لعلى جادة الحق وإنهم لعلى مزلة الباطل" (نهج البلاغة: الخطبة ١٩٧)

🔹 بعد هذه المقدمة السهلة الواضحة:

نقول بان العقل المجرد والدين بكلا لغتيهما لا يقيمان وزنا لـ (الصفر) و (الباطل) ولا يحترمان من جهة علمية من كان صفته كذلك فهو خارج نطاق المعرفة، ومنه يظهر وهن وضعف ما يتشدق به البعض من (ضرورة احترام كل الآراء بقضها وقضيضها). وبحجة مضحكة وهي: ان اصحابها يرون انفسهم على حق!!! وما شأني انا فيما يرون فانا محاسب عقلا ودينا على ما أرى انا لا مايرون هم . 

نعم الاحترام المتصور هو للآراء المخالفة لظنوننا لا المخالفة لقطعونا، فان معرفة اي شيء على مستوى الظن، يكون احتمال الخلاف فيه وارداً وبالتالي يمكن احترامه والنظر اليه 

وهنا كلام في احتمال الخلاف المحترم علمياً ما هو؟ هل هو مطلق الخلاف حتى لو كان بنسبة ضئيلة جدا؟ كما يذهب اليه المنطق الاورسطي، من عدم الغاء الاحتمال المخالف ولو كان ضئيلا، ام ان المحترم منها خصوص الاحتمالات المعتد بها، وبالتالي الاحتمالات الضئيلة تكون غير محترمة فيعامل المظنون على خلافها معاملة المقطوع به ؟ كما يذهب اليه الشهيد السيد محمد باقر الصدر (قدس سره). هذا كله بالنظر الى الرأي بما هو رأي .

فهذان اتجاهان.

🔹 ثم ان هناك مسألة مهمة وهي التفريق بين النظر الى الرأي وبين قائله، ففي موارد قد يُحترم الشخص صاحب الرأي الباطل وفي اخرى قد لا يُحترم، ولكن احترامه لا من حيثية رأيه الباطل بل لحيثية اخرى قد تؤخذ بالحسبان ككونه انسانا مسالما، او كونه عالما بمجال آخر ينفع المجتمع، او كونه جاهلا قاصرا يصعب عليه فهم الحقيقة، وغيرها مما يمكن ان يتصور سببا للمداراة والاحترام، وهذا بحث مختلف لا صلة له بتقييم الآراء . 

وهذا الامر واضح في الاسلام وله شواهد قرآنية وحديثية ومن خلال السيرة العملية للمعصومين.

فمن شواهده القرآنية: "وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ" (التوبة ٦)، فالمشرك هنا لانه جاهل لا يعلم، أمر القرآن بمداراته والتعامل معه باحترام، مع ان عقيدته كمشرك غير محترمة وباطلة، ومن الكبائر في نظر القرآن.

وشاهد آخر: "لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" (الممتحنة ٨)

وهذا المشرك اذا كان مسالما ولم يبدر منه ما يسيء، فقد أمرنا ببره والعدل معه . 

واما في السنة الشريفة ففي تاريخ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما يغني في التفريق وكيف كان تعامله مع بعض اهل الكتاب المسالمين، مع انه لا يحترم عقيدتهم المحرفة بل جرت على لسانه الشريف الايات الكثيرة من القرآن التي تصرح بضلالهم عن العقيدة الحق. 

وكذا اهل البيت (عليهم السلام) فقد كانوا يوصون شيعتهم بعيادة مرضى المسلمين المخالفين وحضور جنائزهم، وأداء حقوقهم بدون الخلط بينهم وبين طريقة فهمهم للاسلام التي هي خاطئة في نظر اهل البيت (عليهم السلام). 

وعلى هذا المنوال جرت كلمة امير المؤمنين (عليه السلام) المشهورة عندما قال: "النّاسُ صِنْفانِ إمّا أَخٌ لَكَ في الدِّيْنِ، أو نَظِيرٌ لَكَ في الخَلْقِ". وهنا الكلام صريح عن الانسان لا عقيدته.

وفي المقابل ايضا هناك اناس لا يستحقون الاحترام لشخوصهم بغض النظر عن آرائهم في مجالات اخرى، كالقتلة والمجرمين والسارقين والكذابين والمتجاهرين بالانحراف الاخلاقي.

🔹 اذن فموقف الاسلام الحقيقي من منظور اهل البيت (عليهم السلام) هو الوسطية والعقلانية فلا افراط ولا تفريط فلا احترام لكل رأي او شخص بالمطلق ولا ازدراء بالمطلق.

 فمن امثلة التفريط ما نراه اليوم في العالم الغربي الذي لا يوجد في اغلب دوله عقوبة الاعدام، فلو قام شخص بقتل شعب بكامله عن سبق اصرار، فلا يناله الا السجن المرفه، وهذا خلاف العدالة تماما. وهو تفريط بحقوق المجني عليهم في قصاص ذويهم من القاتل، الذي وصفه الاسلام بانه (حياة) فالعقوبة فيها رادع عن ارتكاب القتل مما يحافظ على حياة الناس، وبالمقابل الافراط الذي تتبناه بعض الفرق المنحرفة التي تدعي الاسلام في قتل كل مخالف لها، واقصائه. 

🔹 وكما ان صاحب الرأي الباطل اذا احترم من حيثية اخرى فهذا لا يمنع من تفعيل واجب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بشروطه، وكذلك لا يمنع من تحذير من يهمني امرهم من عقيدة باطلة او سلوك باطل وان كان القائل به انسانا مسالما لطيفا خلوقا، فكونه محترما من هذه الجهة لا يعني الاغضاء عن باطله فيما يتبناه من رأي قد يتأثر به غيره، او سلوك معين اراه يتنافى مع ما اعتقد به. 

وأمر آخر ان عدم احترام الرأي الفاسد المقطوع ببطلانه او الشخص المنحرف عن نواميس الانسانية والفطرة السليمة، لا يمنع من الحوار معه وتبيين خطئه في الرأي والسلوك بطريقة الحكمة والموعظة الحسنة ومناقشته بالدليل لاقامة الحجة عليه وتنبيهه عن الغفلة التي هو فيها او لتشكيكه في المقدمات الخاطئة التي اوصلته لهذا الراي الباطل او السلوك المنحرف، حتى ينتبه فهذه طريقة الانبياء والاوصياء والعلماء الربانيين .

وكان بودي ان استعرض الكثير من الشواهد والمؤيدات بكل الجوانب المذكورة ولكن الحديث قد طال فاقتصر على هذا المقدار .

والحمد لله اولاً وآخراً وصلى الله على محمد وآله أبدا




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=149410
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2020 / 10 / 27
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19