صفحة الكاتب : د . عادل عبد المهدي

الاختلاف والانقسام.. نقمة ام نعمة؟
د . عادل عبد المهدي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

ليس كل اختلاف او انقسام نقمة، ولا هما بالضرورة نعمة. فالحبة تنفلق وتزهر الحياة من انفلاقها.. والجنين يتشكل من اتحاد مني الذكورة مع بويضة الانوثة مبشراً بولادة ووضع جديد. ولكي يحصل هذا وذاك لابد من شروط تتوفر، كالتربة الصالحة والوقت المناسب والسقي الملائم في حالة الحبة.. وكذلك كالرحم او القرار المكين حيث يجعل الله النطفة ويخلق العلقة، ثم المضغة ليكسوها سبحانه وتعالى العظام واللحم وينشأها تبارك وتعالى احسن الخالقين خلقاً.. ويحتاج هذا وذاك الى يد الرعاية الالهية الظاهرة والباطنة، وما نعرفه ولا نعرفه، وندركه ولا ندركه ليتحول ذلك كله الى نعمة وانماء وحياة. واذا لم تتوفر الشروط المناسبة فخلاف ذلك هو الذي سيحصل.
الامر لن يختلف كثيراً في الحياة السياسية والاجتماعية. فالانقسامات والخلافات ان حصلت بشرطها وشروطها، وان رعتها الإمدادات الغيبية فانها تمثل امراً طبيعياً لا اشكال فيه، وبعكسه فهي صراعات مدمرة وجهود ضائعة، ترهق اصحابها كما ترهق الشعب والبلاد.
ولاشك اننا نعيش عراقياً واقليمياً وعالمياً حالة من الاختلافات والانقسامات والظواهر الجديدة التي لم يكن احد يتصور انها ستحدث بهذا الشكل، وهذه السرعة. وهذه الظاهرة بحد ذاتها دليل ان ثوبنا السابق يضيق علينا ويتمزق، وان جسدنا ينمو وحركتنا ومتطلبات عيشنا اكثر سعة وسرعة، وان القوى والتشكيلات والتنظيمات والشخصيات التي لا تفهم تطورات هذه الاوضاع وتبقى مصرة على قوالبها وانماط تفكيرها فان شيئاً سينمو من داخلها او خارجها ليطردها من الحياة. وهكذا اسقطت "البريكست" رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون رغم انه هو الذي اقترح الاستفتاء.. وخسرت رئيسة الوزراء " تيريزا ماي" اغلبيتها رغم انها هي التي دعت لانتخابات لتحسين اغلبيتها البرلمانية.. وهزمت "الترامبية" في الولايات المتحدة الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء.. و"الماكرونية" الاشتراكيين واليمين التقليدي في فرنسا.. والامير محمد بن سلمان الامير نايف بن محمد في السعودية.. وهذه الانقسامات قد تفرز حالة ارقى من السابقة ان كانت لها شروط النجاح، او على العكس قد تكون بالضد من ذلك، ان لم تتوفر لها هذه الشروط.
وفي العراق نشهد انقسامات حادة في مختلف الساحات وبين مختلف القوى. نشهدها في الساحة الكردستانية وفي الساحة الجنوبية والوسطى والغربية والشمالية.. ونشهدها على صعيد القوى السياسية، كما نشهدها بين الهويات او داخل الهوية الواحدة، او بين الجغرافيات والمصالح، او داخل الجغرافيا الوطنية والمصالح المشتركة. ويشير هذا كله ان البلاد بحاجة لافكار ومفاهيم وممارسات وحلول تجديدية تتجاوز العقول المتخلفة والاساليب القاتلة والمؤسسات الجامدة والمعوقات والمعرقلات الكثيرة.. وان الاطارات والممارسات والافكار السابقة اما ان تجدد نفسها، او ان شيئاً سينمو من داخلها او خارجها ليطردها من الحياة.
فلا يشمت احد باحد، ولا يفرح احد بما يصيب الاخرين، او يحزن لما يصيبه او قد يصيبه. فكل شيء سيعتمد على وعي ما يجري، وعلى توفير افضل الشروط لكي تنمو الوحدة لاستيعاب التطورات الجديدة، او تأتي الانقسامات والاختلافات بما يقدم شيئاً جديداً ارقى من السابق، واكثر قدرة على مواجهة التحديات القائمة وتقديم الافكار والحلول المناسبة لها، واكثر ملائمة لاستيعاب واحتواء التطورات الجديدة التي عجزت الاطارات السابقة عن احتوائها. وهذا كله سيعتمد على وعي الظروف وحسن التعامل معها.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . عادل عبد المهدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/07/22



كتابة تعليق لموضوع : الاختلاف والانقسام.. نقمة ام نعمة؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net