صفحة الكاتب : كامل المالكي

ما بين سقوط صدام والقذافي انصفوا شعب العراق
كامل المالكي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

حينما سقط صدام على ايدي القوات الدولية بقيادة الولايات المتحدة الامريكية وتخلي جنده واقرب معاونيه عنه وهروب الجميع واختبائهم ليس فقط عن القوات المهاجمة بل عن اعين الشعب العراقي ممثلا بقواه السياسية التي رزحت تحت نيرالدكتاتورية على مدى اكثر من ثلاثة عقود من القهر والاضطهاد والدم راح بعض العرب يذرفون الدموع على النظام المخلوع بما فيهم العقيد القذافي الذي سارع الى تنبيه نظرائه العرب الى المصير الآتي لامحالة وقرر تخليد ذكرى عدوه اللدود صدام حسين بصناعة صنم له في منطقة سلوق حيث اعدم المجاهد الليبي عمر المختارعام 1931. وعلى اثر سقوط النظام الليبي نتيجة انتفاضة الشعب الليبي وبمساعدة دولية عسكرية وغير عسكرية وهروب القذافي الى جهة مازالت مجهولة , انبرى المحللون العرب ومنهم من المعارضة الليبية في الخارج وهم يحاولون استقراء مستقبل ليبيا مابعد القذافي الى احداث نوع من المقارنة أو المقاربة بين التجربتين الليبية والعراقية في انهيار الدكتاتورية في البلديين العربيين مستبعدين اي نوع من التشابه أو التناظر وهم بذلك يحاولون رسم صورة زاهية لمستقبل ليبيا بعد التغيير طالما انها لم تتشابه وما حدث في العراق عام 2003 وان ما حدث في الاخير كما يصورون كان بفعل القوات الاجنبية فحسب وانه مازال يعيش وطأة الحرب الاهلية ... الخ .
ان تبسيط عملية سقوط القذافي على هذا النحو وانه تم فقط على ايدي الثوار الليبيين كما ان سقوط صدام جرى فقط على ايدي القوات الدولية فيه الكثير من المغالطة وغمط الحق سواء لدور الشعب العراقي أو المجتمع الدولي , فشعب العراق خاض الكثير من المعارك مع النظام الشمولي المدعوم عربيا لاسباب معروفة لانود اثارتها ومن بعض الاطراف الدولية لحسابات تتعلق بالظروف الدولية السائدة انذاك, ولذلك حينما نجحت آخر انتفاضة للشعب العراقي وخلال ايام معدودات بعد حرب اخراج القوات العراقية من الكويت عام 1991فيما عرف بالانتفاضة الشعبانية وسيطرة الثوار العراقيين على معظم المحافظات سمحت القوات الدولية للطائرات الحكومية والقطعات العسكرية ان تنقض على الثوار في معاقلهم التي حرروها تخوفا من نشوء دولة جديدة في العراق على غرار التجربة الايرانية غير المرحب بها من الغرب ومن الولايات المتحدة على وجه التحديد ولو ان هذه الانتفاضة التي كانت مثالا للتنظيم ونجحت في تسيير امور المحافظات الوسطى والجنوبية على نحو مذهل قد حظيت بربع ماحظيت به ثورة الشعب الليبي من اسناد دولي من حلف الناتو والولايات المتحدة والحكومات االعربية لاستطاع شعب العراق ان يقضي على النظام في فترة قياسية وتنتفي الحاجة الى التدخل المباشر الذي حدث عام 2003 وماتحمله الشعب العراقي من جرائها من اهوال ومآسي كان من بين اهم اسبابها تدخل بعض العرب انظمة وافرادا واصبح العراق ساحة للمتطرفين العرب حتى من ليبيا نفسها بحجة مقاومة المحتلين, ولابد من الاشارة الى ان الشعب العراقي حينما ثار على نظام صدام لم يطلب معونة دولية او غيرها انما اعتمد على قواه الفاعلة وجماهيره التواقة للخلاص من النظام الدكتاتوري في حين كانت هنك اطراف كثيرة من المعارضة الليبية تطالب حلف الناتو عبر مختلف القنوات بما فيها القنوات الاعلامية لتكثيف عملياته ومساعدة الثوار اللذين يجابهون مقاومة عنيدة من كتائب القذافي المدججة بالسلاح فيما كان هناك امدادات بشرية ولوجستية على الارض عربية وغير عربية بشكل أو بآخر لاسيما في الشرق الليبي .
ان التدخل بالقوات الجوية والبحرية لايقل اهمية وتأثيرا عن التدخل بالقوات البرية هذا عدا التسريبات التي تشير الى وجود قوات خاصة اجنبية ساعدت على دخول الثوار الى العاصمة طرابلس وانها تعمل الى جانب الثوار للقبض على العقيد الهارب . وان الولايات المتحدة لو لم تقع في شراك التهويل الاعلامي لقوة النظام الصدامي الوهمية لكانت اعتمدت على الثوار العراقيين وبمساعدة جوية وبحرية لاغير مثلما يحدث الآن في ليبيا لا ان تقف ضد انتفاضتهم الشعبانية الباسلة, هذا مع تقديرنا العالي لتضحيات شعب ليبيا لنيل حريته وكرامته وبنفس الوقت لابد من الاقرار بأهمية مساعدة المجتمع الدولي في حالات كالحالة الليبية وربما السورية لاحقا , ولكن مايقال بهذا الصدد لابد ان يقال في المثال العراقي ومحنة شعب العراق من جراء الحكم الصدامي الشمولي الدموي ,فلماذا يسمون القضاء على نظام القذافي تحريرا والقضاء على نظام صدام احتلالا ,ولماذا يوصف الشعب الليبي ثائرا وشقيقه الشعب العراقي عميلا؟ وفي الحالتين كان هناك تدخل اجنبي على نطاق واسع ,رغم ان شعب العراق الابي لاعلاقة له من قريب او بعيد بالتدخل الاجنبي واسقاط النظام , حتى ان عددا من الاحزاب العراقية المؤثرة في الساحة السياسية آنذاك كالحزب الشيوعي العراقي وحزب الدعوة الاسلامية الذي ينتمي اليه رئيس الوزراء العراقي الحالي نوري المالكي رفضا رفضا قاطعا اي شكل من اشكال التدخل الاجنبي المباشر لاسقاط النظام وطالبا اطراف المعارضة للعمل على اسقاطه من الداخل , ولهذا ماكان شعب العراق يستحق هذه المراقف خاصة من اخوته العرب اللذين راحوا يذرفون الدموع على النظام ليس حبا به انما لاسباب اخرى ربما من بينها السبب الطائفي المتخلف . ولعل من المفارقة الغريبة نجد ان بقايا النظام الصدامي هي التي وقفت الى جانب نظام القذافي وراحت تبدي استعدادها لدعمه بالرجال والمرتزقة وهي التي تسانده الآن اعلاميا وخير مثال على ذلك قناة الرأي المشبوهة والتي تبث من سوريا وبادارة عراقيين كانت لهم علاقاتهم المعروفة مع النظام السابق , في حين يتابع شعب العراق بفرح انتصارات الثورة اللبية فيما اعترفت الحكومة العراقية بالمجلس الوطني الانتقالي ممثلا وحيدا للشعب الليبي.
وعلى نفس الصعيد نجدان الحصار الدولي تحت طائلة البند السابع استمر لفترة طويلة ومازالت الاموال العراقية مجمدة بشكل او بآخر مع حصارعربي واضح في المواقف والسلوك العدائي للسلطة التنفيذية والتشريعية في العراق ,وتقف دولة الكويت في مقدمة الساعين الى استمرار القيود الدولية على العراق بحجة الديون اياها اضافة الى الضخ المستمر لما يسمى بالمجاهدين العرب في اسواق الدم في هذا البلد العربي أو ذاك لقتل الشعب العراقي وليس المحتل , بينمانلاحظ في المثال الليبي مسارعة عربية ودولية لتقديم الدعم المالي واللوجستي لليبيا لمساعدتها في ما تمر به من ظرف عصيب , اضافة الى الدعوات العربية والعالمية لاطلاق الارصدة الليبية المجمدة وهذا امر ايجابي في اطارنصرة شعب مظلوم ومكلوم على مدى اربعة قرون , فلماذا يتواصل بعض العرب في نهجهم للتقليل من دور الشعب العراقي في اسقاط النظام بل وينعتون هذا الشعب الابي بالعمالة حينا وبأوصاف اخرى حينا آخر .
كما يلاحظ في اطار المقارنة غير المنصفة لما حدث في كل من العراق وليبيا من احداث وتداعيات رافقت سقوط النظامين ان الانتفاضة الليبية لم يتخللها أعمال نهب وسلب كما حدث في العراق في حين ان الصور التي تبثها الفضائيات تؤكد ان بيوت المسؤولين من الجانبين سواء اللذين انظموا الى الثوار كمنزل عبد الرحمن شلقم ومنزل القذافي وابنائه وغيرهم لم تسلم من اعمال السلب وهذا امرطبيعي يحدثنا عنه التاريخ في الثورات والانتفاضات العالمية بشكل او بآخر وحدث هذا ابان الثورة المصرية حيث وصل السراق الى المتحف المصري الذي ذادت عنه الجماهير المصرية الثائرة وعلى نحو اقل ابان الثورة التونسية .
ومن بين المقارنات الغريبة ايضا ان المرحلة الانتقالية الليبية ستشهد اياما حالمة في بناء ليبيا الجديدة (على العكس من العراق طبعا ) وان النسيج الاجتماعي والسياسي الليبي سوف لن يكون مثلمل حدث ويحدث في العراق , ومع التمني ان يتحقق هذا التنبؤ الحالم فان ا لشك يساورالكثير من المراقبين في هذا الجانب ويميلون الى احتمالية اندلاع صراعات اكيدة بين القبائل من جهة والسلطة الحاكمة من جهة اخرى اوبين القبائل نفسها خاصة تلك التي كانت لها حصصها في قيادة المؤسسات ومن ذلك على سبيل المثال التعليم الذي كانت فيه القيادة والادارة لبعض العوائل النافذة على مستوى المدينة او المنطقة الواحدة , وفي الجانب السياسي لم تتضح كثيرا الهوية الحقيقية للقوى السياسية الفعالة في الثورة الليبية فهنالك القوى الاسلامية المعتدلة والمتطرفة وهناك اللبراليون والعلمانيون وستظهر لاحقا القوة المنسحبة او المنشقة عن النظام الليبي السابق كما نضيف الى هذا النسيج بقايا النظام السابق والامازيغ وهم من غير العرب ولهم حقوقهم الثقافية التي حجمها العقيد القذافي بقسوة بالغة ومنهم ينحدر الكثير من الثوار في الجبل الغربي الذين ساهموا بفعالية في انتصار طرابلس العاصمة وهروب القذافي منها مدحورا, هذا النسيج الاجتماعي والسياسي المتنوع يحتاج الى فترة قد تطول الى عشر سنوات من اجل الوصول بليبيا الى شاطئ الاستقرار والامان وتتضح الهوة السحيقة بين بعض مكونات النسيج الليبي من خلال عملية اغتيال الفريق عبد الفتاح يونس قائد قوات الثوار من قبل قوى ما زالت مجهولة لعلها تكون اسلامية متشددة كما توصف استعجلت الصراع بعملية الاغتيال هذه لكن المجلس الانتقالي مازال يحاول لملمة الامر الذي بدا يتصاعد تعقيدا من خلال مطالبة قبيلة العبيدات التي ينتمي اليها يونس بمحاسبة المتورطين والاقتصاص منهم والا فان هذه القبيلة ستبادر الى معاقبتهم بنفسها ما يعني بداية حدوث شرخ كبير في قوى الثورة المناوئة للقذافي في حين ان الشعب العراقي نجح في بناء عملية سياسية رائدة في العالم العربي شهد على شفافيتها ونزاهتها الكثير من المنصفين العرب والاجانب او قل انهم غيروا من قناعاتهم امام الصمود المذهل لشعب العراق الابي وان ما حدث مما يصفه المحللون العرب الافذاذ بالحرب الاهلية انما كان عبارة عن محاولات عربية من هذا الطرف او ذاك لاشعال الفتنة الطائفية تمهيدا لنشوب ما كانوا يتمنونه ويسمونه حاليا بالحرب الاهلية التي فشلت فشلا ذريعا بدليل انضمام جميع المكونات العراقية بطواعية للعملية السياسية بعد ان ظل احد المكونات الرئيسية خارج العملية في البداية لكنه سرعان ما قرأ الساحة جيدا وفطن الى اهمية مشاركته في بناء تلك العملية.
انا اعتقد ان المقارنة بين ما حدث في العراق في نيسان عام2003 وما يحدث في ليبيا وبقية البلدان العربية الثائرة على حكامها لا يخدم هذه الثورات كما لا ينصف العراق مهد الحضارات ودولته الكبيرة وشعبها الخلاق وننصح ان يكون الزلزال الذي اطاح النظام العراقي وما حدث في اطار بناء الدولة الجديدة والعملية السياسية التي رافقتها بكل ما فيها من نجاحات واخفاقات (بمثابة المرجعية) لهذه الثورات وليس لمجرد المقاربة او المقارنة في اطار التسامي والزهو المؤقت بالانتصار على الدكتوتارية العدو المشترك لان عملية بناء الدولة الجديدة بكل تفاصيلها تحتاج الى وقت طويل وتجارب سابقة مرت بها شعوب اخرى استطاعت ان تقف بوجه التحديات وتتوصل الى نجاحات مهمة على طريق بناء الدولة المدنية الحديثة وليكن العراق مهد الحضارات المثال العربي الاقرب والانصع.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


كامل المالكي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/09/03



كتابة تعليق لموضوع : ما بين سقوط صدام والقذافي انصفوا شعب العراق
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net