صفحة الكاتب : علي حسين الخباز

رغيف انطباعي .. الشاعر عودة ضاحي التميمي
علي حسين الخباز
  من مساعي الشاعر أعطاء  حالات  غير محددة  لخلق محفزات  تدفع  القاريء  إلى المشاركة الفعلية  من خلال مرونة الجملة وقابليتها على الاحتواء  المنطقي والتأويلي
 
وهذا ما يسميه النقد ( بالاغراء)والذي يعتمد على بعض النظريات  التي تدّعي  بأن الشعريسعى لقلب الاحكام وقد ركز الكثير من هؤلاء النقاد وخاصة الاوربيين منهم على مقارنات  صورية خاطئة ترى أن الشاعر يعتمد على عدم ملائمتها وخلق ترتيبات زمنية غير صحيحة وكل هذا المسعى المتعرج يشخصه النقد لتمحيصات عقلية   لكن تجربة الشاعر (عودة ضاحي التميمي )في مجموعة (الليل وكربله والناس )اعتمد في غوايته أن جاز لنا استخدام هذه المفردة بعملية خلق  ترابطات خفية تتعالق  وتتشابك مع بعضها البعض لتكّون من هذا الالتحام مفهوماً خفياً قد يسميه أغراءاً أو تورية المعنى  لغاية جمالية ثم خلق ترابطات زمنية لها فعل الخصوصية وعلى سبيل المثال لو قرأنا مفردة (مستاحش ) والتي هي اول مفردة تقرأها في المجموعة ستجد انها تقع بين خطين متقابلين حيث العنونة ( هلي والشوك والديرة)فنرى أن هذه العاطفة الجياشة والعبق المليء بالحنين تقابلها مباشرة (انا) الشاعر بمعاناتها وحزنها وألمها ولتطل مع واو معيتها على مساحة واسعة من البوح الفني بمفردة(ليل)..
 
(أنه والليل وهمومي الغريبة)
 
 فهذ ه الهموم المزدانة بياء المتكلم تحمل الكثير من الغواية كمحفزات كبيرة  وهذا الاحتواء المنطقي يطل بنا على توافق آخر داخلي من خلال (هندس الديرة) فشكلت مع مجموعة من الجمل تعرجات فنية تفتح زوايا بعيدة المنال كنتاج غير متوقع  نستطيع أن نجد له تسمية (التمحيص الشعوري) لان هذا (الهندس )لم يمنحنا مثلما نتوقع ظنونا منكسرة لكنه منحنا (وظنوني جنح طيرة) تسمو إلى الاعلى فلنبحث الان عن تعلقات انتجتها هذه الجملة والتي شكلت بعداً اغوائياً لتصل بنا إلى( على سجة هلي اهلالين )... يدّعي البعض أن النقد يقسر التأويل لصالح ما يراه  دون أن يضع أهمية للمفهوم المصدري فالنص هو الذي يصدر لنا التأويل وأما نوعية  الفهم فهو حق من حقوق القراءة ومن حقنا أن نتجاهل تماما نوايا الشاعر ومقاصده ونعتني بنوايا القصيدة وعلى سجة هلي اهلالين وفي هذا الموقع الجملي المرسوم بعناية نعتبرها من اهم الاغواءات التي تأخذنا إلى عوالم التكوين البيئي الاول إلى آلفة الام وحنانها والى بهجة الاب بكل ما يمتلك حتى بقسوته وليتفنح بعدها على تكوينات باقية سعياً من أجل التمحيص الشعوري وهذا ما تؤكده قصائد عودة ضاحي التميمي
 
 (ياخذني الحنين اليركص بروحي  وتطلك العافية قداح بجروحي)
 
 فلو نظرنا صوب مفردة (تطلك) التي اجادت في تصوير المعنى المخاضي الاول والذي تحول إلى قداح في تلك الجراح)
 
 وبطبيعة الحال لانريد أن نبقى في الخضم التفسيري  وانما نحاول أن ننفتح على مؤثثات هذه الغواية فثمة ما بني على التضاد  والتضاد بتكوينه يعمق بؤرة الموضوع  ويسعى إلى عرض وحدات المعنى  إلى أظهار  مزاياها  بالشكل الذي لا يحتاج إلى ذكر التفاصيل  لوجود معرفة مسبقة في ذهنية المتلقي
 
( يلشايل  جروحك  ديم ومسلفر  ابوحشة ليل  ترسم فجر للوادم  )(الحسينً ص7)
 
وظهور التضاد إلى الحيز الوجودي  يعطي صيغاً من البوح المقتضب يوضح القصد التأويلي والغاية المنشودةفي جملة
 
( ويا خيبة نغمتي الطاحت بوني ) (الحطب ص14)
 
 وللوصول إلى غاية  التمحيص الشعوري ترتكز غوابة عودة ضاحي التميمي على السعي  الجاد بالابتعاد  عن نثرية  الجملة  واعتماده  الكبير على شعرية جملته وذلك لخلق مساحة تأويلية
 
 ( يادم الطفح طوفان  ... كل نكطة  علم يرفل ابجف ثائر ) (الحسين ص7)
 
 ومثل هذه الشعرية ستضاعف  جهد التفاعل من خلال ترك أثر تأويلي يسحر المتلقي  بغرابة التركيب الذي يميل بطبيعته إلى تعميق الصور الذهنية
 
 ( يارخص العمر من ينزع أسنينه  ويظل عريان)
 
 وبما أن شعرية الجملة   هي هوية الشاعر الحقيقية فنجده يسعى لاستخدامها من أجل تدعيم الحس الجمالي من خلال تدعيم الحس الشعوري واعتقد جازماً أن لولا التراكيب  الجملية  التي تعتمد على جمع الاشيا ءالغير متناسقة لكا كان ثمة شعر  الا اللهم  بعض الحكم المكرورة فلذلك سعى عودة ضاحي التميمي لمواءمة الصور والاشياء المتنافرة وثمة شيء دقيق ودقيق جداً في مسعى الشاعر التميمي فهو يذهب إلى التجريدية سعياً  لألفنة الاشياء وليس لتغريبها
 
( الجرح لو نشفت اهدومه  تظل رويحته خضرة ) قصيدة الجرح( ص9)
 
وبعض هذه الشعرية تعيد صياغة مفردات متداولة عندنا والادهى من هذا هو قربها من بعضها أو متشابكة أحيانا  وتشكيل الجملة الخاصة بالشاعر من عمق هذا الترابط  الموجود اساسا  بين المفردات  يحتاج إلى  جهد  واعي  من الشاعر نفسه والا ستسقط في سرابيل النثرية والابتذال  والترهل فلنتأمل في شعرية
 
 ( عمي الينسه الحمد...جا بيمن  يصلي صلاته )  (الوطن ص24أو لنقرأ) 
 
( عيد بس كل ساعة منه تشبه العشرة محرم) ( قصيدة العيد والحرب ص23) 
 
 ولابد لغواية ناضجة مثل غواية الشاعر التميمي أن يأخذ بنظر الاعتبار أثر الجانب  الزماني في تمحيص  المد الشعوري  فهو استطاع الاشتغال على عدة محاور زمانية  منها التسمية المباشرة وتعبأتها بتركيبات شعرية
 
 ( أنه والليل ـ بليل أهلي ـ بوحشة ليل ـ فوك الليل ـ  نزف جروحي ليل ـ  جف الليل ـ فجر ـ الحاضر ـ باجر ـ أمس ـ يوم ـ  عيد ـ عاشور ـ أسنين ـ عمر ـ)  ومنها ما يعتمد على الامتداد  الجذري للزمني سوى أن يكون للرمز أو للحدث  ليصيغ منها  تعبيراً اكثر قوة  من فكرة المعنى  المباشر ـ فهل هذا الامتداد يعمق  الصلة  الشعورية
 
 ( بحر يلما نشف زوده دفك من النبي  وامتد شبج موجه أمس بالحاضر اباجر ) (قصيدة الحسين ص7) ومنها ما يعتمد على حركة الفعل نفسه كاستخدام الافعال الماضية والمضارعة ( انطيح ـ انسابك ـ ننسه ـ نعتلك ـ)  ومثل  هذا الاستخدام  لم يكن أستخداماً عشوائياً   لكون البنية  الفعلية  تقوم  بمؤشر فعلي يلائم المعنى الذي يضع الجملة في عملية التنامي الطبيعي المقنع والمراد هنا أن استخدام الافعال  يدعم  لنا الاسلوب  المجازي  فالمجري  الزمني يخضع لبنية  النص وهذا لا يتم الا بفضل قدرة  لغوية  وتجربة لها نضوجها وتعرف كيف تتعامل مع  الموحيات الزمانية  والمجموعة مليئة بالشواهد.....
 
 و( الشاعر عودة ضاحي التميمي ) من الشعراء الذين يرّون في التاريخ حيوية غير طبيعية   ولهذا جاءت المجموعة مليئة  بالرموز لتنطلق من خلالها إلى تعدد وسائل المعنى للوصول إلى الغواية  وغواية شاعر  لابد أن تمتد من التمحيص الشعوري لكسب مشاعر المتلقي واستحضار الرمز عنده بمثابة لم الشمل التاريخي مع الحاضر  وعملية استحضار الرموز هي عملية  سحب التاريخ إلى الحاضر إلى عدة مناطق سياسية ،أجتماعية وانسانية وعملية الاستحضار تكشف عن قيمة ما  مرتبط بالوجدان وثيمة الاختيار فهناك من يحافظ على زمانية الرموز وهذا تحديد يراه عودة ضاحي  يضّيق مساحة الانفتاح  ومن ثم يجعل من الشعور روتين استجدائي للمشاعر فهو يعمل للمحافظة على  الذات الحاضرة من خلال حيوية الرموز  التاريخية  فقد أخذ في  مجموعته الليل وكربله والناس  عدة منا حي للاستحضار ومنها استحضار الرمز  الايجابي
 
 (وصوت ابو ذر يحدي بينه) غفوة ضمير ص8
 
 ويأخذ  الشاعر سمات  الرمز وفحوى تاريخية تتوافق مع موضوعة القصيدة لان سمات كل شخصية من شخوص التاريخ لها فعلها الخاص الذي عرفت به
 
 ( تظل صرخات زينب علرمال أدموع 
 
 وتظل جفوف ابو فاضل عله مجرى الفرات شموع) ص
 
10لو نتأمل في دقة الاستخدام الذي عول على مفردة ( تظل ) لكسر أي تحديد زمني
 
( لجن مسلم يظل مسلم ـ والف هاني  اليطش عمره ويزرع اسنينة كناطر )ص11
 
 فحركة الاستحضار  القيّمي للرمز أكثر مما هي أستحضار لاسم الرمز فتكوين  الشخصية تتبلور عبر التاريخ  لتظهر سماتها  في القصيدة  كفعل مبدع  يعطي الزخم  الشعوري ابعاد الغواية
 
 ( والف خنسة الصخر  حنت كبعاها الضيم والهم ) (العيد والحرب ص23
 
 فسمات الرمز التاريخية  لها موقف داخل روحية الشاعر ولا يمكن له أن يكون حيادياعنه ابداً  فعملية الانتقاء بحد ذاتها موقف  ومحاولة استحضار الرمز السلبي  يلعب دورا كبيراً في غواية الشاعر (عودة ضاحي التميمي )
 
 ( ياحسافة أيخيم أبحينه يزيد
 
  وبيه كل حبة رمل تصبح يزيد
 
 وبينه كل غفوة  جرح يولد يزيد
 
  وبينه كل غفلة عمر يصعد يزيد
 
 يا يزيد يا يزيد يا يزيد
 
 أشجم يزيد
 
 ولو يزيد ابوكته واحد   أحنه يوميه يعت بينه يزيد) ص11
 
وزيادة  التمحيص الشعوري في عملية استحضار الرموز فهناك رموز حدثية  زمانية مكانية  بديلة تمنح دلالات الرمز تمنح مساحة تأهيلية واسعة فالعطش
 
  
 
(  كلب عطشان يشبك رمل وادينة  ) ص9
 
  
 
 وعاشور ( بكتاره انتشر عاشور والدمعات سجابة) ص64
 
 ( و بعاشور ابجفها  الشمعه  بدوية اتودع العزيات ) ص57
 
  ومثل هذه التلقائية  تساعد على بلورة  البيان الشعري  نقدر أن نعرف من خلال  هذا المعين الرمز  المقصود كمثال  لو نقرأ هذه الجملة
 
 ( أو كتلك عرّس ـ وخلي انزيح الهم بعرسك
 
 ياوطني  أو من ردت اتعرس  ما ادري اشردني العاشور  وعرسك  شفته عرس  القاسم  ويزفك شعر المنظور ) ص53
 
 وحتى لو لم يذكر مفردة القاسم (ع)فمفردة العرس  تقترن بهذا الرمز ـ فأي مفردة  للتل تعني  زينب عليها السلام ومفردة فرات وجفوف  تعني بلا شك العباس (ع)
 
  كما ارتكز الشاعر عودة ضاحي التميمي على الكثير من المحاور التوصيلية التي اعتمدها غواية لمشروعه الشعري مثل التكرار والشمولية  والاستدلال التضميني واشياء أخرى كثيرة تحتاج إلى وقفات أخرى 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي حسين الخباز
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/08/18



كتابة تعليق لموضوع : رغيف انطباعي .. الشاعر عودة ضاحي التميمي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 2)


• (1) - كتب : نبيل نعمة الجابري من : العراق ، بعنوان : الاب الخباز في 2011/08/19 .

الصديق والاب الجميل الانسان علي الخباز مخبزه عامر بكل الاوقات حتى نتلذذ بقراءة ارغفته الجميلة .. شكرا لك استاذ محمد

• (2) - كتب : د.مسلم بديري من : العراق ، بعنوان : الاب الخباز في 2011/08/19 .

اللهم بارك هذا النبع المتدفق حنانا وعطفا وابداعا
ولك كل الشكر على هذه الشذرات التي تلمع في سماء ارواحنا






حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net