صفحة الكاتب : نجاح بيعي

مَن أسس الحشد الشعبي وسنّ قانونه .. المرجعيّة الدينيّة العليا ؟. ( 1 )
نجاح بيعي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 بدءً علينا أن نعترف صاغرين , بالفضل اللامحدود الذي بذله ذلك العملاق الذي يسمى ( الحشد الشعبي )!.  وأي فضل يوازي فضله وهو  يهبّ ملبيا ً النداء المقدّس , المتمثل في فتوى الجهاد الكفائي للمرجعية الدينية العليا . فبالفتوى والإيمان والحشد استرجعت الأرض , وحفظت الأعراض وانقذت المقدسات , ونهض العراق وشعبه حيّاً من جديد بطوابير بمئات الآلاف من الشهداء يزفون كل يوم مع كل نصر مؤزر لهم . وقد راهن الأغيار بأنه شعب مقهور مدحور , واقع بين مطرقة السياسي الفاسد , وبين سندان الاحتراب المذهبي والطائفي . وإذا ما أردنا أن نردّ الجميل لهذا الكائن المقدّس , علينا أن نعطي له منّا كل شيء , كما أعطى لنا هو من نفسه كل شيء , وأمام هذه المعادلة علينا أن نعترف ثانية بعجزنا صاغرين أمامه . وما قانون ( الحشد الشعبي ) الذي أقرّه البرلمان العراقي يوم 26/ 11 / 2016 م , الذي يحفظ حق وحقوق مقاتليه وعناصره على أقل تقدير , إذا ما قورن بالجذبة الإلهيّة لمهمته الساميّة , واقترانه بالفتوى المقدسة للجهاد , فهو ردٌ يسير وعرفان زهيد , ولا يساوى معشار قدمه أبدا ً , ويقيننا أنه لا يقوى على ردّ جميله اللامحدود إلاّ الله تعالى .
وإذا ما حاولنا وسألنا أنفسنا مَن أسس الحشد الشعبي وسنّ قانونه ؟ علينا أن نتجرّد قليلاً قبل الخوض في الإجابة عن ذلك , ولا ننجر وراء الزعيق الإعلامي الصاخب الذي صاحب إقراره , وتجاذبته مختلف القوى السياسية , حتى شوّه المشهد وطمس معالمه , فبات الخائن وطنيّا ً والفاسد نزيها ً والمجرم شريفا ً , ومن تواطئ وأدخل ( داعش ) بطلا ً ومحررا ً , فالكل يهلهل ويطبل وكأنهم بعرس وطنيّ لا يراه غيرهم . ومهما علت المشاعر الوطنية عند السياسيين اليوم , فالجميع لا يعدو الإطار الذي حددته المرجعية العليا ووضعتهم به حينما قالت : " من المؤكد أنّه لولا استشراء الفساد .. ولاسيّما المؤسسة الأمنية ، ولولا سوء استخدام السلطة ممن كان بيدهم الأمر , لما تمكّن تنظيم داعش الارهابي من السيطرة على قسمٍ كبيرٍ من الأراضي العراقية ، ولما كانت هناك حاجة الى دعوة المرجعية العليا للعراقيين , الى الإلتحاق بالقوّات المسلّحة للدفاع عن الأرض والعِرض والمقدّسات .. إنّ السياسيين الذين حكموا البلاد خلال السنوات الماضية , يتحمّلون معظم المسؤولية عمّا آلت إليه الامور .."!.
www.sistani.org/arabic/archive/25159/

وعلينا أيضا ً إذا ما أردنا الحقيقة , أن ننشّط الذاكرة قليلا ً, وننفض عنها ما علق بها من غبار خلط الأوراق والإرادات والغايات التي تلت أحداث سقوط الموصل عام 2014م , ونعي البدايات جيداً ونعود لأصل صيغة النداء المرجعي , الذي هبّ الشعب العراقي لتلبيته لقتال داعش , ونلحظ التسلسل الزمني التاريخي لبعض الأحداث المهمّة , لتكتمل الصورة عندنا وعند المنصف على أقل تقدير , ويمسك بخيط المظلوميّة الواقعة على الفتوى من جهة , والحشد وقانونه المولود يوم 26 / 11 / 2016 م من جهة أخرى .

ــ في يوم 10 /6 / 2014 م , كانت قد سقطت ثلثي أراضي العراق بيد تنظيمات عصابات داعش الإرهابية . ومن غير أن نعرف الأسباب والمسببات , كانت الحكومة آنذاك والطبقة السياسيّة قاطبة شبه مشلولة ولا تزال تعيش آثار الصدمة التي أعيتهم جميعا ً , وظلت تسبح في مستنقع الحيرة والتخبّط والعجز , ولم يحظى العراق المستباح منها ما يمكن أن ينعش الأمل عند الفرد العراقي البسيط , بأبسط ردّ للدفاع أو المقاومة ضد العدو . مع أن بيد رئيس وزرائها آنذاك , وزارتي الدفاع والداخليّة باعتباره القائد العام للقوات المسلحة, وباقي الأجهزة الأمنية المسلحة الأخرى . 

ــ  في يوم 13 / 6 / 2014 م , أي بعد ثلاثة أيام من الاجتياح وسقوط الموصل , أطلق المرجع الأعلى السيد السيستاني من خلال خطبة صلاة الجمعة , فتوى الجهاد الكفائي لردّ وردع عصابات داعش المعتدية , والفتوى انطلقت ولم تكن لتنتظر استشارة أو مشاورة أحد , لا من حكومة ولا من وزارة ولا من تحالف سياسيّ ولا من حزب أو كتلة ما , ولا حتى أخذ رأي أحد ممكن أن يخطر على ذي بال . بعد أن استشعرت المرجعيّة الخطر الداهم على الأرض والعرض والمقدسات , وراحت تستنهض همم الشعب العراقي المجروح . فتضمنت الفتوى على مناشدة للقادة السياسيين , بأن يتركوا الاختلافات والتناحر خلال هذه الفترة العصيبة , وأن يوحدوا كلمتهم بأسناد القوات المسلحة العراقية ( في إشارة لامتلاك البعض إن لم يكن الجميع على فصائل مسلحة مرتبطة بأحزابهم ) ليكون ذلك قوة إضافية لأبناء الجيش العراقي في الصمود والثبات , موضحة لهم أنهم  أمام مسؤولية تاريخية ووطنية وشرعية كبيرة . وتضمنت كذلك دعوة للمواطنين ممن يتمكنون من حمل السلاح للإنخراط في القوات الأمنية والجيش تحديدا ً : " على المواطنين الذين يتمكّنون من حمل السلاح ومقاتلة الإرهابيّين دفاعاً عن بلدهم وشعبهم ومقدساتهم عليهم التطوّع للانخراط في القوات الأمنية لتحقيق هذا الغرض المقدس " .
https://alkafeel.net/inspiredfriday/index.php?id=164

ــ في يوم 18 / 6 / 2014 م , أي بعد ثمانية أيام من الاجتياح الداعشي , وخمسة أيام من انطلاق فتوى الجهاد , كانت الحكومة العراقيّة قد اهتدت بعد الفواق من الصدمة المذلّة , الى اتخاذ قرار خجول ينظم ويستوعب المتطوعين الذين هبّوا للقتال , وهذا ما جاء بالأمر الديواني المرقم ( 47) باستحداث لجنة سميت بـ ( لجنة الحشد الوطني ) في وزارة الدفاع , مهمتها ( تنظيم حملة الحشد الشعبي ) وشؤون المتطوعين بما فيهم الفصائل المسلحة التابعة للأحزاب والكتل السياسية العراقيّة , والفصائل المسلحة التي تم استحداثها وتشكيلها بعد هذا التاريخ ,  ولم تكن حينئذ هذه اللجنة , مديرية أو مؤسسة ولا حتى هيئة . 
والأمر الغريب هنا , حيث جرى بعد هذا التاريخ , إعلان تشكيل مديرية أطلق عليها ( مديرية الحشد الشعبي ) وتم ربطها بمستشارية الأمن الوطني التي انشاها بريمر عام 2004م , قانونيا وماليا ويترأسها مستشار الأمن الوطني !. ( مع ملاحظة : إن إطلاق تسمية مديرية الحشد وردت في الإعلام فقط , ولم تكن ليتضمنها قرار أو أمر ديواني حكومي لعدم دستوريته , لأنه لا يجوز تشكيل مديرية أو هيئة بدون موافقة وتصويت مجلس النواب عليها ليصبح الأمر قانونياً ) .
والجميع يعلم أن مستشارية الأمن الوطني , بالإضافة الى أنها كانت تمارس جميع صلاحياتها الوظيفية , من غير غطاء قانوني ينظم عملها من قبل مجلس النوّاب وعملها مخالف للدستور , أنها ملغاة لإنتهاء فترة عملها ( 5 سنين منذ تشكيلها عام 2004 م ) وأعلن عن إلغائها ذاك مجلس الوزراء بتاريخ  29/ 4/2009 م . لذا يلحظ المراقب تحاشي مجلس الوزراء التطرق الى التسمية المباشرة , خلال خطاباته وقراراته  بصدد تشكيل الحشد الشعبي الوطني كـ ( هيئة أو مديرية باسم الحشد الشعبي ) !. 

ــ بعد يومين فقط من إصدار الأمر الديواني رقم ( 47 ) , أي في يوم  20/ 6 / 2014 م , ردّت المرجعيّة الدينيّة العليا ومن خلال خطبة الجمعة , على ذلك الأمر القاضي باستحداث لجنة ( الحشد الشعبي ) , ونبهت بشكل جلي وثبّتت على أن ذلك إجراء غير دستوري ولا قانوني , وحذّرت من استغلال الفتوى واستغلال المنصب الحكومي بإضفاء الشرعية الوهميّة على الفصائل المسلحة الغير رسميّة , وممن يوصفون بـ ( الخارجين عن القانون ), وأعلنت عن رأيها الصارم به وقالت : " إنّ دعوة المرجعية الدينية , إنّما كانت للانخراط في القوات الأمنية الرسمية ، وليس لتشكيل مليشيات مسلّحة , خارج إطار القانون ". 
وألمحت إلى أن دعوتها كانت موجّهة , الى جميع طوائف ومكونات الشعب العراقي وليست لطائفة بعينها , وأن الهدف هو الاستعداد والتهيّؤ لمواجهة ( داعش ) . في إشارة الى لا قانونيّة الأمر , والى الصبغة الطائفيّة " الشيعيّة " للجنة المشكلة ). داعيّة السياسيين ومن بيدهم الأمر ضرورة مراعاة حقوق كافة العراقيين من جميع الطوائف والمكونات . " وأن تبادر الى تنظيم عملية التطوع كما دعت اليها , وتعلن عن ضوابط محدّدة لمن تحتاج اليهم القوات المسلحة والأجهزة الأمنية الأخرى " .
https://alkafeel.net/inspiredfriday/index.php?id=165

من هذه اللحظة تنزّهت المرجعيّة العليا عن ذلك وافترقت عن غيرها , و اعتمدت تسميّة المقاتلين الذين لبّوا نداء الفتوى لقتال داعش بـ ( المتطوعين ) خلال خطابها الرسمي والتزمت بها للآن , لئلا يتوهم أحد من أن المرجعيّة تؤيد , أيّ تنظيم مسلح غير مرخّص به بموجب القانون ، ودعت الجهات ذات العلاقة أن تمنع المظاهر المسلحة غير القانونية . وبنفس الوقت للتفريق عن من التزموا وأطلقوا تسمية ( الحشد الشعبي ) على المقاتلين , منها الحكومة وباقي الأحزاب والكتل السياسية المالكة للفصائل المسلحة , وعن الآخرين الذين رضوا بتسمية الفصائل المسلحة بـ ( بالميليشيات ) . لأن هذه الهيئة التي صيغت بأوامر حكوميّة ارتجالية مستعجلة , جاءت على غير رغبة المرجعيّة لأنها خارج إطار القانون ،ولم يمرر من خلال السلطة التشريعية ( مجلس النواب ) على اقل تقدير ,  وهي على الضد من مبدئها في ضرورة حصر السلاح بيد الحكومة حصرا ً !. لذلك من الخطأ والتجنّي بمكان , الإعتقاد من أن فتوى المرجعية هي مَن أجازت تأسيس الحشد الشعبي أو أضفت الشرعيّة عليه . وإنما أجاز السياسيون ذلك لأنفسهم ( لمصلحة ما ارتأوها ) إثر فتوى الجهاد .
.
ــ يتبع ..
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نجاح بيعي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/11/30



كتابة تعليق لموضوع : مَن أسس الحشد الشعبي وسنّ قانونه .. المرجعيّة الدينيّة العليا ؟. ( 1 )
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net