صفحة الكاتب : ادريس هاني

هل يوجد في الفلسفة نصّ أصلي؟
ادريس هاني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
لا يوجد نص فلسفي تأسيسي وآخر مجرد (ميتا ـ ميتافيزيك)..فكل نص ميتافيزيكي هو في حدّ ذاته نصّ ميتا _ميتافيزيكي..أردت من خلال ذلك القول بعدم وجود نص فلسفي أصيل(أوريجينال)..حتى أرسطو لم يكن (أوريجنال) بل مارس أقصى التناص مع الأفلاطونية والسقراطية وما قبل السقراطية..وبما أنّ النصوص الفلسفية بما فيها الكلاسيكية غير مكتملة التحقيق وهي في كل يوم تفاجؤنا بالمزيد فإن فعل التناص هو الشكل المتاح للإبداع الفلسفي..على هذا الأساس نميّز بين التناص الذي هو فعالية إبداعية وبين التفسير الذي هو مهارة بيداغوجية كما هو حال ابن رشد مع كتب أرسطو..فلا أستبعد أنّ ابن طفيل وهو رئيس حكماء زمانه حينما أشار للخليفة الموحدي باعتماد ابن رشد شارحا لأرسطو إنما تبرّم من هذه المهمّة البيداغوجية التي تصرفه عن مهامه كفيلسوف معني بصناعة المفاهيم لا بشرحها..ابن طفيل هنا ميّز في نظري بين الشرح والتشريح..بالفعل، وجب التذكير بأنّ أرسطو لم يكن ملهما للنهضة..فلقد كانت النهضة حركة أفلاطونية أكثر منها أرسطية..أرسطو تربّع على علم كلام الكنيسة..حتى ديكارت هو سليل هذا التأثير الأرسطي/الكنسي..وهكذا لم يتحرر من الثنائية القاتلة..إننا نحن من ورط المرحلة المدرسانية الأوربية في أرسطو..ساعة بتأثير السينوية وتارة بسبب النقلة التي افتعلها الخليفة المغربي الذي أمر بشرح ارسطو لتستمر حكاية الرشدية اللاتينية..إرازموس يلخّص هذه المفارقة: النهضة أفلاطونية أكثر مما هي أرسطية..أجهضت كل المحاولات الثورية لنقد المنطق الأرسطي في الثقافة العربية..السهروردي في نقد المنطق اليوناني..ابن عربي في نقد البرهان الأرسطي كما في فتوحاته..لا عليك من نقد ابن الصلاح للمناطقة الذي صدر عن موقف سلفي أو ربما لجهل بالمنطق بسبب رفض الموصلي لاستمرار ابن الصلاح ضمن طلاّبه في درس المنطق..ولا عليك أيضا من نظيره ابن تيمية في نقد المنطقيين، فهذا أيضا سرقة أدبية من السهروردي استعملت لغايات أخرى لا علاقة لها بتوسيع مدارك العقل..هيمنة الأرتذكسية الأرسطية على التّكلّم العربي وتغلغلت في مباني اللغة والبلاغة والأصول..وها هو علم الكلام الذي بلغ الباب المسدود حتى أنّ كبارهم: المعتزلة سفه أحلامهم ابن سينا كما ينقل من عباراته اللاذعة تلميذه بهمنيار معدّ التعليقات..ولولا الوثبة التي قام بها الخواجة نصير الدين الطوسي لتشبيك التكلّم بقول الحكماء لانهار كل المعمار المعرفي أنذاك..
وفي العودة لأول الكلام، فإنّ الإبداع الفلسفي ليس إبداعا على قاعدة كان التامة بل هو إبداع على قاعدة كان الناقصة..ذلك لأنّه لا بدّ من أساس يقوم عليه التّأمل الفلسفي..نص سابق أو حدث مثير..والنص هو حدث يستفزنا.. يحيلنا.. يذكرنا.. لا شيء ينطلق من الفراغ..لا شيء يأتي من عدم..العدم لا ينتج الوجود..الوجود يؤسس للوجود..واليقين ينتج اليقين..ولا شيء لا يقوم على اليقين..حتى في الشّك الديكارتي نحن على يقين من لعبة الشّك ومن توقيتيتها ومما أخفاه الكوجيتو بصولة الجدل الموروث من التّكلّم الكنسي لآباء الكنيسة اللاتين..حيث الكوجيتو بتوتولوجياه ليس إلاّ دورة جدلية غير برهانية أخفت اليقين في شكّ زائف، تورطت فيه الفلسفة الحديثة ولم تخرج منه إلاّ في اللحظات المتأخرة، بدء من كانط إلى هيغل حتى هيدغر والقاطعون مع ميكانيكا الفيزياء والميتافيزياء..ولا أخفيك أيّها اللّبيب أنّ آثار الأرتذكسية الأرسطية لا زالت لم تبرح الجغرافيا الفلسفية الغربية..لا زال هذا الباراديم الأصولي ماسكا بناصية كلّ من تبرهن وتمنطق، فهو يداعب تقليدانيته الأرسطية، لأنه لم يتحرر من قوالبها ومقالبها في الزمان والوجود والماهيات والجواهر.. لازال الزمان الفلسفي مستغرقا في الأرسطية، ذلك لأنّ الأرسطية لم تعد خطابا فلسفيا ممكنا ضمن خيارات مفتوحة يدركها أرباب الخطاب الفلسفي ونقاذه، بل لأنّ التمأسس والتكونن بات أرسطيا، ولعلّه يستمدّ عنفوانه من الهندسة الجينية لأجيال تربت وتغذّت على الأرسطية، مما حوّلها إلى حقيقة بيولوجية: الدماغ الذي أصبح أرسطيا بامتياز.. أمامنا مهام لا تقف عند البيوثيقا بل المهمة الأكبر هي ما يمكن أن نسميه: البيو ـإبستيمي..أي الشكل المعرفي الذي تحدده شروط تكويننا البيولوجي..الزحزحة الأنطولوجية التي نتحدث عنها مرارا وبجدّية لا لهو فيها والتي من شأنها إحداث انحراف في بنية الذهن البشري وزحزحة النظام الجيني..أي ميلاد جديد للفلسفة على أساس انقلاب جديد في النظام الجيني المهيمن على النشاط الفكري والذي يقتضي صدمة أنطولوجية عارمة تشلّ كل المخزون التّاريخي المتراكم لهذا التكرار الأرسطي..ألا يعني هذا أننا أمام مطلب تاريخي ملح: الثورة ضدّ الدّماغ..؟؟؟

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ادريس هاني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/11/28



كتابة تعليق لموضوع : هل يوجد في الفلسفة نصّ أصلي؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net