صفحة الكاتب : عبود مزهر الكرخي

البعد الروحي لزيارة الأربعين / الجزء الأول
عبود مزهر الكرخي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
 انطلقت في اليوم الأول من شهر صفر الخير زيارة الأربعين ومن منطقة رأس الشيب إيذاناً ببداية زيارة الأربعين المباركة والتي يطلق عندنا في العراق على من يمشي في هذا الطريق النوراني(المشاية)وتكتسب هذه الزيارة أهمية خاصة عند الشيعة كونها أحدى الزيارات الضخمة وأهمها ولتصل الأعداد بها إلى الملايين ولأنها تمثل أحدى علامات المؤمن المهمة التي حددها الأمام حسن العسكري(عليه السلام) والتي قال روحي له الفداء (علامات المؤمن خمس: صلاة إحدى وخمسين، وزيارة الأربعين، والتختّم باليمين، وتعفير الجبين، والجهر بـ﴿بسم الله الرَّحمن الرَّحيم﴾ }.(1)
ومن هنا اكتسبت الزيارة هذه الخصوصية الخاصة بل واعتبرت من أهمها لتمثل العلامة المميزة لكل موالي وشيعي ولتصبح الزيارة رمز من رموز التجمعات البشرية والتي فاقت أعدادها كل التجمعات البشرية العالمية في العالم كله.
ولتكون زيارة عظيمة الأثر تسطر فيها أعظم الملاحم الإنسانية عبر التاريخ الإنساني ولتكون زيارة نورانية تكتسي فيها كل الإفاضات الآلهية والتي تعجز القلم عن الإحاطة بما تختزنه زيارة الأربعين من مكنونات ربانية ورحمانية يعجز عقلنا القاصر عن الإلمام بها وعن استيعاب المضامين الملكوتية لرب العالمين التي اختص بها هذه الزيارة الخالدة وعلى مر التاريخ والتي حاول العديد من الطغاة والديكتاتورين وعبر التاريخ قمعها وبأشد الطرق وحشية وأجرام ولكن لم يفلحوا بل سقطت كل عروشهم العفنة على الجدار النوراني لهذه الزيارة العظيمة بل كان سقوطهم سريعاً لتتهاوى كل عروش الجبابرة والظالمين بفعل بركات هذه الزيارة الآلهية والتي هي محروسة وبعين الله سبحانه وتعالى وببركات الأمام الحسين وأخيه أبي الفضل العباس وأخته الحوراء زينب(عليهما السلام أجمعين)وقد كانت زيارة بحق زيارة حار الأعداء في معرفة والكشف عن السر في عظمة الزيارة وديمومتها على مر الزمان والتي هي باقية لحد ظهور قائم آل محمد الحجة المهدي(عجل الله فرجه الشريف) والذي هو يكون الآخذ بثأر جده الحسين(عليه الحسين) وليرفع شعار (يالثأرات الحسين) والذي بظهوره الشريف  يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً (اللهم أجعلنا من أنصاره وأعوانه وشيعته).
ولغرض تحليل ملحمة زيارة الأربعين واستشراف كل الجوانب المضيئة لهذه الزيارة سوف نحللها على شكل نقاط من أجل أتمام الفائدة من مقالنا والإحاطة بها بقدر الإمكان :
1 ـ عن زُرارة، عن أبي عبد اللهِ -عليهِ السلام-: {يا زرارة!.. إن السماء بكت على الحسين أربعين صباحاً بالدم، وأن الأرض بكت أربعين صباحاً بالسواد، وإن الشمس بكت أربعين صباحاً بالكسوف والحمرة، وإن الجبال تقطعت وانتثرت، وإن البحار تفجرت، وإن الملائكة بكت أربعين صباحاً على الحسين}.. قد يُراد بهِ المعنى الحقيقي ولكن نحنُ لا نعوّل على هذهِ الأمور، قضيتنا أرقى من هذا المعنى!.. فهذا الكون يُدارُ بجَناحين: جناح الشهود، وجناح الغيب.. ما المانع أن يُغيّر رَب العالمين بعض عناصر الوجود، حِداداً على المؤمنين؟.. فما جرى على سيد الشُهداء -عليه السلام- في يومِ عاشوراء، لم يجر على أحدِ من أولياء الله -عزَ وجل- طوالَ تاريخ البشرية.. نعم، يحيى -عليه السلام- أيضاً قُطعَ رأسه، وأُهديَ إلى بَغيةٍ من بغايا بني إسرائيل، وأصحاب الأخدود قتلوا، وسحرة فرعون أيضاً قتلوا.. ولكن هذا المجموع من الرزايا: سبي النساءِ، وقتلِ الصغيرِ، والطريقة التي قُتلَ فيها سيد الشهُداء -عليهِ السلام- لم ينقل التأريخ لها مثيل.. ولهذا عَظُمت في السموات، وعظمت في الأرضين، وعَظُمت عندَ ملائكة العَرش.
فإذن، أربعونَ يوماً السماء بَكت على الحُسين -عليهِ السلام-، والملائكةُ بَكت عليهِ أربعينَ صباحاً، ويُفهم من بعض النصوص: أنَ هُنالكَ ملائكة مُقيمة على قَبر الحُسين -عليهِ السلام- لا تزال تبكي لما جرى عليهِ.. عن هارون بن خارجة قال: سمعت أبا جعفر [أبا عبد الله] يقول: {وكل الله -عز وجل- بقبر الحسين -عليه السلام- أربعة آلاف ملك شعثا غبراً، يبكونه إلى يوم القيامة.. فمن زاره عارفاً بحقه؛ شيعوه حتى يبلغوه مأمنه.. وإن مرض؛ عادوه غدوة وعشياً.. وإن مات؛ شهدوا جنازته، واستغفروا له إلى يوم القيامة}.
ثانياً: يوم الأربعين.. إن كتبنا مشحونةٌ بذكرِ زيارة الأربعين في العشرينَ من صفر، فهذا اليوم يومٌ مشهود، وقد وردَ فيهِ استحباب زيارة الحُسينِ -عليه السلام-.. ولكن لماذا وضعَ الإمام العسكري -عليه السلام- يدهُ المباركة على زيارة الأربعين، وليس على زيارة عاشوراء؟..
والله العالم!.. لأنَ يوم عاشوراء: هو يَومُ مُصيبة؛ ويَومُ الكارثة، ويَومُ الفاجعة؛ وهذا اليوم لا يمكن للموالين أن ينسوه.. والإمام -عليه السلام- كأنه يُريد أن يُبقي هذهِ الجذوة مشتعلة، فقال: (وزيارة الأربعين)؛ أي لا تنسوا أربعينَ الحُسين!.. الإمام بكلمتهِ هذهِ، أرادَ أن يعلمنا هذا الدرس الذي علمنا مغزاهُ في هذا اليوم.. ففي مثل هذا اليوم تتقاطر ملايين البشر إلى كربلاء، تزحفُ بشكلٍّ لا نَظيرَ له.. هذهِ الزيارة الحُسينية في الأربعين، لابدَ أن ندخلها في الموسوعات القياسية.. فهذا الزحف الهادر، وهذا الإخلاص، وهذا الذوبان في حُب الحُسين -عليهِ السلام- من الصغيرِ إلى الكبير، هو من بركات يومِ الأربعين.. الناس في هذهِ الأيام، يبدونَ حبهم، وشوقهم، وولاءهم للحُسينِ -عليهِ السلام- بشتى الصور!.. أولهذا كانت لزيارة الأربعين خصوصية معينة، فيوم عاشوراء: هو يوم الفاجعة الكبرى؛ وهذا اليوم لا يمكن للموالين أن ينسوه،وأما زيارة الأربعين فكأنما أراد الإمام (عليه السلام) بها أن يُبقي هذهِ الجذوة مشتعلة. وهو ما حض جميع أئمتنا المعصومين في زيارة الأمام الحسين والمداومة على زيارته.
2 ـ ومن هنا كان لابد من وجود مسلمات وقواعد يسير بموجبها الزائر عن قيامه بالمشايه لتكون للزيارة طعمها وجوها الإيماني والخالص لوجه الله سبحانه  وتعالى.
ومن هنا كان لابد من أن تكون الزيارة محطة أيمانية عظيمة للمؤمن يتم فيها تجديد كل القيم ومعاني الولاء لله سبحانه وتعالى ولأهل بيت النبوة(صلوات الله عليهم أجمعين) ولتكون عبارة عن زخم جديد للمؤمن تعطيه اندفاعات قويه في المسير في طريق الإسلام المحمدي الأصيل والذي كان الحسين يمثل أحد الوجوه والمرتكزات الأساسية في المسير على نهج وفكر الحسين في القيام بنهضته والقيام بالإصلاح في أمه جده نبينا الأكرم محمد(ص) ولتكون بالتالي مسير المشايه من أي بقعة في العالم هو مسير أيماني ونوراني تشع من جوانبه كل الآفاضات الآلهية والذي يكون مسير هؤلاء الزوار المباركة برعاية الله سبحانه وتعالى وببركات الأمام الحسين(ع) والذي يكون حاضر في كل مكان من مسير الزوار هو وأخوه أبي الفضل العباس ويرافقهم في السير ابنه الأمام الحجة المهدي(عجل الله فرجه الشريف). 
3 ـ ومن النقطة السابقة وعندما نعرف مالهذه الزيارة من عظمة وقدسية ومن يكون معها كان لابد من الزائر الأخذ بعدة أمور مهمة لكي يتم حصول الأجر الكامل من هذه الزيارة وجعلها في ميزان حسنات كل مؤمن فليس المهم أن الزائر يسير في طريق المشايه ويتعب ولعدة أيام بل وحتى أسابيع ويعاني من التعب وقلة النوم والراحة ولكنه همه فقط السير وعدم استحضار الجوانب الروحانية والإيمانية في هذه الزيارة لأنه عند ذلك تصبح الزيارة مجرد السير والوصول إلى كربلاء المقدسة والقيام بالزيارة وبأسرع وقت ثم الرجوع ليتفاخر بعدها الزائر بأنه قد مشى في طريق المشايه ووصل إلى كربلاء مشياً وهذا مانلاحظه منتشر وسائد بين فئة الشباب وحتى بين الرجال والنساء.
4 ـ أن طرق المشايه وزيارة الأربعين هي زيارة نورانية كما قلنا ولهذا يتطلب من الزوار استحضار كل الجوانب الإيمانية والتي أقرها ديننا الحنيف بذلك وفي مقدمتها الصلاة لأنها عمود الدين كما ورد في الحديث النّبوي الشريف "عمود الدين إن قبلت قبل ما سواها، واِن رُدّت ردّ ما سواها" ولهذا يجب على السائر في طريق العشق الحسيني مراعاة القيام بالصلاة وخصوصاً الفروض وعدم الإتيان بها فذلك يمثل قمة التهاون والاستخفاف بمبادئ الأمام الحسين(ع) التي خرج من اجلها ولهذا يجب التأكيد على الصلاة التي بها تمثل ديننا الحنيف وبها تسلم أنفسنا وأرواحنا والتي بها نرجو من الله سبحانه وتعالى والحسين قبول زيارتنا ومسيرنا نحو كعبة الأحرار ونجدد العشق الآلهي لأبي الشهداء سيدي ومولاي أبي عبد الله الحسين(عليه السلام) والتي نأمل من الله ودعاؤنا أن يتقبل زيارة كل الزائرين والتي بقبولها تعتبر هي غاية الغايات فليس من المعقول أن تصدح مكبرات الصوت من قبل المواكب بوقت الصلاة ونجد هناك من يمشي ولايقيم الصلاة وهذا هو قمة اللامبالاة والاستخفاف بالصلاة وهذا ما أكدت عليه مرجعيتنا الرشيدة في أغلب توجيهاتها فهي تؤكد على ذلك وتقول ((فالله الله في الصلاة فإنها ـــ كما جاء في الحديث الشريف ـــ عمود الدين ومعراج المؤمنين إن قُبِلت قُبِلَ ما سواها وإن رُدّت رُدَّ ما سواها، وينبغي الإلتزام بها في أول وقتها فإنّ أحبّ عباد الله تعالى إليه أسرعُهم استجابة للنداء إليها، ولا ينبغي أن يتشاغل المؤمن عنها في اول وقتها بطاعةٍ أخرى فإنها أفضل الطاعات، وقد ورد عنهم (ع): (لا تنال شفاعتنا مستخفّاً بالصلاة). وقد جاء عن الإمام الحسين (ع) شدّة عنايته بالصلاة في يوم عاشوراء حتى إنّه قال لمن ذكّره بها في أول وقتها: (ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلّين) فصلّى في ساحة القتال مع شدّة الرمي)).(2)
وفي جزئنا القادم سوف نستكمل أن شاء الله وإن كان لنا في العمر بقية المحطات الإيمانية في زيارة الأربعين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :
1 ـ تهذيب الأحكام : 6 / 52 ، للشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي ، المولود بخراسان سنة : 385 هجرية ، و المتوفى بالنجف الأشرف سنة : 460 هجرية ، طبعة دار الكتب الإسلامية ، سنة : 1365 هجرية / شمسية ، طهران / إيران . مستدرك الوسائل ج5 ص129 وجامع احاديث الشيعة ج5 ص453
2 ـ هكذا في الأنساب وصحيح مسلم: 3 / 539 ح 38 كتاب الحدود، وأما بقية المصادر فكلها مطبقة على أربع ركعات.

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عبود مزهر الكرخي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/11/13



كتابة تعليق لموضوع : البعد الروحي لزيارة الأربعين / الجزء الأول
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 1)


• (1) - كتب : ابو الحسن ، في 2016/11/14 .

الاخ عبود مزهر الكرخي
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
عظم الله اجوركم بمصاب سيد الشهداء ابي الاحرار واحسن الله عزائكم
جزاك الله خير جزاء المحسنين ويراعك البارع ينصح ويرشد ويوعظ وينشر ثوره ومبادىء الحسين عليه السلام
ان زياره الاربعين هي الزياره الوحيده التي يدعو فيها المعصوم لزوار الاربعينيه حيث ورد عن الامام الصادق علليه السلام مامعناه
اللهم ارحم تلك الوجوه التي غيرها حر الشمس
ان ثوره الحسين لا تحتاج للاستدلال على عظمتها بقتل الرجال والاطفال وسبي النساء يكفي القول انها ثوره ابي الاحرار وكفى
بخصوص تذكره الزوار المشاة بالصلاه فهذا امر محزن ان نطلب من زوار ابي الاحرار المحافظه على الصلاه فمن لم يحافظ على الصلاه او يحافظ على وقتها في هذه المناسبه العظيمه اكيد لايؤديها ولا يحافظ عليها في باقي الايام
اتمنى على جنابكم الكريم ان لا تنسى شهداء الحشد الشعبي الابطال الابطال كذلك مقاتلينا الابطال المرابطين في سوح الوغى فهم ثمره وتربيه المجالس الحسينيه فان من تعود الحضور لمجالس العزاء هو من هب لتلبيه نداء المرجعيه ومن تربى على الجلوس في المقاهي والحانات لازالوا جالسين في المقاهي والحانات
كتبت تعليقي هذا على عجاله من امري وانا متوجه لخدمه زوار ابي الاحرار في شارع الوائلي عسى الله ان يجمعنا واياكم باقرب وقت والله ولي التوفيق







حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net