صفحة الكاتب : سلام ناصر العظيمي

وقفة مع منتقدي السيد الحميري(ت173هـ) ... الجزء الثاني
سلام ناصر العظيمي
يعتبر الشاعر السيد الحميري من مخضرمي الشعر في الدولتين الاموية والعباسية كونه عاش الثلث الاخير من عمر الدولة الاموية وفترة العصر العباسي الاول من حياة الدولة العباسية ، اذ عاصر في هاتين الفترتين عدداً من خلفاء الدولتين ...وكانت له مواقف كثيرة وتماس مباشر ببعض الاحداث التاريخية التي حصلت خلال ايام حياته وقد ذكر بعض منها في شعره ...
اما قصة تشيع الحميري فتبدو وكأنها رحمة سعى اليها الحميري ونالها بعد ان حدد نوع العقيدة التي يلتزمها خلال حياته ، اذ قيل للسيد الحميري يوما من اين وقع لك التشيع ؟ فقال : " غاصت علي الرحمة غوصا" ، وقد انشد في ذلك شعرا يفتخر فيه بانتسابه الى التشيع ، اذ روى عن الامام ابا عبدالله الصادق علية السلام انه لقي السيد الحميري يوما وقال : سمتك امك سيدا وفقت في ذلك وأنت سيد الشعراء ، وتلك شهادة افتخر بها الحميري ودونها في احدى قصائده اذ قال : 
ولقد عجبت لقائل لــــــي مرة علامة فهم مـــــن الفقهاء 
سماك قومك سيدا صدقوا به انت الموفق سيد الشعراء
ويبدو ان العقيدة التي سلكها الحميري والتي تجاهر بها امام الجميع دون وجل وخوف عرضته للكثير من المحاولات التي كادت ان تودي بحياته من المعاصرين له على مختلف طبقات المجتمع والى كثير من الانتقادات المقيتة من الباحثين والأدباء والمؤرخين والمحدثين ولم تشفع له شاعريته وتفرده الفني في شعره على الرغم من اعتراف الفريقين من مادح وذام وعلى رأسهم اعمى البصر طه حسين الذي شن حملة شعواء عليه في كتابة " تجديد ذكرى ابي العلاء المعري " اتهم فيه عقيدة الحميري بالتناسخ والحلول وزعم ان اهل الادب لا يجهلون ما كان من سخافات السيد الحميري ،متناسيا ان الحميري يشهد عليه شعره انه كان نادرة من نوادر الادب العربي ... ولعل طه حسين لم يلتفت الى عقيدة ابو الطيب المتنبي الشيعية حينما كتب عنة كتابا اسماه " مع المتنبي " والتي كانت واضحة في اشعاره وخاصة عندما دار شعره في فلك الحمدانيين برهة من الزمن ...
هذا وقد سلك الكثيرين طريق طه حسين في بغض واتهام السيد الحميري ، ومنهم الشيخ محمود النواوى مفتش الازهر عندما نشر بحثا في مجلة الازهر المصرية حول شعر السيد الحميري ذكر فية ان الاخير يحمل شذوذاً في بعض عقيدته ، على الرغم من قريحته الصافية وطبعة السليم الا انه قد زلت به القدم وسار به الغلو الى حب دين ضلال اكتسبه من بيئته !!!
ويبدو ان مذهب التشيع عند النواوى هو دين اخر لا يمت الى الاسلام بصله لأنه يأخذ مبادئه الاصيلة من منهج علي بن ابي طالب (ع) ابن عم الرسول محمد (ص) ، دون ان يلتفت الشيخ النواوى انه يحمل صفة مفتش الازهر هذه المؤسسة التي تغفوا على فضل التشيع عليها في تأسيسها وعلمها ونضوجها الفكري وشيوع صيتها في الآفاق ايام الفاطميين الشيعة ولحد الآن ، فالقاعدة التي انطلق منها الازهر صلبة ومتماسكة ولكن امثال النواوى وغيره يحاولون ان يدمروا ما اسسه الاوائل من صرح حضاري وعلمي ...
ولعل الشعراء الذين اشتهروا بالخمرة والخلاعة والمجون امثال ابو نؤاس وغيره هم اقرب الى مراتب الفحولة الشعرية عند النواوى من السيد الحميري..
ويرى النواوى ان اتصال الحميري بالكيسانية جعلته يرتد عن دينة كون تلك الافكار قد بثها اليهود والمجوس في الامة الاسلامية ليردوهم عن دينهم ، والملاحظ ان النواوى لم يكن جديرا بمطالعة الفرق الشيعية اذا لم يكن متغافلا عنها كون الكيسانية هي فرقة اعتقدت بامامة محمد بن الحنفية وانه هو المهدي الذي يخرج اخر الزمان ويملاء الارض قسطا وعدلا وهي حركة دينية كباقي الحركات لم تمت الى اليهودية والمجوس بصلة ، والاكثر ان النواوي لم يكن موفقاً ايضا بمتابعة حياة السيد الحميري الذي عدل عن الاعتقاد بالكيسانية فيما بعد عندما لقي الامام جعفر الصادق علية السلام ورأى منه علامات الامامة وشاهد فيه دلالات الوصية وسأله الحميري عن اعتقاده فبين له الامام خطأ ما يؤمن به وعلى اثرها رجع شاعرنا عن مقالته واستغفر من اعتقاده ورجع الى الحق عند اتضاحه له ودان بالإمامة ، وقد انشد في ذلك قصيدة طويلة ربما لم يطلع عليها النواوي كان مطلعها : 
فلما رأيت الناس في الدين غووا تجعفرت باسم الله فيمن تجعفروا 
فالنواوي يرى ان عصبية الحميري المقيتة دفعت به في تيار من الاثم كان يسجله في شعره وانه أظهر خلطا دينياً وخبطا عقائديا ، ولولا ذلك الخبط لكان شعره ثمر شهي كثير وادب رائع وفير من آثارة ، ويبدو ان اعتقاد الحميري وتشيعه لعلي بن ابي طالب واولاده لا يعطي للشعر ثمر طيب وروعة في التعبير ونضوج في الادب وحفنة في الإثارة وفنية في الاداء عند مفتش الازهر ليس ألا لأنه يتغنى في حب اهل آل البيت عليهم السلام ، ولعل المفتش الكريم لا يتذوق الحق وحلاوة الايمان في حب علي وآل بيت رسوله (ص) متهما هذه العقيدة التي اعتنقها الحميري بأنها عصبية دينية سياسية تحمل سلوكاً يستبيح ضروبا من اللهو والمجون ومعاقرة الخمر !!! وان هذا السلوك بحكم وجودة في عقيدة الحميري لا يحاسب عليه لانه يحب محمد واله وان حبهم يمحو كل خطيئة ويفعل ما يشاء وهو امين على دينة ، مستدلاً في القصة التي تقول ان بعض الولاة سجن الحميري يوما بسكرة ارتكبها السيد وعلى اثرها كتب ابياتاً :
قل للأمير اذا ظفرت بخلوة منه ولم يك عنده من يسمع
هب للذي احببته في احمد وبنــــيه انك حاصد مــــا تزرع
يختص آل محمد بمحبة في الصدر قد طويت عليها الاضلع
ولعل النواوى يرى ان السكرة التي اودت بالحميري وقد برئ منها هي التي فتحت قريحة الحميري في الشعر لآل محمد والتغني بمحبتهم ، والملاحظ ان تلك الانتقادات والأقاويل التي نالت من السيد الحميري ماهي إلا بغض لعقيدته فقط التي لأترق لمنتقديه ، اما شعره وأدبه الرفيع ، فقد فرض نفسه على جميع من ترفع على الشاعر المطبوع السيد الحميري ( ت173هـ )...
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


سلام ناصر العظيمي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/11/05



كتابة تعليق لموضوع : وقفة مع منتقدي السيد الحميري(ت173هـ) ... الجزء الثاني
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 1)


• (1) - كتب : شاكر طعيمة ، في 2016/11/05 .

جهود مباركة واضافة ثقافية جميلة تستحق التقدير




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net