صفحة الكاتب : كاظم فنجان الحمامي

الحداد على عماتنا النخلات
كاظم فنجان الحمامي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

كانت السفينة الاماراتية (بيرل أوف دبي) منشغلة برحلاتها المكوكية, التي كانت تقطعها بين موانئ الامارات وميناء ام قصر جيئة وذهابا, بمعدل رحلة واحدة كل اسبوع, وشهد العقد الأخير من القرن الماضي حملة مسعورة لتسفير وترحيل عماتنا النخلات, وتهجيرهن عبر المنافذ البحرية من دون جواز سفر. وكنت اشاهدهن وقد نَشَرْنَ سعفاتهن خارج المياه الاقليمية العراقية. كأنهن عذارى يَلْطِمْنَ خدُودَهُنَّ من حرقة الفراق. اعداد هائلة من أجود أصناف النخيل المجتث من بساتين العراق غادرتنا نحو الامارات عن طريق البحر. هكذا فرطنا بعماتنا اللواتي أوصانا بهن سيد الكائنات, وأمرنا باكرامهن. إذ قال (صلى الله عليه وسلم): ((أكرموا عمتكم النخلة. فإنها خُلقت من فضلة طينة أبيكم آدم.  وليس من الشجر شجرة تلقح غيرها. وليس من الشجر شجرة أكرم على اللَّه من شجرة ولدت تحتها مريم بنت عمران. فأطعموا نساءكم الوُلَّد الرُّطب. فإن لم يكن الرطب فالتمر)). .
 
فالنخلة هي الشجرة المباركة في القرآن الكريم , والسنة النبوية المطهرة. وهي الشجرة المحببة إلى النفوس في العراق والوطن العربي كله. فعندما تذكر النخلة يذكر الخير كله. حتى قيل بيت بلا تمر فيه: (بيت بلا طعام). وبلد بلا نخل, (بلد بلا خير). والنخلة سيدة الشجر. وقد ضربها الله مثلاً لقوله (لا إله إلا الله ). فقال تبارك وتعالى : (ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة ). وهي قول (لا إله إلا الله), (كشجرة طيبة). وهي النخلة. فكان قول (لا إله إلا الله ) سيد الكلام, كذلك النخلة سيدة الشجر. وهي أيضا أعرق رموز حضارة وادي الرافدين, وأكثرها شهرة وقدسية. وللعلامة الراحل مصطفى جواد قصيدة طريفة في نخيل العراق. نذكر منها هذه الأبيات :

شربنا ماء دجلة خير ماء
وزرنا أشرف الشجر النخيلا
وفي عماتنا النخلات خير
عميم كان للقربى دليلا

وكم كان الدكتور تيسير الألوسي محقا عندما قال: إنَّ التفكير بعراق من دون نفط, ممكن ولو في أبعد مدى, لاحتمال نفاد هذه الثروة. لكن التفكير بعراق من دون شجرته التقليدية (النخلة) يعد من الأمور المستحيلة. فهو أمر مستحيل. وهو الذي ظل يحتفظ بأولوية عالمية في استنباتها, وأسبقية اهتمام بزراعتها. توفيرا لمصدر غذائي مهم, ومصدر ثروة وطنية أساسية بعد البترول طوال عقود عديدة..
 
اما دولة الإمارات, التي كنا نصدر إليها النخيل, والتي كانت قبل سنوات معدودات صحراء قاحلة. تسف بها الذاريات. وتحاصرها المياه البحرية الشديدة الملوحة. وتخنقها رطوبة المحيط الهندي. فقد تحولت بجهود أبنائها إلى واحات غنّاء. وكان رجالها أكثر منا برا واحسانا بعماتهم النخلات. فكرمتهم موسوعة غينس العالمية بأفضل تكريم. فمنحت دولة الإمارت شهادة علمية. لكونا الدولة الأولى في العالم من حيث زراعة النخيل, التي بلغت اعدادها عندهم أكثر من  40 مليون و700 ألف نخلة. فهنيئا لهم بهذا الفوز العظيم, وبارك الله بجهودهم المثمرة. أما نحن الذين كنا نتصدر طليعة أقطار الشرق والغرب بثلاثة وثلاثين مليون نخلة, في ستينيات القرن الماضي. فلم يتبق لدينا الآن سوى 14 مليون نخلة عجفاء. فقد دمرت بساتيننا الحروب المتلاحقة. وما رافقها من حصار اقتصادي شامل. وما تلاها من صراعات ونزاعات محلية كارثية. .
 
ولم يتبق في البصرة سوى ثلاثة ملايين نخلة هزيلة, ضعيفة الانتاج. فمتى نحسن علاقتنا بعماتنا وخالاتنا وبقية اهلنا ؟؟. ومتى نهتم بزيادة البحث العلمي في هذا الاتجاه ؟. ومتى نستخدم الأساليب التقنية الحديثة في مجالات زراعة وري وجني وإكثار النخيل ؟؟. ومتى نتعاون مع المؤسسات الإقليمية والدولية التي تعنى بتنمية النخيل وتطويره ؟؟. ومتى نضع السياسة, التي تُعنى بالحفاظ على النخلة ؟؟. ومتى نسعى لتطوير سبل الاستفادة منها كمورد اقتصادي مهم ؟؟. ومتى نكف عن التساؤل بمتى وأخواتها ؟؟. وهل سيأتي اليوم الذي سنعلن فيه الحداد على أرواح عماتنا النخلات ؟؟.

على مائدة الإفطار
في هذا الشهر الكريم, وفي أوقات الإفطار تجتمع أسرتنا الصغيرة على المائدة الزاخرة بخيرات الله الواسعة, فنبدأ بالتمر اللذيذ من طبق نجدي سخي, وصلنا قبيل رمضان من المنطقة الشرقية, فنقرأ الفاتحة على روح الشيخ عبد الله الذكير رحمه الله


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


كاظم فنجان الحمامي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/08/11



كتابة تعليق لموضوع : الحداد على عماتنا النخلات
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 1)


• (1) - كتب : صفيان أحمد بوقماز من : الكويت ، بعنوان : بركة التوحيد والعمل به في 2011/08/16 .

والله الذي لا اله الا هو أن العمل على أعلاء كلمة التوحيد لهو الغاية العظمى اللتي خلق الله الخلق من أجلها . قال تعالى (( وما خلقت الجن والأنس ألا ليعبدون )) الذاريات 56
انظر الفرق بين المملكه العربيه السعوديه والعراق
العراق : بلد الأنهار والايدي العامله والأرض الخصبه والعقول النيره المثقفه وكل اسباب وعوامل الدول العظمى متوفره لديه ليكون في صدارة الدول المتقدمه ولكن للاسف الشديد الساسه في العراق اتخذوا البعث ربا لهم و القومية دينهم وعطلوا التوحيد والعمل على اعلاء كلمته فمحقت البركه منه ودمرت اراضيه ولم يغنيه مائه لا انهاره وأهله يتساءلون ما السبب .

المملكه العربيه السعوديه : فبفضل من الله وبركة اعلاء كلمة التوحيد اللتي من اجلها خلق الله السماوات والارض ( لا اله الا الله ) أي لا معبود بحق سوي الله تعالي فمنذ ان رفعت راية التوحيد في الدوله السعوديه الاولي . واحيت السنه ودحرت البدعه . بدأت البركه تحل علي تلك الألراضي والنواحي في جزيرة العب وصحرائهم القاحله المقفره التي لا زرع فيها ولا ضرع . فالناظر اليوم الي المملكه السعوديه حماها الله من شر الاشرار وكيد الفجار . يظهر له جليا بلاد نجد القاحله حولة بفضل الله وبركة التوحيد الى مرابع خضراء مليئه بالنخيل والزراعه فتجد واحات النخيل بين تلك الكثبان الرمليه كيف نبتت ونشأة وعلت وأرتفعت وعانقت السماء . فهل في ذالك من معتبر

اللهم عافي العراق من أمراضه وأسقامه وارزق أهله الأستقرار و الامن والامان وولي عليهم من يخافك ويرعاهم . اللهم امين






حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net