صفحة الكاتب : د . صادق السامرائي

كليلة ودمنة" وأمة في محنة!!
د . صادق السامرائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
 
"كليلة ودمنة" كاتبها أو مترجمها عبد الله بن المقفع (724-759 ) ميلادية , وقد قتله سفيان بن معاوية بن يزيد بن المهلب , وهناك قصص أخرى , وكانت قتلته مروّعة وقصتها معروفة , وسببها شدة الخلاف بينهما.
 
وما يميز دوره وتأثيره في الأدب العربي رغم صغر سنه , ثورته الأسلوبية النثرية التي نقلته إلى مرحلة إبداعية متميزة , إذ إستطاع تطوير اللغة العربية وتمكينها من إكتساب جماليات تعبيرية , وأدوات أسلوبية مؤثرة ومتفاعلة مع عقول عامة الناس , كما أثرى الفن القصصي ومنحه آليات جذّابة.
 
وقد طوّع اللغة العربية لتكون لسان حال الواقع والعصر الذي هو فيه , وبهذا إكتشف قدراتها التعاصرية ومكنوناتها التواكبية , وما فيها من مرونات إستيعابية وتطورية.
وربما يكون قد أسس لفن القصة أو الحكاية التي تمنح القارئ عبرة أو نصيحة ومعنى ومغزى.
 
وجوهر ما في "كليلة ودمنة" , أنها ذات إدراك فلسفي ورمزي يفسر العلاقة ما بين السلطة والناس , ويقارن ما بين البشر المتأسد والأسد.
 
فهي تتحدث عن أسد وثور , دبيشلم الملك وبيدبا الفيلسوف , ويبدو أنه أراد القول وبرمزية وعلى لسان الحيوان , أن لا فرق ما بين الأسد الحاكم في الغاب , والبشر المتأسد الحاكم المكشر الأنياب , فرعية السلطان أنيابه ومخالبه , والبشر المحكوم بأمره فرائسه , وكل فريسة يتم تسويغ ذبحها وسلخها وفقا لما تأتي به الثعالب والكلاب والذئاب المتهاوشة حول حلبة السلطان.
 
ومن الواضح أن أي حكم إستبداي طغياني يريد من المحكومين التنفيذ والخنوع والإذعان أو الموت , فالحالة لا تقبل النقاش أو الإستماع , فالأسد عندما يجوع يفترس ويختار فرائسه وفقا لمفردات شهيته في ذلك اليوم , وهو لا يأكلها كلها بل يقتلها ويكتفي ببعضها , ويترك ما تبقى منها للآكلات من حوله , وما أكثرها.
 
والسلطان يفترس أيضا , وفرائسه قد تكون فرائد أو مجاميع وفئات , ولا بد له أن يفترس لكي يُظهر قوته وهيبته وإرادة سلطانه وتمكنه من مصير الذين يحكمهم , ويتاجر بحياتهم , ويفعل بهم أنى يشاء.
 
ويتناول الكتاب ديناميكيات التفاعل ما بين الرعية والسلطان , وما بين القوة والقوة , والضعف والضعف , ويبين التأرجح ما بين القسوة الشديدة والرحمة الرشيدة, ويغوص في دياجير النفس الحاكمة والمحكومة وكيفيات سلوكها وتطوره.
 
وهذه القصة عمرها ما يقرب من ألف ومئتين وخمسين سنة , وقد قرأتها الأجيال تلو الأجيال , وما اعتبرت ولا أخذت منها حكمة ونصيحة , أو فهمت كيف يكون الحكم الصحيح الذي يفيد مصالح الأمة ويساهم في تطورها وقوتها.
 
ولا أظن أن حاكما عربيا واحدا قد قرأها وتأملها وتدبر حِكَمَها وقوانينها السلوكية اللازمة لنجاحه في الحكم والحفاظ على وطنه وشعبه , وفي زمننا المعاصر لا أظن أحدا من الجالسين على الكراسي يعرفها أو يفهم شيئا منها إذا قرأها.
 
وهذا يعني أن الأمة في محنة مصيرية , لأن العقل فيها مغيّب أو معطل , والتضليل والتدجيل والتبعية قوة تهيمن على وجودها المتجمد في أقبية الزمهرير!!
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . صادق السامرائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/09/14



كتابة تعليق لموضوع : كليلة ودمنة" وأمة في محنة!!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net