صفحة الكاتب : ادريس هاني

تأملات في الذكر الحكيم 1
ادريس هاني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
تأمّلات في الذّكر الحكيم..والبدء بالآية:
(أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا )..
لا زلت مصرّا على أنّ الطريق إلى قهر الجهل الدّيني هو بالوعي والعلم الديني لكي لا يبقى الدين لعبة بين يدي السفهاء يحوّلونه إلى أفيون الشعوب أو مصدر للوعي الشّقي أو تبرير لخراب العمران..وحيث كان همّ فطاحل الحكمة أن يبنوا جسرا بين الفلسفة والدين لكي لا يكون الدين بعيدا عن التّأمل أو الفلسفة بعيدة عن اللاّهوت، حيث هيمن عليه التخلّف والتّحجّر والجهل..اقتحام عقبة الدين بالتأويل الخلاّق الذي يستعيد الدين من يد المهرّبين، ككل شيء إذا ما افتقد إلى الوعي بات في خدمة الشقاء البشري..ولست من أهل الفسر وإن كان أهله مولعين بظواهر المعنى..فالظاهر قد استنفذ أغراضه..ورؤيتي للقرآن تقتضي الحفر في طبقاته السحيقة وإمكانياته التي يلخّصها كون آياته لا يشبع منها العلماء، ولا يكون الأمر كذلك إلاّ إذا كان يتجدد في معانيه وتجري في آياته مظاهر الحركة الجوهرية..ثمة معاني تفقد شحنتها لأنها تصلك بمراحل من الفقر الوجودي والمعرفي يستدعي انشحانا آخر وهكذا دواليك هو حبل ممدود بين السماء والأرض وكالشمس تطلع عليك في كل صباح فهل إنّ جهاز الاستقبال لديك قادر على استقبال الجديد أم إنّه الجمود الذي يقتل المعنى واللغة والعقل؟
الآية أعلاه تذكّر بأن الغالبية من الحشود المأخوذة بظواهر الأمور تفقد السمع والعقل فهي كالبكماء أمام ظواهر الجياة المتجددة لا تهتمّ بجواهر العلوم ولا أسرار الحياة، حال القطيع الذي يسلك على سبيل الغفلات، فهم كالأنعام بل أضلّ سبيلا..لكن هل يا ترى الأنعام ضالة حتى يكون بالمفهوم أنّ من تدانى تحتها هو أضلّ منها سبيلا، هل يا ترى العصافير ضالّة أم الذّئاب ضالة، أم الحمير ضالّة؟
أبدا، ليس في عالم الحيوان ضلال..فكلهم عرف مسلكه ووظيفته في البرّية..والحيوان لا يخطئ لأنه ملهم بفعل أمورا لا يحيد عنها..وقد تتساءل: هل هو معصوم إذن؟ وأقول بأنّ ما جاء في ذكر الحيوان قياسا على (وقد اوحى ربك إلى النحل)، ولم يستعمل العصمة في ذكر الحيوان قط، ذلك لأنّ العصمة صفة في الإنسان الخطّاء حينما يتعالى عن الخطأ بحرية لا جبر فيها..وهكذا ليس في مستطاع الحيوان أن يخطئ لأنه مجبور على السير في سبيل واحد بينما الانسان متاح له أن يسلك سبلا كثيرة..وهذا الاقتدار وإن كانت له مساوئ كثيرة بها يخرب العمران إلاّ أنّها تمنحه قدرة على الترقّي في منازل وسبل الحق حيث لكل منزلة سبيل يناسبها، فالطرق إلى الحق بعدد أنفاس الخلائق..ولولا أن الانسان ألهم هذا الاقتدار في الصعود والنزول لما كان هو الأكرم من بين سائر الخلائق..وهو يصدر عن صفة الكريم التي هي من صفات الرّب والتي هي أوسع من الحرية لأنّ الحرية نفسها تحتاج إلى الكرامة وإلاّ فقدت قيدها الإنساني..وعليه، فمعنى الضلال هنا هو ضلال كائن لا ينبغي له أن ينزل إلى عالم محدود وجبري بينما خلق لكي يرقى..ولا ضير أن يكون الانسان إن هو أصبح حيوانا بالفعل أن لا يكون ضالا، ولكن هو لن يكون كذلك لأنه لن يؤدّي حينئذ حتى وظيفة الحيوان التي هي ليست وظيفته..إن كلمة (بل) هنا لا تفيد الاستدراك فحسب بل يشتم منها أنّها تأكيد على أمر ما وهو أن الإنسان إنّ انحدر إلى ما تحت مراتبه في الوجود، بات يتدحرج في ضلالات لا نهائية..إنه إن تدانى إلى الحيوانية فهو ليس مزوّدا بقدراتها في الإحساس وردود الفعل فسيكون حيوانا ضعيفا يتوقّف وجوده على عقل أداتي لازال يتدانى حتى يصبح شكلا من أشكال الذّكاء الطبيعي الذي زودت به سائر الكائنات، وبفقد كل آفاقه وأبعاده وإمكاناته الوجودية، وتتدانى أسئلته ولن يستشعر الحاجة إلى الرقيّ فيفقد وعيه بوجوده ووظيفته فيكون أضلّ كائن مارق في دورة الكون مما يجعله أشقى الكائنات..كل سبيل هو مخصص لنوعه بحيث يوصله إلى ما هو جدير به..فالحيوان يتبع سبيله إذ لو وضعته في سبيل الإنسانية لكانت سبيلا ضالة بالنسبة إليه، وهكذا إذا نزل الإنسان إلى سبيل الحيوان فإنه لن يصل وقد ظهر أن سبيل الإنسان هي الحركة الجوهرية الكمالية للإنسان..وهل سبيل الأنعام تؤدّي إلى كمال النّفس..وهذا عنوان ضعف الكائن وعجزه عن أن يكتسب إنسانيته..إنّ الإنسانية ليست معطاة للكائن مثلما الحيوانية معطاة للحيوان..فالكائن يكتسب إنسانيته بالنظروالعمل في مسالك الكمال..فهو كادح في سبيل إنسانيته حيث بهذا الغرم نال غنم الكرامة.
إنهم لا يسمعون لأنّ الطغيان والعناد يسلبهم ملكة السمع التي هي أولى مسالك المعرفة وأدناها..فإن لم يكن لهم سمع فكيف يكون لهم حدس وشهود؟ إنّهم سلبوا أوّل مسالك وأدوات المعرفة..ومن لم يسمع أي لم ينصت إنصات الحي لا إنصات الموتى فقد ضلّ معرفية..ومن ضلّ معرفيا تدانى عقله حدّ الفقد، ولن يكون له من خيار سوى السقوط في عالم البكماوات والعجماوات..وذلك ديدن غالبية من سلكوا مسلك الأنعام، الغالبية الساحقة التي لا ترى في التّأمل والرّقي المعنوي حاجة ..وتكتفي بظاهر من الحياة بينما عن أسرارها غافلة..حياة ملولة مستنفذة لا جديد فيها..حياة محاطة بالانسداد..وهذه الآية ليست فقط تدين الغالبية من البشر بأنهم اختاروا حياة الأنعام بل هي تعطيك وصفا لحقيقة تاريخية حيث هذا هو وضع الكائن وبأنّ قليلا منهم من يستشعر الحاجة إلى الرّقي..قليل منهم يتأنسن في محيط غلبت عليه الغفلات وتناعم حدّ فقد ماهيته...

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ادريس هاني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/08/29



كتابة تعليق لموضوع : تأملات في الذكر الحكيم 1
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net