صفحة الكاتب : فاطمة نادى حفظى حامد

لماذا خلقت الصراصير: أوجه مدهشة من المنفعة
فاطمة نادى حفظى حامد

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
ترى صرصاراً ماراً بجانبها فينتابها الهلع وتقفز كأبطال القوى الخارقة لتلتصق بالسقف أعلى منها, وأخرى تستجمع قواها فتمسك بعبوة المبيد الحشرى وتطلقها بوجه هذه الحشرات المزعجة مدفوعة بمشاعر إشمئزاز شديد.
هكذا نتصرف نحن الفتيات عندما تصادفنا الصراصير وغيرها من الحشرات, التى تثير أغلبها اشمئزازنا ولا نجد بيننا وبينها عماراً قط.
أما عن الفتيان فلا أعلم يقيناً حقيقة مشاعرهم تجاهها, ولكن ما أنا موقنة منه أنهم يستمتعون كثيراً بمشاهدتنا نفر هاربات ذاعرات من تلك الوحوش الصغيرة.
وعن تجربتى الشخصية مع الصراصير فبدأت بالتصرف الطبيعى لأغلب بنات جنسى من النفور والهرب منها, ثم انتهت بتقبل للواقع المرير نتيجة تكرار مشاهدتها, فصرت أتعامل معها ببرودة أعصاب.
لكن هذا لا يعنى عدم انزعاجى منها, فهى تتسلل خلسةً حسبما تشاء, وقتما تشاء, وأينما تشاء كأنه حقها المشروع, ناسفةً جميع حدود الخصوصية.
وبعد أن فشلت جميع محاولاتى فى الدفاع عن منزلى وحرماته المستباحة غصباً واقتداراً, صار عقلى يضج بالتساؤلات لماذ خلق الله لنا مثل هذه الكائنات ؟! .. فللوهلة الأولى قد لا نرى لها أى فائدة تذكر, لكن مع البحث اتضح لى العكس !
ابتكار أدوية جديدة
 
 اكتشف علماء بمدرسة العلوم والطب البيطرى التابعة لجامعة (نوتنجهام – بريطانيا) خصائص بأدمغة الصراصير تصلح لاستخدامها كمضادات حيوية قوية, يمكن استخدامها فى علاج الأنواع البكتيرية  المقاومة للمضادات الحيوية, كالبكتيريا المقاومة للميثيسيلين (MRSA: Methicillin Resistant Staph.Aureus) , التى سببت عددا من الوفيات أكثر مما يسببه الإيدز عام 2007.
فقد وُجد أن أنسجة المخ والجهاز العصبى الخاص بالصراصير تحوى مواداً يمكنها القضاء على أكثر من 90% من الـ MRSA  , بالإضافة إلى النوع المسبب للمرض من بكتيريا الإيشرشيا كولاى (pathogenic E.coli). وبالتالى يمكن استخدامها كبدائل لعلاج الأمراض التى تسببها البكتيريا التى أظهرت مقاومة للمضادات الحيوية المتوفرة حاليا, إلا أنها على الجانب الآخر تسبب بعض الأضرار الجانبية الخطيرة يجرى البحث لتفاديها.
لا عجب إذن أنها تعيش بالمجارى و وسط بيئات أخرى غير نظيفة أو صحية بالمرة ولا تشكو من شىء, فهى قادرة على إفراز مضاداتها الحيوية الخاصة !
فوائد علاجية
 
يستخدم الصينيون الصراصير كعلاج لأمراض عديدة منذ آلاف السنين ضمن أحد ركائز الطب التقليدى -المتعلق بثقافة الشعوب- الصينى.
الإيدز, الصلع, جلطات الدم, التهاب المعدة والأمعاء, أمراض القلب,  سُلّ العظام, كلها أمراض تستخدم الصراصير فى علاجها.
وطبقاً لبحث أجرته مؤسسة البحث الزراعى بمقاطعة (جيونام – كوريا الجنوبية) بمشاركة كلية الصيدلة بجامعة (دالى – الصين) كُشف عن امتلاك هذه الحشرات  خصائص مقاومة للسرطان anti-carcinogenic properities .
 
كما تُدخلها كبرى شركات الأدوية فى صناعة مستحضرات عدة, كمرطبات للحروق, وأقراص لأمراض الكبد, ويَدّعى المُروّجون لإستخداماتها الطبية أن لها القدرة على معالجة أى شىء.
 الأمر الذى أوجد الحاجة لأعداد كبيرة من الصراصير, خالقاً بذلك صناعة جديدة آخذة فى الإنتشار تتمثل فى مزراع لتربية الصراصير, لتلبية الحاجة المتزايدة لها وسنتحدث عن هذا تاليا.
على النحو الإقتصادى
 
قطعاً سمعنا عن مزارع للدواجن أو الماشية أو الأسماك من قبل, أما عن مزارع لتربية الصراصير فلا أظنها مرت بأسماع الكثير منا !
تنتشر هذه المزارع بشكل كبير فى أنحاء الصين وخاصة شمالها, حيث ينشأ الكثير من المزارعين هناك مزارعهم الخاصة.
أولاً يبدئون بشراء كميات كبيرة تقدر بالكيلوجرامات من البيض, يهيئون لها المناخ الدافىء لتمنو به, ويطعمونها تركيبة خاصة من الخضراوات المهروسة والفضلات, حتى تنتج معدلات عالية من الأحماض الأمينية –طبقاً لما تطلبه شركات الأدوية- لتكبر وتصل أعدادها بالملايين.
وقبل أن تبلغ عمر الأربعة أشهر يقومون بقتلها قبل أن تنمو أجنحتها بشكل كامل مما قد يمكنها من الفرار, عبر مَلء أحواض كبيرة بالماء المغلى ثم سكبها على الأعشاش المربى بها الحشرات حتى تغمرها تماماً.
لكن ليست جميع الأنواع يتم تربيتها بل نوع معين تحديداً هو الصرصور الأمريكى المسمى عليماً Periplaneta Americana  الذى يستورده المزارعون من منشأه بأمريكا ويعتبرونه الأفضل على الإطلاق.
أما عن العائد المادى من هذه المزارع فيؤكد المزارعون أنها تُدّر عليهم ربحاً وفيراً, نقلاً عن أحد المزارعين السيد "شياو تشونغ وو" المالك لمزرعة صغيرة بريف " تشوفو", يقول أنه يربح بالعام الواحد 30 ألف جنية إسترلينى على الأقل, وقد يصل المبلغ لـ 90 ألف إذا كانه عامه جيداً.
يذهب أغلب الإنتاج لشركات الأدوية وهى من تحدد السعر - الذى ارتفع كثيراً مؤخراً مع ازدياد الطلب عليها- , الأمر الذى دفع بالمزارعين لمضاعفة إنتاجهم. إلا أن البعض من المزارعين عندما يجد الإنتاج وفيراً بالسوق يخزن إنتاجه حتى إذا ما قَلّ فى موسم ما, وازداد الطلب يستغل ذلك ليخرج ما بجعبته محدداً السعر الذى يريد.
ضرورة للتوازن البيئى
 
تمثل الصراصير غذاءً للكثير من الكائنات الحية كالبرمئيات, والطيور, وبعض الثدييات صغيرة الحجم كالزواحف.
وتتغذى الأنواع التى تعيش منها فى المناطق الإستوائية على الأخشاب والأوراق المتحللة, فتساعد على تكسير المواد العضوية بها إلى فتات دقيقة مسهلةً بذلك عملية إعادة تدويرها بواسطة البكتيريا.
بدونها ستتراكم كيمات هائلة من الفضلات تملأ العالم, غير أن مخلفاتها ذاتها تمثل مواداً غذائية للتربة.
ضمان استمرارية الحياة
 
يوجد نحو ما يقرب من 4 آلاف صنف من الصراصير حول العالم, تختلف فى شكلها وحجمها ولونها. يقدر عمرها على الأرض بحوالى 350 مليون عام مما يمثل قصة نجاح تاريخية فى البقاء والحفاظ على النوع طوال فترة نشأتها, متحديةً قسوة كافة الظروف البيئة التى طرأت عبر السنين والحقب الزمنية المتتابعة.
يصورها العلماء كـ - زرّ إعادة تشغيل أو بالأحرى –إحياء- ما إذا نشبت حرب نووية أجهزت على أوجه الحياة على كوكبنا, لقدرتها الفائقة على
 مقاومة الإشعاع النووى.
ولمزيد من الحقائق المذهلة عنها شاهدوا هذا الفيديو :
https://www.youtube.com/watch?v=qe19Pw23M10
حسناً, هل تغيرت نظرتكم للصراصير بعد ما عرفتموه عنها ؟
لم أتخيل قط أنى سأقولها يوماً لكنى أشعر أنى مدينة لها بإعتذار, أقولها على مضض لكنها حقاً تستحق, هنيئاً لك أيتها الصراصير بهذا الإعتراف. ومدينةً أكثر للعقول التى تساءلت وراء المغزى من وجودها, وبحثت ورائها وتوصلت لهذه الاكتشافات المذهلة بحق, وتسعى جاهدةً لتطبيقها فى مجالات شتى تعود بالنفع على البشرية, لتؤكد لنا أن لا شىء خُلق عبثاً.
أعتقد سنفكر جميعاً المرة المقبلة التى نصادف بها أحد هذه الحشرات قبل أن نبدأ مطاردته بالأحذية, بعدما اتضح لنا أن " الصراصير حلوة بس نفهمها ".
 فقط قارنوا مدة تواجدها بعمر الإنسان على الأرض, وأيهما أضاف لها نفعاً أكثر منه ضرراً, لا بد أنكم استنتجتم من الفائز. فبعضنا يفنى عمره كاملاً لا يضيف شيئاً البتة, أو الأسوأ يجلب التعاسة والدمار والهلاك لأمته جمعاء !.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :-
Why Do Cockroaches Even Exist?
http://phys.org/news/2010-09-cockroach-brains-rich-antibiotics.html
http://www.utne.com/science-and-technology/the-healing-power-of-cockroaches.aspx
http://www.telegraph.co.uk/news/worldnews/asia/china/10399443/Cockroaches-the-new-miracle-cure-for-Chinas-ailments.html
http://www.thenational.ae/world/china/cockroaches-by-the-million-give-chinese-farmer-a-healthy-profit
http://www.topsecretwriters.com/2013/11/cockroaches-are-a-miracle-cure-for-an-aging-china/
http://www.brighthub.com/environment/science-environmental/articles/73152.aspx
https://www.quora.com/What-is-the-purpose-of-the-cockroach
https://edibug.wordpress.com/list-of-edible-insects/

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


فاطمة نادى حفظى حامد
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/08/23



كتابة تعليق لموضوع : لماذا خلقت الصراصير: أوجه مدهشة من المنفعة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net