صفحة الكاتب : مصطفى الهادي

رد الشمس في الروايات الإسلامية. الجزء الثاني .
مصطفى الهادي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
 بيّنا في الجزء الأول امكانية حصول ذلك وتأييد العلم لهذه الظاهرة وعدم تصادمها مع المنطق وأن ذلك حدث في الأديان التي سبقت الإسلام. وقد ذكرنا جانبا من آراء الدين والعلماء في ذلك . وفي هذا الجزء سوف نعرض الاحاديث التي تذكر وقوف الشمس او ردها في اماكن عديدة ولأسباب تكاد تكون مقاربة للاسباب الأنبياء السابقين وهو الحرب وتوقف مصير المعركة على بقاء ضياء الشمس أو لإثبات صدق ادعاء.
فروايات رد الشمس لا حصر لها عند المسلمين ومتفق عليها بين كل المذاهب حتى مذاهب الزندقة لم تنكر حصول ذلك. وإنما قالت انها لم تحصل بناءا على ارادة الهية بل هي ظواهر طبيعية ، كما حصل في شق البحر لموسى حيث قالوا بأنها عملية مد وجزر.
ولم تكن روايات رد الشمس حكرا على الشيعة ، بل أن روايات اهل السنة والجماعة تكاد تكون اكثر من روايات الشيعة في هذا المجال. ومع ذلك فإن بعض علماء اهل السنة ينكر ذلك وينسبه للشيعة فقط ويعتبره من الخرافات كما يقول في الملل : (الرافضة لا يختلفون في أن الشمس ردت على علي بن أبي طالب مرتين ، أفيكون في صفاقة الوجه ، وصلابة الخد ، وعدم الحياء ، والجرأة على الكذب أكثر من هذا على قرب العهد وكثرة الخلق . وأقل الروافض غلوا يقولون : إن الشمس ردت على علي ابن أبي طالب مرتين). (1)
سبب هذا الانكار وتكذيب الخبر هو أن ألد اعداء النبي (ص) وآل بيته (ع) استلموا الحكم بعد وفاة النبي في عملية انقلاب على الأعقاب أدت إلى خلق فصيل مبغ لكل فضائل النبي وآله بيته وكان على رأس المنقلبين المبغضين البيت الأموي والعدوي والتيمي فهؤلاء تعرضوا إلى هزتين اجتماعيتين قضت على أحلامهم . 
الهزة الأولى : أن النبي (ص) جائهم بما يعجز عنه فحولهم (النبوة) وبذلك سلب منهم الزعامة التي كانوا يُخططون لها وينشدونها وسفّه أحلامهم. (2)
الثاني: أن سيف علي عليه السلام ابن عم النبي وفارس الإسلام ترك في كل بيت رنّة وعويلا حيث فتك برجالات وسادات هذه البيوت التي كتمت له بغضا لا مثيل له تجسد في طمس وتحريف كل فضيلة او منقبة او رواية بحق علي وآل البيت عليهم السلام.
المنكرون لهذه المعجزة النبوية العلوية فقط هم اتباع الخط الأموي امثال : (ابن حزم ، ابن الجوزي ، ابن تيمية ، الألباني وكل علماء مكة والمدينة) .وهم من أشد المنحرفين عن علي بن ابي طالب عليه السلام. ويكفي في قمع هؤلاء وردّهم أن هناك الكثير من مؤرخي اهل السنة المنصفين قاموا بتأليف الكتب في هذه الفضيلة (3) وعلى رأسهم شيخ البخاري واستاذه الحافظ أبو جعفر أحمد بن صالح المصري المتوفى 248 ه‍ ، وهو شيخ البخاري في صحيحه ونظرائه ، وقد اجمع العلماء على توثيقه ، روى حديث رد الشمس لعلي (ع) بطريقين صحيحين عن أسماء بنت عميس ، وقال : (لا ينبغي لمن كان سبيله العلم التخلف عن حفظ حديث أسماء ، الذي روي لنا عنه ( صلى الله عليه وآله ) لأنه من أجلّ علامات النبوة ( 4 ) .
وقد اصر الحافظ ابن حجر العسقلاني أيضا على ذكر حادثة رد الشمس حيث ذكرها في فتح الباري 6 ص 168 ، وقال : روى الطحاوي والطبراني في الكبير والحاكم والبيهقي في الدلائل عن أسماء بنت عميس : أنه ( صلى الله عليه وآله ) دعا لما نام على ركبة علي ففاتته صلاة العصر ، فردت الشمس حتى صلى علي ثم غربت.
وكذلك في عمدة القاري شرح صحيح البخاري 7 ص 146 . قال : وقد وقع ذلك أيضا للإمام علي ( رضي الله عنه). اي عند مسيره إلى معركة صفين مرورا بأرض بابل. وروى في اللآلئ 1 ص 176 من غير غمز ولا طعن في سند الرواية عن أبي ذر أنه قال : (قال علي يوم الشورى : أنشدكم بالله هل فيكم من ردت له الشمس غيري حين نام رسول الله وجعل رأسه في حجري؟) فلم يرد عليه أحد.
وقال في نشر العلمين ص 13: حديث رد الشمس في غاية التحقيق ، واستدلاله على تجدد الوقت بقصة رجوع الشمس في غاية الحسن ، ولهذا حكم بكون الصلاة أداء وإلا لم يكن لرجوعها فائدة ، إذ كان يصح قضاء العصر بعد الغروب . وذكر هذا الاستدلال والاستحسان في التعظيم والمنة. 
الحافظ شهاب الدين ابن حجر الهيتمي المتوفى 974 ه‍ والمترجم 1 ص 134 ، وفي الصواعق ص 76 قال عن حديث رد الشمس : هو كرامة باهرة لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) وقال : وحديث ردها صححه الطحاوي والقاضي في الشفاء ، وحسنه شيخ الإسلام أبو زرعة وتبعه غيره ، وردوا على من قالوا : إنه موضوع . وزعم فوات الوقت بغروبها فلا فائدة لردها في محل المنع ، بل نقول : كما أن ردها خصوصية كذلك إدراك العصر الآنه أداء خصوصية وكرامة. 
وأخرج الخوارزمي في المناقب ص 260 عن مجاهد عن ابن عباس قال : قيل له : ما تقول في علي بن أبي طالب ؟ ! فقال : ذكرت والله أحد الثقلين ، سبق بالشهادتين ، وصلى بالقبلتين ، وبايع البيعتين ، وأعطي السبطين ، وهو أبو السبطين الحسن والحسين ، وردت عليه الشمس مرتين بعد ما غابت من الثقلين .
وقد فاتني أن اذكر في الجزء الأول من البحث أن النبي محمد (ص) أيد ما ورد في التوراة من وقوف الشمس ليوشع كما في رواية البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال : (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : غزا نبي من الأنبياء فدنا من القرية حين صلى العصر أو قريبا من ذلك ، فقال للشمس : أنت مأمورة ، وأنا مأمور ، اللهم احبسها علي شيئا ، فحبست عليه حتى فتح الله عليه (.
من كل ما تقدم نستطيع ان نعرف مقدار التحامل الذي كان يكنّه ابن حزم واضرابه من أتباع الخط الأموي على شخص الامام علي عليه السلام حيث عمدوا إلى كل فضائله طعنا وتشكيكا وتكذيبا ،وتصور أن ابن حزم هذا لم يسلم منه حتى نبي العظمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم حيث يقول عنه : في كتابه الأحكام : (قد غاب عنهم يعني الشيعة إن سيد الأنبياء ولد من كافر وكافرة (5).
( فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون ويل لكل أفاك أثيم يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها فبشره بعذاب أليم وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين من ورائهم جهنم ولا يغني عنهم ما كسبوا شيئا ولا ما اتخذوا من دون الله أولياء ولهم عذاب عظيم هذا هدى والذين كفروا بآيات ربهم لهم عذاب من رجز أليم ).
المصادر: 
1- الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم : 4 : 126. / ج 2 ص 78.
2- كتاب الاخبار الموفقيات لزبير البكار ص 462 : (قال مطرف بن المغيرة بن شعبة : وفدت مع أبي المغيرة الى معاوية فكان أبي يأتيه يتحدث عنده ، فجاء ذات ليلة ، فأمسك عن العشاء ، فرأيته مغتمَّاً فانتظرته ساعة ، وظننت أنه لشيء حدث فينا أو في عملنا ، فقلت له : مالي أراك مغتماً منذ الليلة. قال : يا بني اني جئت من أخبث الناس. قلت له : وما ذاك. قال : قلت لمعاوية وقد خلوت به : انك قد بلغت مناك يا امير المؤمنين فلو أظهرت عدلاً وبسطت خيراً ، فانك قد كبرت ، ولو نظرت الى اخوتك من بني هاشم ، فوصلت أرحامهم ، فواللّه ما عندهم اليوم شيء تخافه ، فقال لي معاوية : هيهات هيهات ، ملك أخو أبو بكر فعدل وفعل ما فعل ، فواللّه ما عدا ان هلك ، فهلك ذكره. ثم ملك عمر فاجتهد وشمر عشر سنين ، فواللّه ما عدا ان هلك فهلك ذكره . ثم ملك أخونا عثمان فملك رجل لم يكن أحد في مثل نسبه ، فعمل ما عمل وعمل به ، فواللّه ما عدا أن هلك ذكره. وان أخا هاشم (محمد) يُصرخ به في كل يوم خمس مرات أشهد ان محمداً رسول اللّه. فأي عمل يبقى بعد هذا لا ام لك ، الا دفنا دفناً) . يعني معاوية حاول جاهدا طمس ذكر رسول الله (ص).
3- امثال : أبو بكر الوراق ، له كتاب من روى رد الشمس. أبو الحسن شاذان الفضيلي ، له رسالة في طرق حديث رد الشمس صححها كلها. الحافظ أبو الفتح محمد بن الحسين الأزدي الموصلي ، له كتاب في رد الشمس. الحاكم النيسابوري الحنفي له رسالة في الحديث أسماها مسألة في تصحيح رد الشمس وترغيم النواصب. أبو عبد الله الحسين بن علي البغدادي ، الفقيه المتكلم ، له كتاب جواز رد الشمس. الحافظ جلال الدين السيوطي ، له رسالة في الحديث أسماها كشف اللبس عن حديث رد الشمس.ومن طريف ما نذكره أن تلميذ ابن الجوزي الناصبي المنكر لحديث رد الشمس . هذا التلميذ الف كتابا اثبت فيه رد الشمس لعلي عليه السلام وهو أبو عبد الله محمد بن يوسف الدمشقي الصالحي تلميذ ابن الجوزي المتوفى 597 ه‍ ، له جزء مزيل اللبس عن حديث رد الشمس. وغيرهم كثيرون.
4- انظر الحافظ الطحاوي في مشكل الآثار 2 : 11.
5- انظر كتابه الأحكام ج5 ص . 171.

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مصطفى الهادي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/07/13



كتابة تعليق لموضوع : رد الشمس في الروايات الإسلامية. الجزء الثاني .
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net