صفحة الكاتب : اسعد كمال الشبلي

الحقيقة المكبلة
اسعد كمال الشبلي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
 في المدينة الصغيرة توجد شوارع رئيسية وتتفرع منها شوارع فرعية وهكذا يستمر التفرع مرورا بالقطاعات وانتهاء باﻷزقة، ولم نرى يوما أن زقاقا تمدد أكبر من مساحته ليخترق قطاعات أخرى،حقيقة مفادها أن لكل شيء في المدينة مساحة، ولكل مساحة حدود تنتهي عندها لتتكامل مع مساحات أخرى لتكون حقيقة المدينة.
لنعكس هذا المثال على واقع مجتمعاتنا العربية بشكل عام ونرى بوضوح كم أن مساحاتنا متداخلة مع بعضها البعض، فمساحة المذهب تريد أن تكتسح مساحة الدين! ومساحة القومية تروم اكتساح مساحة الوطن واﻷدهى من ذلك أن مساحة حزب صغير تحاول أن تمﻷ جميع المساحات!
إن هذه المغالطات في فهم المساحات نتيجة لعدم الاعتراف بثقافة اﻷختلاف التي تحدد لنا أين تنتهي مساحات الطوائف أمام مساحات اﻷديان واﻷوطان،بل تحدد لنا أيضا، أين تنتهي مساحة الفرد عند مساحة المجتمع، ولكن هذا الفهم الخاطئ كان ولايزال مصدرا لإراقة الدماء و تشبع مجتمعاتنا بالطائفية! 
إنني أبيض وذاك أسود! إنني جميل وذاك قبيح! إنني طويل وذاك قصير!  إنني كريم وذاك بخيل ! إنني على حق والجميع على باطل! لماذا لا ننظر الى الآخر باحتوائية وتقبل فهو ان كان خاطئا أو مختلا -كما نظن أو نعتقد- في شكله أو لونه أو دينه أو مذهبه أو معتقده الفكري ، فهذا الخطأ لا ينعكس إلا عليه شخصيا ،ولا يحاسب اﻹنسان بجريرة غيره، فلماذا نحاول النيل منه وفرض قناعاتنا ومعتقداتنا عليه جبرا حتى وإن تطلب اﻷمر إراقة الدماء وتخريب المدن!
ان هذا التفكير الخاطئ هو من وفر الفرصة السانحة لنمو المشاريع الدخيلة في مجتمعاتنا وكل فئة منا تشعر بالضعف تبرر وتحلل لنفسها الاستعانة بالعدو المشترك الذي لا يهمه سوى تحقيق أهدافه الخاصة بعيدا عن متطلبات واحتياجات مجتمعاتنا التي أنهكتها اﻹختلافات ! والنتيجة أن الدماء تسيل يوميا وعندما نحاول حل اﻷزمة نأتي بحل قصير المدى لا يمس جوهر أزماتنا اﻷساس وهو ( الفهم الخاطئ للإختلاف)، وبعد مدة قد تطول أو تقصر، تعود اﻷزمة بثوب جديد!
وتتضاعف اﻷزمات وتكثر الحروب ولا حل يلوح في اﻷفق، وأي حل يأتي والجميع خائف! خائف من ماذا؟ خائف من المصارحة التي تزيل اﻷقنعة عن حقيقة النوايا واﻷهداف الخاصة والقناعات الشخصية، خائف من اﻹعتراف بمساحة اﻵخر حتى وإن كانت غير مشروعة متى ماكانت لاتمس مساحته ولا تنال من حقوقه ومتطلباته.
أما آن اﻷوان لفك الوثاق عن الحقيقة المكبلة ؟! حقيقة احترام المساحات وضبط حدودها، حقيقة تكامل الاختلافات لا تناحرها، حقيقة العيش المشترك الذي يختزل كل العناوين المعتقدية والفكرية والثقافية في عنوان واحد وهو (اﻹنسان).

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


اسعد كمال الشبلي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/07/06



كتابة تعليق لموضوع : الحقيقة المكبلة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net