صفحة الكاتب : د . صادق السامرائي

دموع كرادية على وجنات بغدادية!!
د . صادق السامرائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الكرادة داخل , بشارعها المترع بالحياة السعيدة , المتغرغر بالضحكات والمداعبات والتفاعلات الشبابية الكرادية البهيجة الممتعة.
 
هذا الشارع الذي كتب في لوح أعماقنا مسيرة ذكريات , تبدأ من بداية النفق وحتى شارع أبوقلام , وحسينية عبد الرسول علي وما بعدها وحولها , وأنت تتجول ما بين المحلات وأصحابها من المعارف والأصدقاء , والمطاعم والمقاهي وبائعي الخضراوات والفواكه , والمرطبات والحلويات والكاهي والقيمر, وفي  مساءاتها الجميلة ذات العذوبة والجمال والصفاء تتألق الحياة وتتضاحك.
 
الكرادة داخل , التي أعرفها وأشتاق إليها , وأحملها في قلبي , لما تختزنه من ذكريات تتصل بأجيال من الأجداد والأقارب والمعارف والأصدقاء , الكرادة داخل , التي كانت تحدثني عنها جدتي بكل تفاصيلها وبساتينها وعوائلها ومنابرها ودواوينها , ومرابعها الزاهية على ضفاف النهر الخالد.
 
الكرادة داخل , بأهلها الطيبين وعبق وجودها في النفوس ونبضها في الصدور وصداها في الخواطر والأرواح , وكأنها شريان عراقي ساحر , تتدفق فيه أمواج المسرّات والتفاعلات الإنسانية الصافية المكللة بالإبتسامات.
 
الكرادة داخل,  التي قطفت من شوارعها زهرة تختزن شذاها وتحفظ أزقتها ومدارسها , وسوقها المركزي ذات يوم جميل , فمنحتني سحر الكرادة وفيض أنغامها وألحان أشواقها وسمفونيات روعتها , وهديل ذكرياتها الغنّاء.
 
الكرادة داخل ,  تغتسل بالدموع والدماء , ويتوطنها الدمار والخراب , وتفتك بها الأغراب والأحزاب , فيوم زرتها بكيت على أحوالها , وما عرفت معالمها , وما وجدت شاهدا من شواهدها الغراء , وحتى شارع أبو قلام الذي كان جميلا ومغردا بالأغاني والموسيقى والصخب الشبابي العذيب , تخلى عن ملامحه وبدى موجوعا متألما , موشحا بالحزن والأسى والنسيان , فتجولت في الكرادة داخل , كالغريب الذي تنكره الخرائب ويتعجب من مصارٍ ما مرَ بأفق خيال.
 
وفي الثاني من تموز عام ألفين وستة عشر , تُرتكب جريمة آثمة ضد الكرادة داخل , ويذهب ضحيتها المئات وتتهدم الدور والعمارات , لتزداد خرابا على خراب , والناس على أبواب العيد الذي يحلمون أن يكون سعيدا ولو لبعض يوم.
 
فلماذ الكرادة داخل , ولماذا يُستهدف الأبرياء الطيبون من الناس ,  الذين لا حول لهم ولا قوة إلا السعي لتوفير لقمة عيش لعوائلهم وأطفالهم , وهم يحلمون بغدٍ أفضل من قساوة يومهم الشديد.
 
إن مُصاب الكرادة لموجع أليم , يبعث الحزن في القلب والنفس , ويُذرف دموع الوجيع والشعور بالأسى العظيم , وماذا سيكون الجواب غير التوعد والوعيد , والخوف من إنفجار جديد , يا أيها الزمن النكيد.
 
الناس تصطلي وتبيد , والبعض في معاقله سعيد , وكأن الأمر لا يهمه لا من قريب ولا من بعيد , فهل عيدنا حقا كعيد؟!!
 
وهل ينفع النعي وكل موجود في بلادي إلى رحمة الله , والحياة هنيئة فقط للذين يدّعون عبادة الله , وما يتنعمون به رزق وفير خصهم به الله , وفي حسبانهم ما يصيب الأبرياء غضب من الله , ولن يصلحوا شيئا لأن الأمر بيد الله , ولا حول ولا قوة إلا بالله!!
 
يا إلهي كيف يتحوّل الأطفال إلى فحم , والناس البريئة المستبشرة بالحياة إلى ركام , وأشلاء متناثرة , والبنايات الجميلة إلى خرائب باكية سوداء , والمحلات السعيدة بزبائنها إلى ميادين إبادة جماعية , وجريمة سافرة بحق الإنسانية؟!!
 
يا إلهي طفح الكيل , واستغاثت العباد , وتخرّبت البلاد , فالطف وارأف وارحم , واجعل لأبناء الرافدين مخرجا من أهوال الذل والهوان , والإمتهان والقهر والإستعباد!! 
 
يا إلهي الحزن لا ينفع والدموع لا تشفع والصبر لا يدفع , فالقتل يراوح ما بين الأفظع والأبشع , والناس تشكو وتهيج والحجر لوحده الذي يسمع , والفرقاء كل ٌّ إلى ليلاه في مطمع , فاحتارت الناس لمن تركع؟!!!
 
يا إلهي بحق "كن" , إكشف غُمةً , وأحْي أمّةً , ويسّر أمر الإنسان , وادفع عنه الشرور والمكاره والإنفجارات , يا ربّ "كن" فيكون!!!
 
فهل من بعد عسرٍ يسرا؟!!

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . صادق السامرائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/07/04



كتابة تعليق لموضوع : دموع كرادية على وجنات بغدادية!!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net