صفحة الكاتب : نزار حيدر

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ : السّنةُ الثّالِثَةُ (١٦)
نزار حيدر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
  {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}.
   لقد شرعَ الله تعالى الشّورى كاداةٍ واسلوبٍ لإدارة العلاقة بين النّاس، وهي النّقيض للاستبداد بالرأي.
   فالشّورى عاملٌ أساس من عوامل بناء الثّقة في المجتمع.
   فالمُلاحظ انّ المجتمع الذي تشيعُ فيه قيمة الشّورى والتّشاور والاستشارة سواء على مستوى السّلطة من خلال مجالس النوّاب والّلجان المُختصّة والاتّحادات ومنظّمات المجتمع المدني والاعلام وغير ذلك، أَو على المستوى الاجتماعي، في الأُسرة مثلاً او في المحلّة او في محالّ العمل او ما أشبه، ان مثل هذا المجتمع تزداد لُحمتُهُ تماسكاً فنسبة الثقة فيه عالية، لا تنتشر فيه الشّائعات والدّعايات والأخبار الكاذبة والصور والافلام المفبركة، كما لا تتكرّر فيه القرارات الخاطِئة والظّالمة، سواء على مستوى الفرد او على مستوى الجماعة، امّا المجتمع الذي تنحسر فيه الشّورى فترى كلّ مواطن مستبدّ برأيهِ ولا يُحبُّ ان يسمعَ رأياً من أحدٍ او استشارة من ايّ نوع، بدءً من الحاكم نزولاً عند الأبناء في الاسرة الواحدة، فهو عادةً مجتمعٌ معقّد ومشتّت لا يصغي أحدٌ الى أحدٍ، كما يصفهم القرآن الكريم بقوله {بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ} تتكرّر فِيهِ القرارات الظّالمة والخاطِئة لانّها قرارات فرديّة، والفردُ الواحد مهما أوتي من علمٍ ومعرفةٍ وخبرةٍ الا انّهُ يظلّ عاجزاً عن الإلمام بكلّ تفاصيل الامور، فهو يبقى يحتاجُ لمن يكمّل عِنْدَهُ الصّورة من مختلف جوانبها بالشّورى والاستشارة والرَّأي.
   ان مجتمع الشّورى هو مجتمع التعدديّة امّا نقيضهُ فهو مجتمع الاستبداد والتسلّط، وكما قلت ليس على مستوى السّلطة فقط وانّما على مختلف المستويات، في الأُسرة والجامعة والعمل والمحلّة وفي كلّ المستويات الأُخرى.
   انّ من طبيعة الانسان ميلهُ للجماعة التي تسمع رأيهُ في القرارات التي تخصّهُ، فهو ينشدُّ وتزداد ثقتهُ اكثر فاكثر بأيِّ قرارٍ او خطّة عمل او مشروع أخذت الجماعة برأيهِ ورأي الاخرين قبل اتّخاذهِ، ولهذا السّبب تُعتبر الشّورى عامل مهم من عوامل تكريس الثّقة في المجتمع، ولذلك اهتمت المجتمعات المتقدّمة والمتطوّرة في هذا العالم بنظام الاستبيانات، طوَّرتهُ وحسَّنتهُ بشكلٍ مُلفت للنّظر، اتّخذت مِنْهُ أسلوباً علميّاً وعمليّاً سريعاً ومباشراً لمعرفة الرّاي العام في ايّة قضية من القضايا المطروحة للنقاش، وكذلك في ايّ مشروعٍ او قرارٍ معروضٍ للتّصويت عليه.
   حتى في المحلّة الواحدة عادةً ما تجد لجان الرّاي التي تهتمّ بجمع وفرز رأي بيوتات المحلّة في ايّة قضية تخصّهم، كتبليط الشّارع مثلاً او تنظيم الحدائق او حتى الاتّفاق على حفلات شرب الشّاي مثلاً او ما الى ذلك.
   ذات الأمر تجدهُ في المدرسة فلجان الرّأي تحرص على معرفة رأي الآباء والتّلاميذ الى جانب رأي المعلّمين في كلّ القضايا. 
   ولذلك فعندما تتّخذ الجماعة قراراً لم يشعر أَحدٌ في المحلّة او المدرسة انّهُ أُخذَ به على حين غرّة او ان القرار امرٌ دُبِّر بليلٍ او ان الآخرين لم يحترموا رأيه فناقشوا القرار واتّخذوه حتى من دون ان يكلّفوا انفسهم عناء سؤالهِ عن رأيهِ في الموضوع.
   بل العكس يشعر المرء انّهُ جزءٌ لا يتجزّء من هذا القرار او المشروع وان لهُ مساهمةً فيه وهو ترك بصمتهُ عليه من خلال إِبداء الرّأي، فتراه يندفع لتنفيذه والدّفاع عنه وكأنَّهُ قراره، وهو كذلك، وبذلك تقصي الجماعة على الشّائعات التي قد تُثار بوجهِ القرار او المشروع، وتوصد الأبواب بوجهِ ايّ تفسيرٍ مُغرض للقرار قد يسعى متصيّدون بالماء العكر لإثارتهِ لأيِّ سببٍ كان.
   انّ نزوع المواطن عندنا، مسؤولاً كان أَم مواطناً عاديّاً، الى الاستبداد بالرأي ساهم بدرجةٍ كبيرةٍ في إلغاء ثقافة الشّورى وبالتّالي ألغى الثّقة المتبادلة وضخّم ظاهرة الإيمان الكبير بنظريّة المؤامرة، فالأب يتآمر على الأُمُّ والأبناء يتآمرون على الأبوَين والمعلّم يتآمر على الطلّاب والوزير يتآمر على الموظّفين والجيش يتآمر على العمليّة السّياسية وهكذا.
   كلُّ شَيْءٍ عندنا هو امرٌ دُبّر بليلٍ، فالمؤامرات شغّالة ليل نهار، لا شيء يناقشهُ المعنيّون فوق الطّاولة وبشفّافيّة وصدق ووضوح، لان كلّ واحدٍ منهم يتمنّى ان لا يناقشهُ احدٌ في الموضوع، ويتمنّى ان لو يقرّر لوحدهِ فيأمرُ فيطيعهُ الآخرون.
   حتّى التّعيينات والإقالات يطّلع عليها المعني بها شخصيّاً من خلال وسائل التّواصل الاجتماعي مثلاً او عبر وسائل الاعلام، فلقد أُقيل مرّةً أَمين عام حزب سياسي، صديقٌ لي، وعندما اتّصلتُ به لاستفسر مِنْهُ عن سبب الإقالة تبيّن لي انّهُ لم يعرف بالموضوع! فطلبَ منّي ان أمهلهُ بعضَ الوقت ليُجري بعض الاتّصالات مع (قيادة الحزب) ليسألها عن الموضوع فقد يسمع منها تفسيراً عن سبب الإقالة!.
   وما قصّة الوزير الذي سَمِع قرارَ استيزارهِ في الحكومة الجديدة من المذياعِ ببعيدةٍ عنّا!.
   كلّ ذلك أنتج لنا مواطن استبدادي بطبعهِ، متآمر بطبعهِ، ظُلامي بطبعهِ، باطني بطبعهِ، إِنعزالي بطبعهِ، حذِرٌ بطبعهِ، يخشى أقرب النّاس اليهِ بطبعهِ ولا يثقُ بأحدٍ بطبعهِ! {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ}.
   واذا أردنا تغيير الحال فينبغي علينا جميعاً ومن دون استثناء ان نُثير ثقافة الشّورى لتتحوّل الى جزءٍ لا يتجزّأ من الشّخصية، لا يستوحشُ احدٌ منها ولا يهابها او يهرب منها، فبِها نُعيد الثّقة لمجتمعِنا ونُقلّص شيئاً فشيئاً من ظاهرة الشكّ والتربّص والانغماس في نظريّة المؤامرة.
   امّا في الْعِراقِ (الجديد) و (العظيم) فلقد أَرانا الدهرُ عجباً عندما اختطفَ من يُطلقون على أَنفسهم زعماء الكتل، اختطفوا العمليّة السّياسية ولخّصوا الدّولة ومؤسّساتها بالحفنة القليلة التي كرَّست نظريّة (الملأ) بأسوءِ صورِها وأشكالِها حتى دقّوا إِسفيناً من الشكّ وعدم الثّقة في المجتمع وتجاوزوا على الدّولة ومؤسّساتها ليكرّسوا دولة الطّوائف التي تتخندق في هويّاتها الضيّقة وتتشرنق في حزبيّاتها وانتماءاتها العنصريّة والطائفيّة والمناطقيّة والعشائريّة، وأضعفوا دور وتأثير منظّمات المجتمع المدني بكلّ اشكالِها بما فيها الاعلام، فتراهم يوقّعون على مواثيق الشّرف والاتفاقات السريّة ليلَ نهار من دون علمِ حتّى كتلهِم التي تُفاجَأ بنصوصِها عندما تطّلع عليها في الاعلام!.
   ولنا عن نظريّة (الملأ) حَديثٌ آخر.
   ٢١ حزيران ٢٠١٦
                       للتواصل؛
‏E-mail: nhaidar@hotmail. com
‏Face Book: Nazar Haidar
‏WhatsApp & Viber& Telegram: + 1
(804) 837-3920

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نزار حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/06/22



كتابة تعليق لموضوع : أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ : السّنةُ الثّالِثَةُ (١٦)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net